اللّه عندما منح الإنسان العقل، منحه لكافة الناس وخلقهم أحراراً يمكنهم الأخذ بما تحكم به عقولهم، كما يمكنهم ترك العقل واتباع الهوى والشيطان. كما جعل العقل بحيث يمكن تطويره، فالإنسان هو الذي يعمل على تنمية هذه الجوهرة بالأعمال الصالحة والابتعاد عن الأعمال السيئة، أو يعمل على تعطيلها أو تحجرها...
قال اللّه العظيم في محكم كتابه الحكيم: {كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا}(83).
وقال تبارك اسمه: {هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡٔٗا مَّذۡكُورًا * إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِـرٗا وَإِمَّا كَفُورًا * إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا * إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ يَشۡرَبُونَ مِن كَأۡسٖ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا}(84).
وقال تبارك اسمه: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ}(85).
إن اللّه سبحانه وتعالى عندما منح الإنسان العقل، منحه لكافة الناس وخلقهم أحراراً يمكنهم الأخذ بما تحكم به عقولهم، كما يمكنهم ترك العقل واتباع الهوى والشيطان.
كما جعل العقل بحيث يمكن تطويره، فالإنسان هو الذي يعمل على تنمية هذه الجوهرة بالأعمال الصالحة والابتعاد عن الأعمال السيئة، أو يعمل على تعطيلها أو تحجرها بالأعمال السيئة والابتعاد عن أعمال الخير.
إن اللّه سبحانه وتعالى خلق يزيد بن معاوية ـ وغيره من العباد ـ وخلق لجميعهم العقل، فكل الناس لها من العقل المدرك للخير والشر تكويناً، فالصالح تمسك بعقله واهتدى به إلى النور، ولكن الفاسق أخذ بالانحراف عن جادة الحق واتبع طريق الشر والرذائل ولم ينمّ عقله بعمل الخير ومرضات اللّه، فحول عقله الذي أنعم اللّه به عليه إلى نقمةٍ عليه.
العقل وشبيهه
هذا وقد سبق في الروايات: أن العقل ما يكتسب به الجنان، والمقصود أنه لو أخذ بالعقل فهو يوجب له الجنة والرضوان، فلا يقال: إنا نرى الفساق والفجار يتصرفون بعض التصرفات العقلائية، فكيف يتم ذلك بملاحظة الرواية الشريفة؟!
لأننا نقول: إن تمام العقل الذي يصح أن نقول لصاحبه: هو عاقل، هو في اتباعه والسير على جادة الحق، وما دونه ليس بتمام العقل، وإنما هو شبيه بالعقل، ففي رواية عن أبي عبد اللّه الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: ما العقل؟
قال (عليه السلام) : «ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان».
قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟
فقال (عليه السلام) : «تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهةٌ بالعقل، وليست بالعقل»(86).
وروي أنه مر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بمجنون فقال:«ما له؟» فقيل: إنه مجنون، فقال (صلى الله عليه وآله) : «بل هو مصاب، إنما المجنون من آثر الدنيا على الآخرة»(87).
وهكذا كان يزيد حيث ارتكب أبشع جريمة في التأريخ وأعظم مصيبة في السماوات والأرض بقتله الإمام الحسين (عليه السلام) ريحانة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقد عصى اللّه سبحانه وتعالى بذلك، وخسر الدنيا والآخر، وأخّر مجتمعه عن الكمال والتطور والتقدم والخير والفضيلة؛ ونال اللعنة من اللّه ورسوله ومن المؤمنين إلى يوم الدين، مضافا إلى العذاب الأليم، قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(88).
وكـذلك قـال سبحانـه: {قُلۡ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَـسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ}(89).
كما أنه أخّر وأضر بمجتمعه؛ لأن بعضهم اتبعوه في عمله السيئ، واتخذوه قدوة لهم فخسروا خسراناً كبيراً، حيث قال سبحانه: {وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا}(90).
الإنسان وعمل الخير
أما الإنسان المؤمن الذي يتبع العقل ويتصرف بالتصرفات العقلائية، وينمي عقله بعمل الخير والابتعاد عن المعاصي وعن التصرفات غير العقلائية، فان اللّه يبارك في عمله ويعطيه أجره، حيث قال اللّه تعالى في كتابه العزيز: {بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ}(91).
فالواجب على الإنسان العاقل أن يتعلم ويعمل قبل أن يسقط في وادي الجهالة والهلكة، وأن يكسب العلم مع العقل، والعمل مع العلم، وحينئذ يصبح نافعاً لنفسه ومجتمعه، ويفوز بسعادة الدارين.
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطباً الشخص الذي كان يتحدث بما لا يليق ويتكلم بفضول الكلام: «يا هذا، إنك تملي على حافظيك كتاباً إلى ربك، فتكلم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك»(92).
فيدل كلام الإمام (عليه السلام) على لزوم أن ينتبه الإنسان ويعرف أنه قبل أن يخرج الكلام من بين شفتيه... فإن هناك ملكين كريمين يكتبان ما ينطق به كل شخص، ثم يعرضانه على اللّه، وفي هذا الصدد يقول اللّه تعالى: {وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِينَ * كِرَامٗا كَٰتِبِينَ * يَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ}(93).
ولما كان قول الإنسان تحت المراقبة، فكيف بعمله الذي هو أشد فعلاً وتأثيراً من القول عادة؟! وتشير الآية المباركة إلى هذه الجهة: {يَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ} إذاً، لابد من الانتباه والحيطة على أقوالنا وأفعالنا، كما علينا أن نحكم عقولنا في كل أعمالنا لتكون التصرفات عقلائية وبعيدة عن اللا عقلائية، قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «قال أمير المؤمنين: لا تقطعوا نهاركم بكذا وكذا، وفعلنا كذا وكذا؛ فإن معكم حفظة يحصون وعلينا عليكم»(94).
رضا خان والسلطة
إن رضا خان البهلوي أراد أن يتظاهر بحب الإسلام والتدين، ويخفي بذلك حقيقته، حيث إنها كانت على العكس تماماً، وقد حاول عندما تسلّم السلطة أن يكسب عواطف بعض الناس وذلك بزيارته العتبات المقدسة، والتظاهر بالاهتمام بشأن إعمارها ـ وقام بالتبرع لتعميرها(95)، وربما أطلق لحيته، أو شارك الناس في مراسيم العزاء الحسيني.
ولكن عندما استقر له الحكم وتوطدت أركانه وبسط سيطرته ظهرت حقيقته وانكشفت نواياه السيئة للإسلام والمسلمين، فوجه ضرباته القاسية على الإسلام والمسلمين بكل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فمثلاً أمر بسنّ قانون السفور، ومنع الحجاب في إيران (هذا القانون الذي لم تعرف له البلاد الاسلامية مثيلاً في كل الأزمنة السابقة في تأريخها، والذي ذهب بسببه الآلاف من الناس المؤمنين، فبعدما اعترض الشرطة النساء المحجبات ومنعوهن من ارتداء الحجاب، حدثت مواجهات في مناطق عديدة من إيران راح ضحيتها عدد كبير من المؤمنين بل وحتى من النساء المؤمنات.
وشهد رضا خان على نفسه ـ مرة أخرى ـ أنه عدو للإسلام وللشرع الحنيف، حيث قام بمنع إقامة مجالس عزاء الامام الحسين (عليه السلام) بكل أشكالها ـ بل وسائر الشعائر الدينية، حتى أنه منع الإيرانيين من الذهاب إلى العتبات المقدسة في العراق وغيره.
كما أنه لم يكتف بسد الأبواب الدينية فقط ومنع مظاهر التدين، بل سعى إلى فتح أبواب الفحشاء والدعارة والبغضاء والمنكرات.
كما قام بأفعاله الإجرامية بمحاربة العلماء والحوزات العلمية، ومنعهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسجنهم أو تبعيدهم إلى مناطق بعيدة عن التجمع والناس.
نعم، كان سلوك رضا خان متناقضاً قبل الحكم وبعده بشدة، فبينما هو يتبنى الدين والتدين قبل حكمه ويتظاهر بتأييده، وإذا به يرفضه ويحاربه بعد استيلائه على مقاليد الحكم؛ فقبل تربعه على كرسي السلطة، كان يشارك في مواكب عزاء فرق الجيش يوم عاشوراء في مراسيم عزاء التطبير وغيره، ويتظاهر بالإيمان والتديّن والحزن والاهتمام بالشعائر الحسينية. كما كان يذهب إلى بيوت العلماء ويتظاهر بحبهم والاحترام لهم، وهكذا كان في بداية حكمه، حيث كان يتردد أحياناً على منزل المرجع الأعلى الشيخ عبد الكريم الحائري (رحمه الله)، ويطلب رسالته العملية ويدعّي أنه أحد مقلديه، ولكنه عندما توفي الشيخ الحائري منع حتى من إقامة مجالس الفاتحة على روحه؟!
وهكذا هم الطغاة ـ غالباً ـ فحين ما تستتب لهم الأوضاع يشيحون اللثام عن وجههم الحقيقي، ويبدون الخافي من نواياهم الخبيثة، وعداوتهم للإسلام والتشيع والشعائر الحسينية!
واستمات رضا خان في خدمة أسياده الغربيين في محاربة الاسلام وقد أصدر قوانين صريحة منع بموجبها الحجاب، وشجع وأباح التبرج والسفور والفجور! الأمر الذي دفع بالعلماء إلى أن يقفوا في وجهه، ويتخذوا منه موقفاً صارماً معارضاً بكل الوسائل المشروعة الممكنة، ومن هؤلاء وعلى رأسهم كان المرجع الأعلى الشيخ عبد الكريم الحائري (رحمه الله)، والمرجع الكبير آية اللّه العظمى السيد حسين القمي وغيرهم.
وفي زمنه حدثت واقعة مسجد (كوهر شاد) بمدينة مشهد المقدسة حيث قتل ألوف الناس فيها(96).
إرادة اللّه فوق كل شيء
وهنا تدخلت إرادة اللّه التي تفوق كل الإرادات وكل التخطيطات، فوضعت حداً لتصرفات رضا خان، فكانت نهايته نهاية مأساوية لكي يكون عبرة لكل الظلمة والطغاة من بعده، فحين ما أخرج رضا خان من إيران، قيل إنه أخذ معه حوالي (2000) حقيبة من المجوهرات والأشياء الثمينة والأثرية والتراثية من ممتلكات الشعب الإيراني.
ولكن وقبل أن يصل رضا خان إلى جزيرة (موريس) ـ وبعملية مصطنعة ـ رست السفينة التي كانت تقله إلى منفاه على ساحل إحدى الجزر بحجة عطل محركها، ثم نقل إلى سفينة أخرى، ولما سألهم عن تلك الحقائب والأموال والمقتنيات القيمة؟ قالوا له: إنها ستنقل بعدك إلى سفينتك الجديدة.
إلّا أن الذي حدث أن السفينة الأولى التي نزل منها رضا خان واصلت مسيرها لتنقل معها أموال وثروة المسلمين في إيران إلى (لندن) عاصمة بريطانيا، التي كانت تغتصب ـ ولا زالت ـ ثروات المسلمين في كل مكان.
ولما وصل رضا خان إلى جزيرة (موريس) استأجر بيتاً من أحد اليهود هناك، وكان بيتاً عادياً على خلاف ما كان يسكنه في طهران من القصور الفخمة، فذاق البهلوي في سكناه عذاباً كثيراً، وبعد عدة أشهر جاءه اليهودي (صاحب الدار) وأخرجه من الدار، مما اضطره إلى أن يسكن داراً أسوأ من الأولى.
وحين ما عقد مؤتمر في إيران بعد الحرب العالمية الثانية وحضر (تشرشل)، و(ستالين)، قال ستالين للشاه الابن محمد رضا البهلوي: إن والدك يعيش وضعاً متردياً في جزيرة (موريس) لذا أرى أن تطلب من (تشرشل) أن ينقله إلى منطقة أحسن، تكون فيها وسائل عيش وهواء مناسب كأن تكون على سواحل البحر الأسود، فقام ـ البهلوي ـ بطلب ذلك من (تشرشل) الذي ـ حسب الظاهر ـ لم يبدي ممانعة في ذلك.
ولكن بعد انتهاء جلسات المؤتمر أعطى (تشرشل) الضوء الأخضر لسفيره في إيران بقتل رضا خان خوفاً من روسيا وحصولها على أسرار إيران وبريطانيا منه، فإن ايران كانت تحت الاستعمار البريطاني، فيصبح هذا صيداً ثميناً لروسيا. ولتنفيذ هذا الأمر ذهب شخص إنجليزي إلى جزيرة (موريس) واستطاع أن يقتل رضا خان بزرقه إبرة خاصة مات على اثرها. وهكذا يكون مصير الطغاة من الذل والهوان.
طغيان المتوكل
وفي التاريخ أن المتوكل العباسي وكان من أشد الطغاة وأظلمها، أمر بالهجوم ليلاً على دار الإمام علي الهادي (عليه السلام) حيث أنه سعي إلى المتوكل وقيل له بأن في منزل الإمام كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهجموا داره ليلا، فلم يجدوا فيها شيئاً، ووجدوا الإمام في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصى خاضعاً خاشعاً لله عزّ وجلّ، يتلو آيات من القرآن، فحملوا الإمام (عليه السلام) على حاله تلك إلى المتوكل، وقالوا له: لم نجد في بيته شيئاً ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، وكان المتوكل جالساً في مجلس الشرب، فدخل عليه ـ الإمام (عليه السلام) ـ والكأس في يد المتوكل، فلما رآه هابه وعظمه وأجلسه إلى جانبه، وأراد أن يناوله الكأس التي كانت في يده!! فقال الإمام (عليه السلام) : «والله ما يخامر لحمي ودمي قط» فقال ـ المتوكل ـ : أنشدني شعرا؟ فقال (عليه السلام) : «إني قليل الرواية للشعر». فقال: لابد. فأنشده (عليه السلام) وهو جالس عنده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم --- غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم --- وأسكنوا حفراً يا بئسما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم --- أين الأساور والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمة --- من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم --- الوجوه عليها الدود تقتتل
قد طال ما أكلوا دهراً وقد شربوا --- وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا
فبكى المتوكل حتى بلت لحيته دموع عينيه وبكى الحاضرون، وضرب المتوكل بالكأس على الأرض، وتنغص عيشه في ذلك اليوم... ثم دفع إلى الإمام الهادي (عليه السلام) أربعة آلاف دينار، ورده إلى منزله مكرماً(97).
نعم هكذا تكون تصرفات الطغاة غير عقلائية وبذلك يهلكون أنفسهم ويهلكون الآخرين.
عبرة لذوي العقول
قال الإمام الصادق (عليه السلام) للمفضل: «يا مفضل، لا يفلح من لايعقل، ولا يعقل من لا يعلم، وسوف يَنجُبُ من يفهم(98)، ويظفر من يحلم، والعلم جُنة، والصدق عز، والجهل ذل، والفهم مجد، والجود نجح، وحسن الخلق مجلبة للمودة، والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس» ـ إلى أن قال (عليه السلام) : ـ «ومن خاف العاقبة تثبت عن التوغل فيما لا يعلم، ومن هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه، ومن لم يعلم لم يفهم، ومن لم يفهم لم يسلم، ومن لم يسلم لم يُكرم، ومن لم يُكرم يهضم، ومن يهضم كان ألوم، ومن كان كذلك كان أحرى أن يندم»(99).
نعم، إن تصرفات رضا خان غير العقلائية ونهايته المأساوية، وكذلك حال الطغاة في كل عصر ومصر، يجب أن تكون عبرة لكل ذي لب، وللحكام وأصحاب السلطة ـ خاصة ـ حيث عليهم أن يفكروا بما كانت نهاية رضا خان وغيره من الظلمة، من ذل في الدنيا، وجحيم في الآخرة، قال اللّه سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا * فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ}(100).
وكذلك هي عبرة لعامة الناس، إذ يلزم عليهم أن ينتبهوا حتى لايمكّنوا السلاطين من رقابهم وأنفسهم وأموالهم، ولا ينخدعوا بأقوالهم؛ لأن أغلب الحكّام في بادئ الأمر يمني الناس ويشاركهم في أفراحهم وأحزانهم ويملئ عليهم الوعود، ولكن عندما يحكم سيطرته على الحكم، ينقض وعوده ويتحكم في مصيرهم بأهوائه، كما سجّل ذلك تاريخ الملوك والسلاطين.
التصرف غير العقلائي في العراق
عندما جاء النظام الحالي ـ نظام البعث العفلقي ـ في العراق(101) كانت هناك أحزاب وحركات تنافسه على السلطة، ومنها الحزب الشيوعي، ولكن بما أن مبدأ الشيوعية كان مرفوضاً في المجتمع الإسلامي، فان الشعب العراقي شعب مسلم فرفضه ورفض مبادءه(102)، فجاء حزب البعث بأسلوب جديد لكي يتقرب من أبناء الشعب، رافعاً شعار الدين الذي كان أمل الشعب، وشعار القومية وما إلى ذلك من الشعارات التي أراد بها تضليل الشعب. وفعلاً، انخدع بعض أفراد الشعب فساندوا هذا الحزب حتى تمكن قادته وأزلامه من خطف السلطة والحكم، وعندما استلم السلطة تحكم في مصير أبناء هذا الشعب أسوأ تحكم، فصادر حرياته وملأ السجون بالمعارضين له من كل أبناء العراق وقتل الملايين وشرّد الملايين.
مجيء الحكومة البعثية
لم يكن مجيء حكومة البعثيين العفالقة إلى السلطة في العراق يتبع أي تصرف عقلائي، حيث لم تتبع أي موازين مشروعة ومقبولة ومتعارفة، كالانتخابات العقلائية الموجودة في العالم، لذا كانت هذه الحكومة مكروهة من الشعب، مرفوضة من قبل العقلاء، لأسباب كثيرة نوجزها بما يلي:
أولاً: أتت إلى السلطة دون رغبة الشعب، ودون علمه بواقعها الحقيقي، الكامن خلف الشعارات الزائفة، لأن البعثيين جاءوا تحت جنح الظلام، وخطفوا الحكم بالانقلاب العسكري المدعوم من قبل الغرب ومن خلال الدبابة والبندقية، ولم يكن مجيئهم عبر أساليب حرة كأن ينتخبها الشعب العراقي، فإن الأصل في انتخاب الحكومة ـ بالنسبة إلى عصر الغيبة ـ هو انتخاب الشعب(103).
ثانياً: سيطرة الأقلية على الأكثرية ظلماً واستبداداً، حيث جاءت هذه الفئة القليلة إلى السلطة لتحكم الأكثرية دون أي حق قانوني أو شرعي أو عقلي لهم؛ لأن أقلية من الشعب العراقي هي التي استأثرت بالحكم وموارده المالية الضخمة وامتيازاته العالية، وهذا ينافي التشكيلة السكانية للشعب العراقي والقوانين العادلة، لأن جميع القوانين الإسلامية والقوانين الوضعية الديمقراطية الحديثة، تتفق على أنّ الحق القانوني يلزم أن تكون الحكومة لمن يمثل أكثرية الشعب! والعراق ينقسم من حيث التركيبة السكانية إلى أغلبية من (المسلمين الشيعة) إذ يمثلون حوالي (85%) من تركيبة هذا الشعب، الذين هم محرومون من أغلب حقوقهم المشروعة في الحكم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، كإستلام المناصب العليا في الدولة، بل هم محرومون حتى من نشر ثقافتهم وأفكارهم الدينية والعمل بشعائرهم العبادية، إذ تُملى عليهم عقائد غيرهم التي لا يؤمنون بها وبالفرض كما يلاحظ ذلك في الكتب المدرسية وفي الإعلام وغيرهما، وهم محرومون أيضاً من حرية إبداء الرأي، ومن ممارسة شعائرهم الدينية، وما إلى ذلك من الحقوق التي يجب أن تكون لهم.
ويتكون هذا الشعب ـ أيضاً ـ من أقلية من (المسلمين السنة) الذين يشكلون ما نسبته (12%) من الشعب العراقي، ولكن نرى أن بيدهم كل المناصب الحساسة في الدولة، وأقلية من (المسيحيين) و(الصابئة) و(الإيزيديين) الذين يشكلون (3%) من الشعب.
لذا فإن الوضع العقلائي المفروض تحققه بالنسبة إلى الشعب العراقي هو أن يكون مستقبل الحكومة في العراق للأغلبية، أي للمسلمين الشيعة، ويضمن لباقي الأقليات حقوقهم كاملة أيضاً، بمعنى أن يكون رئيس الدولة من الأغلبية وكذلك سائر المناصب الوزارية وغيرها، نعم هناك تمثيل للأقليات في البرلمان وما أشبه بما لا ينافي حق الأكثرية ويضمن حق الأقلية لهم، وهذا فقط هو الذي يضمن الأمن والاستقرار في العراق ويتماشى مع القانون والعقل والشرع(104).
الحكومات غير الشرعية
الحكومات عادة تسير على خلاف العقلانية، والحكام عادة يسيرون على الهوى، ومن هنا ترى الظلم والجور والفساد والإفساد في كل مكان.
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له: «... فصبرت، وفي العين قذًى وفي الحلق شجاً(105)، أرى تراثي نهباً، حتى مضى الأول لسبيله، فأدلى بها إلى فلانٍ بعده، ـ ثم تمثل بقول الأعشى: ـ
شتان ما يومي على كورها
ويوم حيان أخي جابر(106)
فيا عجباً!! بينا هو يستقيلها(107) في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لَشَدَّ ما تشطّرا(108) ضرعيها، فصيرها في حوزةٍ خشناء، يغلظ كَلْمُها ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة(109) إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس لعمر اللّه بخبطٍ(110) وشماسٍ وتلونٍ واعتراضٍ، فصبرتُ على طول المدة وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعةٍ، زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!! لكني أسففت(111) إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا، فصغا رجلٌ منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هنٍ وهنٍ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً(112) حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون(113) مال اللّه خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته...»(114).
وقال (عليه السلام) في خطبة أخرى وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسِّم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا: «أيها الناس، إنا قد أصبحنا في دهرٍ عنودٍ وزمنٍ كنودٍ(115) يعد فيه المحسن مسيئاً، ويزداد الظالم فيه عتواً لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عمّا جهلنا، ولا نتخوف قارعةً حتى تحل بنا.
والناس على أربعة أصنافٍ: منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلّا مهانة نفسه، وكلالة(116) حده ونضيض وفره(117)، ومنهم المصلت لسيفه والمعلن بشره، والمجلب بخيله ورجله، قد أشرط نفسه(118) وأوبق دينه لحطامٍ ينتهزه، أو مقنبٍ(119) يقوده أو منبرٍ يفرعه(120)، ولبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمناً، ومما لك عند اللّه عوضاً. ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة، ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طامَن(121) من شخصه وقارب من خطوه، وشمّر من ثوبه، وزخرف من نفسه للأمانة، واتخذ ستر اللّه ذريعةً إلى المعصية. ومنهم من أبعده عن طلب الملك ضئولة نفسه(122)، وانقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله، فتحلى باسم القناعة، وتزين بلباس أهل الزهادة، وليس من ذلك في مراحٍ(123) ولا مغدًى.
وبقي رجالٌ، غض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريدٍ ناد(124)، وخائفٍ مقموعٍ(125)، وساكتٍ مكعومٍ(126)، وداعٍ مخلصٍ وثَكلان(127) موجعٍ، قد أخملتهم التقية وشملتهم الذلة، فهم في بحرٍ أجاجٍ، أفواههم ضامزة(128)، وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملّوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلوا.
فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ(129)، وقراضة الجلم(130). واتعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمةً، فإنها قد رفضت من كان أشغف بها منكم»(131).
نعم، هذه الدنيا في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام).
وذكر أن معاوية بن أبي سفيان قال يوماً لعمرو بن العاص ـ بما معناه ـ : أنا كنت أستحق الوصول إلى السلطة والحكم لذا صرت خليفة.
فقال له عمرو بن العاص: ليس الأمر هكذا؛ بل إن الصحيح إنك ما كنت تحصل على ذلك لولا أن الناس كانوا جهّالاً، أي: لا يعقلون، وسأثبت لك ذلك بالدليل.
وفي يوم من الأيام قام عمرو بن العاص بعد الصلاة، والتفت إلى الناس قائلاً: لقد سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يقول: إن اليقطين يحتاج إلى التذكية الشرعية، فهي تذبح كما تذبح الشاة!! وبعد أن عادا إلى الصلاة وهما ـ معاوية وعمر ـ في الطريق شاهدا الناس واقفين صفوفاً على أبواب ودكاكين القصابين الذين كانوا قد شرعوا في قطع رأس اليقطين وكأنه يذبح كما تذبح الأغنام!!
إذاً، هذا العمل ـ وغيره ـ من الناس يدلّ دلالة واضحة على أن الأكثرية في زمن معاوية كانوا جهالاً وتصرفاتهم غير عقلائية، حتى وصلت بهم الحال إلى مقارنة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمعاوية، وأي مقارنة ظالمة هذه التي تقارن بين أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي اتخذ الحكم لإقامة الحق وإبطال الباطل وخدمة الرعية، وبين معاوية الذي كان يأخذ البريء بذنب الآثم أو الجاني، وكان مسرفاً في البذخ والمتعة له ولزبانيته وبطانته، فيجعله قدوة لمن يقتدون به في السرف والمغالاة(132).
وهذا هو معاوية يقر بعدم تعقل أبناء مملكته عندما بعث برسالة إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً: أنا أقاتلك بمائة ألف رجل ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل.
فقد روي: أن رجلاً من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق في حال منصرفهم عن صفين، فتعلق به رجل من دمشق فقال: هذه ناقتي أخذت مني بصفين. فارتفع أمرهما إلى معاوية وأقام الدمشقي خمسين رجلاً بينة يشهدون أنها ناقته!! فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير إليه فقال الكوفي: أصلحك اللّه إنه جمل وليس بناقة؟! فقال معاوية: هذا حكم قد مضى، ودس إلى الكوفي بعد تفرقهم فأحضره وسأله عن ثمن بعيره، فدفع إليه ضعفه وبره وأحسن إليه، وقال له: أبلغ علياً ( (عليه السلام) ) أني أقابله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل.
ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم لمعاوية، أنه صلى بهم عند مسيرهم إلى صفين الجمعة في يوم الأربعاء، وأعاروه رؤسهم عند القتال وحملوه بها، وركنوا إلى قول عمرو بن العاص: إن علياً( (عليه السلام) ) هو الذي قتل عمار بن ياسر حين أخرجه لنصرته، ثم ارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لعن علي (عليه السلام) سنة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير(133).
نعم، هذا هو حال أغلب الناس في زمن معاوية.
أما في زماننا هذا، فقد وصلت حالة عدم التعقل عند بعض الناس إلى شبه ما كان في الماضي وربما أسوأ، فترى بعض الناس يمجد ويرفع شخصاً جاهلاً مجرماً منحرفاً لا يدخر وسعاً في انتهاك الحرمات وارتكاب الظلامات، فينعتونه بنعوت ما أنزل اللّه بها من سلطان، ذلك هو صدام التكريتي الذي وصلت القباحة بأحد الأشخاص المدعين للأدب بأن يقول ـ ممتدحاً عبارة قالها هذا الطاغية ـ : هذه العبارة من نصوص الرئيس ذات صياغة متميزة، ستبقى أحاديثه وخطبه آيات مشرفة!!
وصدام نفسه لا يعقل ولا يصدق بأنه في يوم من الأيام يأتي مثل هؤلاء فينعتونه بهذه النعوت، لكنهم قالوا فيه ما قالوا وقدّسوا شخصه ومجدوا حزبه، ووصفوه بمحاسن ليست فيه، جهلاً منهم ورياءً!!
وهذه التصرفات غير العقلائية من الناس تكون سبباً لاستمرارية الطغيان.
«اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة. اللّهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه، اللّهم المم به شعثنا، واشعب به صدعنا، وارتق به فتقنا، وكثر به قلتنا، وأعزز به ذلتنا، وأغن به عائلنا»(134) برحمتك يا أرحم الراحمين.
من هدي القرآن الحكيم
دور العقل
قال اللّه تعالى اسمه: {كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ}(135).
وقال عزّ وجلّ: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ}(136).
وقال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ}(137).
مدح العقلاء بتصرفاتهم العقلائية
قــال تبارك وتعالــى: {وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَــمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَـانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا}(138).
وقال تعالى: {فَبَشِّرۡ عِبَادِ * ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ}(139).
وقال عزّ وجلّ: {وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ}(140).
ذم التصرفات غير العقلائية
قال تعالى: {تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ}(141).
وقال عزّ وجلّ: {وَقَالُواْ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ}(142).
وقال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡٔٗا وَلَايَهۡتَدُونَ}(143).
وقال جلّ وعلا: {أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا}(144).
مدح التفكر والاعتبار
قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ * ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ}(145).
وقال عزّ وجلّ: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ}(146).
وقال سبحانه: {هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ}(147).
وقال عزّ وجلّ: {يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ}(148).
ذم عدم التعقل
وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلۡبُكۡمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ}(149).
وقال سبحانه: {وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۖ وَلَلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ}(150).
من هدي السنّة المطهّرة
دور العقل والتعقل
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في العقل: «أول ما خلق اللّه العقل»(151).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «العقل فضيلة الإنسان»(152).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «العقل دليل المؤمن»(153).
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام) : «من لم يكن عقله أكمل ما فيه، كان هلاكه من أيسر ما فيه»(154).
مدح العقلاء بتصرفاتهم العقلائية
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : «العاقل من أطاع اللّه، وإن كان ذميم المنظر حقير الخطر»(155).
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : «العاقل إذا سكت فكر، وإذا نطق ذكر، وإذا نظر اعتبر»(156).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «العاقل من كان ذلولاً عند إجابة الحق، منصفاً بقوله... يترك دنياه، ولا يترك دينه»(157).
وقال الإمام الكاظم موسى بن جعفر‘: «إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، وترك الدنيا من الفضل، وترك الذنوب من الفرض»(158).
ذم التصرفات غير العقلائية
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في يصف بني أمية وهم من أظهر مصاديق غير العقلاء والمنحرفين:
«ليتأس صغيركم بكبيركم وليرأف كبيركم بصغيركم، ولا تكونوا كجفاة الجاهلية؛ لا في الدين يتفقهون ولا عن اللّه يعقلون، كقيض(159) بيضٍ في أداحٍ، يكون كسرها وزراً، ويخرج حضانها شراً، افترقوا بعد ألفتهم وتشتتوا عن أصلهم، فمنهم آخذٌ بغصنٍ، أين ما مال مال معه، على أن اللّه تعالى سيجمعهم لشر يومٍ لبني أمية، كما تجتمع قزع(160) الخريف، يؤلف اللّه بينهم، ثم يجمعهم ركاماً(161) كركام السحاب، ثم يفتح لهم أبواباً يسيلون من مستثارهم، كسيل الجنتين، حيث لم تسلم عليه قارةٌ، ولم تثبت عليه أكمةٌ(162)، ولم يرد سَنَنَه رص طودٍ، ولا حداب أرضٍ، يذعذعهم(163) اللّه في بطون أوديته، ثم يسلكهم ينابيع في الأرض، يأخذ بهم من قومٍ حقوق قومٍ، ويمكن لقومٍ في ديار قومٍ، وأيم اللّه، ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو والتمكين كما تذوب الألية على النار.
أيها الناس، لو لم تتخاذلوا عن نصر الحق، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقو من قوي عليكم، لكنكم تهتم متاه بني إسرائيل. ولعمري، ليضعّفنّ(164) لكم التيه من بعدي أضعافاً بما خلفتم الحق وراء ظهوركم، وقطعتم الأدنى، ووصلتم الأبعد. واعلموا، أنكم إن اتبعتم الداعي لكم سلك بكم منهاج الرسول (صلى الله عليه وآله) وكفيتم مئونة الاعتساف(165) ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق»(166).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «فالصورة صورة إنسان، والقلب قلب حيوان، لايعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب العمى فيصد عنه»(167).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «من أُعجب بفعله أصيب بعقله»(168).
وقال (عليه السلام) : «إن أبغض الخلائق إلى اللّه رجلان: رجل وكله اللّه إلى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف(169) بكلام بدعة ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته، وبعد وفاته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته.
ورجل قَمَشَ(170) جهلاً مُوضِعٌ في جهال الأمة، عاد(171) في أغباش الفتنة عمٍّ بما في عقد الهدنة قد سماه أشباه الناس: عالماً، وليس به بكر، فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من ماء آجن(172)، واكتثر من غير طائل، جلس بين الناس قاضياً ضامناً، لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشواً رثا من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، جاهل خَبّاطُ(173) جهالات، عاش ركاب عَشَوَات، لم يعض على العلم بضرس قاطع، يذرو الروايات ذرو الريح الهشيم، لا ملي(174) والله بإصدار ما ورد عليه، ولا أهل لما قُرِّظ به(175)، لا يحسب العلم في شيء مما أنكره، ولا يرى أن من وراء ما بلغ مذهباً لغيره، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعجّ(176) منه المواريث، إلى اللّه أشكو من معشر يعيشون جهالاً و يموتون ضلالاً، ليس فيهم سلعة أبور(177) من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا سلعة أنفق(178) بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حرف عن مواضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر»(179).
مدح التعقل والتفكر
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : «إنما يدرك الخير كله بالعقل...»(180).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «العقول أئمة الأفكار، والأفكار أئمة القلوب، والقلوب أئمة الحواس، والحواس أئمة الأعضاء»(181).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «دعامة الإنسان العقل، ومن العقل: الفطنة والفهم والحفظ والعلم...»(182).
وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) : «لكل شيء دليل، ودليل العاقل التفكر، ودليل التفكر الصمت»(183).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «العقل ينبوع الخير»(184).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم، وبالعقل يكمل، وهو دليله ومبصره ومفتاح أمره...»(185).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «إن أول الأمور ومبدأها وقوتها وعمارتها التي لاينتفع بشيء إلّا به العقل الذي جعله اللّه زينة لخلقه ونوراً لهم...»(186).
اضف تعليق