استُخدمت مواد البيرفلوروالكيل والبولي فلورو ألكيل، المعروفة باسم PFAS، منذ الخمسينيات من القرن الماضي، لجعل المنتجات الاستهلاكية غير لاصقة، وطاردة للزيت والماء، ومقاوِمة لتغير درجة الحرارة. ويُطلق عليها اسم المواد الكيميائية الأبدية لأنها لا تتحلل بالكامل في البيئة. كانت هذه العائلة من المواد الكيميائية الاصطناعية محل نقاش...
استُخدمت مواد البيرفلوروالكيل والبولي فلورو ألكيل، المعروفة باسم PFAS، منذ الخمسينيات من القرن الماضي، لجعل المنتجات الاستهلاكية غير لاصقة، وطاردة للزيت والماء، ومقاوِمة لتغير درجة الحرارة. ويُطلق عليها اسم "المواد الكيميائية الأبدية" لأنها لا تتحلل بالكامل في البيئة.
كانت هذه العائلة من المواد الكيميائية الاصطناعية محل نقاش لأعوام إذ كشف العلماء والمدافعون عن البيئة عن أدلة إضافية لكون بعضها ضارة لصحة الإنسان عند مستويات منخفضة بشكلٍ متزايد.
ونشرت الأكاديميات الوطنية المرموقة للعلوم والهندسة والطب الخميس تقريرًا يضم أكثر من 300 صفحة يقدّم نصائح مفصّلة للأطباء حول كيفية اختبار وتشخيص وعلاج ملايين الأمريكيين الذين قد يكون قد تعرضوا لمواد PFAS.
وقال الأستاذ المساعد في علم الأوبئة في كلية كولورادو للصحة العامة، رئيس اللجنة التي كتبت التقرير، الدكتور نيد كالونج: "تُتطالَب الأكاديميات الوطنية بإجراء دراسات تكون خالية من آثار المناصرة، والمصالح الخاصة، والسياسة، ويُنظر إليها على أنها هيئة محايدة موثوق بها".
ويُحدد التقرير المستويات المثيرة للقلق بالنانو جرام، ويُشجع الأطباء على إجراء اختبارات الدم على المرضى القلقين بشأن التعرض، أو الأفراد المعرضين لمخاطر عالية (يعادل النانو جرام واحد من المليار من الجرام).
وأشار التقرير إلى أن الأشخاص في "مراحل الحياة الهشّة، مثل نمو الجنين أثناء الحمل والطفولة المبكرة والشيخوخة معرضون لخطر كبير.
ويُعتبر رجال الإطفاء والعاملين في مصانع تصنيع المواد الكيميائية الفلورية، وأولئك الذين يعيشون بالقرب من المطارات التجارية، والقواعد العسكرية ومدافن النفايات ومنشآت الحرق ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي عرضة للخطر أيضًا.
وكان الاستماع إلى المواطنين في قاعات البلديات في جميع أنحاء أمريكا جزءًا من عملية جمع الحقائق الخاصة باللجنة.
ووصفت هوب جراس من بنسلفانيا، التي شُخّصت بالمرحلة الرابعة من السرطان في سن الـ 25 بعد نشأتها بالقرب من قاعدة بحرية، كيفية ضحك أطبائها عندما ذكرت احتمال تعرّضها للمواد الكيميائية.
واكتشفت ساندي وين-ستيلت المقيمة في ميشيغان تلويث مكب نفايات مياه الشرب في منزلها، وفقًا للتقرير، وقالت إن مستويات التلوّث كانت أعلى بألف مرة مما تعتبره وكالة حماية البيئة آمنًا.
وبعد دفع ثمن فحص الدم من جيبها، اكتشفت وين-ستيلت وطبيبها أنها مصابة بسرطان الغدة الدرقية في مراحله المبكرة.
عمر النصف
العيش بالقرب من مصدر رئيسي لمواد PFAS ليست الطريقة الوحيدة للتعرّض لها.
وقائمة المنتجات الشائعة التي تحتوي على تلك المواد كثيرة جدًا، ولا يمكن تجنبها تقريبًا، وهي تتضمن السجاد والأرائك وأدوات الطهي غير اللاصقة والملابس المقاومة للبقع والهواتف المحمولة ومستحضرات التجميل وبطانة أغلفة الوجبات السريعة.
في الواقع، اكتُشفت مواد PFAS الكيميائية في دم 98% من الأمريكيين، وفقًا لتقرير من عام 2019 تم التوصّل إليه باستخدام بيانات من المسح الوطني لفحص الصحة والتغذية.
وفي البيئة، يمكن أن تلوّث مواد PFAS مياه الشرب في أنظمة مياه الشرب العامة، والآبار الخاصة.
ويمكن أن تتراكم المواد الكيميائية في أجسام الأسماك، والمحار، والماشية ومنتجات الألبان، بحسب التقرير.
وأوضح التقرير أن المواد الكيميائية تبقى في الجسم حتى "يتوقف التعرّض لها"، ومع أن مستوياتها في الدم قد تنخفض بمرور الوقت، إلا أن مستويات مواد PFAS "تستمر حتى بعد انتهاء التعرّض".
ويعود ذلك لإمكانية تخزين مواد PFAS في أعضاء مختلفة في الجسم لأعوام، وفقًا لما ذكرته عضو لجنة الأكاديميات، عالمة الأوبئة البيئية ونائبة مدير مركز صحة الإنسان والبيئة في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، جين هوبين.
ولكن ما سبب تخزينها لأعوام؟ وقالت هوبين إن ذلك يعود إلى "عمر النصف" الخاص بالعديد من مواد PFAS، أي الوقت الذي يستغرقه انخفاض التركيز الكيميائي في الجسم بمقدار 50%.
مستويات مختلفة من الأدلة
وقال التقرير إن اللجنة وجدت أدلة علمية "كافية" لوجود علاقة بين التعرّض لمواد PFAS، وزيادة خطر الإصابة بسرطان الكِلى عند البالغين، ومستويات الكوليسترول المرتفعة بشكل غير طبيعي.
ويساهم الكوليسترول في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وهي "السبب الرئيسي للوفاة على مستوى العالم، إذ أنها تودي بحياة حوالي 17.9 مليون شخص كل عام"، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO).
ووجدت اللجنة أن التعرّض لهذه المواد كان مرتبطًا أيضًا بانخفاض نمو الرضع والأجنة، بالإضافة إلى انخفاض استجابة الجسم المضاد للقاحات لدى البالغين والأطفال.
وأنهت اللجنة أبحاثها في يونيو/حزيران 2021، وقالت هوبين: "أنا متأكدة من وجود المزيد من المعلومات التي ربما تم نشرها مؤخرًا".
لعبة أرقام
وأوصى التقرير بأن تبحث اختبارات الدم عن سبعة أنواع من مواد PFAS التي تراقبها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC) حاليًا، وهي: MeFOSAA، وPFHxS، وPFOA، وPFDA، وPFUnDA، وPFOS، وPFNA.
ما الذي يمكننا فعله؟
أشار التقرير إلى وجود طرق للتقليل من التعرض لمواد PFAS الكيميائية. وتتمثّل إحدى الطرق الرئيسية في تصفية مياه الصنبور، وذكر التقرير قاعدة بيانات لمرشحات المياه التي يمكن أن تقلل منها.
- ابتعد عن السجادات والمفروشات المقاومة للبقع، ولا تستخدم بخاخات مقاومة للماء
- ابحث عن مكوّن PTFE، أو مكونات "فلورو" أخرى على ملصقات المنتجات
- تجنب أواني الطهي غير اللاصقة، واستخدم المنتجات الحديدية، والفولاذ المقاوم للصدأ، أو الزجاج بدلاً من ذلك
- قاطع حاويات تناول الطعام في الخارج وغيرها من عبوات المواد الغذائية. وبدلاً من ذلك، اطبخ في المنزل، وتناول المزيد من الأطعمة الطازجة
- لا تأكل الفشار المصنوع في الميكروويف، أو الأطعمة الدهنية المغلفة بالورق
- اختر خيط تنظيف الأسنان المصنوع من النايلون، أو الحرير غير المطلي، أو الخيط المغطى بالشمع الطبيعي.
أغلفة مطاعم الوجبات السريعة وسلاسل البقالة
وكشف تقرير عن وجود معدلات مقلقة من المواد الكيميائية الخطرة المعروفة باسم "فاعل بالسطح فلوري" (PFAS) في مواد توضيب الطعام، لدى عدد من مطاعم الوجبات السريعة المعروفة وسلاسل محلات بقالة.
فقد عُثر على أعلى مستويات لمؤشرات "فاعل بالسطح فلوري" في تغليف المواد الغذائية المستخدمة لدى كل من "Nathan's Famous" و"Cava" و"Arby's" و"Burger King" و"Chick-fil-A" و"Stop & Shop" و"Sweetgreen".
ويُطلق عليها غالبًا اسم "المواد الكيميائية الأبدية" لأنها لا تتحلّل بيئيًّا، ويُستخدم الفاعل بالسطح فلوري بمواد التغليف الغذائية لمنع تسرّب الشحوم والماء من أغلفة الطعام وأكواب المشروبات. ويمكن أيضًا العثور على هذه المادة في الحبر المستخدم لطباعة الشعارات والإرشادات على عبوات الطعام.
وجمع التحقيق الاستقصائي الذي قام به موقع تقارير المستهلك الإلكتروني 118 منتجًا لتغليف المواد الغذائية تباع لدى 24 شركة في المنطقة الثلاثية نيويورك، ونيوجيرسي، وكونيتيكت. واختُبرت تلك المنتجات للكشف عن الفلور العضوي وهو مؤشر على وجود مواد "PFAS". وأرسل الباحثون بعد ذلك عينات من المنتجات ذات المستويات الأعلى إلى مختبر مستقل يمكنه إجراء اختبارات محدّدة أكثر، وفقًا لما ذكره مايكل هانسن، كبير الموظفين الاختصاصيين في هيئة تقارير المستهلك.
ويمكن أن تختلف إلى حد كبير الحدود التنظيمية للكمية المسموح استخدامها من مادة الفاعل بالسطح فلوري في عبوات توضيب الأغذية. وتُوجد في الولايات المتحدة حدودًا فيدرالية، ما يترك القرار لكل ولاية. وسبق أن أقرت ولايات كونيتيكت، وماين، ومينيسوتا، ونيويورك، وفيرمونت، وواشنطن، مشاريع قوانين يُحظّر بموجبها الاستخدام المتعمّد لمواد "PFAS" بتغليف الأطعمة، لكنها لم تضع الحد المعمول به، بحسب تقارير المستهلك. وفي يناير/ كانون الثاني 2023، سيحدد قانون جديد بولاية كاليفورنيا الحد بأدنى من 100 جزء بالمليون.
ورغم ذلك، وضعت الدنمارك حدًا تنظيميًا يقل كثيرًا عن 20 جزءًا بالمليون، محققة نجاحًا كبيرًا وفقصا لما قالته زينيا ترير، خبيرة المواد الكيميائية والبيئة وصحة الإنسان لدى وكالة البيئة الأوروبية.
وعثر تحقيق تقارير المستهلك على أعلى مؤشرات "PFAS" تبلغ 876 جزء بالمليون، و618 جزء بالمليون في نوعين من الحقائب الجانبية الخاصة بمطاعم ناثان الشهيرة.
وعُثر أيضًا على مؤشرات عالية لمواد "PFAS" قدرها s500 في غلاف شطيرة "Chick-fil-A"، وفي أوعية مصنوعة من الألياف لدى سلسلة مطاعم متوسطية "Cava".
كما عُثر على مستويات مرتفعة لكن أدنى في منتجات أخرى، رغم ذلك فإنّ جميع هذه الشركات المدرجة لديها عبوات توضيب طعام إضافية بمستويات تقل عن 200 جزء بالمليون.
وتُستخدم منذ خمسينيات القرن الماضي، وهي مواد كيميائية نجدها في دم غالبية الأمريكيين، لا سيّما حمض السلفونيك البيرفلوروكتاني (PFOS) وحمض البيرفلوروكتانويك (PFOA)، بحسب وكالة تسجيل المواد السامة والأمراض، المكلفة بحماية الجمهور من المواد الخطرة.
وفي تحقيق تقارير المستهلك، كانت المادة الكيميائية الأكثر شيوعًا الموجودة في عبوات المواد الغذائية التي تم اختبارها هي "PFOA"، مع احتلال السلفونات المشبعة بالفلور أوكتين المرتبة الخامسة.
وبالإضافة إلى تأثيرها على الجهاز المناعي، قالت وكالة المواد السامة وسجل الأمراض إن الدراسات التي أُجريت على البشر وحيوانات المختبر وجدت روابط بين بعض المواد الكيميائية "PFAS" وزيادة مستويات الكوليسترول، وتغيرات في إنزيمات الكبد، وزيادة خطر الإصابة بالكلى أو سرطان الخصية، إلى تدني طفيف بأوزان المواليد، وخطر إضافي لارتفاع ضغط الدم لدى النساء الحوامل.
وقال الخبراء إن الأشخاص الذين يرغبون بتجنب مواد "PFAS" في وجباتهم الجاهزة وطعام خدمة التوصيل يجب أن يختاروا الشركات التي تعهدت بإزالة المواد الكيميائية.
ونصح هؤلاء بإخراج الطعام من العبوة لحظة استلامها، وعدم تسخينها مجدّدًا بعبوتها الأصلية بل بأوعية خزفية أو زجاجية.
ووجد تحقيق تقارير المستهلك أن بعض أعلى مستويات "PFAS" عُثر عليها في أكياس ورقية بمعدل 192.2 جزء بالمليون، وأوعية وصواني مصنوعة من الألياف المقولبة بمعدل 156.8 جزء بالمليون. والألواح الورقية بمعدل 149 جزء بالمليون، وأغلفة وبطانات الطعام بمعدل 59.2 جزء بالمليون.
ولفت الخبراء إلى عدم الانخداع بالمزاعم "الصديقة للبيئة" لأنها لا تضمن أن المنتج خالٍ من "PFAS". وقال التقرير إنه عندما اختبرت تقارير المستهلك هذه المنتجات، كان لدى بعضها مستويات من "PFAS" أعلى من 100 جزء بالمليون، وكان لغالبيتها بعض المستويات التي يمكن اكتشافها.
ويقترح الخبراء أيضًا تقليل عدد مرات تناول الوجبات السريعة إلى مرة واحدة في الأسبوع أو أقل، ويوصي هؤلاء الأشخاص بإعداد الطعام في المنزل.
اضف تعليق