اقام مركز الامام محمد الباقر (عليه السلام) لإحياء التراث وبالتعاون مع مؤسسة كاشف الغطاء العلمية ندوة تخصصية عن سيرة المرحوم آية الله السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم (1329هـ-1432 هـ)، المعاصر لجيلي علماء حوزة النجف الأشرف العلمية، ومن أساتيذ علمائها ومجتهديها، فقد تتلمذ على علماء ومراجع...
اقام مركز الامام محمد الباقر (عليه السلام) لإحياء التراث وبالتعاون مع مؤسسة كاشف الغطاء العلمية ندوة تخصصية عن سيرة المرحوم آية الله السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم (1329هـ-1432 هـ)، المعاصر لجيلي علماء حوزة النجف الأشرف العلمية، ومن أساتيذ علمائها ومجتهديها، فقد تتلمذ على علماء ومراجع عصره: كالشيخ محمد حسين الأصفهاني، والشيخ ضياء الدين العراقي، والإمام السيد محسن الحكيم، والشيخ حسين الحلي، والسيد حسن البجنوردي. ويعدّ من أركان مرجعية الإمام الحكيم، والمتكلّم عن لسانه، ومن أساتذة البحث الخارج في الفقه الأُصول، بالإضافة إلى تضلّعه في الرياضيات والهندسة والهيئة، حتّى إنّ المرجع السيد الحكيم (قدس سره) كلّفه بكتابة قسمة المواريث وفقاً لقواعد الرياضيات الحديثة.
وقد ألقى حجة الإسلام والمسلمين السيد عز الدين الحكيم محاضرة عنوانها (قبسات من سيرة المرحوم آية الله السيد محمد علي الحكيم"قدس سره")، على باحة المدرسة المهدية الأحد 27 جمادى الأولى 1440، الموافق 3/2/2019م.
وقد سلط المحاضر الأضواء على جوانب من حياة السيد المترجم له، في بُعديها الشخصي والتاريخي، فقد عاصر السيد جيلي الحوزة العلمية في النجف الأشرف وتتلمذ في بدايات تحصيله الدراسي على علماء عصره أمثال الإمام السيد محسن الحكيم، والشيخ محمد حسين الأصفهاني والسيد حسن البجنوردي. بالإضافة إلى جو الأسرة العلمي.
تمثل الفترة التي عاشها السيد محمد علي الحكيم (قدس سره) المرحلة الحرجة في تاريخ حوزة النجف الأشرف، والواقعة بين فترة احتلالين واستعمارين: العثماني والبريطاني، وبدايات تأسيس الدولة العراقية، فقد تركت الدولة العثمانية، بسبب سياساتها الفاسدة والطائفية، إرثا ثقيلا على المجتمع العراقي من الجهل والفساد في شتى ميادين الحياة، وزاد في الخطب تلبسها بمنصب ما يسمى بالخلافة الإسلامية لفترات طويلة من الزمن.
وحين احتل البريطانيون الأراضي العراقية سنة 1333هـ، وقدمت معهم وسائل التطور والحداثة، من سيارات وطائرات وغيرها من مظاهر الحضارة الغربية، أوجد هذا الاحتلال لدى عامة الناس إرباكا في نمط تفكيرهم وسلوكهم، أثر بصورة مباشرة في إحداث نوع من الردة عن الإسلام ومظاهر التدين والتوجه صوب الإلحاد.
وقد وقعت حوزة النجف الأشرف تحت هذه التأثيرات والضغوط، وظهر التخلخل في صفوف طلبتها، بسبب الحالة المعاشية الضيقة التي كان يعانيها طالب العلم، ومحدودية الموارد المالية، فضلا عن حملات التشويه والتسقيط لرجالات الدين ولكل مظاهر التدين، التي مارسها المحتل الغربي، بعد أن علم أن سر قوة الشعب تكمن في قوة رجال الدين والحوزة العلمية.
ونتيجة لصعوبة تلك الظروف السياسية والمعاشية، وبريق التطور الذي حمله الاحتلال البريطاني مقارنة مع تخلف العثمانيين، والذين كانوا يمثلون الجانب الرسمي الحكومي للدين، فقد عانت الحوزة العلمية من انحسار في أعداد طلبة العلم، سيما بعد أن فتحت الدولة العراقية آنذاك أبواب التعيين في المدارس الحكومية لطلاب الحوزات وأساتيذها في مقابل طلب رسمي مع طابع فئة (خمسين فلسا).
في تلك الظروف الحرجة كان السيد المترجم ثابت القدم، صامدا أمام قساوة الظروف وصعوبة التحديات، ولم يترك واجبه الديني في طلب العلم والتدريس ونشر الدين، برغم العروض التي قُدمت له في مجال التعليم الحكومي. إذ لم يتوفر للسيد مقدار (دينار وربع) ليسد به معيشته ومن يعول من أسرته، في حين كان بعض طلبته ممن التحق بمدارس التعليم الحكومي يصل راتبه إلى ستة دنانير أو أكثر.
فكان السيد المترجم له يمثل الجانب المشرق لطالب الحوزة المثابر والصابر على دينه ومحن الدنيا، في الوقت الذي لم يبق من طلبة الحوزة في النجف إلا الصفوة القليلة.
ومن المواقف التي نقلها السيد المحاضر عن جده السيد المترجم له (قدس سره) والتي تعكس واقع حال الحوزة آنذاك وما أصابها من انحسار في عدد طلابها، أن السيد محمد علي الحكيم (قدس سره) درَّس الشيخ محمد آل الشيخ راضي – وهو الأخ الأصغر لصديق السيد المترجم له الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي– العلوم الأولية ومرحلة المقدمات في الدراسة الحوزوية، حتى كتاب معالم الدين في أصول الفقه. حينذاك، طلب الشيخ محمد آل الشيخ راضي من السيد المترجم له أن يدرِّسه كتاب (كفاية الأصول) للآخوند الخراساني، إلا أن السيد بقي مترددا ومستصعبا لهذا الطلب؛ إذ لم يسبق له تدريس هذا الكتاب المعروف بصعوبة عباراته ودقة مطالبه، وحين التقى الشيخ محمد رضا المظفر بالسيد، وعلم بشروعه في تدريس كتاب الكفاية، شد على يديه وأوصاه بالتزام تدريسه، وقال له: أتعب نفسك على هذا الدرس لأنه لن يدرَّس هذا الكتاب فيما بعد، نتيجة لابتعاد الناس عن طلب العلم الحوزوي، وانخراط القسم الأكبر من الطلبة في سلك التعليم الحكومي.
ومن الخصائص التي امتاز بها السيد (رحمه الله) أنه لا يترك تعلُّم أي باب من أبواب العلوم التي يُتاح له تعلُّمها، من باب(العلم بالشيء خير من الجهل به)، فكان ومن معه من الفضلاء، أمثال الشيخ محمد رضا المظفر، يجتمعون في دار آل الشبيبي القريبة من السوق الكبير ويتباحثون في الكتب المنهجية الجديدة التي كانت تدرس في المدارس الحكومية، وكانوا –في الوقت ذاته- يتعجبون من حالة الإلحاد التي أصابت بعض من يدرس الدراسة الرسمية الأكاديمية، إذ ليس في هذه العلوم أي شيء يروج إلى الإلحاد أو الابتعاد عن الدين.
وفي ظل وضوح الرؤية للسيد المترجم له وصموده أمام تلك الظروف العسرة والحرجة، انعكست هذه الروحية العالية على كل من اتصل به، لا سيما أولاده وأقرباؤه وتلامذته، فكان يحثهم على التزام طلب العلم، والجد في الاشتغال، والإخلاص في هذا الطريق، مع الابتعاد عن أي عنوان من العناوين البراقة، أو الامتيازات الاجتماعية والشكلية، وكان (رحمه الله) يضمّن المطالب الأخلاقية في دروسه التي يلقيها على طلبته والمتعلقين به، وما حالة التأكيد على طلب العلم والالتحاق الحثيث بالحوزة من قبل أسرة السيد وأقربائه ومعارفه، إلا من بركات حرصه وتأكيده في السير على طريق الأئمة الطاهرين، والتزام علومهم.
وفي المجال التدريسي، كان السيد (رحمه الله) يؤكد على طلبته وعموم أهل العلم، التزام المباحثة بين الطلبة، وتدوين وكتابة المطالب الدرسية، وعدم الاكتفاء بسماع الدرس، كي تترسخ المادة العلمية في الأذهان بالمباحثة والتقرير، حتى أنه باحث مادة (الحاشية في المنطق) تسع مرات.
وكان السيد (رحمه الله) مهتما بشؤون الطلبة فلا يترك متابعتهم بنصائحه وإرشاداته، وكان يتعمد المكوث في المدارس الدينية ليبقى قريبا على طلاب العلم، ليغدق عليهم إرشاداته وتعليماته، ويزرع فيهم حب الاشتغال والتحصيل وتقوى الله تعالى.
هذه الصفات الحميدة التي تجمَّعت في السيد محمد علي الحكيم (قدس سره)، أوجبت على طلبة علوم الحوزة التأسي به، والسير على نهجه ومنواله، وتذليل كل صعب يقف حائلا دون السير والمضي في طريق طلب العلم خالصا لوجه الله تعالى.
وبعد أن فرغ السيد عز الدين الحكيم من محاضرته، كانت هناك مشاركات ومداخلات واستفسارات على هامش المحاضرة، عادت بالمنفعة والإثراء العلمي على الحضور.
اضف تعليق