لا تزال نتائج التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي تتفاعل بقوة على الأرض، حيث تتواصل التداعيات السلبية على اوروبا وبريطاني نفسها، لاسيما في مجال حركة الاموال وتعاملات البنوك، وقيمة العملات التي تدحرجت الى الحضيض، حيث بلغ قيمة الجنيه الاسترليني بأدنى مستوى له منذ عام 1985، اي قبل ما يقرب من 30 عاما، ولم تكن نعظم التوقعات تميل الى تفوق الداعين الى الانفصال، ما أدى الى صدمة لا تزال وستبقى تفاعلاتها مستمرة الى وقت قد يطول كثيرا.
وروى بعض المتضررين من قرار الانفصال أن اعلانه كان بمثابة الكارثة المالية، فقد نزل خبر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد الاستفتاء، كالصاعقة على أسواق المال الأوروبية والعالمية. فقد استعد الجميع لنتيجة إيجابية ترجح بقاء بريطانيا في الاتحاد، لكن العواقب كانت أكثر مما يتخيل حتى الأكثر تشاؤما. الإسترليني تهاوى وخسر حوالى 10 بالمئة من قيمته بينما كانت الضربة الكبرى من نصيب أسواق المال الأوروبية والآسيوية.
أما رؤساء الدول الكبرى في العالم، فلم يقبلوا بفكرة الانفصال أصلا باستثناء روسيا، حيث حذر قادة العالم في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا بريطانيا من أن خروجها من الاتحاد الأوروبي سيؤثر سلبا على مكانتها باعتبارها قوة تجارية عالمية. وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن بريطانيا ستأتي في "مؤخرة الصف" فيما يتعلق بإجراء مباحثات مع الولايات المتحدة. وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يضع دخول المملكة المتحدة إلى السوق الموحدة على المحك.
في حين هنالك اطراف ترفض مثل هذه التحذيرات كما قال خبراء الاقتصاد المؤيدين لخروج بريطانيا رفضوا تلك التحذيرات ووصفوها بالترويج للشائعات المقلقة، وقد انهارت الاسواق المالية ولا سيما في اوروبا تحت وقع صدمة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي، في حين تراجع الجنيه الاسترليني الى ادنى مستوى له منذ 1985. وكانت البورصات والمصارف الاوروبية الاكثر تأثرا في هذا اليوم الاسود مع تسجيل تراجع يماثل ما حصل يوم اعلان افلاس بنك "ليمان براذرز" الاميركي.
وما أن أعلنت نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي حتى تعرضت العملة البريطانية الى هزة عنيفة في اسواق المال، وهذه اول التداعيات السلبية التي سوف تعود بالضرر الكبير على الاقتصاد البريطاني كما حذر من ذلك خبراء، وقد هبط الجنيه الاسترليني عشرة بالمئة إلى أدنى مستوى له منذ ما قبل اتفاق بلازا عام 1985 وذلك بعدما صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بما دفع المستثمرون في الأسواق العالمية إلى التهافت على الملاذات الآمنة مثل الين والفرنك السويسري. وإلى جانب التحركات الكبيرة التي سجلها الجنيه الاسترليني سجل اليورو أيضا هبوطا حادا أمام الدولار حيث من المتوقع أن تواجه العملة الأوروبية الموحدة صعوبات في ظل المخاوف من تأثير خروج بريطانيا على اقتصاد المنطقة.
وعلى العموم لا يمكن استباق النتائج، ولكن بحسب التحليلات الواقعية، فإن خروج بريطانيا لا يمكن ان يكون في صالحها، وربما كانت المكابرة الفارغة والتاريخ (الامبراطوري) هو الذي ورّط البريطانيين واسقطهم في هذا المنزلق، فقد خيمت الصدمة على حي المال والاعمال في لندن اثر الاستفتاء الذي ايد فيه البريطانيون الخروج من الاتحاد الاوروبي، في نتيجة وصفها ديفيد الذي يعمل في الاسواق المالية بالعاصمة البريطانية بانها "كارثة لعينة".
خروج بريطانيا وتراجع الأسواق المالية
في هذا السياق انهارت الاسواق المالية ولا سيما في اوروبا تحت وقع صدمة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي، في حين تراجع الجنيه الاسترليني الى ادنى مستوى له منذ 1985. وكانت البورصات والمصارف الاوروبية الاكثر تأثرا في هذا اليوم الاسود مع تسجيل تراجع يماثل ما حصل يوم اعلان افلاس بنك "ليمان براذرز" الاميركي في 2008. وفي منتصف النهار تراجعت بورصة باريس بنحو 8% وفرانكفورت باكثر من 7% تقريبا ولندن بنحو 5%. وسجل مصرف "دويتشه بنك" تراجعا بنحو 14% مثل "كريدي اغريكول" (الائتمان الزراعي)، و"بي ان بي باريبا" بأكثر من 16% بينما تراجع "سوسييتيه جنرال" بنحو 20%.
وقال مدير الاسهم الدولية لدى شركة هندرسون غلوبال انفستورز الاستثمارية "انها صدمة كبيرة جدا للاسواق وزلزال بالنسبة لبريطانيا ستنتشر تبعاتها ولا شك خارج حدود بريطانيا مع تاثير مباشر قد يدوم على التبادلات التجارية وكل الاصول المالية" بحسب فرانس برس.
وقال المحلل في مجموعة "اي تي اكس كابيتال" جو راندل انها "واحدة من اكبر الصدمات في التاريخ كل العالم سيشعر بانعكاساتها. يصعب تقدير حجم الاضرار ولكنه سيكون على الارجح اكبر من كل الاحداث التي حصلت منذ افلاس ليمان براذرز". ومنذ بدء حملة الاستفتاء كانت الاسواق تخشى خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وما يمكن ان يترتب عليه من انعكسات كارثية على الاقتصاد الاوروبي والعالمي وايضا على عالم المال.وبعد ان ارتفع الجنيه الاسترليني الى اكثر من 1,50 دولارا عند اغلاق مراكز الاقتراع، عاد وتراجع في البدء الى ما دون 1,45 دولارا ثم الى 1,40 دولارا قبل ان يواصل انهياره الى مستويات غير مسبوقة منذ العام 1985 ليصل الى 1,3229 دولارا ويفقد اكثر من 10% من قيمته.
في موازاة ذلك، سجلت القيم المرجعية مثل الين واونصة الذهب ارتفاعا كبيرا بينما تهافت المستثمرون على سوق السندات. وارتفع الذهب الى اعلى قيمة له منذ عامين. وسجلت سندات الدين الالمانية "بوند" نتيجة سلبية كما كانت فائدة الاقتراض على عشر سنوات في فرنسا وبريطانيا عند ادنى مستوى تاريخي بينما اهمل المتعاملون سندات ديون الدول الاضعف اقتصاديا. امام هذا الانهيار، اعلن "بنك انكلترا" استعداده ل"ضخ 250 مليار جنيه استرليني" (326 مليار يورو). وبدوره ابدى المصرف المركزي الاوروبي استعداده لتوفير "السيولة اللازمة عند الضرورة باليورو والعملات الاجنبية" وقال انه سيتحمل مسؤولياته ازاء ضمان استقرار الاسعار والقطاع المالي في منطقة اليورو.
ومع انهيار الاسواق الاسيوية، اعلن بنك اليابان "استعداده لضخ السيولة" بالتشاور مع المصارف المركزية الاخرى للحد من الاضرار في الاسواق المالية. ولكن ذلك لم يمنع بورصة طوكيو من الاغلاق بتراجع ناهز 8% عند الاقفال. وخسر عملاقا تصنيع السيارات اليابانيان "تويوتا" و"نيسان" اللذين لديهما مقرات في بريطانيا اكثر من 8%. وتاثر النفط ايضا مسجلا تراجعا باكثر من 6% في التبادلات الالكترونية في اسيا مع تسحيل تراجع قوي في باقي الاسواق.
وان كانت بعض شركات ادارة الاسهم على غرار اكبرها عالميا الاميركية "بلاكروك" سعت الى طمأنة المستثمرين من خلال جعلهم يرون في هذه التحركات "فرصا" للاستثمار، فان الشكوك والحيرة هي اكثر ما يثقل كاهل الاسواق. وتقول شركة "الاينز غلوبال انفستورز" انه "بالطبع يمكن ان نتوقع ان تقيم بريطانيا علاقات تجارية جديدة مع الاتحاد الاوروبي ودول اخرى ولكن هذه العملية ستأخذ وقتا وتتطلب جهودا جبارة. في هذه الاثناء سيظل السوق تحت رحمة الشكوك و"على المستثمرين ان يكونوا مستعدين لاجتياز الكثير من المطبات".
الاسترليني يهبط لأدنى مستوى له
وقد هبط الجنيه الاسترليني عشرة بالمئة إلى أدنى مستوى له منذ ما قبل اتفاق بلازا عام 1985 وذلك بعدما صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بما دفع المستثمرون في الأسواق العالمية إلى التهافت على الملاذات الآمنة مثل الين والفرنك السويسري. وإلى جانب التحركات الكبيرة التي سجلها الجنيه الاسترليني سجل اليورو أيضا هبوطا حادا أمام الدولار حيث من المتوقع أن تواجه العملة الأوروبية الموحدة صعوبات في ظل المخاوف من تأثير خروج بريطانيا على اقتصاد المنطقة.
وارتفع الفرنك السويسري إلى أعلى مستوى له في نحو عام أمام اليورو في حين صعد الين إلى أعلى مستوياته في أكثر من عامين. وصار البنك المركزي السويسري الأول بين البنوك المركزية الكبرى الذي يتدخل لتخفيض قيمة الفرنك في الوقت الذي حدت فيه التكهنات باحتمال تحرك بنك اليابان المركزي أيضا من مكاسب الين. وقالت اليابان إنها سترد على تحركات سعر الصرف "العنيفة للغاية" بما يعطي إشارة على استعدادها للتدخل.
وهوى الجنيه الاسترليني أكثر من عشرة بالمئة إلى 1.3228 دولار مسجلا أدنى مستوى له منذ ما قبل توقيع اقتصادات العالم الكبرى على اتفاق لتخفيض قيمة الدولار في سبتمبر أيلول 1985. وبحلول الساعة 0830 بتوقيت جرينتش تعافت العملة البريطانية من تلك المستويات المتدنية ليجري تداولها بسعر 1.3770 دولار وعزا المتعاملون هذا التعافي إلى تصريحات رئيس بنك انجلترا المركزي مارك كارني بأن البنك مستعد لتقديم المزيد من الدعم.
ويتوقع بنك مورجان ستانلي هبوط الجنيه الاسترليني إلى ما بين 1.25 و1.30 دولار. كما خفض بنك إتش.إس.بي.سي توقعاته للجنيه الاسترليني إذ يتوقع هبوط العملة البريطانية إلى 1.25 دولار بنهاية الربع الثالث من العام ثم إلى 1.20 دولار بنهاية العام. كما خفض توقعات نهاية العام لليورو إلى 1.10 دولار من 1.20 دولار في السابق. كما هبط الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوياته في عامين أمام اليورو وسط توقعات البعض بوصوله إلى سعر التعادل مع اليورو في الأشهر المقبلة. وارتفع اليورو أكثر من ثمانية بالمئة إلى 83.15 بنس مسجلا أعلى مستوياته في أكثر من عامين. غير أن العملة الأوروبية الموحدة هبطت أمام الدولار إلى 1.0912 دولار وهو مستوى منخفض لم تشهده منذ مارس آذار قبل أن تتعافى إلى 1.1140 دولار لكنها ما زالت منخفضة اثنين بالمئة منذ بداية اليوم. وهبط اليورو نحو اثنين بالمئة أمام الفرنك قبل أن يتعافى ليجري تداوله بانخفاض نسبته 0.7 بالمئة عند 1.0830 فرنك.
خروج بريطانيا سلبيات أم إيجابيات اقتصادية
ونزل خبر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد الاستفتاء، كالصاعقة على أسواق المال الأوروبية والعالمية. فقد استعد الجميع لنتيجة إيجابية ترجح بقاء بريطانيا في الاتحاد، لكن العواقب كانت أكثر مما يتخيل حتى الأكثر تشاؤما. الإسترليني تهاوى وخسر حوالى 10 بالمئة من قيمته بينما كانت الضربة الكبرى من نصيب أسواق المال الأوروبية والآسيوية.
ولم يكن أكثر المتشائمين يتوقع مثل رد الفعل العاصف هذا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت هناك تحذيرات بالطبع من عواقب هذا الخروج الاقتصادية على البلاد إلا أن معظم المصوتين لم يأخذوها على محمل الجد. بيد أن الأمر أصبح واقعا وعلى الجميع التعامل معه رضوا أم أبوا. على البريطانيين مواجهة أسوأ زلزال اقتصادي يواجه بلادهم، فحصيلة اليوم الأول لا تبشر بخير. دعونا نلقي نظرة على أهم هذه التداعيات الاقتصادية وردود الأفعال من جانب العاملين في الأسواق المالية والتجارية البريطانية.
هذا الانهيار حدا بحاكم البنك المركزي البريطاني مارك كارني إلى التصريح في مقابلة تلفزيونية أنه "كشبكة أمان ومن أجل دعم حسن سير الأسواق، يبقى بنك إنكلترا مستعدا لمنح أكثر من 250 مليار جنيه إسترليني من الأموال الإضافية عن طريق عملياته الطبيعية" وذلك بعد انتصار معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء. وأضاف أن البنك المركزي البريطاني "قادر أيضا على تأمين سيولة كبيرة بالعملات الأجنبية في حال الضرورة".
في حين خيمت أجواء الصدمة على حي المال والأعمال في لندن، حي "سيتي"، إثر إعلان نتيجة الاستفتاء والتي وصفها أحد العاملين في الأسواق المالية بالعاصمة البريطانية ويدعى ديفيد بأنها "كارثة لعينة". وقال ديفيد الأربعيني بوجوم "إنها كارثة مطلقة. غالبية البريطانيين لم يكن لديهم أية فكرة عما يصوتون عليه. والآن كل الذين يملكون منزلا، أو معاشا تقاعديا، أو كانوا يعتزمون القيام برحلة إلى الخارج، باتوا أكثر فقرا بكثير".
وكان المسؤولون في الحي "سيتي" بلندن حذروا قبل الاستفتاء بأن الأوساط المالية البريطانية ستخسر الكثير في حال الخروج من الاتحاد الأوروبي، مبدين مخاوفهم من عاصفة مالية، ولافتين على المدى البعيد إلى احتمال أن تخسر المصارف البريطانية قسما من حقوق الدخول إلى السوق المالية الأوروبية. وكان العاملون في حي "سيتي" وفي "كناري وارف"، حي الأعمال والمصارف الآخر الحديث في لندن، استعدوا لقضاء الليل بكامله في مراكز عملهم تحسبا لأي احتمال، وأكدت الوقائع صحة تقديراتهم، فأمضوا ساعات الليل أمام شاشاتهم العملاقة، مطلقين أوامر على الهاتف لبيع أسهم وسندات.
في حين قال ديفيد بابييه، المسؤول في مؤسسة مالية، "إن الجنون يسيطر هنا، إنه حمام دم، مجزرة". وكانت الأسواق توقعت بصورة إجمالية بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وهو ما يبرر إحباط الموظفين صباح هذا اليوم الجمعة. بينما قال الموظف الخمسيني، مايك تومسون، الذي كان بالشارع في وقت كانت الحركة لا تزال خفيفة في ساعات الصباح الأولى "ستتأتى عن ذلك فوضى كبيرة، إنني قلق جدا. والآن قد تحصل إسكتلندا على استقلالها في غضون سنتين".
فيما قالت محامية كانت تخرج من سيارة أجرة في الشارع "ستكون هناك بعض الأضرار المالية التي لم تكن في حسبان الناس. الخدمات المالية هي التي توجه اقتصاد لندن، واقتصاد لندن هو الذي يوجه الاقتصاد البريطاني، وبالتالي فإن ذلك سيؤثر للأسف على الجميع". وقالت إنها تخشى أن تعمد بروكسل إلى جعل البريطانيين "يدفعون ثمن" قرارهم الانفصال عن الاتحاد.
وكان الذهول يهيمن على العاصمة البريطانية، وبدا سكانها وكأنهم ما زالوا يأملون أن يستفيقوا من كابوس. وقال فيليب الموظف الأربعيني في مكتب محاماة "الأمر غريب، يبعث على الصدمة. من الجنون أن نستيقظ على وضع كهذا، إنه يطرح الكثير من الأسئلة حول إسكتلندا والاقتصاد"، مضيفا "لا ندري ما سيحصل في السنوات العشر المقبلة".
وكانت وكالات أنباء روسية نقلت عن رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف قوله الجمعة إن تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي زاد من تقلبات أسواق السلع الأولية وهو ما يثير قلق موسكو. وذكر ميدفيديف أن نتيجة الاستفتاء ليست مهمة لبريطانيا فحسب بل ستؤثر أيضا على الاقتصاد العالمي والاتحاد الأوروبي. وأضاف أن روسيا تحتاج لتحليل جميع تداعيات خروج بريطانيا واتخاذ إجراءات تصب في صالح اقتصادها بحسب فرانس برس.
لكن أكثر ما يخشاه القادة الأوروبيون هو تكرار سيناريوهات مماثلة. فقد أعطى الاستفتاء البريطاني دوافع إضافية للمشككين في أوروبا. فعبرت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان عن رغبتها في أن تنظم "كل دولة" تصويتا شعبيا حول الانتماء إلى الاتحاد على غرار مسؤولين مناهضين لأوروبا في الدانمارك وهولندا والسويد. لكن رغم أن الاتحاد الأوروبي سيدخل إصلاحات بعد الصدمة التي أحدثها خروج بريطانيا، يبقى هناك خطر فعلي من ألا يتمكن من وقف انهياره.
بنك انكلترا مستعد لتأمين السيولة الكافية
من جهته قال كارني في مقابلة تلفزيونية مباشرة من مكاتب المصرف المركزي البريطاني في وسط حي الاعمال في لندن انه "كشبكة امان ومن اجل دعم حسن سير الاسواق، يبقى بنك انكلترا مستعدا لمنح اكثر من 250 مليار جنيه استرليني من الاموال الاضافية عن طريق عملياته الطبيعية". واضاف ان البنك المركزي البريطاني "قادر ايضا على تأمين سيولة كبيرة بالعملات الاجنبية في حال الضرورة". وكان بنك انكلترا اعلن الجمعة انه مستعد للتحرك لضمان الاستقرار النقدي والمالي للمملكة المتحدة ويراقب عن كثب تطور الوضع بعد قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الاوروبي.
وقال انه "سيتخذ كل الاجراءات اللازمة" لتحمل مسؤولياته وضمان الاستقرار النقدي والمالي للمملكة المتحدة، مؤكدا انه درس مسبقا حلولا انقاذية عميقة وسيعمل بشكل وثيق مع وزارة الخزانة البريطانية والمصارف المركزية الكبرى الاخرى. وانهارت الاسواق الاوروبية عند الافتتاح اذ لم تكن تتوقع خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لتحذو بذلك حذو الاسواق الاسيوية والجنيه الاسترليني الذي تراجع الى ادنى مستوى له منذ العام 1985. وسجل سعر الجنيه الاسترليني تراجعا الجمعة الى 1,3229 للدولار الواحد -- ادنى مستوى منذ اكثر من ثلاثين عاما -- حوالى الساعة 4,25 بتوقيت غرينتش.
صدمة في حي الاعمال بلندن
وقد خيمت الصدمة على حي المال والاعمال في لندن اثر الاستفتاء الذي ايد فيه البريطانيون الخروج من الاتحاد الاوروبي، في نتيجة وصفها ديفيد الذي يعمل في الاسواق المالية بالعاصمة البريطانية بانها "كارثة لعينة". وكان المسؤولون في حي "سيتي" بلندن حذروا قبل الاستفتاء بان الاوساط المالية البريطانية ستخسر الكثير في حال الخروج من الاتحاد الاوروبي، مبدين مخاوفهم من عاصفة مالية، ولافتين على المدى البعيد الى احتمال ان تخسر المصارف البريطانية قسما من حقوق الدخول الى السوق المالية الاوروبية.
وقال ديفيد الاربعيني بوجوم "انها كارثة مطلقة. غالبية البريطانيين لم يكن لديهم اي فكرة عما يصوتون عليه. والآن، كل الذين يملكون منزلا، او معاشا تقاعديا، او كانوا يعتزمون القيام برحلة الى الخارج، باتوا أكثر فقرا بكثير". وتراجع الجنيه الاسترليني بحوالى 12% مقابل الدولار و8% مقابل اليورو بعد ورود المعلومات الاولية التي افادت عن انتصار مؤيدي الخروج من الاتحاد الاوروبي، فيما هبطت بورصة لندن باكثر من 7% في اولى المبادلات بحسب فرانس برس.
وكان العاملون في حي "سيتي" وفي "كناري وارف"، حي الاعمال والمصارف الآخر الحديث في لندن، استعدوا لقضاء الليل بكامله في مراكز عملهم تحسبا لأي احتمال، واكدت الوقائع صحة تقديراتهم، فأمضوا ساعات الليل امام شاشاتهم العملاقة، مطلقين اوامر على الهاتف لبيع اسهم وسندات.
وقال ديفيد بابييه (34 عاما) المسؤول في مؤسسة "إي تي اكس كابيتال" المالية "ان الجنون يسيطر هنا، انه حمام دم، مجزرة"، مقرا بانه يعيش "لحظة تاريخية". وكانت الاسواق توقعت بصورة اجمالية بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي، ما يبرر احباط الموظفين.
وقال الموظف الخمسيني مايك تومسون الذي التقته فرانس برس في الشارع في وقت كانت الحركة لا تزال خفيفة في ساعات الصباح الاولى "ستتأتى عن ذلك فوضى كبيرة، انني قلق جدا. والآن قد تحصل اسكتلندا على استقلالها في غضون سنتين". وفي الصباح الباكر كان معظم العاملين في حي المال والاعمال يسرعون للوصول الى مكاتبهم حيث سيقضون يوما طويلا وشاقا، واكتفى العديدون منهم بالقول "عذرا، لا وقت" ردا على اسئلة الصحافيين.
غير ان وندي المحامية توقفت دقيقة لتبدي قلقها وهي تخرج من سيارة اجرة وقالت "ستكون هناك بعض الاضرار المالية التي لم تكن في حسبان الناس. الخدمات المالية هي التي توجه اقتصاد لندن، واقتصاد لندن هو الذي يوجه الاقتصاد البريطاني، وبالتالي فان ذلك سيؤثر للاسف على الجميع". وهي تخشى ان تعمد بروكسل الى جعل البريطانيين "يدفعون ثمن" قرارهم الانفصال عن الاتحاد. وكان الذهول يهيمن على العاصمة البريطانية، وبدا سكانها وكأنهم ما زالوا ياملون ان يستفيقوا من كابوس.
ما يعني خروج بريطانيا من اتحاد أوروبا
وقد صوت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وهو قرار يضع خامس أكبر اقتصاد في العالم في مواجهة حالة من الضبابية الشديدة التي تكتنف آفاق نموه وجاذبيته للمستثمرين وقد تضر اقتصادات أخرى في أوروبا وغيرها. ومن المتوقع أن يكون لهذا التصويت أثر سلبي على النمو في بريطانيا في المدى القصير على الأقل وقد يدفع البلاد نحو الركود. كما أنه قد يدفع بنك انجلترا المركزي إلى خفض أسعار الفائدة إلى الصفر ويختبر مدى استعداد الدائنين للاستمرار في تمويل عجز الموازنة البريطانية.
وستعتمد تداعيات التصويت على نوع العلاقة التجارية التي قد تدخل فيها بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي الذي يساهم بنحو نصف صادرات البلاد. وأشارت مجموعة من التوقعات التي نشرتها الحكومة وبنك انجلترا المركزي ومؤسسات بحثية ومنظمات دولية ومئات الأكاديميين قبل الاستفتاء إلى أن نمو اقتصاد بريطانيا سيشهد تباطؤا أكبر إذا خرجت من الاتحاد الأوروبي مقارنة بما سيشهده إذا بقيت في الاتحاد.
وحذر وزير المالية جورج أوزبورن من حدوث ركود في الوقت الذي قال فيه بنك انجلترا إن "تباطؤا ملموسا" قد ينتج عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقال محافظ البنك مارك كارني إن اقتصاد البلاد قد يدخل في انكماش على مدار ربعين.
وقالت وكالات التصنيف الائتماني إن التباطؤ المتوقع في النمو عقب التصويت له أثر سلبي على التصنيف الائتماني للبلاد. وقد يؤثر المناخ السياسي أيضا على الاقتصاد إذ قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إنه سيتنحى عن منصبه بحلول أكتوبر تشرين الأول في حين لم ترد أنباء حتى الآن عن مستقبل أوزبورن. كما يوجد احتمال لإجراء استفتاء آخر على الاستقلال في استكتلندا التي صوتت بقوة لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وقالت مجموعة صغيرة من خبراء الاقتصاد المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إن الخروج من الاتحاد سيعزز النمو في السنوات القادمة وإن كان أحدهم على الأقل يتوقع حدوث تراجع طفيف في البداية. وقد تجد شركات التصدير دعما في هبوط الجنيه الاسترليني الذي انخفض إلى أدنى مستوياته أمام الدولار منذ 1985 على الرغم من أن الطلب في كثير من بلدان العالم ما زال ضعيفا بحسب رويترز.
وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيضر باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ويؤثر على دول أخرى خارجه. وذكرت المنظمة أنه إذا خرجت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي سيقل إنتاج الاتحاد باستثناء بريطانيا بنحو واحد بالمئة بحلول 2020 عما كان سيتحقق إذا بقيت. وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أيضا إنه قد يحدث تراجعا اقتصاديا أكبر إذا قوض خروج بريطانيا الثقة في مستقبل الاتحاد الأوروبي وهو سيناريو لا تشمله توقعاتها.
وكان رد فعل محافظ بنك انجلترا كارني على الاستفتاء سريعا إذ قال إن البنك المركزي مستعد لضخ أموال إضافية بقيمة 250 مليار جنيه استرليني لدعم الأسواق. وأضاف أن البنك سيدرس اتخاذ خطوات إضافية فيما يتعلق بسياسته خلال الأسابيع المقبلة. وقبل التصويت قال كارني إن من السهل جدا التكهن بأن البنك سيخفض أسعار الفائدة من مستواها المتدني بالفعل والبالغة 0.5 بالمئة من أجل دعم الاقتصاد بعد التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. ويقول بنك انجلترا إنه سيتعين عليه تقييم تباطؤ النمو في مقابل ارتفاع معدل التضخم الناتج عن انخفاض قيمة الجنيه.
ويعني ذلك أنه قد لا يتم اتخاذ أي قرار لتغيير أسعار الفائدة لعدة أسابيع وربما ليس قبل أغسطس آب حين ينشر البنك المركزي أحدث تقديراته التفصيلية حول الاقتصاد. وكان 17 من أصل 26 من خبراء الاقتصاد الذين استطلعت رويترز آراءهم في أبريل نيسان توقعوا أن تكون الخطوة التالية لبنك انجلترا المركزي بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي تخفيض أسعار الفائدة لا زيادتها.
وسجلت بريطانيا أكبر عجز في ميزان المعاملات الجارية على الإطلاق العام الماضي بما يعادل 5.2 بالمئة من الناتج الاقتصادي للبلاد. وعكس هذا العجز زيادة تدفقات توزيعات الأرباح ومدفوعات الدين إلى المستثمرين الأجانب عن التدفقات المماثلة التي تأتي للبلاد بالإضافة إلى العجز التجاري الكبير. وقال كارني إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يختبر "كرم الأجانب" الذين يمولون العجز في ميزان المدفوعات بحسب رويترز.
وهبط الاسترليني إلى أدنى مستوى له في 31 عاما مسجلا أكبر انخفاض في تاريخه. وقال الملياردير جورج سوروس الذي اشتهر بالمراهنة على هبوط الجنيه في 1992 إن الاسترليني قد ينخفض إلى 1.15 دولار. وجرى تداول العملة البريطانية يوم الجمعة بسعر بلغ نحو 1.39 دولار. وسجل عائد السندات البريطانية مستويات قياسية متدنية حيث لامس العائد على السندات لأجل عشر سنوات 1.018 بالمئة ويعتقد الخبراء أنه قد يهبط أكثر من ذلك ليقل عن واحد بالمئة. وأشارت معظم التوقعات إلى أن معدل البطالة البريطاني الذي يبلغ أدنى مستوياته في عشر سنوات حاليا عند خمسة بالمئة سيرتفع بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي على الرغم من نجاح بريطانيا في تجنب خسارة الوظائف بنفس القدر الذي حدث في دول أخرى بعد الأزمة المالية.
وكما حدث بعد الأزمة فإن الأجور قد تتحمل الوطأة الكبرى لأي تباطؤ ناجم عن الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتوقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا انخفاض أجور المستهلكين الحقيقية بما يتراوح بين 2.2 بالمئة وسبعة بالمئة بحلول 2030 مقارنة بمستوياتها في حالة بقاء بريطانيا في الاتحاد. في المقابل قال خبراء الاقتصاد المؤيدون لخروج بريطانيا إن سوق العمل في البلاد قد تصبح أكثر ديناميكية عبر إلغاء قوانين الاتحاد الأوروبي المرهقة والتخلص من بعض رسوم الاستيراد الأعلى في الاتحاد مثل تلك المفروضة على الغذاء بالإضافة إلى تعزيز الإنتاجية وتحسين مستويات المعيشة. لكن تقليص رسوم الواردات قد يعرض بعض قطاعات الاقتصاد لمنافسة شرسة.
وحذر قادة العالم في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا بريطانيا من أن خروجها من الاتحاد الأوروبي سيؤثر سلبا على مكانتها باعتبارها قوة تجارية عالمية. وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن بريطانيا ستأتي في "مؤخرة الصف" فيما يتعلق بإجراء مباحثات مع الولايات المتحدة. وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يضع دخول المملكة المتحدة إلى السوق الموحدة على المحك.
لكن خبراء الاقتصاد المؤيدين لخروج بريطانيا رفضوا تلك التحذيرات ووصفوها بالترويج للشائعات المقلقة ويقولون إن بريطانيا قد تبرم اتفاقيات تجارة مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى خارجه وقد تخفض أيضا رسوم الواردات من تلقاء نفسها إذا لم يكن هناك اتفاق وشيك.
اضف تعليق