ان اصل معنى الائتمان في الاقتصاد هو القدرة على الاقراض، واصطلاحاً: هو التزام جهة لجهة اخرى بالأقراض او المداينة، ويراد به في الاقتصاد الحديث: ان يقوم الدائن بمنح المدين مهلة من الوقت يلتزم المدين عند انتهائها بدفع قيمة الدين، فهو صيغة تمويلية استثمارية، ويعرف بأنه الثقة التي...
ان اصل معنى الائتمان في الاقتصاد هو القدرة على الاقراض، واصطلاحاً: هو التزام جهة لجهة اخرى بالأقراض او المداينة، ويراد به في الاقتصاد الحديث: ان يقوم الدائن بمنح المدين مهلة من الوقت يلتزم المدين عند انتهائها بدفع قيمة الدين، فهو صيغة تمويلية استثمارية، ويعرف بأنه الثقة التي يوليها البنك او المؤسسة المالية لشخص ما سواء كان طبيعياً ام معنوياً بأن يمنحوه مبلغاً من المال لأستخدامه في غرض محدد، خلال فترة زمنية متفق عليها وبشروط معينة مقابل عائد مادي متفق عليه او فائدة متفق عليها، يعتبر الأئتمان المصرفي فعالية مصرفية غاية في الاهمية، حيث ان العائد المتولد عنه يمثل المحور الرئيسي لأيرادات اي مصرف مهما تعدت وتنوعت مصادر الايراد الاخرى، وبدونه يفقد المصرف وظيفته الرئيسية كوسيط مالي في الاقتصاد ولكنه في ذات الوقت استثمار يحيط به المخاطر، بسبب القروض والتسهيلات المتعثرة.
الديون والقروض الشخصية
بعد ان بدأت ازمة الائتمان في عام 2007، اما احجم العملاء في العديد من النظم الاقتصادية المتقدمة عن الاقتراض او انهم لم يستطيعوا الاقتراض فعلاً، ليس معنى هذا ان جميع العملاء لم يقترضوا الاموال ولكن يمكن القول ان العديد منهم كانوا يقومون بسداد ديونهم بدلاً من ارهاق انفسهم بديون جديدة، ورغم ان عملية الاقتراض وصلت الى حالة التوقف التام فأن العملاء في العديد من الدول كانوا قد كدسوا مبالغ هائلة من الدين خلال السنوات العشر السابقة، وكان ذلك في الغالب نتيجةً لارتفاع اسعار المنازل، وبالتالي ارتفاع اسعار الرهن العقاري.
مثل اي مدين آخر ينبغي على الاشخاص ان يدفعوا فوائد على الارصدة المتبقية من ديونهم وفي العديد من الدول كان الكم الاكبر من الديون التي جمعها العملاء من الاشخاص خلال السنوات الماضية عبارة عن رهونات، ففي المملكة المتحدة مثلاً، تصل الرهونات الى حوالي 85% من الديون الشخصية والاسرية، اما النسبة الباقية وهي15% فتتمثل في الائتمان الاستهلاكي، كالقروض على السيارات وبطاقات الائتمان وغير ذلك، لكن نوع سعر الفائدة الذي يواجهه العملاء من الاشخاص تتغير كثيراً من دولة الى اخرى، ففي بريطانيا مثلاً في حين يتم سداد قروض الرهن العقاري على مدى فترة زمنية طويلة الا ان سعر الفائدة على تلك القروض تتغير بصفة دورية، فالاشخاص بوجه عام يقترضون الاموال اما بالسعر القياسي المتغير (SVR) الذي يتغير شهرياً مع سعر الفائدة الرسمي لبنك انكلترا او لفترة محددة او قصيرة نسبياً عادةً ماتصل من سنتين الى خمس سنوات، في الولايات المتحدة والعديد من الدول الاوربية يفضل العملاء الاقتراض على فترة زمنية طويلة (اكثر من 10 سنوات وربما 20- 30 سنة) بأسعار فائدة ثابتة، وهكذا ففي حين تتغير تسديدات الدين الشهرية من قبل العملاء بالمملكة المتحدة بأنتظام، ففي امريكا تبدو مثل تلك التسديدات الشهرية ثابته.
اقتراض المؤسسات
عندما يقترض الاشخاص الاموال وعادةً مايتم ذلك عن طريق الوسيط الذي تراه دائماً في"هاي ستريت"، وفي حين يوجد مقرضون متخصصون الا ان معظم القروض حتى الان توفرها البنوك وجمعيات البناء.
رغم ذلك، فعندما يختص الامر بالمؤسسات فأن الموقف يختلف قليلاً، فالبنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة كما تعرف بأنها (SME) تعتبر البنوك هي مصدر التمويل الوحيد لها، لكن عندما يختص الامر بالمؤسسات والشركات الكبرى فلن يكون البنك في الغالب هو الخيار المفضل نظراً لضخامة المبالغ المالية التي يجب استثمارها، وبالاحرى تدخل الشركات الكبرى اسواق المال مباشرةً من خلال اصدار سندات واسهم تعرض على المستثمرين لشرائها، وبعض الدول مثل الولايات المتحدة تعتمد على مايسمى "تمويل سوق رأس المال" اكثر من الدول الاخرى.
والسند ليس اكثر من احد سندات الدين وهو عبارة عن ورقة تأمر فائدة لحاملها (تعرف بأسم القسيمة) في فترات زمنية منتظمة طوال فترة القرض، وعندما ينتهي القرض ترد الشركة او المؤسسة القرض الاول الذي عرضه المستثمر، وهناك انواع عديدة من السندات التي يمكن ان تصدرها المؤسسات، ويتم تصنيفها حسب مدة كل قرض او حسب مدة انتهائه، دائماً ما توفي احتياجات التمويل قصيرة الاجل للمؤسسات (عادةً لبضعة اشهر فقط) بأصدار مايسمى "الاوراق التجارية" في حين ان سندات الشركات تحتاج الى فترة انتهاء اطول (اي لسنوات وليس لأشهر)، اما اسعار الفائدة التي يريدها المستثمرون اعلى من السندات ذات فترة الانتهاء الاكثر اماناً التي تصدرها الحكومة تعتمد على خطورة تخلف الشركات عن سداد القرض.
يمكن ان نربط ذلك كله بكم الاموال في النظام الاقتصادي، وان اكثر الوحدات المالية اتساعاً لاتشمل المبالغ النقدية التي نحتفظ بها فقط بل تشمل ايضاً الاموال المدخرة في حساباتنا المصرفية وفي بعض الحالات تشمل حصص السندات، عندما تقترض المؤسسات والحكومات اموالاً لفترات زمنية قصيرة فيمكن ان نصنف تلك العملية تحت مسمى "العرض المالي"، يعتبر دين شخص ما ثروة بالنسبة لغيره.
تأثير الاقتراض على الاقتصاد
يعتبر كم القروض الجديدة التي توسعت تشمل الاشخاص والمؤسسات دافعاً هاماً للنمو الاقتصادي مثل التغيرات التي تطرأ على كم الاموال داخل النظام الاقتصادي تماماً، وتؤثر التغيرات في عملية الاقتراض بشدة في معدل المنو الاقتصادي، لقد كانت هناك بضع سنوات خلال القرن الماضي لم يتحرك كل من الاقتراض والنشاط مع بعضهما العض ابداً.
احياناً ما يؤدي الطلب الضعيف في النظام الاقتصادي الى خفض اعداد العملاء الذين يتقدمون للقروض بصورة طبيعية، لكن ليس هذا الحال دائماً، فأحياناً ماتحدث امور مختلفة تماماً، نأخذ مثال على ذلك هو ازمة الائتمان التي بدأت في عام 2007 حيث شرعت البنوك الى خفض عرض القروض للاشخاص والمؤسسات بصورة كبيرة ما ادى الى فترة ركود على مستوى العالم، ونظراً لأهمية هذا الموضوع فأننا سنعرض كيف حدثت ازمة الائتمان، وما هي الدروس التي يجب ان نتعلمها منها في المستقبل.
ازمة الائتمان في نوشتل عام 2007
بدأت ازمة الائتمان تظهر في العناويين الرئيسة في الصحف طوال صيف عام 2007م لكن جذورها تمتد الى ماقبل هذا التأريخ بكثير، لقد بدأت الازمة في سوق الرهن العقاري، فالقروض على الرهن التي عرضت على العملاء في الولايات المتحدة- وهؤلاء العملاء من الاشخاص لم يكونوا قادرين على رد الاموال عندما ازادت اسعار الفائدة وهبطت اسعار العقارات وارتفعت البطالة- بدأت تصل اليه حالة في غاية السوء، لم يؤثر ذلك على البنوك في امريكا فقط، ولكن اثر ايضاً على البنوك والمستثمرين التي عرضت عليها تلك القروض في جميع انحاء العالم.
حدث ذلك اثناء عملية تعرف بأسم "التوريق" حيث قامة البنوك التي عرضت قروض الرهن العقاري للعملاء من الاشخاص بتعبئة قروض مماثلة وجعلت كل تلك القروض رزمة واحدة ثم قامت ببيعها على انها مجموعات سلعية، ساعدت تلك العلمية البنوك على مسح سجلاتها، بل وايضاً على عرض المزيد من القروض على العملاء الذين لايملكون في الغالب اي دخل، او الذين لايملكون وظائف او اوصولاً ويشار اليهم بالأحرف المختصرة "نينجا" NLNGAS.
يطلق على القروض المعبأة في رزم مصطلح "التزامات الدين المضمونه" واختصارها المعروف بـــ CDO، كانت المشكلة تتمثل في انه لم يكن هناك احد يعرف كمية تلك القروض المعبأة او التزامات الدين المضمونة التي تتعامل بها البنوك الموفرة لها والمستثمرون ايضاً على مستوى العالم بأكمله، وكانت النتيجة ببساطة شديدة بدأت تلك البنوك غير معدة لعرض القروض على بعضها البعض، بل وعلى المستثمرين بعضهم البعض خشية ان تخفق تحت وطأة تلك الديون السيئة والمجهولة.
لقد اخفقت بعض البنوك بالفعل، فقد كانت مؤسستا نورثرن- روك في المملكة المتحدة وليمان – بروذورز في الولايات المتحدة من بين المؤسسات ذات الشهرة العالمية التي خسرت كثيراً، كما ان كلاً من مؤسسة ار بي اس RBS وليودز قد شهدتا نفس الخسارة تقريباً لدرجة ان الحكومة البريطانيا انتهى بها الامر بأن قررت مساعدتهما مالياً.
كما رأينا عندما تستعد البنوك لعرض القروض، يبدأ النظام الاقتصادي في الضعف، فلم يؤد حجم ازمة الائتمان الى مجرد تدهور في النظام الاقتصادي فقط، بل ادى ايضاً الى حالة من الكساد العالمي، وهذا بدوره اثقل كاهل الحكومات التي زادت من نفقتها نظراً لزيادة اعانات البطالة، واتخاذ اجراءات سياسية لآنعاش النظام الاقتصادي، والدعم المالي للقطاعات المصرفية التي اصابها المرض.
هيمان مينسكي
كان هناك نوع من الاهتمام بأعمال هيمان مينسكي خلال السنوات التحليلية الماضية ربما كنتيجة لأزمة الائنمان الحديثة- في كتابه الصادر عام 1986م "ترسيخ نظام اقتصادي غير مستقر"، لقد كتب وصفاً تفصيلياً لأزمات الائتمان (وهو شيء ظل يكتب عنه لعدة سنوات من قبل)، وقد زعم ان الفترات الطويلة التي تشهد استقراراً اقتصاديأ هائلاً يمكن ان تنتهي بأزمات مالية.
وقد حدد ثلاثة انواع من طالبي القروض:
النوع الاول المقترضون المطوقون، الذين يكاد دخلهم الذي يحصلون عليه من استثماراتهم يكفي لأن يفي بدفع فوائد ديونهم، والنوع الثاني هم المقترضون المحتاطون، وهم الذين يواصلون عملية الاقتراض بهدف سداد ديونهم، ثم النوع الثالث، وهم المقترضون الذين يطلق عليهم"بونزي" (وسموا بذلك نسبة الى تشارلز- بونزي محتال الاموال الامريكي) والذين يستطيعون سداد ديونهم نظراً لأرتفاع اسعر الاصول الثابتة.
عندما تستمر فترة الاستقرار الاقتصادي في التواصل، يندرج عدد من الناس تحت هذا النوع الاخير لأن الفقاعات بأسعر الاصول( مثل الاسهم والعقارات الثابتة) تظهر وتتطور، كما يرتفع الدين الى اعلى مستوياته، وفي لحظة ما يقرر البعض مايكفي فيسعون الى بيع اصولهم، ونتيجة لذلك تنفجر الفقاعات، في هذه الحالة يصبح المستثمرون الذين يطلق عليهم بونزي اول من يتعثرون في سداد القروض اذ ان استثماراتهم لن تأتي لهم بأرباح الا اذا ظلت اسعر الاصول في ارتفاع مستمر، ونتيجةً لذلك ايضاً تحجم البنوك عن عرض القروض مايؤدي بدوره الى احباط المقترض المحتال الذي يعتمد اساسأ على التمويل المصرفي، وفي نهاية العملية لن يستطيع حتى المستثمر المطوق القادر على سداد القرض ان يحصل على اية قروض فينتهي الامر بالعملية برمتها الى الكساد.
يسمس مينسكس هذا " الانتقال التدريجي" من النظام الاقتصادي المستقر الى الازمة المالية "فرضية عدم الاستقرار المالي" ومنذ ذلك الحين اطلق على الفترة التي يسعى فيها المستثمرون الى الصعود الى القمة اسم "لحظة مينسكي"، لقد استغل حججه ليعزز فكرة تدخل الحكومة في القطاع المالي وانتقد التوجه نحو الغاء القيود على التنظيم المالي الذي غلب على فترة الثمانينيات من القرن الماضي.
لقد تعلمت الحكومات والبنوك كثيراً من تجربة تلك الازمة، فلقد وجدت نفسها مضطرة الى التفاعل والتصرف بأقصى سرعة ممكنة من خلال ضخ كميات هائلة من المال (او السيولة) في القطاع المصرفي لكي تدب فيها الحياة بحيث عرضت اسعار الفائدة في ادنى مستوياتها لفترة طويلة بهدف موازنة تكاليف الاقتراض المرتفعة التي نتجت عن ازمة الائتمان، كما وفرت مجموعة كبيرة من رزم الانقاذ للقطاعات المالية المحاصرة، لقد كانت تكلفة الانقاذ على مستوى العالم مرتفعة وثقيلة على كاهل الحكومات الى درجة ان المستثمرين بدأ يساورهم الشك في قدرة بعض الدول على سداد القروض كما حدث في اليونان مثلاً حيث ثبتت شكوكهم بالفعل.
يمكن ان نستخلص شياً واحداً من ازمة الائتمان هو ان المال يجعل العالم في صيرورة مستمرة واذا ما جفت ينابيعه فسينطبق ذلك ايضأ على النشاط الاقتصادي، خلال السنوات القادمة سوف تعمل الحكومات في كل انحاء العالم على تغير طريقتها في ادارة سياساتها الاقتصادية ونظمها المصرفية لمنع حدوث ازمة ائتمان مرة اخرى.
اضف تعليق