الطفل في الحرب ليس مجرد ضحية مؤقتة، بل هو جرح طويل الأمد في جسد المجتمع، لذا حماية الطفولة ليست فقط مسؤولية قانونية، بل أخلاقية، وإنسانية، إن صمت العالم عن معاناة الأطفال في الحروب لا يعني فقط التواطؤ، بل أيضًا التخلي عن المستقبل، فالأطفال الذين لم يتعلموا، ولم يشعروا بالأمان...
الطفولة هي المرحلة الأصفى في حياة الإنسان، تلك التي يُفترض أن تكون مليئة باللعب، والتعليم، والنمو الآمن، لكن في مناطق النزاعات المسلحة، تتحول هذه المرحلة إلى كابوس دائم، حيث يصبح الأطفال ضحايا مباشرين وغير مباشرين للحرب، لان الحروب لا تفرّق بين المدنيين والمقاتلين، والطفل غالبًا ما يدفع الثمن الأكبر، جسديًا ونفسيًا واجتماعيًا، في هذا المقال، نبحث في واقع الطفولة في معرِض النزاعات الحربية، وانعكاسات ذلك على حقوق الطفل، ومستقبل المجتمعات.
يتعرض الأطفال للقتل والاصابة نتيجة للاستهداف المباشر أو غير المباشر خلال القصف، أو العمليات العسكرية، وكثير من الإحصاءات تشير إلى أن الأطفال يُشكلون نسبة كبيرة من ضحايا النزاعات المسلحة، كما هو الحال في سوريا، اليمن، غزة، والسودان، وقد يتعرضون للتهجير وفقدان المأوى فملايين الأطفال يُجبرون على ترك منازلهم، ويعيشون في مخيمات اللجوء أو أماكن مؤقتة تفتقر للحد الأدنى من الأمان والغذاء والرعاية الصحية، وهذا النزوح يعرّضهم لخطر العمل القسري، أو الإتجار بالبشر، أو العنف الجنسي.
والادهى هو تعرضهم للتجنيد الإجباري ففي بعض المناطق، يتم تجنيد الأطفال كمقاتلين أو ناقلي أسلحة أو حتى "دروع بشرية"، ما يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، مما يولد العديد من الآثار النفسية والاجتماعية منها الصدمة النفسية المستمرة حيث يعيش الأطفال في مناطق النزاع حالات من الرعب المستمر، وتشير الدراسات إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب، اضطرابات ما بعد الصدمة، والتبول اللاإرادي، والانطواء، ومنها فقدان الطفولة فالأطفال في الحروب يُجبرون على تبنّي أدوار الكبار يعيلون أسرهم، يعتنون بإخوتهم، يعملون في سن مبكرة، ويتخذون قرارات تفوق أعمارهم، ومن الصدمات النفسية الانفصال الأسري لان كثير من الأطفال يفقدون أحد والديهم أو كليهما، ما يجعلهم عرضة للاستغلال، أو للعيش في مؤسسات لا تحقّق احتياجاتهم النفسية والاجتماعية.
وبذلك تكون النزاعات الحربية نتيجة حتمية لتعطيل التعليم وتهديد المستقبل بسبب تدمير البنية التعليمية حيث تُستهدف المدارس أو تُستخدم لأغراض عسكرية، مما يُفقد الأطفال حقهم في التعليم، ويدفع بعضهم إلى ترك المدرسة نهائيًا، فينتج جيل بلا تعليم مما يخلق فجوة معرفية تؤثر على المجتمعات لعقود قادمة، وتُضعف فرص النهوض بعد الحرب.
ولحماية الأطفال في القانون الدولي وجود نصي كبير في اتفاقية حقوق الطفل (1989) مثًلا والتي تُلزم الدول بحماية الطفل من العنف، وتوفير التعليم والصحة والأمان، حتى في زمن الحرب، كذلك في البروتوكول الاختياري بشأن الأطفال في النزاع المسلح والذي يمنع تجنيد الأطفال دون سن 18 عامًا في النزاعات المسلحة، أما اتفاقيات جنيف (1949) فتنص على حماية المدنيين، وخاصة الأطفال، وتعتبر استهدافهم جريمة حرب، بالإضافة إلى قرارات مجلس الأمن الدولي مثل القرار 1612 الذي يُنشئ آلية للرصد والإبلاغ عن الانتهاكات ضد الأطفال في النزاعات.
أما دور المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية فهي تتجسد في الإغاثة والرعاية عبر توفر المنظمات الإنسانية مثل اليونيسف، الصليب الأحمر، ومنظمة إنقاذ الطفولة، الغذاء، والماء، والرعاية النفسية والتعليمية للأطفال المتأثرين بالحرب، ومن خلال إعادة التأهيل والدمج وبرامج لإعادة تأهيل الأطفال المجندين نفسيًا واجتماعيًا، ودمجهم في مجتمعاتهم، أيضا في المحاسبة القانونية والسعي لمحاكمة من ينتهك حقوق الأطفال في المحاكم الدولية كمجرمي حرب.
ولكن ما بين هذا وذاك، نلاحظ العديد من التحديات الراهنة التي تعطل وتغييب وجود النص مثل تحدي غياب الردع وقلة محاسبة المعتدين على حقوق الأطفال يجعل الجرائم مستمرة، خاصة في الحروب غير المتكافئة، وتحدي تسييس المساعدات حيث تخضع الاستجابة الإنسانية أحيانًا لأجندات سياسية، ما يُقوّض فعالية برامج الحماية والرعاية، كذلك تحدي صعوبة الوصول في بعض النزاعات، يُمنع وصول المساعدات أو يُستهدف العاملون في الإغاثة.
ختامًا- الطفل في الحرب ليس مجرد ضحية مؤقتة، بل هو جرح طويل الأمد في جسد المجتمع، لذا حماية الطفولة ليست فقط مسؤولية قانونية، بل أخلاقية، وإنسانية، إن صمت العالم عن معاناة الأطفال في الحروب لا يعني فقط التواطؤ، بل أيضًا التخلي عن المستقبل، فالأطفال الذين لم يتعلموا، ولم يشعروا بالأمان، ولم يجدوا من يرعاهم، لن يكونوا غدًا بناة للسلام، بل ضحايا يعيدون إنتاج الدمار والألم، فمتى نُعيد للطفولة حقها في الحياة، في زمن يغلبه الموت!.
اضف تعليق