إن تحجيم المناهج الدراسية يمثل جريمة معرفية في حق الأجيال الجديدة، لأنه يحرمها من أبسط حقوقها مثل حق التفكير الحر والنمو العقلي، فإذا كان التعليم هو الطريق لبناء الإنسان، فإن المناهج المختزلة والمُسطّحة لا تُنتج سوى أجيال منسوخة فاقدة للبوصلة، المطلوب إذن اصلاحات تربوية تُعيد الاعتبار إلى العقول النامية...
التعليم ليس مجرد وسيلة لاجتياز المراحل الدراسية، بل هو أداة لتشكيل الوعي وبناء الإنسان. غير أن المناهج الدراسية في كثير من بلداننا تُعاني من إشكالية خطيرة، تتمثل في التحجيم المتعمد أو غير الواعي لمضامينها، بحيث تتحول إلى قوالب جامدة لا تُنمّي التفكير النقدي ولا تشجّع على الإبداع، بل تكرّس عقلًا مقلّدًا هشًّا، هذا الواقع يؤدي إلى تسطيح العقول النامية لدى الأجيال الجديدة، بدلًا من استثمار طاقاتها وتحفيز قدراتها.
مظاهر تحجيم المناهج واضحة في التركيز على التلقين بدل الفهم حيث يُختزل التعليم إلى حفظ معلومات عابرة سرعان ما تُنسى بعد الامتحان، وغياب المهارات الحياتية فالمناهج تفتقر إلى أدوات تساعد الطالب على مواجهة التحديات الواقعية في المجتمع، وإقصاء التفكير النقدي إذ يُنظر إلى السؤال أو النقاش على أنه خروج عن النص، لا بوصفه ممارسة معرفية، كذلك الانغلاق الثقافي عبر تقديم رؤية أحادية للعالم، دون الانفتاح على التجارب الإنسانية الأخرى.
أثر التسطيح على العقول النامية عظيم ويتجسد في إضعاف القدرة الإبداعية لأن الطالب يعتاد استهلاك المعرفة بدل إنتاجها، العجز عن حل المشكلات نتيجة غياب التدريب على التفكير التحليلي، والخضوع للسلطة دون تمحيص إذ يغيب السؤال النقدي الذي يُعدّ جوهر الحرية الفكرية، تراجع الهوية الوطنية عندما يُغيب المنهج ارتباط الطالب بتاريخ بلاده وقضايا مجتمعه، وبذلك فإن تسطيح العقول النامية لا يُنتج إلا مواطنًا ضعيفًا، غير قادر على المشاركة الفاعلة في بناء الدولة.
قد يكون للمناهج الدراسية غايات تتعلق بالسيطرة على الوعي أو توجيهه، لكن التوجيه يختلف عن التحجيم، فالتوجيه يسعى إلى بناء قيم ومعايير إيجابية، بينما التحجيم يحصر العقل في دائرة ضيقة تمنعه من النمو، وهنا يكمن الخطر، إذ يتحول التعليم من أداة للتحرير إلى وسيلة للتكبيل، ولمعالجة هذه الإشكالية، ينبغي إعادة النظر في فلسفة التعليم ذاتها، من خلال إدماج مهارات التفكير النقدي والإبداعي ضمن المواد الدراسية.
تنويع مصادر المعرفة وربطها بالواقع المحلي والعالمي، وإشراك الطالب في العملية التعليمية بوصفه شريكًا لا متلقيًا سلبيًا، وتحديث أساليب التقييم بحيث تُقاس القدرات التحليلية لا مجرد الحفظ.
ختامًا- إن تحجيم المناهج الدراسية يمثل جريمة معرفية في حق الأجيال الجديدة، لأنه يحرمها من أبسط حقوقها مثل حق التفكير الحر والنمو العقلي، فإذا كان التعليم هو الطريق لبناء الإنسان، فإن المناهج المختزلة والمُسطّحة لا تُنتج سوى أجيال منسوخة فاقدة للبوصلة، المطلوب إذن اصلاحات تربوية تُعيد الاعتبار إلى العقول النامية، وتجعل من التعليم فضاءً للحرية الإبداعية، لا أداةً للتسطيح والتكبيل.
اضف تعليق