لماذا تعاني هذه الجامعات من ضعف في المخرجات؟ ربما تأتي الإجابة صادمة قليلا، فكثيرا من هذه الجامعات تفتقر الى قضية الحوكمة والاعتماد المؤسسي، اذ يعد هذا العامل أحد أعمدة ضعف الجامعات الأهلية التي تفتقر الى غياب ثقافة حوكمة مؤسسية مستقرة وتطبيق انتقائي لمعايير الجودة والاعتماد...

يواجه التعليم العالي في العراق أزمة مركبة تنبع من مزيج معقد، يتمثل بضعف التخطيط الاستراتيجي، وتناقض السياسات عبر فترات حكومية متعاقبة، فضلا عما يعانيه مؤخرا من عدم جودة مخرجات البحوث العلمية وبقاءها تدور في فلك السطحية.

هذا الواقع لا يقتصر على الجامعات الحكومية فحسب، بل يشمل الجامعات الأهلية التي شهدت توسعا كميا سريعا بعد عام 2003، من دون وجود ضمانات نوعية أو أطر تنظيمية قوية تحكم نموها ووظيفتها الاجتماعية، في الوقت الذي يشهد فيه قطاع التعليم الأهلي نمو كمي على حساب التطوير النوعي.  

فمنذ تسارع موجات التأسيس ظهرت مؤسسات أهلية متعددة في محافظات مختلفة، بعضها نجح في بناء برامج وتعاونات علمية، فيما بقي كثير منها يركز على استيعاب أعداد الطلبة كهدف أساسي دون ربط كاف لسوق العمل أو معايير اعتماد واضحة.

وهذا الفارق بين الكم والنوع أدى إلى تخرج أجيال تحمل شهادات لا تكفيها مهارات تطبيقية أو بنيات بحثية قوية، وهذا ما أكده الواقع الحالي، فالكثير من مخرجات الجامعات الاهلية تشير الى وجود فجوة معرفية كبيرة مقارنة بمخرجات الجامعات الحكومية على الرغم من وجود -الى حد ما- بيئة تعليمية أفضل بكثير عما يوجد في المؤسسات التعليمية الحكومية.

فالسؤال الأهم هنا: لماذا تعاني هذه الجامعات من ضعف في المخرجات؟

ربما تأتي الإجابة صادمة قليلا، فكثيرا من هذه الجامعات تفتقر الى قضية الحوكمة والاعتماد المؤسسي، اذ يعد هذا العامل أحد أعمدة ضعف الجامعات الأهلية التي تفتقر الى غياب ثقافة حوكمة مؤسسية مستقرة وتطبيق انتقائي لمعايير الجودة والاعتماد.

ولا يمكن ان نطلق هذه التهم جزافا دون التحقق من صحة او دقة المعلومة، فقد اثبتت نتائج بعض الدراسات التي اُجريت لتقييم تطبيق محاور الاعتماد في جامعات خاصة، على سبيل المثال جامعتي الكرخ العلمية والفراهيدي الأهلية كمثال تطبيقي، اذ وجدت تفاوتا كبيرا في مدى الالتزام بمحاور مثل الاستراتيجية، الحوكمة، وإدارة الجودة. هذا يؤكد أن الزيادة في عدد المؤسسات الاهلية لا تعني بالضرورة تحسنا في الأداء المؤسسي أو الأكاديمي.  

يأتي بعد ذلك ضعف البحث العلمي والتمويل الخاص بهذه الجزئية، فالبحوث الجامعية في العراق، عموما وفي الجامعات الاهلية، تعاني من قلة التمويل والبُنى التحتية للبحوث، وهو ما ينعكس بشدة على الواقع العلمي الذي يشهد في الوقت الحالي تراجعا ملحوظا، مما يجعل محدودية المؤسسات التعلمية الاهلية على انتاج معرفي يخدم التنمية.

ما تقدم وغيرها من الأسباب تشكل أبرز التحديات او المعوقات التي تجعل من التعليم الأهلي خارج منظومة التأثير الواقعي، لكن هنالك ثمة إشكالية جلعت من هذه المشكلة تتفاقم، وهي غياب خطة استراتيجية وطنية طويلة الأمد تتحملها وزارة التعليم العالي يجعل تنفيذ أي إصلاحات عرضة للتقلبات السياسية.

إذا ماذا على وزارة التعليم ان تعمل في الفترات القادمة؟

عليها ان تعتمد خطة وطنية استراتيجية طويلة الأمد (10–20 سنة) تُصاغ بمشاركة الجامعات الحكومية والأهلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتُؤطّر قانونيا لحماية استمراريتها.  

 ثانيا عليها تشديد معايير الاعتماد المؤسسي والبرامجي، وإجراء تقييمات مستقلة دورية تُلزم الجامعات بتحسين البنية التعليمية والبحثية على جداول زمنية قابلة للقياس، كذلك ربط التمويل والرسوم بحوافز للجودة (مثل منح لدعم البحث، وتمويل مشاريع شراكة مع الصناعة)، وتأسيس صناديق بحثية وطنية تُتيح للجامعات الأهلية التنافس على مشاريع ذات أثر اقتصادي واجتماعي.  

في النهاية ليس المطلوب هدم القطاع الأهلي، بل إعادة ضبطه ليكون شريكا حقيقيا في بناء منظومة تعليمية وطنية قادرة على إنتاج مهارات وبحوث تخدم المجتمع والاقتصاد، وهذا يتطلب رؤية استراتيجية محمية قانونيا، وتمويلا موجها نحو الجودة والبحث، كي لا تبقى الجامعات الأهلية مجرد مولد لشهادات بلا تأثير فعلي على التنمية.

اضف تعليق