الشفافية ليست ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة لضمان أن الدولة تعمل لخدمة الجميع، لا لفئة بعينها. ومن هنا، فإن المطالبة بكشف هوية مالكي المشاريع الكبرى ليست تدخلاً في الخصوصية، بل دفاعًا عن حق المجتمع في معرفة من يصنع الاقتصاد ومن يتحكم به...

في أي نظام ديمقراطي سليم، تقوم شرعية السلطة على الشفافية والمساءلة أمام الرأي العام. ولهذا، فإن أحد الأسس المهمة لبناء الثقة بين المواطن والدولة هو الحق في معرفة من يملك ويدير المشاريع الاقتصادية الكبرى، لا سيما تلك التي تُقام على أرض الدولة أو تستفيد من تسهيلات حكومية وتُنفذ برؤوس أموال ضخمة.

نحن لا نتحدث هنا عن انتهاك خصوصية الأفراد، بل عن مشاريع ضخمة لها أثر عام، مثل المجمعات السكنية الفخمة، المولات، المراكز التجارية، والمنتجعات، التي تستحوذ على مواقع استراتيجية، وتؤثر في الاقتصاد المحلي، وتستهلك موارد عامة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

في دولة تحكمها مبادئ الديمقراطية، يُعد الإفصاح عن هوية مالكي هذه المشاريع أمرًا ضروريًا لأسباب عديدة:

اولا، منع تضارب المصالح: حتى لا تتداخل مصالح المسؤولين مع المصالح الخاصة.

ثانيا، محاربة الفساد وغسيل الأموال: لأن الظلال الغامضة حول الملكية تخلق بيئة خصبة للممارسات غير القانونية.

ثالثا، ضمان العدالة في السوق: من خلال الكشف عن ما إذا كانت هناك امتيازات ممنوحة دون وجه حق.

رابعا، بناء الثقة الشعبية: فالمواطن حين يعرف أين تذهب الاستثمارات، ومن يقف خلفها، يشعر بالطمأنينة.

خامسا، تعزيز المساءلة البيئية والاجتماعية: لأن بعض هذه المشاريع قد يكون لها تأثير كبير على حياة الناس والبيئة المحيطة.

في النهاية، الشفافية ليست ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة لضمان أن الدولة تعمل لخدمة الجميع، لا لفئة بعينها. ومن هنا، فإن المطالبة بكشف هوية مالكي المشاريع الكبرى ليست تدخلاً في الخصوصية، بل دفاعًا عن حق المجتمع في معرفة من يصنع الاقتصاد ومن يتحكم به.

اضف تعليق