من أجل الحفاظ على بقاء الإنسان مستمرا في الوجود والتفاعل والإنتاج، يجب عليه أن يفكّر ويخطط ويعمل ويكافح، فالعمل يعد الوسيلة التي تلبي حاجات المجتمع من ناحية، وحاجات الفرد المستهلك من جهة أخرى، والمنتج من جهة ثالثة، لذلك نجد أن الأنبياء وجميع الأديان تحث الإنسان على العمل وترفض أن يبتعد الشخص عن المجتمع يسجن نفسه في عزلة طوعية أو جبرية، إلا ما يخضع للقضاء العادل.
ومن هذا المنطلق على الإنسان أن يواظب على العمل باستمرار، وأن يسعى إلى العمل الذي يكسبه الرزق الذي يساهم في توفير حياة كريمة لصاحب العمل وأهله، فقد قال الله عز وجل في كتابه الحكيم: "فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" سورة الجمعة /الآية١٠
كذلك ورد في النصوص المسيحية "ليس للإنسان أفضل من أن يأكل ويشرب ويُرِي نفسه الخير من كدِّه"— جامعة ٢:٢٤.
تأثير العمل على الفرد والمجتمع
إن الشخص الذي يعمل ويكسب رزقه بنفسه وجهده، سوف يحافظ على كرامة نفسه ويضمن حياة سعيدة هادئة لعائلته، ويبتعد عما تمنحه له أيدي الناس على سبيل التبرّع أو المساعدة، لأنه سوف يصبح بعمله المنتظم صاحب دخل ومشروع وباستطاعته أن يصرف على نفسه وعلى عائلته ويبتعد عن البطالة والفقر والذل، هذا من الناحية الفردية، ولكن تأثيره على المجتمع سيكون عن طريق إيجاد وتفعيل الحركة الاقتصادية وتطوير المجتمع، مما يساهم في نجاح وتفوق هذا المجتمع على باقي المجتمعات.
لذلك نلاحظ بأن الدليل الأساسي في تطور المجتمعات، غالبا ما تكون ثقافة العمل والتحلي بها بشكل دائم، مع وضع آلية سليمة وواضحة للتكافل المجتمعي، كما أننا نلاحظ أن من أهم خصائص الثقافة اليابانية، هو اعتماد أساسياتها على العمل الجماعي والاهتمام المفرط بالمجموعة وليس بالأفراد، وتقديس العمل بكفاءة، وينظرون إلى عملهم ووظيفتهم على أنها انتماء للخير والحياة الكريمة، وهكذا استطاع الشعب الياباني أن ينجو من الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية ونهض من تحت الرماد وأشرق من جديد لينوّر العالم بنور علمه وعمله المتطور ويغزو السوق التجاري بصناعته المتميزة وعلمه وعمله.
وهكذا هو حال كل أمة متطورة وكل بلد متطور كما نلاحظ ذلك في الإسلام عند بداية طريقه، حيث استطاع ان يتقدم تقدما ملحوظا لأنه سلط الضوء على أهمية العمل، وبيَّن أن الدين الإسلامي دين العطاء والريادة، والمؤمن الحقيقي هو الذي يعمل ليرى خير الدنيا والآخرة.
النبي (ص) يشارك في العمل الجماعي
لأن النبي صلى الله عليه وآله كان يعمل ويكد ويشارك في الأعمال الجماعية، كم حدث ذلك في بناء المسجد ومئات النماذج الأخرى، ليبيّن بأن التطور لا يحصل عن طريق القول فقط، بل هناك مقومات لتطوير بنية المجتمع، والعمل أحد هذه المقومات الأساسية وليس من العيب أن يكد الإنسان ليأتي بقوت يومه، بل هناك روايات كثيرة في ثواب العمل.
عن الإمام الرضا (ع): إن الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجرا من المجاهد في سبيل الله.
ونجد أيضا في حياة موسى عليه السلام الذي كان من أولي العزم بأنه وافقَ أن يكون أجيراً، في أرض مدين وأنه عمل وكدّ بعرق جبينه، قال الله تعالى: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص:26].
فكل إنسان يختار طريقة معينة أو منهجا خاصا لأجل الصعود إلى قمة جبل النجاح، في هذا الطريق سوف يتعلم البعض دروسا كثيرة، ويفقد بعضهم كثيراً من الأشياء التي كانوا يملكونها وبعضهم يصعدون على أكتاف الآخرين وغيرهم يضحي بماله وصحته أو حتى عائلته....
لذلك جميل أن يعمل الإنسان وفق منهج دقيق ومخطط له، كي ينجو من الهلاك بسبب فقدان مصدر الرزق الذي يكون العمل أهم مصادره، وعلى الإنسان أن يبرمج يومه بشكل صحيح ودقيق.
كما علّمنا الإمام الكاظم عليه السلام: (اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات... ساعة لمناجاة الله، وساعة لامر المعاش، وساعة لمعاشرة الاخوان، وساعة لذة في غير محّرم).
فمهما يفعل الإنسان من أفعال سيجد نفسه مثقلاً بهموم الحياة، وفي مرحلة ما سيفعل كل شيء فقط ليصعد بسرعة ويعتبر الصحة والعائلة والتكامل وغيرها، من الأشياء الأقل شأنا وأدنى مرتبة في دائرة اهتماماته، لذلك كلما كان الفرد أكثر إيثارا وتضحية في مجال عمله سيكون أكثر سعادة، وليس من الضروري أن يكون أكثر نجاحاً، بل يجب أن يتعلم المرء كيفية التوازن بين عمله وطموحاته وبين ما يملك من النعم.
فالإنسان الذي لديه رؤية واضحة لأولوياته، سوف يعمل بتركيز وتكامل لتحقيق أهدافه، فالموازنة بين العمل وباقي الأشياء من الأمور الأساسية في رحلة النجاح، كي لا يفدى شيء مقابل شيء آخر، ويفقد الإنسان صحته من أجل البقاء في العمل لساعات متأخرة، أو لا يفقد عائلته من أجل مشاريع عمله، فالإنسان الناجح الذكي يجمع بين هذه الأمور ويعطي كل ذي حق حقه، ويحافظ على صحته وعائلته وعمله ليتنعّم بجميع هذه النعم، ويستطيع الإنسان بالخبرة والممارسة أن يجد الوقت اللازم لانجاز كل المهام الأساسية في حياته.
اضف تعليق