قال أحدهم: ذات مرة كنت أراقب بيضة أثناء خروج فرخ الدجاجة منها، لقد حاولتُ مساعدة الفرخ على الخروج من البيضة بصورة أسرع مما هو مقرر في الطبيعة، حينذاك بمجرد أن لاحظت الخطوط المتعرجة بدأت تظهر على القشرة البيضاء، فكرت أن أصبح الملاك المنجي لذلك الفرخ، حيث تقرّبتُ من البيضة كي أساعد الفرخ حتى يخرج بصورة أسرع وينجو من تلك المعاناة أثناء عملية التحرر من الداخل، حاولتُ أن اكسر جدار البيضة بيدي كي يخرج الفرخ بسهولة وتنتهي هذه القصة بسلام.
وفعلا ساعدته في ذلك (كما ظننتُ بأنها مساعدة)، فخرج الفرخ الى العالم الخارجي وبدأ حياته فوق هذا الكوكب، كنت فرحا بسبب مساعدتي لهذا الكائن وكنتُ فخورا بنفسي! ورحت أردد في نفسي: لو كان يملك لسانا لشكرني بلا شك. ولكن بعد أيام قلائل لاحظتُ علامات الضعف بدأت تظهر على رجليه، ولم يكن باستطاعة الفرخ أن يكون كأمثاله من الأفراخ الأخرى، فقد كان يعاني من خطب ما بعد أن عاش مشوها بين باقي الأفراخ، ثم مات!!.
بعد هذا المشهد المؤسف، ومحاولتي التي أدّت الى موت الكائن الصغير، حدث مصادفة أن اجتمعت في جلسة كان الكلام فيها يدور عن البيضة وخطوات ولادة أفراخ الدجاج، فقال أحدهم وكان مختصا في هذا المجال: لابد أن يتجاوز الفرخ مراحل التفقيس كاملةً، حتى يولد سليما ويخرج من البيضة بصورة طبيعية، وإذا لم يخرج بنفسه سوف يصيبه خلل في نظام جسده ويموت، عندئذ تذكرتُ الفرخ الذي استعجلتُ في إخراجه من البيضة وكان كل ظني أنني قدمتُ له مساعده في ذلك لكنني كنتُ السبب في قتله، ولو أنني صبرت لدقائق لا أكثر لكان الفرخ يعيش بسلام الآن.
لكنني باستعجالي دفعته إلى هاوية الموت بدلا من الحياة، وفكرت في نفسي لو كان يملك لسانا لوبخني بلا شك، وهنا أدركت بأن الصبر عنصر أساسي في نجاح الإنسان أو فشله في جميع مراحل حياته، وان الإنسان لا يرتقي بين ليلة وضحاها بل يجب أن يهيّئ الأرضية المناسبة للارتقاء، ألا وهي نفسه كي يستقبل الخيرات (العلم، الثقافة، والإيمان والصبر وغير ذلك)، ولا شك بأن الإنسان الكيس الذكي يعرف بأن الصبر مفتاح كل خير.
على أننا نفهم بأن الصبر عنصر أساس في نجاحنا بجميع المجالات والعلاقات المختلفة، فكلما بحثنا عن سر السعادة في حياة الأزواج السعداء، سوف نجد أن أكثرهم لديهم صفة مشتركة ألا وهي الصبر!.
لا يخص هذا الأمر الحياة الزوجية وحدها، بل جميع العلاقات في حياة الإنسان تحتاج الى الصبر كي تعطي ثمرة جيدة، فليس باستطاعة زرع الإنسان أن يثمر بمجرد أن يبادر بزراعة البذرة في التربة، بل لابد أن يتحلى بالصبر ويعتني بها كي يصل الى النتيجة المطلوبة، ولكن عندما نتكلم عن الحياة الزوجية، فإننا قطعا نخوض في خفايا وأسرا وخصوصيات أهم علاقة في حياة الإنسان، لأنها علاقة مصيرية، وهي أكثر العلاقات الإنسانية التي تحتاج الى الصبر، لأنها ليست كبقية العلاقات، كونها العلاقة الأعمق بين الزوجين، والأطول عمرا من باقي العلاقات كلها، أليس من المفروض أن نعطيها اهتماما أكبر من سواها؟.
أليس من الجميل أن نصبر من أجل أهم علاقة في حياتنا؟.
قال أحد العظماء: إذا تعلمت الصبر فقد اجتزت نصف مشاكل الحياة.
وإذا راجعنا سور القرآن الكريم سوف نجد بأن كلمة الصبر ومشتقاتها قد ذُكرَت 114 مرة .. منها:
* فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ*-1-
* كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ*-2-
* وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا*-3-
* اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّه*-4-
وثمة العديد من الآيات القرآنية، والأحاديث النبويّة التي تحثّنا على الصّبر في وقت الشّدائد، فمثلاً قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن جزاء الصابرين: (إنّ قوماً يأتون يوم القيامة يتخلّلون رقاب الناس حتّى يضربوا باب الجنة قبل الحساب. فيقول لهم: لم تستحقّون الدخول إلى الجنّة قبل الحساب؟فيقولون: كنّا من الصّابرين في الدنيا).
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (ألا إنّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد)، إذاً لو أردنا الوصول الى القمة لابد وأن نتسلق درجات السلم واحدة تلو الأخرى بصبر وتأنٍ، ولا يمكن أن نحلق في سماء العظمة فجأة، فمن حلَّقَ في سماء العظمة بسرعة فائقة، سوف يسقط بسرعة فائقة أيضا، تبعاً للقول المأثور الذي يقول: (من يصعد سريعاً يسقط سريعاً).
فإذا تبحث عن السعادة في الحياة، لا تقِس حياتك مع حياة أي شخص آخر، لأنك لم تعرف ما يحمل ذلك الشخص من مصائب، أو أنه كم سهر من الليالي، حتى يحصل على ما أراده، فهو ربما وصل الى هذا المستوى الراقي بصعوبة لا تخطر على بال أحد!.
جميل كلام مولى المتقين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن الصبر عندما قال :
إِن تسأليني كيف أنتَ فإِننـــــــــــــــــــــي . . . صَبُورٌ على رَيْبِ الزمانِ صَعيبُ
حريصٌ على أن لا يُرى بي كآبة . . . فيشمتَ عادٍ أو يساءَ حبيــــــــــــــــــــــبُ
اصبرْ قليلاً فبعد العُسْرِ تيسيـــــــــــرُ . . . وكُلُّ أمرٍ له وَقْتٌ وتدبيــــــــــــــــــــــــــــــــــرُ
وللميمِّنِ في حالاتِنا نظـــــــــــــــــــــــــــــــــرٌ . . . وفوقَ تقديرِنا للّهِ تقديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرُ
وبشر الصابرين هي اكبر أمل في انتظار ما نريد، ولعل نجاح البشر يكمن تحت ظلال ثنائية الصبر والارتقاء.
اضف تعليق