q

يفهم مصطلح المؤلف فهما سطحيا بانه يدل على المصدر المبدع (او الخالق) الوحيد للنص المكتوب. بيد ان الفكرة التي تقول بوجود مبدع فذ للنص، وبان مهمة القراءة، تبعا لذلك، ليست سوى عملية سلبية الى حد ما، تتمثل في استعادة هذا المؤلف ومعانيه، هذه الفكرة تتعرض للنقد والتحفظ من وجوه متعددة.

قام المفكرون التأويليون في القرن التاسع عشر، وبصفة خاصة فيلهام ديلتاي بالتحفظ والاعتراض على الافتراض القائل بان المؤلف يتميز عن غيره ببصيرة او نظرة ثاقبة يدرك بها معنى النص الذي يكتبه.. وقد بسطوا تلك التحفظات في ثنايا دراساتهم النقدية للعملية الايجابية التي تنطوي عليها القراءة، والتي يترتب عليها ان يكون القاريء في حاجة الى ان ينشيء معنى للنص من عنده، لا ان يقتصر على مجرد استعادة المعنى من النص..

وفي الواقع فان مؤلف النص الخاص للنص اصبح يطرح بوصفه واحدا من تفسيرات النص بين تفسيرات اخرى كثيرة.

وعلى خلاف ما يحصل اليوم في الدراسات النقدية، فالاتجاهات الحديثة لاسيما التفكيكية ونظرية التلقي ترى أن «النص محكوم دائما بالتوالد، وان الكتابة تكتب الكتابة، مما يجعلها تقضي على اي صوت خارجها يدعي أبوة النص».

في علم الجمال، يرى نقاد فكرة (وهم القصد) انه ليس بوسع أي تفسير للعمل الفني ان يدعي انه نهائي او ان له سطوة ومحبة خاصة، باعتباره قادرا على استعادة مقاصد المؤلف من نصه المكتوب..(وفي نكاق فلسفة مابعد البنيوية اعلن رولان بارت بطريقة في غاية الاثارة عن موت المؤلف)..

حسب كتاب (موت المؤلف) للناقد الفرنسي رولان بارت والذي يتحدث فيه عن أقانيم ثلاثة تشكل الطريق التي تقود إلى لذة النص وهي: مفهوم النص ومفهوم الكتابة و مفهوم القارئ أو القراءة.

يشرح الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه (نقد وحقيقة) أن مقولة موت المؤلف لا تعني إلغاء المؤلف نهائيا بقدر ما هي عملية تحرير النص من سلطة المؤلف وخضوعه للقارئ أي عملية عقد قران بين النص والقارئ ومن ثم الاستفادة من خبرات المؤلف في مباركة هذه العلاقة، وهذا يحتاج إلى قارئ جيد ومثقف لكي يفهم ما كان يعنيه المؤلف ولو بشكل عام. ولكي لا ينفر القارىء من الكتابة فيعتبرها حالة معقدة لا يمكن فهمها إلا بدراسة أبعادها فإن بارت يعرفها على أنها : ((ليست شيئاً سوى بقايا الأشياء الفقيرة والهزيلة للأشياء الرائعة والجميلة في داخل كل منا….)).‏

ان هذا الرفض لمكانة المؤلف يدفع علم الجمال الى ان يوجه تفكيره صوب الصفات الجوهرية للعمل الفني او النص، والى ان يعمل باقصى مايستطيع على هدم امكانية وجود قراءة للنص يمكن ان توصف بانها نهائية او صحيحة..

ولعله من الملاحظ انه لايوجد سوى قليل من النصوص المعينة التي لها مؤلفون تنسب اليهم على وجه الدقة. لذلك فان النصوص العادية والنصوص الوظيفية، مثل قوائم الاسعار في المحلات التجارية، والتمرينات الدراسية، ونسخ الاعلانات التجارية، ومعظم الكتابات الصحفية، لاتنسب الى مؤلف بعينه، او ان عنصر التاليف فيها لايعد امرا مهما لفهم هذا العمل، «لا يكفي لقول ما ان يتوفر على (انتظام خاص) كي يعتبر نصا، ينبغي، فضلا عن ذلك، أن يصدر عن، أو يرقى به إلى قائل يقع الإجماع على انه حجة. حينئذ يكون النص كلاما مشروعا ينطوي على سلطة، وقولاً مشدوداً إلى مؤلف- حجة. وهكذا فقد كان المؤلف- النكرة أمرا متعذر التصور. عبد الفتاح كيليطو/ الكتابة والتناسخ، مفهوم المؤلف في الثقافة العربية الكلاسيكية. ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي.

وبالمثل، فان كثيرا من النصوص (مثل الاغاني الشعبية، والفكاهات، والاساطير التي تروج في الحضر) تظهر في اطار التراث الشفاهي، حين لايصدق عليها كذلك، الافكار التقليدية الخاصة بالتاليف، التي ترى ان لكل نص مؤلفا قام بتأليفه. وعلى العكس من ذلك، فان أي نص (مثل المسودات المكتوبة بصفة مؤقتة، والخطابات واليوميات) والذي يكتبها شخص يعد هو مؤلفها (كأن يكون روائيا معترفا به) قد تكتسب اهمية اضافية لانتسابها الى ذلك الروائي المعروف.

ومن المفارقات في هذا المقام ان الابداع الفردي قد ينسب الى طائفة من الجهود التي بذلت في عمل تعاوني، كأن ينسب احد الافلام الى المخرج (وربما ينسب الى المنتج)، مع انه من النادر ان ينسب الى الكاتب الذي كتب النص السينمائي (السيناريو).

اضف تعليق