كانت إيران تتعامل بجدية مع المفاوضات، بدعم واضح من القيادة الإيرانية، رغم استمرار التوترات بشأن تخصيب اليورانيوم. وقد دعا ترامب بالفعل إلى العودة للمفاوضات بعد الضربات، تحمل هذه المفاوضات جاذبية معينة لطهران: فاقتصاد البلاد في حالة يرثى لها، والوعد بتقليل العقوبات مغرٍ. بعد الحملة الإسرائيلية التدميرية، لن تضطر إيران...
بقلم: إيسيلين برادي، دانيال بايمن

تشمل السيناريوهات هزيمة إيران، أو انسحاب إسرائيل، أو صراع إقليمي متوسع.

الحرب بين إسرائيل وإيران بدأت لتوها. أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستواصل الضربات "لأي عدد من الأيام يتطلبه الأمر" -ما يعني على الأرجح عدة أسابيع- بهدف مواصلة تقويض البرنامج النووي الإيراني وتدمير جيشها. وقد أطلقت إيران بالفعل طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية على إسرائيل وتمتلك مجموعة من الخيارات الانتقامية الأخرى، وإن كانت محدودة. وعلى الرغم من أن المزيد من إراقة الدماء أمر محتمل، بل لا مفر منه، فإنه ليس من السابق لأوانه التفكير في خفض التصعيد والطرق التي قد تنتهي بها هذه الحرب.

إليك بعض الاحتمالات:

الاحتمال الأول: هو أن تنفذ إيران عدة ضربات عسكرية بارزة ضد إسرائيل، وتُعلن لشعبها أنها ردّت وألحقت الدماء بالإسرائيليين، لكنها تقبل بسرعة الجهود الأميركية والدولية للتوصل إلى وقف إطلاق النار. باختصار، هو استسلام على مضض مع غطاء لحفظ ماء الوجه.

في جوهره، هذا ما قبل به حليف إيران المقرب، حزب الله المتمركز في لبنان، بعد الحملة الإسرائيلية ضد الجماعة في شهري أيلول وتشرين الأول. في الواقع، تحمل الحملة الإسرائيلية على إيران اليوم العديد من أوجه الشبه مع تلك العملية: ضربات مدمرة على البنية التحتية العسكرية مصحوبة بعدد من الاغتيالات وضربات استهدفت القيادات تُظهر اختراقاً استخباراتياً شاملاً لخصم إسرائيل. حزب الله، الذي كان يمتلك ترسانة صواريخ ضخمة وعشرات الآلاف من المقاتلين تحت السلاح، وافق على وقف إطلاق النار إلى حد كبير وفق شروط إسرائيل دون أن يشن هجوماً مضاداً فعّالاً.

قد تكون إيران في وضع مماثل لحزب الله في عام 2024. لقد فشلت هجماتها بالطائرات المسيّرة والصواريخ على إسرائيل، وحلفاؤها الأساسيون، لا سيما حزب الله، لم يعودوا سوى ظل لما كانوا عليه في السابق، مما يشير إلى أن قوة الردع التي كانت موثوقة لم تعد فعالة. الهجمات الإسرائيلية المدمرة التي استهدفت القيادات قد تُربك القيادة الإيرانية، مما يصعّب من التنسيق في إطلاق الصواريخ أو حتى اتخاذ قرارات أساسية في الوقت الحقيقي. وعلى الرغم من أن طهران أعلنت أنها تستبدل القادة الكبار بسرعة، فإن فعالية هذه القيادة الجديدة في ظل الصراع الجاري غير واضحة، ومن المرجّح أن تستهدف إسرائيل البدلاء وبدلاء البدلاء. وبطبيعة الحال، لا ترغب إيران بالاستسلام تحت النار، لكنها قد تسعى إلى البقاء والقتال في وقت لاحق بدلاً من تلقي الضربات المستمرة.

الاحتمال الثاني هو أن تواصل إيران الصمود بل وتوجه بعض الضربات لإسرائيل -سواء على شكل عمليات إرهابية، أو صواريخ قليلة تخترق الدفاعات الإسرائيلية، أو بوسائل أخرى- بينما يتصاعد الضغط الدولي على إسرائيل لوقف الحرب. وفي هذه الأثناء، تتعرض منشآتها النووية في نطنز وغيرها لأضرار، لكن إيران تتمكن من إجراء الإصلاحات بسرعة نسبية.

بشكل عام، عندما تضرب إسرائيل أعداءها، غالباً ما تحظى بدعم قصير الأمد من الولايات المتحدة وحتى من الحلفاء الأوروبيين الأساسيين، لكن هذه الدول سرعان ما تدعو إلى إنهاء الأعمال العدائية، حتى وإن سعت إسرائيل إلى مواصلة الهجمات. وقد دعت فرنسا والمملكة المتحدة بالفعل إلى خفض التصعيد. قد لا تهتم إسرائيل كثيراً بآراء الأوروبيين -الذين ظلوا يدعون منذ أشهر إلى وقف الأعمال القتالية في غزة- لكنها تقلق أكثر بشأن الرأي الأميركي، وخاصة رأي الرئيس دونالد ترامب. فإذا مارس ضغوطاً حقيقية على نتنياهو، فقد تُنهي إسرائيل عملياتها على أمل أن الضرر الذي تم إلحاقه يكفي حالياً.

ليس من الواضح ما إذا كان هذا سيؤدي إلى دبلوماسية مثمرة.. لقد دفعت الولايات المتحدة في عهد ترامب نحو اتفاق تفاوضي بشأن البرنامج النووي الإيراني (رغم أن ما كان مطروحاً يبدو مشابهًا بشكل مؤلم لخطة العمل الشاملة المشتركة التي انسحب منها ترامب عام 2018). كانت إيران تتعامل بجدية مع المفاوضات، بدعم واضح من القيادة الإيرانية، رغم استمرار التوترات بشأن تخصيب اليورانيوم. وقد دعا ترامب بالفعل إلى العودة للمفاوضات بعد الضربات، وكتب على منصة "تروث سوشيال" قائلاً: "على إيران أن تعقد صفقة، قبل أن لا يبقى شيء، وتنقذ ما كان يعرف ذات يوم بالإمبراطورية الفارسية. لا مزيد من الموت، لا مزيد من الدمار، فقط افعلوها، قبل فوات الأوان."

تحمل هذه المفاوضات جاذبية معينة لطهران: فاقتصاد البلاد في حالة يرثى لها، والوعد بتقليل العقوبات مغرٍ. إضافة إلى ذلك، بعد الحملة الإسرائيلية التدميرية، لن تضطر إيران إلى التنازل بالكثير على طاولة المفاوضات. غير أن القيام بذلك في ظل الهجمات الإسرائيلية أصعب من الناحية السياسية. سيُضخم ترامب أي تنازلات، وستبدو إيران كما لو أنها رضخت تحت الضغط، وهو ما سيكون فعلاً كذلك.

هناك سيناريوهات أكثر قتامة، وربما أكثر احتمالاً. أحدها أن تتوسع الحرب بين إسرائيل وإيران إلى حرب إقليمية. قبل الضربات الإسرائيلية، هددت إيران بمهاجمة منشآت أميركية في الشرق الأوسط، هجمات إن حدثت، ستجعل انضمام الولايات المتحدة إلى القصف أكثر احتمالاً. كما أن التعاون الأمني الأميركي-الإسرائيلي الطويل الأمد، ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الدفاع الجوي ومجالات أخرى، قد يدفع إيران للاعتقاد بأن الولايات المتحدة بالفعل في حالة حرب معها. وبينما نفت الولايات المتحدة مشاركتها في الهجمات، قد ترى إيران أن واشنطن متواطئة، وأن المفاوضات ليست سوى غطاء للتحضيرات العسكرية الإسرائيلية. وعلى الرغم من تحذيرات المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين من أن رفض إيران للاتفاق سيؤدي إلى عمل عسكري، إلا أن ترامب أكد قبل ساعات فقط من العملية أن الولايات المتحدة ملتزمة بالحل الدبلوماسي، وأن الهجمات ليست وشيكة. إذا رأت طهران أن المفاوضات غطاء، فقد تصبح الأهداف الأميركية أكثر عرضة لهجمات تعتبرها إيران "انتقامية".

وقد تصعّد الولايات المتحدة من جانبها أيضاً. إذ قد يرى المسؤولون الأميركيون أن إسرائيل قد قامت بنصف المهمة بالفعل، ويمكن للولايات المتحدة إنهاء ما تبقى، عبر قصف منشأة "فوردو" باستخدام ذخائر خارقة للتحصينات، ومعالجة ما تبقى بعد الضربات الإسرائيلية الأولية.

من المرجّح أن تطلب إيران من وكلائها في العراق ولبنان واليمن وأماكن أخرى تنفيذ ما يستطيعون من هجمات ضد إسرائيل، وربما يضيفون أهدافاً أميركية إلى قائمتهم إذا دخلت الولايات المتحدة المعركة لأي سبب كان. وهكذا، قد تجد الولايات المتحدة نفسها تهاجم أهدافاً في اليمن (وهو خيار غير جذاب بعد عملية "رايدر الخشنة" الأميركية ضد الحوثيين التي انتهت بوقف لإطلاق النار)، والعراق، وأماكن أخرى. وقد تستخدم إيران أيضاً الإرهاب الدولي، إذ سبق أن أظهرت قدرتها على تنفيذ هجمات في مختلف أنحاء العالم.

من المحتمل، وإن كان غير مرجح في الوقت الراهن، أن يتدخل حلفاء الولايات المتحدة العرب. فقد أفادت القوات المسلحة الأردنية بالفعل باعتراضها صواريخ وطائرات مسيّرة إيرانية دخلت مجالها الجوي في 13 حزيران، وهو أمر يشبه اعتراض الأردن لصواريخ إيرانية أُطلقت على إسرائيل عام 2024. وعلى الرغم من أن أفعال الأردن يمكن تأطيرها ضمن الدفاع عن النفس، فإن تدخل الولايات المتحدة قد يدفعها لاستخدام قواعدها في عدد من الدول الإقليمية أو الاستفادة منها بطرق أخرى.

أما الاحتمال الأخير، فهو ألا تنتهي الحرب أبداً، على الأقل ليس بشكل رسمي. فرغم أن موجات الضربات الإسرائيلية الضخمة قد تتوقف في وقت ما، فقد يستمر صراع منخفض الحدة لأشهر قادمة. قد تطلق إسرائيل من حين لآخر صواريخ أو تنفذ ضربات جوية ضد إيران، إلى جانب اغتيالات وتخريب داخل إيران نفسها. أما إيران، فستطلق رشقات نارية من وقت لآخر على إسرائيل، مع تنفيذ عمليات إرهابية ومحاولات أخرى للرد. لن يكون هذا حرباً شاملة، لكنه أيضاً ليس سلاماً هادئا.

وفي ظل استمرار الهجمات المتبادلة والردود، قد تطور إيران برنامجاً نووياً سرياً خارج نطاق الالتزامات الخاصة بمراقبة التسلح والتفتيش الدولي، مستخدمةً الضربات الإسرائيلية كمبرر. وإذا لم تضرب إسرائيل جميع مواقع تخزين اليورانيوم المخصب الثلاثة، فلن تكون هذه المهمة صعبة على طهران.

بالطبع، الجمع بين هذه الخيارات ممكن. وبالمثل، قد يكون وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية خطوة أولى نحو اتفاق نووي أكبر. وقد تتنازل إيران على المدى القصير، لكنها تعتقد أن الانتقام هو طبق من الأفضل أن يقدم بارداً، وتشن هجمات إرهابية في الأشهر القادمة كشكل من أشكال الانتقام، وبالتالي تقبل بحرب كر وفر إلى الأبد.

** إيسيلين برادي، متدربة في برنامج الحروب، التهديدات غير النظامية، والإرهاب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهي أيضًا طالبة ماجستير في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورجتاون.

* دانيال بايمن، زميل أقدم في المركز وأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون. كتابه الأخير هو نشر الكراهية: الصعود العالمي للإرهاب القومي الأبيض.

https://foreignpolicy.com/

اضف تعليق