: الانتروبيا هي مبدأ فيزيائي يصف ميل الأنظمة نحو الفوضى، وهو ما يُلاحظ في الكون منذ الانفجار العظيم. لكن القرآن الكريم يُقدم تصورًا لدورة كونية تبدأ بالنظام، تمر بالفوضى، وتنتهي بنظام جديد أكثر كمالًا. هذا التصور يُظهر أن الفوضى ليست النهاية، بل مرحلة في طريق الوصول إلى نظام أسمى...
تأملات في قوله تعالى: "وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا"
ما هي الانتروبيا؟
لست مختصا بعلم الفيزياء رغم انني مازلت اتذكر بعض ما درسته في المدرسة منها. لكني راجعت بعض الكتب وسألت الذكاء الاصطناعي عن معنى الانتروبي entropy فقال ان الانتروبيا هي مفهوم فيزيائي يعبر عن مقدار الفوضى أو العشوائية في نظام معين. والمصادر المبسطة التي راجعتها تقول انها مقياس لعدم الانتظام. وتزداد الانتروبيا عندما ينتقل النظام من حالة منظمة إلى حالة أكثر عشوائية. مثلاً، عندما يذوب مكعب ثلج في كوب ماء، تتحول جزيئات الماء من حالة مرتبة (الثلج) إلى حالة أقل ترتيبًا (الماء السائل)، مما يعني زيادة في الانتروبيا.
في علم الديناميكا الحرارية، يُعتبر القانون الثاني للديناميكا الحرارية أساسًا لفهم الانتروبيا، حيث ينص على أن الانتروبيا في نظام معزول لا تنقص أبدًا مع مرور الوقت، بل تميل إلى الزيادة أو البقاء ثابتة في أفضل الأحوال.
الانتروبيا والكون: رحلة من النظام إلى الفوضى
حسب قول الذكاء الاصطناعي: منذ الانفجار العظيم، بدأ الكون في حالة من الانتظام العالي، حيث كانت المادة والطاقة موزعتين بشكل متجانس. مع مرور الوقت، ووفقًا للقانون الثاني للديناميكا الحرارية، تزداد الانتروبيا في الكون، مما يعني أن النظام يتحول تدريجيًا إلى حالة أكثر فوضى. هذا الاتجاه نحو الفوضى يُعرف بـ"سهم الزمن"، حيث يُلاحظ أن الزمن يتقدم في اتجاه زيادة الانتروبيا.
ومع استمرار هذا الاتجاه، يُتوقع أن يصل الكون في النهاية إلى حالة تُعرف بـ"الموت الحراري"، حيث تتوزع الطاقة بشكل متساوٍ، ولا يحدث أي تغير أو تفاعل، مما يعني توقف كل العمليات الحيوية والفيزيائية.
الانتروبيا في القرآن: من الفوضى إلى النظام
يتحدث القرآن الكريم عن يوم القيامة، وهو يوم يشهد *تحولاً كونيًا هائلًا*، حيث تتغير ملامح الكون بشكل جذري. تصف الآيات هذا اليوم بمشاهد من الفوضى والانهيار الكوني، مثل:
"إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ"
"إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ"
"وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ"
هذه الآيات تشير إلى زيادة هائلة في الانتروبيا، حيث ينهار النظام الكوني القائم وتعم الفوضى.
يفهم من بعض الايات ان "يوم القيامة" طوله خمسون الف سنة بحسابنا الارضي الدنيوي.
لكن بعد هذه الفوضى، يُحدث الله تحولاً آخر، حيث يُعيد النظام إلى الكون في صورة جديدة، كما في قوله تعالى:
"وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا"
هذه الآية تعبر عن عودة النظام والنور بعد الفوضى، مما يُمكن تفسيره على أنه انخفاض في الانتروبيا، حيث يُعيد الله الكون إلى حالة من التنظيم والاستقرار.
وقد انتبه صاحب تفسير "الميزان" العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي الى هذا المعنى فبين ان انهاء العالم المادي ليس تخريبا للكون حيث قال: ان فناء الممكن كماله. فناء الكون المادي هو كماله بالتحول الى الكون غير المادي. قوله تعالى: "صنع الله الذي أتقن كل شيء" تلويح إلى أن هذا الصنع و الفعل منه تعالى تخريب للدنيا و هدم للعالم، لكنه في الحقيقة تكميل لها و إتقان لنظامها لما يترتب عليه من إنهاء كل شيء إلى غايته و إيصاله إلى وجهته التي هو موليها من سعادة أو شقاوة لأن ذلك صنع الله الذي أتقن كل شيء فهو سبحانه لا يسلب الإتقان عما أتقنه و لا يسلط الفساد على ما أصلحه ففي تخريب الدنيا تعمير الآخرة. (الميزان ج ١٥ ص ٤٠١)
دورة كونية: من النظام إلى الفوضى ثم إلى نظام جديد
من خلال ما سبق، يمكن تصور الكون على أنه يمر بـدورة كونية تتضمن:
1. بداية منظمة: الانفجار العظيم وبداية الكون بحالة من الانتظام العالي.
2. زيادة في الفوضى: مع مرور الزمن، تزداد الانتروبيا ويعم الفوضى.
3. يوم القيامة: ذروة الفوضى والانهيار الكوني.
4. إعادة التنظيم: خلق كون جديد منظم ومستقر.
هذا التصور يُظهر أن الانتروبيا ليست نهاية المطاف، بل جزء من دورة تؤدي في النهاية إلى نظام جديد أكثر كمالًا.
الخلاصة
الانتروبيا هي مبدأ فيزيائي يصف ميل الأنظمة نحو الفوضى، وهو ما يُلاحظ في الكون منذ الانفجار العظيم. لكن القرآن الكريم يُقدم تصورًا لدورة كونية تبدأ بالنظام، تمر بالفوضى، وتنتهي بنظام جديد أكثر كمالًا. هذا التصور يُظهر أن الفوضى ليست النهاية، بل مرحلة في طريق الوصول إلى نظام أسمى.
اضف تعليق