من شروط تحقيق الاستقلال الفلسفي هو تعيين المشكلة الرئيسة وتحديد طريقة معالجتها في علاقتها مع مشكلات رئيسة اخرى ومع المشكلات الفرعية التي تحتها، إذ لا مبرر لرفض الانتماء إلى أحد المذاهب الفلسفية الكبرى، لو لا وجود مشكلات فلسفية رئيسة، في وضعية حضارية جديدة تتطلب مواجهة ومعالجة متناسبتين مع أبعادها التاريخية والإنسانية...
المقصود بالاستقلال عند نصار هو «الاستقلال» السليم الذي يقدم على الانفتاح والتفاعل الدائم والمشاركة الايجابية، لكن انطلاقاً من الذات، وهذا لا يعني عدم تقبل النظريات الفلسفية المطروحة من قبل الآخر، بل على العكس من ذلك، فنصار ومثلما أوضحنا ذلك سابقاً يدعو إلى التفاعل مع هذه النظريات، ولكن مع التأكيد على ضرورة امتلاكنا للعقل المنطقي الذي يعتمد النقد والتحليل منهجاً من الموضوعات التي لم تنل حقها في الدراسة، هي موضوعة «الاستقلال الفلسفي»، التي تصنع دارسي فلسفة وقراء لا يخضعون لمنهج «الاتباع والتقليد»، وما يميز مفكرنا «ناصيف تصار أنه توقف جليًا لنعالجة هذا الموضوع وإيضاح أهميته وشروط تحققه .
إن من يريد أن يكون متفلسفاً أو يبني فلسفة لها خصوصيتها، عليه ان يتخلص من عقدة تاريخ الفلسفة وأن يمارس النقد والتقييم على ما يقرأ وما يكتب وأن يعيش حياة مجتمعه وينظر إلى مشكلات المجتمع قبل أن ينظر أو يعيش مشكلات هي ليست من صميم معاناة المجتمع، الذي ينتمي إليه.
وهذه هي مهمة الفيلسوف الاجتماعي التأريخي الذي لا يحاول أن يعيش لذاته ويفكر بذاته بقدر ما يحاول «أن يفكر في الوجود الإنساني على الاطلاق» محاولاً في ذلك ان يتعقل الوجود والمجتمعات المحيطة به أو البعيدة عنه، ساعياً إلى القبض على الكنه، الذي في الظواهر والتحولات»، وبالتالي محاولته التخلص من كل التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للأيدلوجيا بمعناه الذي يبقيها محصورة في نطاق الجماعة وإخراجها إلى النطاق المجتمعي أو الاهتمام بالانسان الكلي «فالفيلسوف الاجتماعي التاريخي ليس بالضرورة معبراً عن وجهة نظر جماعة محدودة وتأثيره الفكري ليس محصوراً في نطاق الجماعة التي ينتمي إليها- كما هو حال الايديولوجي أو العصر الذي يعيش فيه، أنه يتحرك ويبدع بقدر الاستطاعة على مستوى الإنسان الكي من حيث هو كائن اجتماعي، تاريخي، بدون انسلاخ عن المجتمع الذي يعيش فيه وعلى الرغم من الصعوبات الحقيقة، التي يواجهها في الارتقاء إلى المستوى الخاص».
ومن هنا كان معنى الاستقلال بصورة أدق المشاركة في تاريخ الفكر والابداع الذي «هو الايجاد دون مثال معين، فإذا تقيد فعل الايجاد بمثال كان تقليداً»، والمشاركة تقتضي الاستقلال والابداع لا يكون دون استقلال ومشاركة والاستقلال كما حدده نصار هو.
1 - اتخاذ موقف من تاريخ الفلسفة والمساهمة فيه، وهذا أول شرط من الشروط المشاركة والابداع في الفلسفة والمساهمة الثورية في تغيير حياة الإنسان العربي في الداخل.
2 - والاستقلال بهذا المعنى ليس انطواء على الذات أو انقطاعاً عن الآخر والاكتفاء بالنفس، فالاستقلال من هذا النوع عند نصار يعني «الانتحار».
3 - فالمقصود بالاستقلال عند نصار هو «الاستقلال» السليم الذي يقدم على الانفتاح والتفاعل الدائم والمشاركة الايجابية، لكن انطلاقاً من الذات، وهذا لا يعني عدم تقبل النظريات الفلسفية المطروحة من قبل الآخر، بل على العكس من ذلك، فنصار ومثلما أوضحنا ذلك سابقاً يدعو إلى التفاعل مع هذه النظريات، ولكن مع التأكيد على ضرورة امتلاكنا للعقل المنطقي الذي يعتمد النقد والتحليل منهجاً، ويأخذ بنظر الاعتبار الوضع السوسيولوجي الذي يعيشه مجتمعنا. فالباحث العربي الذي يسعى للتفلسف يجب عليه أن يستوعب أولاً أصول المشكلات المجتمعية الحضارية المتميزة عن سائر الوضعيات الحضارية الأخرى.
وأن يفهم ثانياً جدلية التفاعل بين التاريخ الحضاري العالمي، فتأريخ الفلسفة من حيث ارتباطها العميق بالمشكلة الأساسية في الوجود الإنساني، ويدخل الفلسفة في صميم الشعوب العربية.
لكي نحقق الاستقلال الفلسفي وما يتعلق به من مفاهيم مثل المشاركة والابداع والمساهمة، وكيفية السلوك لتحقيقها ينبغي علينا أن نلتزم بعد شروط وضعها ناصيف نصار، أول هذه الشروط، تحديد الغير الذي ينبغي أن يتم التفاعل معه، ومن ثم الشروط الخاصة بالفاعل معه، والغير الذي يعنيه نصار هو التأريخ الفلسفي بالمعنى الواسع، أي التفكير العقلي النظامي في مبادئ الوجود والمعرفة والعمل، في إطار حضارات ثلاث هي الحضارة اليونانية والحضارة الأوربية الحديثة والمعاصرة.
اما الشرط الآخر الذي يضعه نصار لتحقيق الاستقلال الفلسفي، فهو رفض الانتماء إلى أي مذهب فلسفي، مهما كانت منزلته في تاريخ الفكر الإنساني، من حيث أنه غير نابع من داخل الوضعية الحضارية العربية الجديدة، وقيمة المذهب المختار تظل متوقفة على ما يدعمه من مشاركة وابداع من جهة المتبني. فموقف الاستقلال يعطيه حرية تجاه الاشكالية الت يبنى المذهب عليها وقدرة على استيعاب مضامينه استيعاباً نقدياً وعلى استخدامه في تلبية حاجاته النظرية، بصورة غير متوفرة في موقفه الاتباعي المنهجي، بمعنى أن المتبني لمنهج ما فإنه يضطر إلى التأويل والحذف، لكي يجعل هذا المذهب متناسباً وحاجاته الاجتماعية.
من شروط تحقيق الاستقلال الفلسفي هو «تعيين المشكلة الرئيسة وتحديد طريقة معالجتها في علاقتها مع مشكلات رئيسة اخرى ومع المشكلات الفرعية التي تحتها»، إذ لا مبرر لرفض الانتماء إلى أحد المذاهب الفلسفية الكبرى، لو لا وجود مشكلات فلسفية رئيسة، في وضعية حضارية جديدة تتطلب مواجهة ومعالجة متناسبتين مع أبعادها التاريخية والإنسانية.
وأخيراً تستطيع تحديد شروط تحقق الاستقلال الفلسفي وهي:
أولاً: فهم الذات من خلال الوعي بها والثقة بامكانياتها على الخلق والإبداع.
ثانياً: الوعي بالمشكلات المحيطة بنا وذات المساس بوضعيتنا الحضارية التي نعيشها.
ثالثاً: قراءة النظريات والاطلاع عليها ومحاولة الانفلات من سيطرتها، والاستفادة من خزينها المفاهيمي بما يخدم عملية الابداع، وهذا لا يتحقق الا بامتلاك القارئ القدرة على التحليل والتقييم.
رابعاً: بناء علاقة جدلية بين الماضي والحاضر والفكر والواقع، بما يخدم المستقبل الذي سيكون حاضراً واقعاً نعيشه أو يعيشه مجتمعنا.
اضف تعليق