المتمجدون نُخب فكرية وثقافية لكنْ، لهم نهجٌ يُجيدون اتقانه، ألا وهو «الولاء» للسلطة، اي سلطة كانت، تجدهم في المقدمة يؤكدون موالاتهم لها. ينطبق عليهم المثل القائل (الياخذ أمي يصير عمي)، المتمجد هو أن ينال جذوة من نار جهنم كبرياء المستبد ليحرق بها شرف المساواة في الإنسانية...
المتمجدون نُخب فكرية وثقافية لكنْ، لهم نهجٌ يُجيدون اتقانه، ألا وهو «الولاء» للسلطة، اي سلطة كانت، تجدهم في المقدمة يؤكدون موالاتهم لها. ينطبق عليهم المثل القائل (الياخذ أمي يصير عمي)، المتمجد هو بحسب قول الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد) «هو أن ينال جذوة من نار جهنم كبرياء المستبد ليحرق بها شرف المساواة في الإنسانية، أو أن يتقلد الرجل سيفًا من قِبل الجبار يُبرهن أنه جلاد في دولة الاستبداد».
لا لوم على بسطاء الناس في الولاء للمذهب أو الطائفة أو للأشخاص، الذين نشؤوا في مجتمع يُحيطهم بهالات من التبجيل والاعتقاد بكرامتهم.
ولكن اللوم يقع على النُخبة الثقافية والفكرية والأكاديمية، التي لا هم لها غير التساوق مع الخطاب السائد عند جمهور هؤلاء البسطاء، ليكونوا أتباعًا لا ناقدين، ومبررين لا يُشكلون على غياب الوعي العقلاني بقدر ما يعملون على البحث عن ممكنات تاريخية وتراثية للقناعة به.
حينما ترتد النُخب الفكرية والثقافية والأكاديمية عن منهجية التفكير الناقد، لتسمح للفكر السكوني التقليدي الراكد في الحضور والسطوة، فإنما هي مشاركة في استغفال الجماهير، إن لم تكن مشاركة في فساد الواقع الثقافي والاجتماعي والأكاديمي.
المشكل في الممجدين لهم من النُخب الثقافية والفكرية والأكاديمية، ممن يزوقون للسلاطين وصُناع القرار أفعالهم، وإن كان ضررها أكثر من نفعها لجمهور العامة وبسطاء الناس ممن تُحركهم العاطفة وتاريخ الولاء للفكرة التي يدعي السلاطين وصُناع القرار أنهم الممثلون الحقيقيون لها، ومهمة المتمجدين كما أسماهم (الكواكبي) تزيين أفعال هؤلاء.
شخّص د.عبدالجليل الطاهر حال أمثال هؤلاء وأسماهم بالسدنة، وهم الجماعة الذين يرتبط وجودهم المعنوي والمادي بوجود الصنم، إذا لم يكونوا هم من صنعه. يتميزون بسلوك حربائي متلون. السدنة هم جماعة تُظهر دائما ولاءها للصنم وتحارب كل ما يُخالف عقيدته. لكنها في الوقت ذاته هي لا تؤمن في قرارة نفسها بقدسية الصنم، فتجدهم يميلون إلى إظهار أنفسهم أمام المعارضين الأقوياء، ومن يظنون أنهم في يوم ما ربما سيكون هؤلاء المعارضون هم على رأس السلطة، نجدهم يميلون في تعاملهم مع هؤلاء إلى اللين والموازنة والتوافق في الموقف.
مهمة المتمجدين هي حشد البسطاء وتطويعهم لخدمة الصنم وتحقيق مصالحهم الذاتية. هذه المهمة تكون عن طريق خلق الأوهام والأساطير وإشاعة الخرافات في سبيل الإبقاء على الصنم للمحافظة على امتيازاتهم، وهنا يكون الصنم وسيلة لتحقيق أغراض السدنة وأهدافها.
أكد عبدالله العروي أن إصلاح المجتمع يكمن في إصلاح الفكر، وجعل التأليف أداة نقد، لا أداة اغراء وتنويم» كما فعل ويفعل المتمجدون والسدنة، هؤلاء صنفهم العروي إلى ثلاثة هم: الشيخ والتقني والليبرالي، وأن النخبة الفكرية أسيرة نمط التفكير للخطاب المُهيمن للسلطة، وهم قد يكونوا تراثيين سكونيين (محافظين) أو حداثيين تغريبين أو كما أسماهم الوردي (المتفرنجين)، وكلاهما اتباعيون سدنة ومتمجدون.
يكمن إصلاح المجتمع في إصلاح الفكر، وجعل الكتابة أداة نقد،لا أداة اغراء وتنويم» كما فعل ويفعل المتمجدون والسدنة.
ذكرت في مقال سابق لي ما نصه «قد يكون لأغلب شعوب العالم القديم أوثانها أو أصنامها، ولكن المشكل الكبير يكمن في جعل فكرة التوحيد ورسالاتها رهينة القبول بشكل آخر للتصنيم، ألا وهو تمجيد رجالاته ليكونوا بمثابة أصنام لا يمكن لشخص ما المساس بقدسيتها، وكأن المساس بقدسيتهم يقترب من المساس بعقيدة التوحيد السماوية»، وهذا هو ما يفعله المتمجدون ويعملون عليه، بل ويعتاشون منه وفيه.
يستغل المتمجدون ثقافتهم وقدرتهم على استغلال بسطاء الناس وخداع السلطة، لذلك يرى د.عبدالجليل الطاهر في كتابه «أصنام المجتمع» أن المتمجدين هم الذين يخلقون الأصنام في المجتمعات البدائية والمجتمعات ذات الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية والعشائرية، فيعملون على:
1ـ تأليه المستبد أو الذات (الصنم)، وجعلها ممثلة الله في الأرض، بل كل ما ينطق به ويتصرف إنما هو أمر مقدر، وهناك ما أسماهم الكواكبي «المتمجدون» الذين يزينون للمستبد أفعاله.
2ـ تشجيع الخرافة والدفع باتجاه الأسطرة والقدرة العجيبة على ربط معارفه بالبعد القدسي وتوجيه الوعي الجمعي، باتجاه القناعة بقدرته على قراءة وجدان الناس ودواخلهم، وأنه له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالقوة الغيبية.
3ـ الدفع بإتجاه المحافظة على قيم الطاعة
واجب المتمجدين هو حشد البسطاء وتطويعهم لخدمة الصنم وتحقيق مصالحهم الذاتية. هذه المهمة تكون عن طريق خلق الأوهام والأساطير وإشاعة الخرافات في سبيل الإبقاء على الصنم للمحافظة على امتيازاتهم، وهنا يكون الصنم وسيلة لتحقيق أغراض السدنة وأهدافها، فحلت العبودية محل التحرر، الذي رامه النبي محمد بدينه الجديد، وصرنا نصنع أصناماً جديدة ليست من حجر بل بشر منا، وضعناهم بديلا عن الأصنام التي جاءت الرسالة الإسلامية لتهديمها وتحرير الإنسان من عبوديتها.
اضف تعليق