فمتى تتكون دولتنا العراقية؟، دولة مدنية ديمقراطية ذات مؤسسات ثابتة يسودها القانون، ويتحد فيها المواطنون في مجتمعٍ يخضع لمنظومةٍ من القوانين، مع وجود قضاء يُرسي مبادئ العدالة في إطار عقدٍ اجتماعي تتوافق فيه إرادات جميع، أو أغلب مكوّنات وقوى المجتمع...
بقي التعدد القومي والديني والمذهبي منطلقاً للتفريق، وتفتيت الوحدة الوطنية العراقية من قبل أعداء الوطن، لكن مثقفي العراق بقوا يرفعون شعار المواطنة، التي تعني ان يكون الناس متساوين أمام القانون وفي الحقوق والواجبات والشعور بالانتماء إلى هذا الوطن، هذا المنطلق الأول، أما المنطلق الثاني، فيكمن في العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، حيث بقيت هذه العلاقة واهنة وضعيفة، والتي من المفترض ان تكون قائمة على مبدأ الحقوق والواجبات
لا بد من تحديد مفاهيم معينة لتسمية دولة، ورغم تباين الاتجاهات الدستورية بشأن تعريفها، إلا إن الإجماع انعقد أن يكون هناك مجموعة من الأفراد، تعيش مستقرة في إقليم محدد وتخضع لسلطة سياسية معينة، ومعترف بها دولياً، وعلى هذا المرتكز تأسست الدولة العراقية عام 1921م، ولا أريد أن ادخل في تفاصيل تاريخ نشوئها، إنما أركز على غاية معينة ومهمة، ألا وهي متى نتخلص من فوضى التقلبات التي أصابت الدولة العراقية، وتكون الاهداف المركزية، والتي تتمثل في بناء الدولة المستقرة، ذات المؤسسات الثابتة المحمية دستوريا وغير المخترقة؟
لاشك مسار الظروف القاسية، التي مر بها شعب العراق خلال السنين المنصرمة من عمر الدولة العراقية، كانت قاسية جدا تضمخت بدماء التضحيات والشهادة، هذه القسوة جعلت المواطن الواعي واقصد الإنسان المثقف، وهو يتساءل لماذا نحن نتراجع وبكل حقبة تاريخية تمر؟ وحين ندخل في حلقة المناقشة متسائلين عن السبب في هذا وأين يقع مكمن التساؤل؟، فهل تكمن مشكلتنا في طبيعة الإنسان، ام في المجتمع وتركيبته، أم في ظروف البلد وثرواته من النفط والثروات الأخرى، التي جعلت العراق محط العالم، أو قياداته التي حكمته بدون رؤية، أو حكمة وطنية عقلانية في استيعاب أثنية المجتمع؟
ونحن نختصر التاريخ لنقول بعد سقوط الدكتاتورية 2003م، كان الاتجاه الأكثر صلابة، هو حماية المجتمع من الانزلاق في الصراعات وحمايته من الطغاة أولا، وثانيا من السقوط في الأزمات الخطيرة، التي تهدده بالاستمرار في التخلف والوقوع في التفسخ والفوضى والاستمرار في متاهات الضياع، وكذا دوامات الصراعات العِرقية والطائفية، والحقيقة كانت هذه المخاوف مدعاة للتفكير جدياً بإمكانية إيجاد طرق للعلاج والوقاية.
وكان الإجماع على ان أسباب التراجع في بناء الدولة، هو عدم وضع النقاط على الحروف، فبرغم تكاتف فئات الشعب العراقي المختلفة، بقي التعدد القومي والديني والمذهبي منطلقاً للتفريق، وتفتيت الوحدة الوطنية العراقية من قبل أعداء الوطن.
لكن مثقفي العراق بقوا يرفعون شعار المواطنة، التي تعني ان يكون الناس متساوين أمام القانون وفي الحقوق والواجبات والشعور بالانتماء إلى هذا الوطن، هذا المنطلق الأول، أما المنطلق الثاني، فيكمن في العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، حيث بقيت هذه العلاقة واهنة وضعيفة، والتي من المفترض ان تكون قائمة على مبدأ الحقوق والواجبات، أي تحديد دور المواطن وتحديد دور الدولة، كي يصبا في ساقية بناء دولة المواطنة.
وقد تكون أول خطوة هي إزالة ثقافة عدم احترام المواطن للدولة، وعدم احترام الدولة لمواطنيها، ثم محاولة إيجاد وترسيخ الثقة بينهما، اما المنطلق الثالث، فيتعلق بالأحزاب التي عجزت من خلال توليها السلطة عن تقديم مشروع سياسي لدولة المواطنة، وبقيت في مصالحها الضيقة القائمة بالتنافس على الحكم والتشبث بالحكم وإفساده، وهنا أتحدث كشاهد على حقبة مابعد السقوط 2003م، اما المنطلق الرابع المتمثل في الانقلابات العسكرية، حيث التخبط في إدارة الدولة.
كما ان هناك قضية الاستقرار الطبقي وترتيب طبقات المجتمع العراقي، وعدم العناية به، كونه يعني أن المجتمع فيه حراك طبقي قائم على الإبداع والكفاءة والمهارة والمهنية والنمو الاقتصادي والاجتماعي، ويمكن لأي إنسان أن يتحرك بين الطبقات، اعتمادا على قدراته ومواهبه، لأن التاريخ يدلنا على نمو وتشكل المجتمعات على شكل طبقات ذات مميزات اجتماعية واقتصادية وثقافية، أي وجود طبقات متعددة في السلم الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع.
ولا بد من توضيح الأمر، ليكون جلياً هو لا يعني بقاء الناس في طبقات منعزلة عن بعضها ومتسلطة على بعضها، ونقولها في حسرة منّا إن طابع التراتيبية في مجتمعنا شكلية لماذا؟ لأنها قائمة على المال، أو العشائرية، أو بواسطة الوراثة، أو العمل في أجهزة السلطة المرافق لها الفساد، والحقيقة نتيجة شكلية هذه التراتيبية أدت إلى تدمير طبقات فاعلة وتكوين طبقات أخرى طارئة، ففي زمن النظام السابق قام النظام بتدمير الطبقة الوسطى وأقام مكانها طبقة من القادة الحزبيين والعسكريين والأمنيين وتجار الحصار الفاسدين والشيوخ الطارئين على المشيخة، ونحن ندرك أن الطبقة الوسطى، هي محرك المجتمع نحو التقدم والاستقرار، لأنها تضم المهنيين كأساتذة الجامعات والقضاة والمحامين والأطباء والمهندسين والمدرسين والموظفين والضباط والمتعلمين والمثقفين والتجار والصناعيين، ودورها في جميع المجتمعات المُحافظَة على استقرار المجتمع.
ناهيك عن تحويل الأجهزة الامنية، تخدم الانظمة الحاكمة وسلطاتها وتذل المواطن وتسلبه حقوقه، وكلما زادت في إذلال المواطن أخذت صلاحيات أكثر، وكذلك بقيت الثروات تحت تصرف السلطة، لتنمية التسلط والتعسف تجاه المجتمع لا للبناء والتنمية. فمتى تتكون دولتنا العراقية؟، دولة مدنية ديمقراطية ذات مؤسسات ثابتة يسودها القانون، ويتحد فيها المواطنون في مجتمعٍ يخضع لمنظومةٍ من القوانين، مع وجود قضاء يُرسي مبادئ العدالة في إطار عقدٍ اجتماعي تتوافق فيه إرادات جميع، أو أغلب مكوّنات وقوى المجتمع.
اضف تعليق