تتغير سلوكيات الاطفال المدمنين على التكنولوجيا بسبب العزلة وعدم الاحتكاك بالآخرين، فقد تظهر لديهم علامات وأعراض انعكاف اجتماعي وانطواء على الذات، كما قد تظهر بعض السلوكيات العدوانية والعنف لدى البعض بسبب التأثر بطبيعة الأفلام والألعاب الضارة التي يتداولونها مما تجعلهم غير قادرين على التوفيق بين الواقع والخيال...
كيف أثرت التكنولوجيا على سلوكيات الاطفال والمراهقين؟
ما هي المعالجات التربوية الجوهرية التي تتناسب مع حجم التحديات التكنولوجية؟
التكنولوجيا ومشتقاتها في عصرنا هذا أصبحت شريان جديد في الحياة ووسيلة تعامل تقتحم رويدا رويدا المنصات الهامة في التعاملات وفي تفاصيل حياتنا اليومية، حتى غدت في بعض الأحيان شر لابد منه!
هذه الحقيقة عاجلا ام آجلا ستحتم مواكبة الواقع الجديد وحركته طوعا أو كرها، لأن التمرد أو التجاهل لهذا الواقع قد يخلق حالة ضياع في متاهات الالتزامات مما يعقد إدارة شؤون المرء الخاصة والعامة.
لا يقتصر وجود هذا الشريان الجديد في حياة الكبار فحسب وانما يمتد لحياة الأبناء والصغار منهم. إستخدام التكنولوجيا لدى الأطفال سلاح ذو حدين، فكما يحمل الإيجابيات فقد تكتنفه السلبيات. تبني سياسة وسطية متوازنة في إدارة هذا الأمر الشائك قد يكون الأسلوب الأنسب والأصح في تحفيز الإيجابيات وتجنب السلبيات. هذه الموازنة الدقيقة تستدعي حيطة وحذر وانتباه الوالدين، فهم أمام تحدي معاصر يهم مستقبل الأبناء ومفاهيمهم وتصرفاتهم.
التكنولوجيا الحديثة بكل أركانها تعتبر مصدر بحث وفضول واستكشاف وتسلية للأطفال والابناء، تستحوذ على اهتماماتهم وتطلعاتهم وتؤثر على تصرفاتهم. دون شك هذه التكنولوجيا تحمل معها إيجابيات التطور المعرفي وتنمية مهارات الأطفال الفكرية والفنية من خلال السعي وراء المعلومات والاطلاع على ثقافات العالم وتاريخ وجغرافية البلدان ولغاتها، إضافة إلى تحفيز القابليات الفكرية والمواهب من خلال حل المسائل الرياضية وتعلم الرسم والتخيل البصري وأدوات التفكير الترفيهية وغيرها.
هذه الإيجابيات يجب ألا تشوبها سلبيات الاستخدام وهي كثيرة ونذكر منها:
اولا؛ التأثير السلبي على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية، الاستخدام المفرط للتكنولوجيا والانكفاء والاكتفاء بالألعاب الإلكترونية والادمان على هذا النهج، تجعل الأطفال والمراهقين على اختلاف أعمارهم في وحدة وعزلة عن الآخرين لأكثر الأوقات. هذا الانعكاف الاجتماعي قد يتطور إلى ارهاصات جسدية ونفسية من تعب واجهاد وسهر وقلة نوم بل وحالات من القلق وربما حتى الاكتئاب.
كما بينت التقارير الطبية الموثقة حالات عدم الإنتباه وصعوبة التركيز وفي بعض الأحيان تأخر في النطق لدى بعض الأطفال نتيجة الإفراط باستخدام التكنولوجيا الحديثة. ذهبت بعض الدراسات في سلبيات التكنولوجيا إلى أبعد من ذلك، حيث بينت أن الادمان على التكنولوجيا قد يربك نمو الطفل عقليا وجسدياً وقد يؤثر على وزنه باتجاه الزيادة أو النقصان عن الحدود الطبيعية.
كما أن الأشعة الصادرة من أجهزة التكنولوجيا قد تؤدي لضعف البصر وارباك الرؤيا نتيجة لاستخدام هذه الأجهزة لوقت طويل. إضافة لهذا وذاك فقد تحصل انحناءات في بعض عظام الرقبة والظهر المتأثرة بطول فترات الجلوس غير السوية.
ثانيا: اضطرابات سلوكية لدى الأطفال، قد تتغير سلوكيات الاطفال المدمنين على التكنولوجيا بسبب العزلة وعدم الاحتكاك بالآخرين، فقد تظهر لديهم علامات وأعراض انعكاف اجتماعي وانطواء على الذات، كما قد تظهر بعض السلوكيات العدوانية والعنف لدى البعض بسبب التأثر بطبيعة الأفلام والألعاب الضارة التي يتداولونها مما تجعلهم غير قادرين على التوفيق بين الواقع والخيال.
فوق هذا وذاك فقد يتخلف البعض دراسيا نتيجة الكسل والخمول وتشتت الذهن وفقدان الرغبة في الدراسة. كما بينت الدراسات بأن الإدمان على التكنولوجيا قد تربك بناء مشاعر الطفل وعواطفه واهتماماته الاخرى وقد تخلق لديه حالة الاعتمادية على الآخرين في إدارة شؤونه، وفي بعض الأحيان حالات من الخوف "الفوبيا" مختلفة الجوانب أو تحفيز ظاهرة التنمر واستخدام الألفاظ السيئة نتيجة انجرار البعض الى مواقع ضارة وغير سليمة. كل هذه الأمور قد تؤثر على تصرفات الأطفال وعلى مهاراتهم الشخصية وابداعاتهم وصيرورتهم الاجتماعية.
تحجيم مضار التكنولوجيا
التصدي لسلبيات التكنولوجيا على الأبناء باختلاف أعمارهم مهمة حساسة يتحمل مسؤوليتها الآباء في الدرجة الأولى، ولابد من إيجاز بعض أركان صيغة التعامل مع الأبناء من أجل تحفيز إيجابيات من جهة وتحجيم مضارها وسلبياتها من جهة أخرى وهي كالآتي:
أولا/ الاستخدام المشروط للتكنولوجيا؛ اي تبني سياسة النصيحة باختيار الصالح ونبذ الطالح وباتباع أسلوب الوسطية في التعامل مع الأبناء حيال التكنولوجيا المستخدمة لديهم فلا تفريط ولا إفراط، حيث لا يجوز منع الأبناء عن حقهم في إستخدام هذه التكنولوجيا المعاصرة التي قد أصبحت أساس من أسس التعامل في الحياة الحالية والمستقبلية من جهة، ولا يجوز تركهم دون مراقبة وتفاعل ونصيحة وإشراف حد الوقوع في المكروه من جهة أخرى. اي يجب استخدام أسلوب موازنة دقيق بين التحفظ وإطلاق الحرية في استخدام التكنولوجيا.
ثانيا: تفعيل تطبيقات حماية الطفل؛ من أجل منع الاطفال من الوصول إلى المواقع غير المرغوبة أو مشاهدة مقاطع من الفيديو لا تتناسب مع أعمارهم، يجب حجب المواقع الضارة أو غير المناسبة والسماح للمفيد النافع.
ثالثا: تنظيم أوقات استخدام التكنولوجيا؛ يجب على الآباء تحديد فترة زمنية يومية لاستخدام التكنولوجيا بحيث لا تتضارب مع مستلزمات دراسة أطفالهم ولا تتعدى الفترة الزمنية المسموح بها طبقا لعمر الطفل. في نفس الوقت يتحتم على الآباء مشاركة أبنائهم في تلك الفعاليات من أجل الاشراف من جهة والاطلاع على طبيعة اهتماماتهم من جهة أخرى.
رابعا: تنويع فعاليات الأبناء، على الآباء أن لا يسمحوا لأبنائهم بجعل التكنولوجيا وحدها محطة اهتمامهم، بل يجب التنويع في الاهتمامات ومشاركة الفعاليات غير التكنولوجية في يومهم، كالرياضة والرسم واللعب مع الأصدقاء والاندماج مع العائلة ومشاركتها، من أجل الحفاظ على العلاقات الاجتماعية واستدامتها وتنميتها ومن أجل تنمية مشاعر الصلة والتفاعل الاجتماعي وبناء العاطفة لدى الأطفال.
خامسا: جدولة الممنوع والمسموح في الاستخدام، على الآباء جدولة المواضيع المسموحة التي يستطيع الطفل اختيارها من أجل الفائدة والاستمتاع دون المواضيع الممنوعة التي يجب على الطفل تجنبها وعدم الإطلاع عليها أو مراودتها. النصح بهذا المنح يجب الا يكون بالزجر والتخويف إنما بتوضيح المخاطر والأسباب، كي لا نجعل الطفل يتأثر بقاعدة "الإنسان حريص على ما منع"!.
اضف تعليق