البيوت العراقية وبتصاميمها المعروفة تصبح في فصل الصيف الحارق بمثابة زنازين وليس أماكن لراحة افراد الاسرة باختلاف أعمارهم، ما يستدعي وقفة جادة من أصحاب القرار لمنع او إيقاف معاناة الفرد الذي لم ترحمه الظروف قط، وتقف الى جانبه في توفير ساعات منام خالية من التعرق والضجر...
متعارف عليه ان بعض الأشخاص يصابون بأمراض مزمنة او موسمية كالأمراض الجلدية، تظهر آثارها على الطبقة الخارجية من جسم الانسان في فترات منتظمة، ومن غير المتعارف عليه هو إصابة بلد بأكمله بمرض لا يمكن علاجه، فالعراق مصاب في الوقت الحالي بمرض موسمي وهو ازمة الكهرباء التي تتصاعد حدتها في فصل الصيف وتبدأ بالاختفاء تدريجيا مع الاقتراب من الشتاء.
تواجه اغلب المدن العراقية مشكلة قلة توليد الطاقة الكهربائية، وزادت ساعات الانقطاع هذه بعد ان قلصت إيران كمية الغاز الذي تصدره الى العراق، من 50 مليون قدم مكعب قياسي الى 5 ملايين، بسبب عدم استيفاءها المستحقات المالية المترتبة على العراق طيلة الفترات الماضية، فيما بلغت حكومة طهران وبشكل رسمي الحكومة العراقية بانها ستخفض الى 3 ملايين في حال استمرت بهذه السياسية وعدم دفع الديون المتبقية.
مشكلة الكهرباء تعد واحدة من المشكلات المستعصية في العراق، وليس لأنها فعلا يصعب وضع حل لها، بل لكونها تخضع للتجاذبات السياسية الحاصلة بين الكتل، كذلك لم تخرج من محيط الولاء للخارج وتغليب مصلحته على المصلحة الوطنية، فالبلاد تعاني منذ تغيير النظام عام 2003 من نقص كبير بساعات التجهيز والى الآن لم تقدم الحكومات المتعاقبة أي حل للازمة المزمنة.
وفي بعض الأحيان ازدادت ساعات الانقطاع لتصل الى 14 او 16 ساعة في اليوم الواحد، وفي ذات الوقت تعلن الوزراء الأرقام المهولة التي تم صرفها على هذا القطاع الذي لم يتنفس الصعداء بأي وقت مضى، وبحسب تقرير للجنة البرلمانية فأن العراق قد صرف قرابة 60 مليار دولار خلال السبعة عشر عاماً الماضية، ويعتبر هذا المبلغ قياسياً، لو اخضعنا الأرقام لمسالة المقارنة، فهنالك دول صرفت اقل من ربع هذا المبلغ وتمكنت من تأمين طاقة كهربائية تتجاوز 30 ألف ميغاواط ومنها على سبيل المثل، مصر والمغرب.
إذا ليس الخلل في منظومات الكهرباء فقط، بل توجد مشكلة عميقة في هذا الملف، فالعمل على التخلص منه يصطدم بالرغبات الخارجية التي لا تريد للعراق ان يكون قادرا على توفير الراحة والرفاهية فيما يتعلق بالجانب الكهربائي الذي لم يفارق ذهن العراقيين منذ الصباح وحتى الصباح في كثير من الأوقات.
وتشير التوقعات الرسمية الى ان حجم الطلب على الكهرباء سيزيد بنسبة 5% سنوياً، نظراً إلى ارتفاع عدد السكان، والذي سيؤدي بدوره الى زيادة الحاجة لإنتاج الطاقة سواء عن طريق المحطات التي تعمل بالغاز الطبيعي، او الديزل، وبالتأكيد فأن هذه الزيادة في الطلب ستضاعف المشكلة وتفاقمها أكثر مما في السابق.
وفي خطواتها العرجاء لتحسين واقع الكهرباء في البلاد تمكنت وزارة الكهرباء من النهوض بمستوى الإنتاج وصولا الى 19 ألف ميكاواط، سعيا لتحقيق انتاج 22 ألف ميكاواط، بما في ذلك ما تستورده من إيران.
ملف الكهرباء في العراق يقف وراءه ترديه العديد من العوامل، وأكثرها ارتباطا فيه هي الداخلية، اذ تتمثل بالاعتماد على الحلول البديلة ونصب المولدات العائدة للقطاع الخاص، مع وجود مؤشرات على وجود علاقة بين أصحابها مع رجال الدولة في جميع المحافظات، الامر الذي يؤخر إمكانية إيجاد الحلول الجذرية لها.
كما ان عدم توفير الطاقة الكهربائية يجعل المواطن يدور بنفس الدائرة المفرغة، ولا يتمكن من الخروج من الخليج المتلاطم بالمشاكل، فبعد الخروج يصبح له تطلعات أكبر، ويأخذ بإثارة الموضوعات المتعلقة بالسلطة والأمور السياسية التي تهدد الاستقرار المزيف وهو ما تخشاه الأنظمة الحاكمة.
بينما يمكن القول ان هذا التصور هو من التصورات الخاطئة جملة وتفصيلا، فالمواطن عندما تتوفر لدية وسائل الراحة، يذهب الى البحث عن الجوانب التي تطور ذاته وتحسين بيئته الاقتصادية والصحية والاجتماعية، عبر انشاء مرافق حيوية تخدم الحقيبة المالية للفرد، مثل بناء المصانع والمصالح التي تعتبر الكهرباء عمودها الفقري وقوام تفعيلها.
لا يحتاج العراق شيئا مستعصيا غير تطوير موارده الداخلية لضمان استمرارية تدفق الأموال وصيانة مشاريعه الكهربائية الموجودة على ارض الواقع، مع الحث المتواصل على تشييد محطات توليدية في المحافظات التي تفتقر الى الآن للمحطات، ومن ثم الاعتماد عليها في تزويد المحافظة باحتياجها من الطاقة، وإلغاء نظام التوزيع المركزي الذي فيه ظلم واضح للمدن الحاضنة للمحطات الإنتاجية في مناطق الوسط والجنوب تحديدا.
نعرف جيدا ان العراق يعاني من التعقيدات السياسية التي القت بضلالها على كافة الملفات، ومن بينها ملف الكهرباء، فلو كانت النية سليمة لتخليص الافراد من هم انقطاع الكهرباء، لتم تفعيل الطرق البديلة والتي من الممكن لها ان توفر أكثر من 75% من حاجة العراق للغاز ومنها الغاز المصاحب الذي يتم اهدار أكثر من 60% منه بالحرق منذ عشرات السنوات، وكذلك حقول الغاز الحر والتي تتواجد بشكل اساسي في ديالى وغرب الانبار.
ومن الأدلة على التقصير الحكومي هو ما حصل في سنة 2018، اذ جرت جولة تراخيص لاستثمار الحقول الحدودية والغازية الموجودة في محافظة ديالى، ولأسباب مجهولة لم يتم استثمار هذه الحقول على الرغم من تأكيد الشركات التي فازت في المناقصة على قدرتها بإنتاج الغاز الموجود في هذه الحقول خلال سنة الى سنة ونصف.
البيوت العراقية وبتصاميمها المعروفة تصبح في فصل الصيف الحارق بمثابة زنازين وليس أماكن لراحة افراد الاسرة باختلاف أعمارهم، ما يستدعي وقفة جادة من أصحاب القرار لمنع او إيقاف معاناة الفرد الذي لم ترحمه الظروف قط، وتقف الى جانبه في توفير ساعات منام خالية من التعرق والضجر.
اضف تعليق