جاء في سورة الرعد المباركة الآية 11: "إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حتى يُغَيَّروا ما بِأَنْفُسِهِمْ"، وتشير هذه الآية المباركة بوضوح إلى أن أي فعل تغييري لابد أولاً أن ينبع من داخل الذات الإنسانية طالما أن التغيير من سنن الله تعالى في خلقه وأن الأشياء التي خلقها جَلَّ وعلا إنما خُلِقت بقدر معين. ولعل الحاجة للتغيير تأتي بسبب اختلاف الظروف وتبدلها بين أزمنة مختلفة، خصوصاً في طرائق التفكير بين أجيال قديمة نشأت في ظروف ومراحل معينة، وأجيال جديدة نشأت وتنشأ في ظروف مختلفة كلياً، حيث التطور التكنلوجي، واختصار العالم بوسائل اتصالية حداثية، وما يستتبع هذه التبدلات من تداخل حضاري ينبغي أن يكون بقدر معين؛ حتى لا تنقلب الأمور إلى العكس.

فبين نمط بطيء تعودت عليه أجيال قديمة، ونمط متسارع بشكل هائل يحكم مزاج الأجيال الحالية؛ يحضر البون الشاسع في طريقة التفكير، الأمر الذي يجعل الحاجة للتغيير ضرورية.

والتغيير هنا لا يعني أن ننسف النمط الفكري القديم والانحياز للجديد أو العكس؛ بل يُفترض إيجاد مقاربة بين الأنماط التفكيرية تعتمد على صيغة للتفاهم تجعل القبول بالآخر مركزاً لهذه المقاربة، حيث يمكن للقدماء أن يستوعبوا التطور والتسارع في النمط الجديد، مثلما يمكن للأجيال الحالية الاستفادة من الأنماط القديمة والانطلاق منها لإحداث التغييرات المطلوبة التي تتلائم مع متطلبات ما يعيشون فيه من عصر يتطور باستمرار.

الحاجة للتغيير، وإن كانت تبدأ من الأفكار كأساس، لكنها على الصعيد الواقعي تحتاج إلى تطبيقات عملية، فليس من المنطقي والشعوب تشهد هذا الانفتاح العلمي والاتصالي، أن تُحكم وفق أمزجة قديمة غير آبهة بما يجري حولها معتمدة على عناصر السلطة التي تأخذ شكل القمع ومصادرة الآراء. فعملية قيادة الشعوب في مثل هذه الظروف المتغيرة شبيهة بطريقة التدريس التي يحاضر فيها رجل في العقد السابع من عمره وفق منهجية أكل عليها الدهر وشرب أمام طلبة لم يبلغوا العشرين!

لا يعني هذا أن المنهج الذي يعتمده المحاضر السبعيني منهج خاطىء، بل أن آلية تقديم المنهج هي التي لا تتناسب مع استيعاب العقول الشابة.

الحل إذاً هو في تجديد الآليات التي نقدم بها المناهج في الفكر والثقافة والاقتصاد وعلم الاجتماع وغيرها من المعارف التي تعنى بالعلوم الإنسانية. وتجديد الآليات؛ يلزم أولاً مقدمات أساسية تهيّء لإحداث فعل التغيير، خصوصاً إذا اتصل بالتداعيات السياسية، وهذا يعني أن الوعي بالسياسة، وفهم خفاياها من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المتصدي للتغيير أو الممارس له. ولهذه الجزئية يشير المفكر الإسلامي الكبير السيد (محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله) بأن المتصدي لفعل التغيير من دون الوعي بجوهر الفكرة المراد إحداث التغيير فيها؛ فإنه " لا يتمكن من مواصلة السير بالحركة إلى شاطئ السلام والهدف المنشود. ومن الواضح ان كثرة كبيرة من المثقفين سواء الدينيين منهم أو الزمنيين لا يعرفون السياسة إلا ظاهراً منها؛ لأنهم لم يدرسوها ولم يباحثوها بل ولربما لم يطالعوها، وإنما كان هم المثقفين الدينيين بعض الأمور الدينية التي هم بصددها، أما المثقفون الزمنيون فهمهم في دروسهم وممارساتهم العلمية منحصر في الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء وغير ذلك، ولذا نرى المسلمين يُصَبُّ عليهم البلاء صَبَّاً وهم لا يعرفون المصدر ولا الكيفية ولا الخصوصيات؛ ولذا يعجزون عن العلاج والخروج من المأزق، فمن اللازم دراسة السياسة دراسة مستوعبة ، ثم مباحثتها ومواصلة مطالعتها بدقة، وحيث لا يمكن تجريد السياسة عن علمي الاجتماع والاقتصاد، فاللازم دراستهما أيضاً"1

وهنا تأكيد على الوعي بالفكرة من خلال دراستها دراسة شاملة من جميع الأبعاد، وفهمها من جميع الجوانب، حتى يتسنى لممارس الفعل التغييري المباشرة بمشروعه، والأهم هو تقليص الفجوة بين مثقفي التخصصات الذين يجمدون على تخصصاتهم دون الاجتهاد في الخوض في علوم ترتبط بعملية تنظيم الحياة، فرجل الدين لا ينبغي عليه البقاء أسير ما تعلمه من أمور الفقه ــ على أهميتها ــ في حال أراد أن يتصدى لفعل التغيير في مجتمع فيه الفقه والأدب وعلم الاجتماع وبقية التخصصات العلمية، وكذا بالنسبة لأصحاب التخصصات العلمية الاخرى.

والوعي بالفكرة وفهمها لابد أن يتجسد إلى فعل حقيقي يعزز الرغبة بالتغيير، وإدراك ضرورة التداخل الإيجابي بين الأفكار وعدم الفصل بينها ثم إذا حدث ما لا يحمد عقباه بدأنا بممارسة الندم وهدر الطاقات، فمعرفة المشكلة وفهمها يمثل نصف أو أكثر من نصف الطريق لحلها أو تغييرها، وقبل ذلك يلزم توفر القناعة النفسية بالتغيير والإيمان به، وإلا فإن التاريخ يحدثنا عبر حوادث كثيرة عن ثورات وسلوكيات كانت تريد التغيير، لكن الفشل وعدم الاستمرار كان النتيجة الحتمية لها؛ لعدم توفر القناعة التامة او الإيمان الحقيقي بالفعل التغييرين وربما كان هاجس التغيير فيها لا يستند لمعرفة كافية، أو لأن ممارس الفعل إنما مارسه لطموحات شخصية لا علاقة لها بخدمة الناس.

------------------------------
1:السيد محمد الشيرازي، ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، ص : 17

اضف تعليق