تدعو الأديان إلى العدل والخير والحق والصلاح والمحبة والرحمة والإحسان، وتحث على الحفاظ أمن الناس وممتلكاتهم واستقرارهم، فـ(اللاعنف) مبدأ إسلامي لا يتضمن أي جانب من العنف ولو كان الإنسان مظلوماً. يقول الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره الشريف): "للإسلام خطاب معقول للإنسان إذا لم يكن قادراً على الظالم باستخدام السلاح بوجهه، فالمفترض أن يقابله بسياسة اللين والصبر، إذ كانت سياسة اللين هي السلاح الذي استخدمه الأنبياء والمصلحون لمقابلة العتاة والطغاة".
كما أن الأديان ما كانت يوماً عائقاً أمام التعايش والتعارف والحوار، وإنما العائق يكمن في الذين يدعون امتلاكهم الحقيقة المطلقة، ويستغلون الأديان للتحكم في مصير الناس. لذلك فإن من الضروري التفريق بين الأفكار الحقة التي تستند على قيم العقل والحوار والتعايش، وبين تلك الأفكار التي تستخدم قوة التكفير والإكراه والتسلط. يقول (قدس سره الشريف): "الناس بطبيعتهم لا يميلون إلى الأفراد العنيفين وسيئي الأخلاق، وإذا حدث واستطاع بعض أصحاب القدرة والعنف استغفال مجموعة من الناس لفترة وخداعهم، فإن أوراقهم سرعان ما تنكشف وينقلب الأمر عليهم وينفض الناس من حولهم إن لم ينقلبوا عليهم".
يقول الفقيه السعيد السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره): "إن من الجفاء للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) أن تمر ذكرى هدم أضرحة البقيع المقدسة دون أن نتوقف عندها ونذكر بها وبالمسؤولية الملقاة على عاتق المسلمين في هذا المجال، فهدم هذه المراقد المطهرة جريمة بكل المقاييس، وهي جريمة تحمل طابع التناقض مع ذاتها أولاً، ومع القيم الدينية ثانياً، ومع الحالة الحضارية ثالثاً، ومع واقع الأمة الإسلامية وتاريخها رابعاً. فإذا كان هدم القبور واجباً شرعياً، فلماذا هدمت بعضها دون بعضها الآخر؟ وإذا كانت الأبنية عليها بدعة وحراماً شرعاً، فلماذا نرى مرقد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ما يزال مشيّداً ولم يؤمر بهدمه إلى الآن؟ ولا نظن القوم يعملون بالتقية في هذا المجال، لأنهم ينكرونها ويقولون إنه لا تقية إلا مع الكفار؟ أم تراهم يكفّرون كل المسلمين، وليس ذلك ببعيد عنهم!".
ويضيف (قدس سره): "لقد كانت المراقد موجودة في مكة المكرّمة والمدينة المنورة حتى في أيام حكم الرسول (صلى الله عليه وآله) ولم نسمع أنه أمر بهدمها أو نهى عن زيارتها، بل عدّت جزءاً من الشعائر المهمة، ففي مكة قبر لهاجر زوجة النبي إبراهيم (عليه السلام) وكذلك قبر ابنه اسماعيل (عليه السلام)، وفوقه بناء وهو المسمّى اليوم بحجر اسماعيل، وهكذا قبور كثير من الأنبياء (عليه السلام). لم يأمر النبي (صلى الله عليه وآله) ولا الذين جاؤوا من بعده بهدم أيّ من تلك القبور. ولا يقتصر وجود المراقد المطهّرة عند المسلمين على الحجاز، بل هي موجودة في أكثر أقطارهم، وهذا هو واقع الأمة وتاريخها الممتد لأكثر من ألف عام!".
ومع إطلالة القرن الحادي والعشرين بدأ أتباع أهل البيت (عليهم السلام) باستعادة تدريجية لدورهم الكامل في الحياة، بينما التكفيريون يطاردهم قانون الإنسان من جحر الى جحر حماية لبني البشر من جرائمهم وتطهيراً للأرض من أرجاسهم، وإن خلاص العراق من الاستبداد وتحرر مراقد أهل البيت (عليهم السلام) المشرِّفة لأرض الرافدين نافذة أمل كبيرة تطل على تحرير مراقد البقيع المقدسة من زمرة تكفيرية وإعادة إعمارها، ولن يتحقق ذلك، إلا بتحرك جماهيري ومؤسساتي لأتباع أهل البيت وفي كل أنحاء العالم.
واليوم حيث تمر الذكرى السنوية لتهديم أضرحة البقيع لابد من السؤال: مع بقاء أضرحة البقيع مهدمة إلى متى سيكتفي الشيعة بإقامة مجالس الندب ويصدرون بيانات الشجب، والبقيع ما زالت مهدمة وحوادث الاعتداء على الأضرحة متواصلة وأعمال قتل الزائرين لها مستمرة؟!.
ولكي لا يكون احتفاؤنا هذا العام بـ(قضية البقيع) شكلياً لابد من التفكير بخطوات واقعية تعطي نتائج على الأرض، فإن عصرنا عصر الحريات والتغييرات، وهذا أوان رفع المظالم والانتصارات، ولا مهرب ولا ملجأ لمن ينتهك قوانين العقل وحقوق الإنسان وقيم الحضارة.
ليسأل كل محب نفسه، ماذا أقدم في يوم الثامن من شوال، انتصاراً لأئمة البقيع..
ليعمل كل واحد منا عملاً ما، مهما كان صغيراً، فسيكون بالمجموع كبيراً..
وليكن طموح كل واحد منا، العمل بأقصى الطاقات وأفضل الإمكانات وبأدق تنظيم.
فإن نصرة البقيع من (خير العمل).
اضف تعليق