معركة تحرير مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، الذي تكبد خسائر فادحة بعد سيطرت القوات العراقية المشتركة على اغلب مناطق هذه المدينة، هذه الانتصارات المتواصلة دفعت التنظيم وكما يرى بعض المراقبين الى اعتماد خطط وأساليب اجرامية جديدة، في سبيل التغطية على هزائمه الكبيرة، حيث عمدت عصابات داعش الى شن هجمات مفاجئة في أجزاء أخرى من البلاد، كما أن الجماعة الإرهابية قامت ايضا باستهداف السكان المدنيين واستخدامهم كدروع بشرية ضد زحف القوات العراقية، كما فعلت في معارك سابقة في العراق.
يضاف الى ذلك سعى التنظيم الى تطوير بعض قدراته الخاصة ومنها الاعتماد على الطائرات المسيرة، التي تسمح لـ"داعش" التحليق فوق خصومه وإسقاط متفجرات بدائية أو التعرف على المواقع المهمة. وتصاعدت حدّة العمليات القتالية التي شهدتها الموصل في الآونة الأخيرة بشكل كبير، حيث شهدت المدينة وكما نقلت بعض المصادر تقدماً كبيراً لقوات الجيش العراقي والحشد الشعبي. وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي قد أعلن في أواخر الشهر المنصرم عن تحرير الجانب الأيسر لمدينة الموصل من سيطرة "داعش" بشكل كامل، فيما دعا القوات الأمنية المشتركة إلى التحرك بسرعة لتحرير الجانب الأيمن للمدينة.
وتشهد محافظة نينوى منذ 17 تشرين الأول 2016 عمليات عسكرية واسعة النطاق لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل التي اجتاحها "داعش" الإرهابي في حزيران 2014، وحققت القوات العراقية المشتركة تقدما ملحوظا أفضى إلى تحرير عدد من المدن والمناطق، وسط تعهدات حكومية بالحفاظ على البنى التحتية وإعادة النازحين إلى مناطقهم المحررة.
تفكيك ارث داعش
وفي هذا الشأن فقد تزوجت بشرى محمد قبل عامين في الموصل مسقط رأسها وحملت طفلا في الربيع الماضي ولكن بالنسبة للدولة العراقية فهي عزباء وابنها ليس له وجود. وبشرى واحدة من آلاف العراقيين الذين تحرروا من حكم تنظيم داعش الذين رزحوا تحت وطأته لأكثر من عامين ليجدوا أنفسهم في مأزق قانوني: فالحكومة العراقية لا تعترف بوثيقة زواجها ولا بشهادة ميلاد ابنها اللتين أصدرهما المتشددون.
وتعمل الدولة بعد أن استعادت القوات العراقية أراضي من المتشددين على إنهاء الإرث البيروقراطي للدولة الإسلامية التي أخضعت الملايين لحكمها بعد سيطرتها على أجزاء كبيرة من العراق خلال صيف 2014. وفي محكمة مؤقتة أقيمت داخل مجموعة من الكبائن المتنقلة في مخيم للنازحين في الخازر قرب الموصل ينهمك موظفو الحكومة في تحويل الشهادات التي أصدرتها ما أطلقت على نفسها دولة الخلافة إلى وثائق حكومية رسمية.
وقالت بشرى (20 عاما) "نحن نغيرها (الشهادات) حتى يتسنى لنا أن نشعر مجددا بأننا مواطنون..(الدولة الإسلامية) ليست دولة: هذه هي الدولة." ورغم العنف والحرمان الذي رافق حكم داعش فقد استمرت الحياة في الموصل والمناطق الأخرى التي سيطر عليها المتشددون بشكل طبيعي من زواج وإنجاب وطلاق وموت. وخارج المحكمة وقف النازحون العراقيون يمسكون بوثائق دولة داعش كدليل ليس فقط على تغيير وضعهم ولكن أيضا كدليل على البيروقراطية المعقدة التي طبقها المتشددون في إطار طموحهم لإقامة دولة لكل المسلمين.
وقال القاضي خالد الشمري التي كانت حلته ورابطة عنقه تتناقض مع الكابينة المتواضعة التي يجلس فيها "نحن لا نعترف بإجراءات داعش.. نحن قضاة طوارئ على غرار أطباء الطوارئ. هذه ظروف استثنائية." ويبرهن تفكيك الإرث البيروقراطي لداعش على مدى صعوبة المهمة. وحتى إثبات الهوية تتخلله صعوبات تتمثل في أن معظم الأشخاص الذين نزحوا جراء القتال ليست لديهم بطاقات هوية لأن السلطات في المنطقة الكردية التي يوجد فيها المخيم سحبتها منهم لأسباب أمنية.
وتمثل حالات الطلاق تحديا خاصا حيث أن القانون العراقي يقتضي وجود الزوجة والزوج لإنهاء زواجهما. لكن كثيرا من الأزواج الذين انفصلوا أثناء حكم داعش غالبا ما فر كل منهم في اتجاه مختلف مع دخول القوات العراقية. وقال القاضي الشمري "أحيانا يتم تحرير واحد بينما يظل الآخر في منطقة تسيطر عليها داعش." وقال القاضي إن إجراءات تسجيل الوفيات صارمة بشكل خاص لمنع الناس من استغلال حالة الفوضى وتزوير شهادات وفياتهم للفرار من العدالة أو المطالبة بمواريث قبل وقت استحقاقها.
وتواجه مروة سالم تلك العقبات حيث تحاول تسجيل وفاة والدها الذي تقول إنه قتل على يد تنظيم داعش لتعاونه مع قوات الأمن الكردية. وألقى المسلحون بجثته على مشارف القرية التي كانوا يقيمون بها بالقرب من الموصل وأعطوا عائلته وثيقة تفيد بوفاته. وقبل أن تعترف السلطات العراقية بوفاته عليها أن تنقل قضيتها إلى محكمة أخرى تتعامل مع قضايا الإرهاب في مدينة أخرى لكن الأشخاص الذين يعيشون داخل المخيم لا يسمح لهم الآن بمغادرته.
وفي بادئ الأمر حاول بعض الأشخاص الذين يحولون وثائقهم في المحكمة المؤقتة الالتفاف على بيروقراطية داعشلكن انتهى بهم المطاف إلى ضرورة الامتثال لها. وتزوج أبو العباس (22 عاما) بعد مرور فترة صغيرة على سيطرة داعش على الموصل. وبدلا من أن يتوجه إلى محكمة تابعة للتنظيم المتشدد طلب من رجل دين الإشراف على مراسم الزواج. كما تحايل جاره على إجراءات داعش لكن تم اكتشاف ذلك من قبل المتشددين الذين جلدوه عقابا له على ذلك.
وخوفا من افتضاح أمره قال أبو العباس إنه ذهب إلى محكمة تابعة للتنظيم حيث اختبر قاض معرفته بالإسلام قبل أن يوقع على وثيقة الزواج. وقال عباس "كانت هذه هي الطريقة الوحيدة المتاحة". واضاف كان ينبغي الاصطفاف أمام أحد الكبائن لإعادة تسجيل الزواج. وهذه العملية أساسية ويستخدم فيها رجال الدين الأقلام والأوراق بدلا من وجود قواعد بيانات رقمية. وفي أحد الكبائن يدخل أحد العاملين البيانات في سجل ورقي مكتوب على غلافه كلمة "كمبيوتر". بحسب رويترز.
ويأمل القضاة ومن يعملون معهم في أن تكون لديهم القدرة على العودة إلى الموصل خلال وقت قصير مع التقدم الذي تحرزه القوات العراقية. وقال أحد معاوني القضاة إن لديهم في الموصل كل شيء متاح بعكس الوضع داخل الكبائن المؤقتة. ويعاون القضاة في هذه العملية منظمتان غير حكوميتين هما منظمة قنديل السويدية التي تعمل في منطقة كردستان بشمال العراق والمجلس النرويجي للاجئين. وبالنسبة للأزواج الذين يسجلون زواجهم للمرة الأولى تؤخذ بصماتهم ثم يتم استدعاؤهم في غرفة أخرى بالكابينة يجلس فيها قاض خلف مكتب مصنوع من البلاستيك ومعه شاهدان. ويسأل القاضي عن تاريخ ميلادهما وزواجهما وقيمة المهر المدفوع للزوجة. ثم يتجه الزوجان إلى المخيم حيث ينتظران استكمال وثائقهما العراقية التي تعني إلغاء وثائق داعش وبدء حياة جديدة.
افلاس داعش
من جهة اخرى يمعن تنظيم داعش الإرهابي يوما بعد الآخر، في ابتكار أساليب "وحشية" للقتال واضطهاد المدنيين، فبعدما نضبت كثير من موارده المالية بسبب تقدم القوات العراقية توجه وبحسب بعض المصادر، إلى جيوب أهالي المناطق التي لاتزال خاضعة لسيطرته في الموصل شمالي العراق. وبات التنظيم المتشدد يجبر الناس على تمويل "مراوغته" الحربية، ويشق بيوت السكان غربي مدينة الموصل، حتى يتنقل المتشددون بين الفجوات ليخوض حرب شوارع مع القوات العراقية.
وقال أبو أسعد، الذي يسكن في شارع البيبسي بالموصل، إن تنظيم داعش يحفر جدران المنازل بالإكراه، حتى يتنقل المقاتلون بينها بكل حرية، كما يجبر المقاتلون الناس على دفع أجور تصل إلى 5 دولارات يوميا لمن يقومون بأعمال الحفر، وأضاف أبو أسعد أن مقاتلي التنظيم أبلغوا أصحاب المنازل التي فتحت على بعضها البعض من خلال ثقوب كبيرة في الجدران، أن الأموال المحصلة تخصص لتمويل خطوط الدفاع ضد هجوم قوات الأمن.
وأكملت قوات الأمن العراقية السيطرة على الجانب الشرقي من مدينة الموصل، وأنهت مرحلة مهمة من العمليات العسكرية التي بدأتها في 17 أكتوبر 2016، ضمن عملية ضد معاقل المتطرفين في البلاد. ويتخذ المتشددون الثقوب المحفورة في المنازل أنفاقا تسمح لهم بالتحرك، دون إمكانية تعقبهم بواسطة الطائرات العراقية ومقاتلات التحالف الغربي. وقال محمد جليل، الذي يسكن حي النجار الواقع قرب ضفة نهر دجلة، "عائلتي كبيرة ونعيش اليوم في خوف ورعب وحيرة ولا يوجد مكان نذهب إليه، وإذا لم نغادر المنزل سنتعرض لأخطار العمليات العسكرية".
على صعيد متصل أعلن ضابط في شرطة محافظة نينوى عن أعدام تنظيم داعش 4 من قيادييه في قضاء تلعفر غرب الموصل (400 كم شمال بغداد). وقال النقيب أمير واثق أن " تنظيم داعش اعدم 4 من قيادييه بينهم اثنين في ما تسمى بـ(هيئة الحسبة), في قضاء تلعفر, دون الأعلان عن الأسباب ". مضيفاً أن " عملية الإعدام تمت رمياً بالرصاص وسط حشد من الأهالي "مشيراً إلى أن " جثث القياديين الاربعة سلمت لمركز الطب العدلي الشرعي بالموصل ". وعادة مايعدم داعش قيادييه بتهمة التخاذل والفرار من المعارك او بتوجيه تهمة الخيانة لهم بالتعاون مع الاجهزة الامنية .
هجمات ارهابية
الى جانب ذلك وبعد بدء القوات العراقية لهجوم جديد ضد تنظيم داعش في مدينة الموصل هزت تفجيرات سوقا في وسط بغداد كانت البداية لسلسلة هجمات تنذر على ما يبدو بتغير في أساليب التنظيم المتشدد. واستهدف المتشددون السنة مدنيين شيعة. وصاحبت التفجيرات هجمات على مواقع للشرطة والجيش في مدن أخرى وأعلن التنظيم مسؤوليته عنها أيضا.
وتظهر الهجمات أنه حتى لو خسر تنظيم داعش الشطر العراقي من دولة "الخلافة" التي أعلن قيامها من جانب واحد فإن خطره قد لا ينحسر. ويقول دبلوماسيون ومحللون أمنيون إن التنظيم سيتحول على الأرجح من إدارة أراض يسيطر عليها إلى أساليب المتمردين وسيسعى لتأجيج التوترات الطائفية التي ساهمت في صعوده.
وإلى جانب العمليات في بغداد وحولها نفذ التنظيم هجمات في المنطقة وأوروبا مع تعرضه لضغوط في العراق وسوريا. وفي العراق تعمل القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة على طرد التنظيم من الموصل أكبر معقل حضري لداعش في الأراضي الواسعة التي سيطر عليها قبل عامين ونصف العام هناك وفي سوريا. وتدرك الحكومة العراقية التحدي الذي تواجهه في القضاء على تهديد داعش بعد الموصل.
وقال رئيس الوزراء حيدر العبادي لساسة ومسؤولين عراقيين في بغداد "الإرهاب وداعش أراد أن يفرقنا. يستخدم سلاح الطائفية في العراق وسوريا... من أجل تفريق السكان وتفريق المجتمعات ليتمكن من السيطرة عليها." وتابع قوله إنه ينبغي عدم السماح بعودة الأوضاع التي كانت قائمة قبل داعش وحث الساسة على نبذ الطائفية وتعهد بمحاربة الفساد الذي ابتليت به قوات الأمن قبل تقدم داعش الخاطف في 2014.
وقال محللون إنه إلى جانب تحسين الأوضاع الأمنية فإنه ينبغي أن تشرك السلطات السكان المحليين في مساعي جمع المعلومات وتحسين وضع الكثير من السنة الذين يشكون من التهميش ولاسيما من تشردوا بسبب القتال وعددهم ثلاثة ملايين. والفشل في تحقيق ذلك قد يفسح لداعش المجال لإعادة تنظيم صفوفه ونشر الصراع الطائفي. وقال دبلوماسي غربي كبير إن الهدف الرئيسي لداعش في مرحلة ما بعد الموصل سيكون بغداد والمناطق المحيطة بها على الأرجح. وقال الدبلوماسي "ما ترونه الآن هي عناصر داعش التي تبقت في (محافظة) الأنبار في أعقاب تحرير الرمادي والفلوجة وهيت وحديثة... يجري أيضا تعزيز صفوفهم عبر الحدود من سوريا."
وطردت القوات العراقية العام الماضي المتشددين من معاقلهم في الأنبار مركز العشائر السنية التي تشعر بالاستياء من الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد. وذكر الدبلوماسي أن بعض المتشددين لجأوا للاختباء في تلك المناطق فيما وجهت لهم القوات العراقية ضربة كبيرة هناك وفي الموصل. لكنهم يحاولون إثبات وجودهم مرة أخرى بهجمات نفذت في الآونة الأخيرة. ويقول مايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن استخدام السيارات الملغومة بشكل متكرر وهو أسلوب كان قد تراجع في بغداد بحلول أواخر العام الماضي يظهر أن شبكات المتشددين حول العاصمة انتعشت. وقال "قطعا شهدنا تحرك تنظيم داعش بوتيرة أسرع مع بداية العام." وتابع قوله "سيكون صراعا طويلا لأن هذه الشبكات تتكيف لذا تستطيع تعطيلها لمدة ستة أشهر لكنها عازمة على الظهور مرة أخرى."
ومن خلال هجمات جديدة تستهدف الشيعة في معظمها يهدف التنظيم لتشتيت الانتباه ليس عن خسائره العسكرية وحسب وإنما لتأجيج التوترات الطائفية. ويقول محللون أجانب وعراقيون إن على السلطات أن تتصدى لمشاكل مثل الفساد وتهميش السنة الذي استغله التنظيم لتفادي تنامي العنف. ووفقا لمسؤولين عسكريين فقد حققت عملية الموصل بعض النجاح على صعيد جمع المعلومات إذ لعب المخبرون المحليون دورا حيويا في مساعدة الجنود على دحر المتشددين. بحسب رويترز.
ومع توغله في العراق في 2014 استغل التنظيم الشعور في بعض المناطق السنية بأن قوات الأمن التي يغلب على أفرادها الشيعة تستهدفهم. وقال دبلوماسي غربي كبير آخر إن الثغرات الحالية في عملية جمع المعلومات يمكن سدها من خلال التعامل الحذر مع العلاقات بين الحكومة وسكان هذه المناطق. وأضاف أنه على سبيل المثال ينبغي تدريب بعض أفراد الشرطة من السنة وإرسالهم إلى مناطق يسكنها السنة. وقال إحسان الشمري مدير مركز الفكر السياسي العراقي إن العبادي يدرك ما يتعين فعله للقضاء على خطر الدولة الإسلامية. لكن الاختبار هو تحقيق ذلك في ظل مناخ أمني صعب. وقال "إعادة الإعمار وفرض القانون والنظام وإعادة النازحين.. قد تكون خريطة طريق لتحقيق الهدوء."
اضف تعليق