بعد نجحت القوات العراقية المشتركة في تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش الإرهابى، دخلت المدينة وبحسب بعض المراقبين مرحلة جديدة ومهمة قد لاختلوا من التحديات والكبيرة، تتمثل بأسلوب التنظيم والتخطيط الجيد لإعادة أعمار المدينة، التي دمرت بشكل شبه تام بسبب المعارك، يضاف الى ذلك اعادة العوائل المهجرة وتوفير الخدمات الضرورية في وقت يعاني فيه العراق من ازمات ومشكلات مالية واقتصادية كبيرة تفاقمت بسبب استمرار الحرب ضد الارهاب، فقد كشف عضو اللجنة المالية بمجلس النواب العراقي رحيم الدراجي، وكما نقلت بعض المصادر أن القيمة التخمينية لإعادة أعمار المناطق المتضررة في الموصل تصل الى 20 مليار دولار، وقال الدراجي، ان حجم الدمار والخراب الذي تسببت به عصابات داعش في الموصل كبير جدا وهنالك مناطق قد دمرت بالكامل نتيجة تفخيخها. واضاف ان “هذه المبالغ كبيرة واستدانتها من الخارج مع بقاء اسعار النفط في سقفها الحالي سيسبب مشكلة لذلك يجب ان يتم التوجه الى المنح واخذها من الدول التي ساهمت بدعم داعش وسهلت دخولها الى البلاد، مشددا على ضرورة تكليف شركات عالمية رصينة بمهمة الاعمار لإبعاد الفساد مع سرعة الانجاز.
مصادر اخرى اكدت ان اعمار مدينة الموصل يمكن ان يصل الى أكثر من 70مليار دولار، هذه التكلفة وكما قال الخبير في الشأن الاقتصادي ملاذ الامين، تتضمن تعويض الاهالي عما فقدوه من مساكن او ممتلكات وبساتين ومحال تجارية ومعامل واليات الى جانب اعمار المنشأت والدوائر الحكومية كجامعة الموصل، وكذلك اعمار محطات توليد الكهرباء والابار النفطية ومحطات الوقود والمجاري وإسالة الماء والمستشفيات والمدارس.
فمعركة الموصل تختلف جذرياً عن المعارك الاخرى التي خاضها الجيش العراقي لناحية قساوتها. حيث تحولت هذه الحرب الى حرب شوارع، من أجل تقدم داخل الأحياء، مما ادى الى تدمير الموصل القديمة بالكامل. وكانت القوات العراقية، قد بدأت معركة تحرير الموصل من أيدي داعش في السابع عشر من تشرين الأول عام 2016، وبدأت بالقتال من ناحية الجانب الأيسر التي يقسمها نهر دجلة إلى قسمين.
إعادة البناء
وفي هذا الشأن يحاول العراقيون في المدينة القديمة بالموصل إعادة بناء مدينتهم التي تغطي الأنقاض والركام وقطع الخردة شوارعها الممتدة بين مبان نصف منهارة. فبعد شهور من القتال وسيطرة الجهاديين عليها، يأمل سكان ثاني أكبر مدن العراق فتح صفحة جديدة. وعلى مقربة من المدينة القديمة، قلب الموصل التاريخي الذي دمرته المعارك الشرسة، يراقب ماهر النجماوي عاملا يجدد طلاء متجره المهجور منذ فترة طويلة، يقول النجماوي (29 عاما)، وهو بائع بطاريات وإطارات سيارات، "هنا انفجرت سيارة مفخخة، وهناك ضرب صاروخ المبنى".
ولا يزال الطلاء الأبيض على واجهة محله ناصعا، على عكس الدمار الرمادي المحيط بالمكان. صفوف من المحلات لا تزال فارغة، وواجهاتها الحديدية متروسة بثقوب الرصاص. وأعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي استعادة الموصل من تنظيم داعش الذي استولى على المدينة ومساحات شاسعة من الأراضي في العراق وسوريا عام 2014.
يحاول سكان الموصل القديمة، حيث حاصرت القوات العراقية مقاتلي التنظيم داخل ما كانوا يعتبرونه معقل "الخلافة"، إعادة الحياة الطبيعية مجددا إلى المدينة التي شوهتها الحرب. وينظر سالم عبد الخالق أمام منزله عمالا يقومون بوضع حجارة جاهزة لإعادة بناء متاجر قريبة. ويقول إن "عنف الغارات وانفجار السيارات المفخخة ضعضعت المنازل القديمة". بحسب فرانس برس.
ويضيف الرجل البالغ من العمر 34 عاما وهو أب لثمانية أطفال أن "هذه المحلات أصيبت بأضرار، كنا نخشى أن تنهار، لذلك هدمناها لإعادة بنائها"، متابعا "أود أيضا أن أجدد داخل منزلي، لقد تصدعت الجدران والأساسات".
البحث عن الجثث
الى جانب ذلك وعلى أبواب الموصل القديمة التي دمرتها المعارك، يقف عبدالرزاق سلمان ويعرف أنه فقد كل شيء، إلا أنه ما زال لديه شيء من الامل بالعثور على جثث أقاربه الذين قتلوا بتفجير منزلهم. ويقول سلمان وهو عراقي كردي، أثناء جلوسه وسط الأنقاض على أحد أرصفة المدينة القديمة "كان لدي متجر صغير، عملت بكد مذ كنت في العاشرة لبناء بيتي، ولم يبق منه إلا كومة حجار".
وكان سلمان قد فر مع زوجته وأطفاله الستة، ولجأوا إلى منزل أقارب لهم في محافظة دهوك الواقعة في إقليم كردستان العراق الشمالي، وها هو يعود اليوم إلى الموصل للبحث عن جثث خمسة من أقاربه، بينها جثة والده (90 عاما) ووالدته (70 عاما) وشقيقه الاصغر (22 عاما). ويذكر أنه "تم إجلاء جثتين والبحث متواصل عن الجثث الأخرى"، مشيرا إلى أن الدخول ممنوع، ولكنه يستعين بأحد أصدقائه العاملين في البلدية للقيام بالبحث.
ويوضح الرجل الأربعيني أن "صاروخا سقط على منزل جاري ما أدى إلى مقتله وجميع أفراد العائلة، كما قتلت والدة صديقي". وتتساقط دموع سلمان وهو يتحدث عن ابنه البالغ ثلاث سنوات، قائلا "لقد أصبح عدوانيا، فقد شاهد أمواتا. عندما تتحدث إليه أخته الكبيرة لتطلب منه شيئا لا يرغب فيه، يضربها بأي شيء يجده أمامه". ويتابع "أخاف أن يصبح جميع هؤلاء الأطفال مجرمين عندما يكبرون".
ويقول سلمان بحزن واضح "في البداية، كان لدي أمل بالعودة، لكن الآن، لا أفكر بذلك أبدا"، متسائلا "لماذا يجب أن أعود؟ الذكريات الجميلة؟ لرؤية كل هذا البؤس؟". في هذه الأثناء، يقاطعه جاره قاسم جاسم الذي جاء من شرق الموصل مع اثنين من أعمامه، على أمل الدخول الى المدينة القديمة، متسائلا "هل نستطيع العبور؟". ويذكر جاسم الذي فر مع شقيقه نهاية شهر أيار/مايو، من المدينة القديمة حيث فقد أربعة من أبناء إخوته وأخواته أن "قناصا (من الجهاديين) أصابهم عندما كنا نركض" هاربين من هناك. بحسب فرانس برس.
ويعيش جاسم وعائلته على أمل العودة للعيش في المدينة القديمة، فيما فر مئات آلاف المدنيين هربا من المعارك التي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وباتت غالبية مناطق المدينة اليوم "مدمرة بشكل كامل تقريبا"، وفقا للأمم المتحدة. ويقول علي محسن، وهو أحد أعمام جاسم، إن "منازلنا تدمرت، لكننا نريد أن نبقى هناك". ويضيف "نستأجر حاليا شققا، وهي مرتفعة الثمن. إلى متى نبقى في المنفى؟". ويتابع محسن، وهو أب لثلاثة أطفال، "نحن هناك (في شرق الموصل)، لكن أرواحنا هنا".
العودة الى الديار
في السياق ذاته أجبرت المعارك أم يوسف على الفرار من منزلها في الحي القديم بالمدينة لكنها لا تتعجل العودة لمنزلها بعد إعلان الحكومة النصر على التنظيم المتشدد. وتقول أم يوسف (27 سنة) وهي أم لخمسة أطفال إنها وزوجها ينتظران استقرار الوضع ولا يعتزمان مغادرة خيمتهم في مخيم تابع للأمم المتحدة شرقي الموصل حتى يقتنعان بأن بإمكانهما العودة بأمان.
وقالت أم يوسف وهي محاطة بأبنائها "أن نعود الآن ونحن لا نشعر بالارتياح، لن نفعل ذلك. أنا فقط أريد الأمان". وأضافت "لا أريد طائفية كما كان الحال من قبل. أريد ما هو أفضل مما كان وليس تكرارا للماضي". وقالت أم يوسف إن أقاربها الذين بقوا في المدينة يقولون لها باستمرار إن من الأفضل لها أن تبقى مكانها. ففي الموصل، عندما تغرب الشمس، يغلق الجميع أبوابهم ولا يخرجون". ولحقت أضرار كبيرة بمنزلها مثل العديد من المنازل بالمدينة القديمة لكنها تأمل في إمكانية إصلاحه.
وقالت إن القناصة أمطروا غرفة في الطابق العلوي بالرصاص حتى أصبحت "مثل الغربال" وإن قنبلة انفجرت بالمنزل المجاور. وألقى تنظيم داعش قذائف المورتر على المدنيين الفارين باتجاه القوات العراقية المتقدمة وكان منهم جارها الذي قتل. وأمضت الأسرة آخر يومين لها في المدينة القديمة مختبئة في قبو مع عشرة مدنيين آخرين وعاشوا على مياه بئر وبعض القمح وكانوا مرعوبين من الخروج من مخبئهم.
من جانب اخر بدت أم حريب (60 عاما) وهي من عشيرة الجبور مصدومة بعد شهور من العنف وهي راقدة على الأرض في خيمتها. وكانت قدماها مضمدتان من جروح بشظايا أثناء قصف قالت إنه أودى بحياة كل أقاربها الذكور. ومع تقهقر المتشددين إلى عمق المدينة مفسحين الطريق أمام القوات العراقية المتقدمة انتقلت أم حريب كذلك عدة مرات من منزل لمنزل وانتهى بها المطاف في حي الميادين حيث كان بعض المتشددين يشهدون مواجهتهم الأخيرة. بحسب رويترز.
وأجليت أم حريب بعد ذلك بأربعة أيام لكنها تقول إنها الآن تريد البقاء مع أقارب لها في المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي بالعراق. وقالت "الموصل أنهكتنا. لا أريد العودة إليها قط. لم يعد لي أحد بالموصل". أما بالنسبة لأم يوسف فهي تعيش حياة غير مريحة لكن آمنة نسبيا بعيدا عن ديارها. وتعيش في طقس شديد الحرارة حيث تقترب درجات الحرارة من 50 درجة مئوية لكنها تقول إن احتياجاتها الأساسية تلبى وإنها أدرجت أطفالها في مدرسة بالمخيم.
اضف تعليق