بعد ان مُني تنظيم داعش الإرهابي بخسائر كبيرة وفادحة في الفترة الاخيرة، وفقد مساحات واسعة من الأراضي، التي استولى عليها سابقاً في العراق و سوريا، في ظل الضغط المتوالي عليه لتحرير آخر معاقله، سعى هذا التنظيم الارهابي وبحسب بعض الخبراء الى ايجاد ملاذات جديدة بعض دول آسيا بعد فرار الكثير من عناصره من مناطق الصراع، يضاف الى ذلك وجود الجماعات الاسلامية المتشددة في العديد من تلك الدول ومنها الفلبين و بنغلاديش وماليزيا وإندونيسيا التي يوجد فيها اكثر من 30 منظمة متطرفة أعلنت أخيراً مبايعة تنظيم داعش.
هذه التقارير والتحركات والمواجهات المسلحة اثارت قلق ومخاوف الكثير من الدول والحكومات، التي تخشى من تحول المنطقة الى ساحة حرب جديدة يصعب السيطرة عليها، خصوصا وان التقارير تشير إلى نمو العلاقات بين جماعات مسلحة منتشرة في الفلبين وإندونيسيا وماليزيا، ما يزيد من خطر الإرهاب في هذه المنطقة. يضاف الى ذلك ان الخلافات بين الدول الثلاث حول مسائل سياسية تتعلق بالسيادة والحدود الجغرافية تعيق من إمكانية التنسيق لهزيمة هذه المجموعات المسلحة.
ويجعل هذا التوتر تنقل الإرهابيين بين الفلبين وماليزيا وإندونيسيا أمرا سهلا، خاصة وأن جماعات إسلامية تنشط في المناطق الحدودية بين الدول الثلاث منذ سنوات، مستغلة غياب التنسيق الأمني، كما يجعل من المنطقة بيئة مثالية لانتشار تجار المخدرات ومجموعات الخطف مقابل فدية. ويؤكد المراقبون كما نقلت بعض المصادر، أن توسع وتمدد هذه التنظيمات المتطرفة في بلدان جنوب شرق آسيا ترجع لعدة أسباب، أولها أن أغلب من التحقوا للقتال في صفوف داعش بسوريا والعراق وليبيا واقتنعوا بأفكاره المتطرفة كانوا من تلك المناطق، خاصة أن نحو ألف شخص غادروا جنوب شرق آسيا إلى جبهات القتال في سوريا والعراق للانضمام في صفوف تنظيم داعش، كما أن استغلال التنظيم للأوضاع السائدة من خلافات وانقسامات قومية ودينية، وطائفية وعرقية والاستفادة من خواء السيطرة الأمنية، لحكومة مركزية، أو ضعفها في أكثر من دولة كان سببًا بارزًا في اختيار جنوب شرق آسيا.
ويعمل التنظيم على استغلال بيئات تحتضن منذ عقود عشرات التنظيمات المتطرفة، كجماعة أبو سياف في الفلبين وشبكة مجاهدي شرق إندونيسيا، ويستغل التنظيم، أيضا، تراجع دور تنظيم القاعدة، لا سيما في أفغانستان وباكستان، حيث أعلن عن إنشاء ولاية خراسان، في ديسمبر الماضي، وبايع قادة منشقون عن حركتي طالبان باكستان وطالبان أفغانستان زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، ويؤكد أغلب المحللين السياسيين احتمال إدماج تنظيم القاعدة لداعش مباشرة بعد ترهل الأول وفقدانه نفوذه في منطقة جنوب شرق آسيا.
كما يستغل التنظيم مشاكل الإقليات الإسلامية في هذه المناطق بالقارة الآسيوية للتحريض على رد الفعل، إما من خلال تنظيمات محلية أو من خلال ما يسمى بالذئاب المنفردة، التي تتحرك بشكل معزول، ويلعب التنظيم أيضا على التناقضات التي يجدها في عدد من المجتمعات وسط وشرق آسيا كي يجند أتباعا له ويوسع انتشاره الجغرافي.
الفلبين
وفي هذا الشأن ناشد الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي المسلمين الانفصاليين والمتمردين الذين يقودهم الماويون للانضمام إلى الحكومة في حملتها على المتشددين المرتبطين بتنظيم داعش. وفي ظل تزايد المخاوف من سعي التنظيم لاكتساب موطئ قدم في البلاد، عرض دوتيرتي تقديم أموال أو حتى إيواء مقاتلي الجماعات التي تعارض الدولة منذ أمد بعيد إذا شاركوا في الحرب على العدو المشترك وهو جماعة موتي.
وقال دوتيرتي إن الفكرة عرضها زعيم إحدى الجماعات الانفصالية. وأعلنت جماعة موتي مبايعتها لتنظيم داعش وتقاتل القوات الحكومية منذ أن فرضت حصارا على مدينة بجنوب البلاد قبل أيام. وخلال زيارة لقاعدة عسكرية في جزيرة جولو التي تخوض فيها القوات الحكومية قتالا ضد جماعة متشددة أخرى هي جماعة أبو سياف، قال دوتيرتي إنه سيعامل الجماعات الشيوعية والانفصالية نفس معاملة القوات الحكومية إذا انضمت إلى محاربة المتشددين.
وقال "سأستأجركم كجنود.. نفس الرواتب ونفس المميزات وسأبني لكم بيوتا في بعض المناطق". وقدم الرئيس العرض غير المألوف لجبهة تحرير مورو الإسلامية وجبهة تحرير مورو الوطنية. كما طلب من جيش الشعب الجديد الشيوعي التخلي عن العنف والعمل مع الحكومة. واستخدم الجيش طائرات هليكوبتر هجومية ومدفعية وقوات برية في محاولته لاستعادة السيطرة على مدينة ماراوي في جزيرة مينداناو حيث تبدي جماعة موتي مقاومة شرسة. وقُتل 61 متمردا و15 من قوات الأمن وتسعة مدنيين في العنف، ونزح عشرات الآلاف من الأشخاص.
كما أعلنت السلطات الفيليبينية عن وجود حوالي ألفي مدني عالقين في المدينة وكثف الجيش حملته على أجزاء من مراوي في جزيرة مينداناو، إحدى أكبر المدن التي تقطنها غالبية مسلمة في الدولة التي يشكل المسيحيون الكاثوليك غالبية سكانها فيما اتهمت المسلحين بارتكاب فظاعات بينها قتل نساء وطفل.
ودفع القتال الرئيس رودريغو دوتيرتي إلى اعلان الأحكام العرفية في الثلث الجنوبي من الفيليبين لمواجهة ما اعتبر أنه تنامي التهديد الذي يمثله مسلحون تابعون لتنظيم داعش. وهرب أكثر من 200 ألف من سكان المدينة من القتال، ولكن هناك نحو ألفين لا يزالون عالقين في مناطق يسيطر عليها المسلحون، بحسب ضيا ألونتو اديونغ، المتحدث باسم لجنة إدارة الأزمات الاقليمية.
وأوضح اديونغ "إنهم يرسلون إلينا رسائل نصية، ويتصلون بخطنا الساخن، ويطلبون منا إرسال فرق انقاذ ولكن بكل بساطة لا يمكننا الذهاب إلى المناطق التي لا نستطيع الوصول إليها". وأضاف "يريدون المغادرة. هم خائفون على سلامتهم. بعضهم نفد لديه الطعام. يخشون من أن ينالهم الرصاص والقصف الجوي".
واندلع العنف عندما اجتاح عشرات المسلحين مراوي ردا على محاولة قوات الأمن توقيف ايسنيلون هابيلون، الذي يعتبر زعيم التنظيم في المدينة. ورصدت الولايات المتحدة التي تصف هابيلون بأنه واحد من اخطر الارهابيين في العالم، جائزة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يساعد في القبض عليه. ورفع الملسحون أعلام تنظيم داعش السوداء وأختطفوا كاهنا و14 شخصا رهائن من الكنيسة، وأشعلوا النيران في المباني. وأفادت السلطات إن مصير الرهائن لا يزال مجهولا.
وكان دوتيرتي ومسؤولون عسكريون أشاروا إلى أن معظم المسلحين ينتمون إلى جماعة "ماوتي" الإسلامية، التي أعلنت عن ولائها للتنظيم والتي تقدر الحكومة أن لديها 260 مسلحا تابعا لها. وأوضح دوتيرتي أن المجرمين المحليين يدعمون كذلك جماعة "ماوتي" في مراوي. ويعد التعاون بين المسلحين الإسلاميين والمجرمين والساسة الفاسدين سائدا في مينداناو، حيث أسفر تمرد إسلامي انفصالي عن مقتل أكثر من 120 ألف شخص منذ سبعينات القرن الماضي. بحسب فرانس برس.
وأبدى دوتيرتي استعداده للابقاء على حالة الأحكام العرفية حتى يتم القضاء على تهديد الإرهاب، معربا عن استعداده لتجاهل المحكمة العليا والبرلمان اللذين يملكان حق الإشراف عليها بحكم الدستور. ويفرض دستور عام 1987 قيودا على الأحكام العرفية لتجنب عودة الانتهاكات التي عرفتها البلاد في عهد نظام الديكتاتور السابق فرديناند ماركوس الذي أطاحت ثورة شعبية به قبل عام من ذلك التاريخ. ويوضح الدستور ان الاحكام العرفية يمكن ان تستمر 60 يوما. ويمكن للرئيس تمديدها بموافقة برلمانية. ولكن المحكمة العليا تستطيع كذلك البت في مدى قانونيتها. وقال الرئيس للجنود "ستستمر الأحكام العرفية إلى حين إعلان الشرطة والقوات المسلحة أن الفيليبين باتت آمنة. لن أستمع إلى الآخرين. المحكمة العليا والبرلمان لا وجود لهما".
ماليزيا
الى جانب ذلك قالت الشرطة الماليزية إنها ألقت القبض على ستة ماليزيين للاشتباه في صلتهم بتنظيم داعش. وماليزيا، ذات الأغلبية المسلمة، في حالة تأهب منذ هجوم شنه التنظيم العام الماضي في جاكرتا، عاصمة جارتها إندونيسيا. وقال مفتش الشرطة خالد أبو بكر في بيان إن السلطات اعتقلت المشتبه بهم خلال عمليات منفصلة في أربع ولايات في وقت سابق.
وكان أول المقبوض عليهم محمد عريف جنيدي الذي استسلم بعد أن أصدرت الشرطة بيانا بثته وسائل الإعلام يطالب المواطنين بالتقدم بأي معلومات عنه. وجنيدي مربي أبقار يبلغ من العمر 27 عاما كانت الشرطة تسعى للقبض عليه بتهمة تهريب أسلحة لمقاتلين من التنظيم متمركزين في ماليزيا. وقبضت الشرطة أيضا على أخوين أحدهما معلم في معهد ديني والآخر رجل أعمال يعمل عبر الإنترنت وذلك للاشتباه في مساعدتهما التنظيم في سوريا. والاثنان من أقارب محمد فضيل عمر الذي كان قد أصدر توجيهات بتنفيذ هجوم فردي في ولاية صباح في أغسطس آب.
وقال مفتش الشرطة إن من المتوقع أن يتولى فضيل دور محمد وندي محمد جدي القيادي السابق بتنظيم داعش الذي كان اسمه على القائمة الأمريكية للمتشددين المطلوبين حتى وفاته. بحسب رويترز.
ويقال إن وندي كان الرأس المدبر لتفجير حانة في كوالالمبور في يونيو حزيران الماضي في هجوم أسفر عن إصابة ثمانية أشخاص. وهذا هو هجوم داعش الوحيد الذي اسقط ضحايا في ماليزيا. وقبضت السلطات أيضا على متقاعد من الجيش عمره 54 عاما بتهمة تحويل نحو 20 ألف رنجيت لمتشددين في سوريا. وكان أحد أبنائه قد انضم إلى المتشددين في سوريا. وألقي القبض على اثنين آخرين لم تذكر السلطات اسميهما وذلك بتهمة دعم ومساعدة التنظيم في سوريا. وقال خالد إن الستة سيخضعون لمزيد من التحقيقات. وألقت ماليزيا القبض على أكثر من 250 شخصا في الفترة من عام 2013 حتى عام 2016 للاشتباه في قيامهم بأنشطة ذات صلة بداعش.
الى جانب ذلك قال وزير ماليزي كبير إن ماليزيا واستراليا ستتبادلان معلومات المخابرات بشأن المتشددين في جنوب شرق آسيا في الوقت الذي يستعد فيه البلدان الحليفان لاحتمال عودة مسلحي داعش من العراق. وقال هشام الدين حسين وزير الدفاع الماليزي إن نجاح عملية الموصل قد يدفع مئات المتشددين من تنظيم داعش والمتعاطفين معه من جنوب شرق آسيا للعودة إلى بلدانهم.
وقال هشام الدين بعد اجتماع مع وزيرة الخارجية الاسترالية جولي بيشوب في البرلمان "داعش هي خصم مشترك علينا مواجهته" وأضاف "إذا نجحت العملية العسكرية في الموصل سنشهد عودة الكثير من المتشددين المتمرسين والمتعاطفين إلى المنطقة خصوصا في ماليزيا واستراليا وإندونيسيا والفلبين وجنوب تايلاند." وأشار إلى أن استراليا وافقت على توفير الدعم التكنولوجي والمعدات في إطار التعامل مع التهديد المتنامي للتنظيم في المنطقة ولاسيما من جماعة أبو سياف التي أعلنت ولاءها للتنظيم.
إندونيسيا
في السياق ذاته قالت الشرطة الإندونيسية إنها قتلت بالرصاص ستة أشخاص يُشتبه بأنهم أعضاء في جماعة إسلامية متشددة بعد عملية فاشلة لإطلاق نار علي رجال شرطة من سيارة في جاوة الشرقية. وإندونيسيا أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان وهي في حالة تأهب قصوى بسبب عودة التطرف الذي يستلهم فكر تنظيم داعش للظهور من جديد في الآونة الأخيرة. وقال فرانز بارونج مانجيرا المتحدث باسم شرطة جاوة الشرقية إنه بعد مطاردة من الشرطة ترك الستة سيارتهم في قرية في منطقة توبان غير البعيدة عن مدينة سورابايا الصناعية وحاولوا اللجوء إلى مزرعة حيث قُتلوا كلهم في اشتباك ثان مع الشرطة. بحسب رويترز.
وأضاف أن الشرطة كانت تتابع السيارة قبل الهجوم فيما يتعلق باعتقال ثلاثة أشخاص يُشتبه بأنهم أعضاء في (جماعة أنصار الدولة) يعتقد أنهم كانوا يخططون لمهاجمة مركز للشرطة ونقلوا مدافع رشاشة من طراز إم 16 من جنوب الفلبين. وجماعة أنصار الدولة منظمة رئيسية مدرجة على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للتنظيمات الإرهابية ويُقدر بأنها اجتذبت مئات من أنصار التنظيم في إندونيسيا. وحققت إندونيسيا بعضا من النجاح الرئيسي في معالجة التشدد المستوحى من هجمات القاعدة في الولايات المتحدة في 2001. ولكن النشاط الإسلامي عاد للظهور في السنوات الأخيرة وكان بعضه مرتبطا بظهور تنظيم داعش.
الصين
على صعيد متصل قال السفير السوري لدى الصين إن ما يصل إلى خمسة آلاف من الويغور من منطقة شينجيانغ التي تشوبها الاضطرابات في غرب الصين يقاتلون مع جماعات متشددة في سوريا مضيفا أن على بكين أن تشعر بقلق بالغ إزاء ذلك. وتخشى الصين من أن عددا من الويغور، وهم عرقية أغلبيتها مسلمون، سافر إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف المتشددين هناك بعد أن سافروا بصورة غير قانونية عبر جنوب شرق آسيا وتركيا.
وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن قتل رهينة صيني في 2015 مما سلط الضوء على مخاوف الصين من الويغور الذين تقول إنهم يقاتلون في الشرق الأوسط. وقال عماد مصطفى سفير سوريا في بكين إن بعض الويغور يحاربون مع داعش فيما يقاتل أغلبهم "تحت رايتهم الخاصة" للترويج لقضيتهم الانفصالية. وأضاف "تقديرنا للأعداد، بناء على عدد من نقاتل ضدهم وعدد من نقتل ونأسر ونصيب، يتراوح بين أربعة وخمسة آلاف جهادي... على الصين وأيضا كل الدول أن تشعر بقلق بالغ". بحسب رويترز.
ولم تكشف الصين أبدا عدد من تعتقد أنهم يقاتلون في الشرق الأوسط لكنها حذرت مرارا من أنهم يشكلون خطرا كبيرا على الصين. ولا يتسنى التحقق بشكل مستقل من عدد الويغور في سوريا. وتقول جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان ومنفيون من الويغور إن كثيرا من أفراد الأقلية فروا إلى تركيا هربا من القمع الصيني وهو اتهام تنفيه بكين. وقال مصطفى إن الصين لم تأخذ جانب جماعات معارضة بعينها مثلما فعلت دول غربية وإن سوريا والصين تتعاونان على مواجهة التهديد.
اضف تعليق