انها لكارثة كبرى على تأريخ الإنسانية ان ترى حضارتك التي تفتخر بانتمائك اليها تتحطم وتنهب امام ناضرك وانت لا تستطيع فعل أي شيء، انه لشعور مؤلم جدا عندما ترى متحف الموصل ثاني أكبر متحف في العراق من بعد متحف بغداد من حيث الأهمية عبارة عن دمار وركام واكوام من الرماد والمواد المحروقة بدلا عن القطع الاثرية التي يعود تأريخها لآلاف السنين.
وتموت ألف مرة عندما ترى عروس البادية (تدمر) المدينة التي تبعد عن دمشق نحو 215 كيلومترا وكانت فيما مضى مدينة مزدهرة على الطريق التجاري القديم المعروف بطريق الحرير قد دمرت اعمدتها وخربت معالمها التاريخية حتى ان الأمم المتحدة نددت الأضرار الجسيمة التي تعرضت لها المدينة السورية القديمة. ووصفتها بأنها جريمة حرب وخسارة هائلة للشعب السوري وللإنسانية نعم هي خسارة فادحة وكبيرة ولا نعرف هل نستطيع تعويضها ام لا.
بعد ان احتلت عصابات داعش الإرهابية على أهم المناطق التي تنتشر بها آثار تاريخية قديمة من شمال العراق إلى شمال شرق سوريا، وتوجد في تلك المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في العراق 1800 موقع أثري، من أصل 12 ألف موقع في البلاد. ومدينة تدمر في سوريا معلم حضاري يعود عمره الى أكثر من الفي عام. وهي مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) للتراث العالمي الإنساني.
قام التنظيم الإرهابي بتخريب هذه المعالم الاثرية وتحويلها الى ركام لأنه يزعم بأن التماثيل القديمة بمثابة أوثان، ويحرم الاحتفاظ بها في المتاحف، ودعا إلى التخلص منها. هل هذا هو السبب الرئيسي فعلا؟ ام هناك أسباب أخرى وراء هذا التحطيم والتخريب لعلها تكون أسباب عدائية.
نعم ريما تكون أسباب عدائية خاصة انهم عصابات مبهمة ومرتزقة من عدة دول اضافة ان من يمولهم ليس لهم تأريخ او حضارة يفخرون بها لذا أرادوا بهذا الدمار ان يرضوا حقدهم وعدائهم وان ينهوا الحضارة العربية التي تعتبر عمود الدول وهويتها التي لا تتخلى عنها فقد استولى التنظيم الإرهابي على عدد كبير من القطع الأثرية التاريخية التي لا تقدر بثمن، وما بقي تم تدميره.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: اين ذهبت القطع التي لم تدمر؟ اين اخذها وماذا فعل بها تنظيم داعش الارهابي؟ من هنا ومن هذه الأسئلة يتكون لنا ان السبب الاخر والاهم في الاستيلاء على المتاحف والاثار والمعالم الاثرية في العراق وسوريا ونهبها لغرض بيعها في السوق السوداء، وتمويل عملياته الإرهابية من عائداتها.
لم يتبقى سوى السبب الثالث وبحسب رأي المراقبين ان تحطيم تنظيم داعش الإرهابي للقطع الاثرية الثمينة والمعالم الحضارية الكبيرة من اجل بث حرب اعلامي إرهابي وهو كعادته التي تعودنا عليها الحرب الاعلامية حيث يبثون الخوف والرعب في قلوب من يريد ان يتصدى لهم خاصة انهم كانوا يصورون وينشرون صور ومقاطع فيديو عن بشاعة طريقة تحطيم الاثار وتخريبها والأدوات الحادة المستخدمة في تحطيم حضاراتنا وتاريخنا الذهبي.
لكن مهما فعل هذا التنظيم الإرهابي لم يقف من عزم العرب وثقتهم بحضارتهم فقد استعادت سوريا تمثالين نصفيين تم ترميمهما في ايطاليا بعدما دمرهما تنظيم داعش الإرهابي خلال سيطرته على مدينة تدمر الاثرية وان هذه الخطوة تمهد لترميم أكثر من مئة تمثال متضرر بحسب رأي المختصين.
بين الأنقاض بقايا أرجل واجنحة
بالإمكان الدخول الى متحف الموصل هذه الايام من خلال فجوة عند قاعدة المبنى بعد ان تعرض الى التدمير والسرقة على يد عناصر داعش الارهابي الذين سيطروا على المدينة في حزيران/يونيو 2014. ويخيم الظلام بالداخل ويتراكم الحطام خصوصا من بقايا الثيران الاشورية المجنحة التي دمرها الجهاديون وحولوها الى ركام.
واعلنت القوات العراقية استعادة مبنى المتحف خلال التقدم في الجانب الغربي من المدينة في إطار عملية عسكرية لطرد الارهابيين من الموصل، في شمال البلاد. وبات المتحف اليوم مدمرا بشكل كامل، ولم يسلم شيئا من محتوياته. وداخل القاعة المظلمة، كانت هناك اكوام من الحجار في الموقع الذي كان السياح يعبرون فيه عن اعجابهم بتماثلين للثور الاشوري المجنح ذات الوجه البشري.
وبحسب ليلى صالح مسؤولة المباني الاثرية في الموصل فان التمثالين كانا بارتفاع مترين ويزنان أكثر من اربعة اطنان. وبين الانقاض، تبدو بقايا أرجل واجنحة، وقطع اثرية محطمة تحمل نقوشا وحروف الابجدية المسمارية. ووسط الركام، هناك فجوة تؤدي الى الطابق السفلي حيث تظهر قضبان حديدية بارزة من اساسات المبنى. بحسب فرانس برس.
ومن حين لآخر، يهتز المبنى ويتطاير الغبار بداخله عندما تطلق القوات العراقية صواريخ على مواقع تنظيم داعش الإرهابي. وفي الطابق الاول، يختبأ قناصة خلف نافذة صغيرة يحاولون تتبع مسلحي تنظيم داعش الارهابي على مسافة قريبة. وكانت مملكة اشور وعاصمتها نينوى، الموصل في الوقت الحاضر، في شمال بلاد ما بين النهرين احدى اقوى الامبراطوريات في الشرق الاوسط القديم. ويتضمن الفن الاشوري عرض مشاهد حربية.
سرقة القطع الثمينة وتدمير الكبيرة
الى جانب الثورين المجنحين يوجد كذلك اسد مجنح بأعاد مماثلة، حسبما ذكرت ليلى صالح مسؤولة المباني الاثرية في الموصل. وقالت لـ فرانس برس ان التماثيل الثلاثة المفقودة كانت بين القطع الاكثر قيمة في المتحف. واشارت صالح الى المتحف كان يضم مئة قطعة لكن ستا فقط منها اصلية. واضافت ان "الاثار التي تزن أكثر من اربعة اطنان كان يستحيل سرقتها، لذلك تم تدميرها في مكانها".
والمتحف هو الثاني من حيث الاهمية في العراق، حيث كان يضم قطعا اثرية من الحقبة الهيلينية التي تعود الى قرون عدة قبل المسيحية. لكن الرفوف الحديدية والخشبية باتت فارغة ويغطيها زجاج مهشم. ولا تزال اللوائح المكتوبة بالعربية والانكليزية ملقاة على الارض، شاهدا على الخسائر التي لاتقدر بثمن. بحسب فرانس برس.
وكتب على أحدها عبارة "كاسان فضيان عثر عليها في المقبرة الملكية في اور تعود الى 2600 عام قبل الميلاد". وكتب على اخرى "قطع صغيرة متنوعة عثر عليها في القصور الملكية في نمرود تعود الى القرن التاسع قبل الميلاد". وتتحدث اخرى عن قطع من الفخار والرخام والمرمر واقراص صنعت ابان عهود الممالك وشمعة مزينة بزخارف نباتية. وتختم صالح قائلة ان "اعادة الترميم ممكنة، لكن من الصعب معرفة ما إذا سنجد كل القطع".
عملية انتقام من القلعة كاملة
تحت غطاء جوي روسي مكثف تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من طرد التنظيم المتشدد من الموقع الأثري المدرج على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي وذلك بعد شهرين من سيطرة التنظيم عليها في تقدم مفاجئ. وهذه هي المرة الثانية التي يتم فيها استعادة المدينة من المتشددين خلال الصراع المستمر منذ ستة أعوام في سوريا.
وخلال فترة سيطرته الأولى على تدمر، ارتكب تنظيم داعش اعمالاً وحشية بينها قطع رأس مدير الاثار في المدينة خالد الاسعد (82 عاما) وتنفيذ اعدام جماعي لـ25جنديا سوريا على المسرح الروماني. كما دمر معبدي بعل شمسين وبل وقوس النصر وقطعاً أثرية في كانت في متحف المدينة.
وبعد سيطرته مؤخرا على المدينة، دمر التنظيم التترابيلون الاثري المؤلف من 16 عموداً، كما الحق اضرارا كبيرة بواجهة المسرح الروماني. وقال المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا مأمون عبد الكريم لرويترز إن تسجيلات فيديو التقطت بعد استعادة الجيش السوري السيطرة على المدينة تظهر دمارا أقل مما كان يخشاه علماء الآثار عندما ظهرت صور في بدايات العام تشير إلى أن داعش حطمت المزيد من الآثار.
وأضاف "كان هناك معلومات مخيفة وصلتنا أن احتمال حتى يكون هناك عملية انتقام من القلعة كاملة القلعة بشكل عام شكلها تشبه بعد التحرير الأول. يعني الوضع بشكل عام في القلعة هناك بعض أضرار موجودة ولكن الشكل العام للقلعة بخير." وقال خبير الآثار وائل حفيان إنه شاهد الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمصلبة (التترابيلون) التي تتألف من أربعة قواعد متقابلة فوق كل منها أربعة أعمدة. ولم يتبق سوى أربعة أعمدة من 16 عمودا.
وأضاف أنه وقعت بعض الأضرار أيضا ولكنها أقل خطورة بواجهة مسرح روماني حيث اقتصرت الأضرار على جزء تم ترميمه وليس جزءا أصليا. وقال حفيان إن المتشددين ألحقوا أضرارا خلال احتلالهم الثاني للمدينة أقل من فترة احتلالهم الأولى عندما دمروا قوسا أثريا عمره 1800 سنة ومعبد بعل شمين الذي يبلغ عمره نحو ألفي عام.
القطع الأثرية مصدر دخل مهم
استخدم تنظيم داعش الإرهابي الآثار كمصدر للدخل. فأعمال التنقيب التي اكتشفت بعد تقهقرهم في الآونة الأخيرة تحت مسجد في منطقة أخرى من الموصل أظهرت أنهم اهتموا بنهب القطع الأثرية. وتتناقض جهودهم لتجنب الإضرار ببعض القطع الأثرية مع تدمير المواقع الأثرية في أنحاء ما سمته تنظيم داعش دولة الخلافة في سوريا والعراق بدءا من مدينة تدمر الصحراوية وانتهاء بالعاصمة الآشورية نمرود جنوبي الموصل.
وقالت الولايات المتحدة إن نهب وتهريب القطع الأثرية كان مصدر دخل مهم للمتشددين. وفي يوليو تموز 2015 سلمت السلطات الأمريكية حكومة العراق مجموعة كبيرة من القطع الأثرية التي قالت إنها صادرتها من عناصر تنظيم داعش الإرهابي في سوريا. وطردت حملة عراقية مدعومة من الولايات المتحدة التنظيم المتشدد من معظم المدن العراقية في عامي 2014 و2015. ويقاتل تنظيم داعش حاليا في آخر معاقلها الحضرية الكبرى في الشطر الغربي من الموصل حيث يوجد المتحف. بحسب رويترز.
كما تم نهب الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية المجاورة تقريبا بالكامل وتصدع مذبح الكنيسة من منتصفه إلى أسفله. وأزال جنود عراقيون الغبار من فوق ألواح حجرية تاريخية ملقاة على أرض المتحف الذي يقع على مشارف مدينة الموصل القديمة.
حملة اعلامية لمحو التأريخ الثقافي
اعتاد تنظيم داعش الإرهابي تصوير أنفسهم وهم يحطمون الحضارات العراقية والسورية. سيطر تنظيم داعش الإرهابي على متحف الموصل في 2014، ونشر شريط فيدو بعد عام من ذلك، يظهر فيه مقاتلو التنظيم وهم يهدمون تماثيلا وآثارا قديمة في قاعات العرض، مستخدمين في ذلك المعاول اليدوية وآلات قطع الحديد الكهربائية.
وظهر في الفيديو مسلح وهو يقوم بتدمير وجه تمثال الثور المجنح بآلة كهربائية في موقع أثري بالموصل. لكن مسؤولين عراقيين قالوا في ذلك الوقت، إن التماثيل والآثار التاريخية التي دمرها التنظيم، لم تكن حقيقية، وإن الكثير من القطع التاريخية القديمة تم نقلها إلى بغداد من أجل حمايتها.
عند تحرير مبنى المتحف ودخول القوات العراقية الى داخل المبنى الذي تناثر فيه الحطام وحيث صور متشددون أنفسهم وهم يحطمون القطع الأثرية وصور أعضاء التنظيم المتشدد أنفسهم بالفيديو وهم يدمرون بعض محتويات المبنى في إطار حملتهم الإعلامية الكبرى لمحو التاريخ الثقافي الذي يتناقض مع تفسيرهم لتعاليم الإسلام.
وكان التنظيم نشر فيديو يظهر مجموعة من مقاتليه وهم يهاجمون محتويات المتحف التي لا تقدر بثمن ويحطمونها بواسطة الات حفر ومعاول. وفي أحد شرائط الفيديو التي نشروها، استخدموا جرافات ومعاول ومتفجرات لتدمير موقع نمرود درة الحضارة الاشورية التي تأسست في القرن 13 قبل الميلاد.
اما في سوريا فقد اثارت مخاوف بشأن تراث تدمر بعد أن أظهرت صور في يناير كانون الثاني أن التنظيم دمر أجزاء من أحد أشهر معالمها الأثرية وهو (التترابيلون) بالإضافة لواجهة المسرح الروماني الذي يعود للقرن الثاني.
موجة تنديد دولية واسعة
أثارت أعمال تدمير الآثار التي تعرضت لها المواقع والمتاحف العراقية إلى موجة تنديد دولية واسعة. ودعت مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، بعد الفيديو الأخير الذي نشر في فبراير/ شباط الماضي، ويظهر تدمير مسلحي التنظيم لما يعتقد أنه تحف أثرية قديمة في العراق.
وفي سوريا بعد ان طرد الجيش السوري في آذار/مارس 2016 بمساعدة روسية مسلحي تنظيم داعش من تدمر، احدث التنظيم المتطرف مفاجئة باحتلاله مجددا في كانون الاول/ديسمبر 2016 المدينة التي تعود الى اكثر من الفي عام وكانت احد اهم المواقع الثقافية للعالم القديم ومدرجة على لائحة التراث العالمي للإنسانية.
اعلنت منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) عن عمليات التدمير هذه في كانون الثاني/يناير 2017 ونددت حينها بـ"جريمة حرب وخسارة هائلة للشعب السوري وللإنسانية". كما اعلن الجيش الروسي انه لاحظ "تكثيفا في حركة شاحنات الارهابيين حول تدمر" ما يؤشر الى عمليات تدمير جديدة.
خطوة إيجابية لحماية التراث السوري
استعادت سوريا تمثالين نصفيين تم ترميمهما في ايطاليا بعدما دمرهما تنظيم داعش الإرهابي خلال سيطرته على مدينة تدمر الاثرية، وفق ما افاد المدير العام للأثار والمتاحف في سوريا مأمون عبد الكريم لوكالة فرانس برس. وقال عبد الكريم "تمت استعادة التمثالين وانضما من جديد الى القطع الاثرية الـ400 التي تم انقاذها من مدينة تدمر"، في محافظة حمص (وسط).
وتم اخراج المئات من القطع الاثرية المدمرة والمتضررة من المدينة، قبل ان يتمكن التنظيم مجدداً في 11 كانون الاول/ديسمبر من السيطرة على المدينة، مدمراً معالم جديدة فيها. وتمكن صحافيو فرانس برس من مشاهدة التمثالين في احدى غرف متحف دمشق قبل ان يتم نقلهما الى مكان آمن، أحدهما لرجل والثاني لامرأة. وطالت اعمال الترميم وجهيهما بعدما حطمهما الجهاديون بالمطارق.
وقال عبد الكريم ان ترميم التمثالين اللذين يعودان الى القرن الثاني والثالث يعد "اول خطوة ايجابية مرئية وحقيقية اتخذها المجتمع الدولي لحماية التراث السوري". واعتبر أن ذلك "يندرج في اطار الدبلوماسية الثقافية التي لا تمنع تعاون الشعوب مع بعضها في محاربة التطرف والهمجية لانه في النهاية(...) التراث السوري هو تراث انساني" معتبراً أن ما جرى "يمهد لترميم اكثر من مئة تمثال متضرر".
وخلال الشهر الماضي، أوضح فريق الترميم للصحافيين في روما أنه أصلح وجه أحد التمثالين بعدما كان الجزء الأعلى منه محطماً بالكامل، فأعاد تشكيل القسم المدمر بواسطة آلة طابعة بثلاثة أبعاد، وفق تقنية لم يسبق أن استخدمت حتى الآن في هذا النوع من أعمال الترميم.
وثبت العلماء الجزء الجديد المصنوع من مسحوق النايلون الاصطناعي على الوجه بواسطة عدة قطع مغناطيس.
اضف تعليق