تدهور الأوضاع الأمنية وتفاقم الأزمات الإنسانية التي يشهدها اليمن، في ظل احتدام القتال واستمرار الغارات الجوية التي تقوم بها طائرات الحلف الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية، لاتزال محط اهتمام العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية التي طالبت المجتمع الدولي بضرورة التدخل السريع والعاجل لتلبية الاحتياجات الإنسانية توفير الأمن الغذائي والصحي لنحو 7.5 ملايين يمني كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان طائرات التحالف قد سعت الى استهداف المستشفيات وتدمير المنازل والمدارس ومحطات توليد الطاقة والمياه وباقي البنى التحتية في هذا البلد الذي يعاني أصلا من مشكلات وأزمات اقتصادية وإنسانية كبيرة، حيث يتجاوز معدل الفقر في اليمن نسبة الـ60%، وتؤكد الأمم المتحدة أن "مخزونات الغذاء المخصصة للحالات الإنسانية داخل البلاد لا تكفي لتلبية الحاجات المتنامية، والتراجع الحاد في الواردات التجارية يهدد المعروض الغذائي الأوسع"، والذي يعد من اكبر التحديات، علما أن القليل من المنظمات الانسانية لا تزال تعمل في اليمن، ومنها منظمة أطباء بلا حدود. خصوصا مع إصرار السعودية على تأخير ومنع وصول المساعدات الإنسانية وتشديد الحصار المفروض على اليمن، وقد أفادت منظمة "أطباء بلا حدود الدولية"، بأن كثيرا من المدنيين بحاجةٍ إلى مساعدة طبية، يأتي ذلك في الوقت الذي أطلق فيه منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، السيد يوهانس فان دير كلاو، نداءً إنسانيا إلى كافة أطراف الصراع في اليمن. واحتوى النداء على مقترح دعاهم خلاله إلى إيقاف القصف الجوي والقتال على الأرض في كافة مناطق اليمن لمدة ساعات محدودة يوميا، من أجل تمكين منظمات الإغاثة من إيصال المساعدات الضرورية والمواد المنقذة للأرواح إلى المحتاجين إليها، وخاصة المدنيين.
منظمات الاغاثة تحذر
وفي هذا الشأن فقد حذرت منظمات الاغاثة من تفاقم الازمة الانسانية في اليمن بما في ذلك نقص الاغذية وتواجه منظمات الاغاثة صعوبة في توزيع المساعدات، وتواجه طواقم منظمة اطباء بلا حدود صعوبات في التنقل والوصول الى السكان الذين يحتاجون الى مساعدة طبية، كما قالت المسؤولة في المنظمة ماري اليزابيث اينغرس. وذكرت انيغرس "المتاجر مغلقة. ونواجه مشكلة نقص الطعام".
وحذر الامين العام للامم المتحدة بان كي مون من ازمة انسانية كبيرة "مع ارتفاع اعداد القتلى من المدنيين وتدمير البنية التحتية". وارسلت اللجنة الدولية للصليب الاحمر اكثر من 35 طنا من المساعدات والمعدات الطبية الى صنعاء بعد اول دفعة من المساعدات التي نظمها الصليب الاحمر والامم المتحدة. وقال فيليب بولوبيون من منظمة هيومان رايتس ووتش ان "الاعداد المقلقة من القتلى المدنيين والازمة الانسانية في اليمن يجب ان تدفع التحالف الذي تقوده السعودية والحوثيين الى اخذ حماية المدنيين على محمل الجد". وقالت المنظمة الدولية للهجرة ان اكثر من 16 الف شخص لا زالوا عالقين في اليمن.
كما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الوضع الإنساني في اليمن صعب جدا و"كارثي على أقل تقدير" في مدينة عدن التي ينقصها الغذاء والماء وخصوصا اللوازم الطبية والجراحية. وقالت المتحدثة الرسمية باسم اللجنة في صنعاء ماري كلير فغالي لوكالة الأنباء الفرنسية إن "الوضع الإنساني في اليمن صعب جدا، لاسيما أن البلاد تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية وأن الطرق البحرية والجوية والأرضية مقطوعة".
كما ذكرت أن الحرب تؤثر بشكل كبير على البنى التحتية لاسيما شبكات المياه الشحيحة أصلا في صنعاء. وأشارت إلى أن "الجثث لا تزال ممددة في الشوارع" فيما "يتعرض عمال الهلال الأحمر للقنص عند محاولتهم انتشالها". واعتبرت أن "الوضع الأخطر هو في المجال الصحي إذ نفدت اللوازم الطبية والجراحية في ظب غياب الخبرات المطلوبة للتعامل مع الإصابات".
عدن وضع كارثي
من جانب اخر اعلنت اللجنة الدولية للصليب الاحمر ومنظمة "اطباء بلا حدود" ان الوضع الانساني "كارثي" في مدينة عدن. وقالت المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب في صنعاء ماري كلير فغالي ان "الوضع الانساني في اليمن صعب جدا، لاسيما ان البلاد تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية وان الطرق البحرية والجوية والارضية مقطوعة".
ويشن تحالف عربي بقيادة السعودية غارات مكثفة على مواقع الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح. وقتل 540 شخصا على الاقل واصيب 1700 بجروح في اليمن منذ 19 اذار/مارس وفق حصيلة اعلنتها منظمة الصحة العالمية. وشنت مقاتلات التحالف غارات على مواقع للحوثيين وللقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح في شمال عدن وفي تعز اضافة الى صنعاء. واكدت فغالي ان الحرب تؤثر بشكل كبير على البنى التحتية لاسيما شبكات المياه الشحيحة اصلا في صنعاء.
وقالت ان "الوضع الانساني في عدن كارثي في اقل تقدير" مشيرة الى ان "الجثث لا تزال ممددة في الشوارع" فيما "يتعرض العاملون في الهلال الاحمر للقنص عند محاولتهم انتشالها". وبحسب المتحدثة، فان الحرب في عدن البالغ عدد سكانها نحو 800 الف نسمة، "اصبحت في كل شارع وكل زاوية وكثيرون لا يستطيعون الهرب (فيما) يتفاقم نقص الغذاء والماء والكهرباء". واعتبرت ان "الوضع الاخطر هو في المجال الصحي اذ نفدت اللوازم الطبية والجراحية كما لا توجد الخبرات المطلوبة للتعامل مع الاصابات". بحسب فرانس برس.
اما منظمة الصحة العالمية في جنيف، فقد اعلنت من جهتها ان 540 شخصا قتلوا واصيب 1700 اخرون بجروح في اليمن بدورها، اكدت اليونيسف ان الحرب اسفرت عن نزوح اكثر من 100 الف شخص. من جهتها، اكدت مسؤولة بعثة منظمة "اطباء بلا حدود" في اليمن ماري اليزابيث انغر ان الوضع في عدن "كارثي ويزداد سوءا يوما بعد يوم". واوضحت ان فريق المنظمة في عدن "لم يعد يستقبل جرحى باعداد كبيرة منذ بضعة ايام ليس بسبب عدم وجود جرحى وانما لصعوبة الوصول الى المراكز الطبية"، لاسيما الى المستشفى الذي تديره المنظمة في عدن.
سفن الشحن تنتظر
في السياق ذاته اضطرت خمس سفن شحن على الأقل تحمل أغذية للانتظار أمام سواحل اليمن مع قيام السفن الحربية التابعة لتحالف تقوده السعودية بتفتيشها بحثا عن أسلحة قد تكون في طريقها إلى قوات المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران وهو تأخير يزيد من الازمة الانسانية. ويستورد اليمن أكثر من 90 في المئة من غذائه بما في ذلك معظم استهلاكه من القمح (الطحين) وكل احتياجاته من الأرز لإطعام سكانه البالغ عددهم 25 مليون نسمة.
وتقوم سفن أجنبية بنقل معظم احتياجاته على الرغم من أن شركات الملاحة خفضت الآن أو أوقفت عمليات الشحن والتفريغ. وأظهرت المعلومات الخاصة برصد تحركات السفن أن خمس سفن شحن على الأقل مازالت راسية قبالة ساحل اليمن غير قادرة على دخول المياه اليمنية. وقالت وكالة (أو.سي.إتش.إيه) الانسانية التابعة للأمم المتحدة "تعطل الملاحة البحرية في المياه الاقليمية لليمن سيؤثر سلبا على الأمن الغذائي... وحتى قبل التصعيد الحالي في الصراع كان نصف سكان اليمن تقريبا يعانون نقصا في الغذاء."
ونشر التحالف سفنا حربية لاعتراض أي سفن قد تنقل أسلحة للمتمردين على الرغم من أن سفن الشحن يفترض أن تمر بحرية فور تفتيشها. ومع ذلك فإن هذا الوضع يعني حدوث تأخير في نقل شحنات الغذاء بحرا. وقال أحد تجار الغذاء الدوليين "أصبح من الصعب الان العثور على ملاك سفن لديهم الاستعداد لتقديم سفنهم مع احتمال احتجاز شحناتها لفترة غير معلومة قبل نقلها إلى داخل اليمن." وقال وكيل ملاحي لمالك سفينة الشحن ليكافيتوس التي تحمل 47250 طنا من القمح إن السفينة اضطرت للانتظار خارج المياه اليمنية لنحو أسبوع قبل أن تسمح لها السفن الحربية المصرية بالابحار الى ميناء الصليف.
وقالت شركة هيليكون انتربرايزس الملاحية "حتى بعد الحصول على تصريح عبور ومع اقتراب السفينة من المياه اليمنية اقتربت منها سفينة حربية أخرى تابعة للتحالف وطلبت تكرار ما حدث قبل أن يوضح قبطانها أنه حصل على تصريح بالدخول." وأضافت "نتوقع الآن تأخيرات أخرى من ستة إلى سبعة ايام قبل بدء تفريغ الشحنة في ميناء الصليف. وسيراقب الملاك الوضع في الميناء عن كثب فيما يتعلق بالأمن والسلامة ويمكنهم استخدام حقهم بموجب عقد الاستئجار في رفض دخول السفينة إلى الصليف إذا أصبح الميناء غير آمن.
وميناء الصليف قريب من ميناء الحديدة الأكبر على البحر الأحمر والذي يسيطر عليه الحوثيون. وسوف تؤدي هذه التأخيرات على الأرجح إلى تفاقم المشكلات اللوجستية في نقل الغذاء. وحذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة من أنه مع تفاقم الصراع "من المتوقع أن يتفاقم وضع الأمن الغذائي بشكل كبير" خاصة في ظل تقلص مخزون الغذاء.
وقال سفير السعودية لدى واشنطن عادل الجبير ان "التحالف العسكري العربي ملتزم بتسهيل ودعم الاغاثة الانسانية لكنه سيفتش السفن الذاهبة والعائدة بحثا عن شحنات محظورة." وقال الجبير في مؤتمر صحفي في واشنطن انه "يجب التأكد من ان أي سفينة لا تحتوي على أسلحة." وقالت مجموعة هائل سعيد أنعم التي تملك الشركة اليمنية للمطاحن وصوامع الغلال انها وزعت على نحو خاص الطحين من مطاحنها في الحديدة إلى عدن التي تشهد معارك شرسة بسبب "المعاناة الشديدة" هناك.
وناشدت الشركة كل الأطراف عدم مهاجمة الشاحنات التي تنقل الطحين. وفي مثال آخر على الصعوبات الملاحية التي تواجه سفن الشحن قال ملاك السفينة أندريه ريكميرس إن السفينة لم تستطع في البداية تفريغ شحنتها في ميناء الحديدة لأسباب تتعلق بالأمن والسلامة لكن بعد ذلك تم ايقافها لأن سفن قوات التحالف لم تسمح لها بدخول الموانيء اليمنية. وقالت متحدثة باسم مجموعة ريكميرس المالكة للسفينة إن السفينة ظلت خارج المياه اليمنية لعدة ايام قبل أن تأمرها سفن التحالف بالعودة إلى ميناء جدة.
وكان وزير خارجية اليمن رياض ياسين عبد الله قال ان على جميع السفن الحصول على تصريح من قوات التحالف قبل دخول المياه اليمنية. وأضاف انه يتعين تفتيش هذه السفن نظرا لوجود حظر على دخول المواد العسكرية الى اليمن. واشار الوزير إلى أن ذلك يستهدف حماية اليمن واليمنيين من إمدادات الأسلحة الإيرانية للحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وأضاف أن اي شحنات مدنية مسموح لها بدخول البلاد. بحسب رويترز.
وقالت اتحادات شحن ان المناطق البحرية لم تحدد بوضوح وانها تسعى للحصول على ايضاح. وقال أكبر اتحاد للشحن في العالم (بيمكو) انه "ينصح كل السفن بعبور خليج عدن والبحر الاحمر خارج المياه اليمنية بنحو 12 ميلا بحريا متى أمكن ذلك." وكان مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة قد فرض حظرا على السلاح مستهدفا الحوثيين. وقال مايكل فرودل من شركة سي-ليفيل جلوبال ريسكس ومقرها الولايات المتحدة "مجموعة الاجراءات اليمنية والصادرة عن الامم المتحدة تعطي للسفن الحربية التابعة للتحالف السعودي مكانة قانونية أفضل لايقاف السفن وتحمي أعمالهم من تفسيرها على انها عمل عدواني أحادي الجانب."
الأمن الغذائي يتدهور
من جانبها قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) إن الصراع في اليمن يعرقل موسم زراعة المحاصيل وينذر بحدوث نقص غذائي. وتعمل الفاو منذ 2014 على دعم المزارعين اليمنيين لكنها تقول إنه لم يتوافر سوى أربعة ملايين دولار من الأموال المطلوبة لتمويل برامجها في اليمن والتي تبلغ 12 مليون دولار. وقال عبد السلام ولد أحمد المدير العام المساعد في المنظمة لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا "الوضع المتدهور الراهن يعني أننا بحاجة إلى مضاعفة جهودنا أضعافا لضمان أن يتمكن العديد من المزارعين من زرع هذا الموسم وإنمائه وأن يعززوا قدرتهم على تحمل الصدمات في المستقبل."
ويشن تحالف عربي ضربات جوية ضد المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لمنعهم من السيطرة على مدينة عدن الساحلية بجنوب البلاد. وقالت الفاو إن حوالي 11 مليونا من سكان اليمن البالغ عددهم 26 مليون نسمة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد بينما يحتاج 16 مليونا إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية ولا تتاح لهم إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب.
وتعثرت الأسواق وزادت أسعار الأغذية نتيجة لتفاقم الأوضاع في وقت كان من المفترض أن تجري فيه زراعة محصول الذرة الرئيسي لعام 2015 إلى جانب حصاد محاصيل الذرة البيضاء. وقال ممثل الفاو في اليمن صلاح الحاج حسن "نوشك على بدء فترة حاسمة لإنتاج المحاصيل في اليمن والآن أكثر من أي وقت مضى لا يمكن أن تعتبر الزراعة بمثابة مرحلة لاحقة للتفكر إذا كان لنا أن نحول دون تزايد أعداد من يعانون انعدام الأمن الغذائي في خضم الأزمة الراهنة." بحسب رويترز.
وقالت المنظمة إن أسعار الأغذية في مدينة الحديدة الساحلية بغرب اليمن ارتفعت إلى المثلين بينما قفزت أسعار الوقود إلى أربعة أمثالها. ويعتمد معظم سكان اليمن في معيشتهم على الأراضي الزراعية ويستخدم نحو 90 بالمئة من الموارد المائية اليمنية في الزراعة ومن ثم يتأثر اليمنيون كثيرا بتعطل الإنتاج الزراعي جراء الصراع. ويعمل نحو ثلثي اليمنيين في الزراعة لكن البلاد تستورد حوالي 90 بالمئة من احتياجاتها من القمح وجميع متطلباتها من الأرز. وفي وقت سابق هذا الشهر قالت منظمة الأغذية والزراعة إن الصراع سيكون له تأثير على توافر السلع الغذائية وسيرفع الأسعار في وقت أقرب من المتوقع رغم أن الحكومة قالت إن لديها من الغذاء ما يكفي لاستهلاك ستة أشهر.
اضف تعليق