تفاقمت بشكل كبير معاناة المهاجرين الفارين من مختلف الدول الإفريقية هربا من الفقر والحروب وعدم الاستقرار السياسي والتقلبات المناخية. الى البلدان الاوروبية التي سعت في السنوات الاخيرة الى تشديد اجراءاتها في سبيل الحد من تزايد اعداد المهاجرين، وهو ما أثر سلباً عليهم فخلال هذه الرحلة يتعرض العشرات من المهاجرين، لمخاطر متنوعة فمنهم من يسقط في أيدي عصابات التهريب التي تستولي على اموالهم او تقتلهم بعد التخلي عنهم وسط الصحاري او اغراقهم وسط مياه البحر التي تحولت الى مقابر. ويقصد معظم المهاجرين الناجون من رحلة العبور الاولى المغرب وليبيا لقربهما من القارة الاروبية. فالمغرب مثلا وكما نقلت بعض المصادر، تفصله مسافة 14 كلم عن مضيق جبل طارق. بينما الحدود المغربية الاسبانية عبر معبري سبتة ومليلية المحتلتين متلاصقة.
وقد أكدت منظمة الهجرة العالمية في وقت سابق أن نحو 2250 مهاجرا فقدوا أو ماتوا غرقا في البحر الأبيض المتوسط، وذلك أثناء محاولتهم للوصول إلى أوروبيا انطلاقا من ليبيا. أفاد الناطق باسم منظمة الهجرة الدولية جول ميليان بأن أكثر من2250 مهاجرا قتلوا أو فقدوا على سواحل ليبيا خلال العام الماضي. وقال ميليان في مقابلة: "نحن في المنظمة نعمل على رصد هذه الجموع التي تصل إلى ليبيا أو تغادرها باتجاه أوروبا ونحاول بقدر الامكان الحفاظ على حياة هؤلاء المهاجرين.
بعضهم، لا يقدّر الخطر الحقيقي من ركوب القوارب المتهالكة وبهذه الأعداد". وأضاف: "إننا رصدنا أثناء لقاءنا بالمهاجرين الواصلين لإيطاليا العديد منهم كانوا ضحية جريمة الاتجار بالبشر سواء الجنسي أو العمل القسري في ليبيا، وهذا الأمر غير مستغرب في ظل وجود أماكن إيواء في ليبيا تحت سيطرة مجموعات غير نظامية، ونحن نحصل على معلومات بصعوبة بشأن المهاجرين داخل أماكن الإيواء في ليبيا وظروف معيشتهم".
وتصل أعداد المهاجرين غير النظاميين تباعا كل يوم من حدود ليبيا المفتوحة والتي تفتقر لأي حراسة أو قوات أمنية، ويقدر أعداد المهاجرين بـ45 ألف مهاجر في ليبيا، دخلوا خلال ستة أشهر ولم يستقروا فيها، وإنما غادرها معظمهم عبر القوارب إلى أوروبا حسب تقارير منظمة الهجرة الدولية. وقد دقت منظمات متخصصة وعلى رأسها المنظمة الدولية للهجرة ناقوس الخطر بخصوص تنامي الظاهرة دون ان تحدد المسؤولين عن حدوث الفظاعات. اما المسؤول الأول عن الفظاعات التي تعرض مهاجرون افارقة في البحر المتوسط بحسب متخصصين في قضايا الهجرة فهي عصابات تهريب البشر. ومآسي المهاجرين كانت وراءها ايضا سياسة للهجرة غلب عليها الطابع الأمني سواء سياسات الاتحاد الاروبي او بعض الدول الافريقية التي وقعت اتفاقيات مع الاتحاد لمراقبة الحدود والحد من تدفق المهاجرين نحو اوروبا.
أوضاع كارثية
وفي هذا الشأن قال رئيس مركز للإيواء في مدينة غريان الليبية إن آلاف المهاجرين الذين نزحوا جراء القتال على الساحل الشمالي الغربي لليبيا في حاجة ماسة للمساعدة الطبية واصفا وضعهم بأنه ”مأساوي“ وكان نحو 5800 مهاجر وصلوا إلى المركز منذ تفجر القتال في مدينة صبراتة الساحلية والتي كانت مركزا للعبور إلى إيطاليا. وأرسلت السلطات بالفعل نحو ألفي شخص من غريان إلى مراكز أخرى في العاصمة طرابلس.
وقال عبد الحميد مفتاح مدير مركز إيواء الحمراء بمدينة غريان التي تبعد 80 كيلومترا جنوبي طرابلس ”الوضع مأساوي... كارثي. ولا يوجد دعم“. وتسببت الاشتباكات في صبراتة في انسحاب جماعة مسلحة قالت إنها بدأت منع مغادرة المهاجرين من المدينة وذلك تحت ضغط مكثف من إيطاليا. وسبق أن كانت صبراتة المركز الرئيسي لتهريب المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط.
وتسعى وكالات الأمم المتحدة جاهدة لتقديم الدعم لآلاف المهاجرين الذين أتى أغلبهم من أفريقيا جنوب الصحراء والذين تقطعت بهم السبل بعد القتال. وجرى نقل كثير منهم إلى مراكز مثل الحمراء في غريان الذي تسيطر عليه حكومة الوفاق الوطني سيطرة شكلية لكنه يشتهر بالانتهاكات الواسعة النطاق وتردي الأوضاع. ولا سبيل للعاملين في المجال الإنساني للوصول إلى المركز إلا على نطاق محدود. ويتكون مركز الحمراء من نحو 12 مبنى صمم كل منها لاستيعاب ما يصل إلى 150 شخصا.
وقال مفتاح إن نحو 70 في المئة من المهاجرين ممن وصلوا إلى المركز بحاجة إلى الرعاية الطبية لكنهم لا يحصلون عليها. ولدى مرور أحد الصحفيين رفع أحد المهاجرين صوته بينما كان متشبثا بقضبان باب أحد المباني قائلا ”رجاء... نحن نموت... نحن نموت“. وأضاف مفتاح أن في المركز الكثير من الأطفال وبعض الحوامل اللائي وضع بعضهن منذ وصولهن. وتابع ”نوجه نداء استغاثة لكل منظمات الدولية وللدولة الليبية بالنظر في الظروف الإنسانية لهؤلاء المهاجرين“. بحسب رويترز.
كما أثار المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين أوضاع المهاجرين مع السلطات الليبية خلال زيارته للبلاد. وقال في بيان”أطالب الحكومة بإيجاد بدائل للاحتجاز في ليبيا وبوقف ممارسة الاعتقال التعسفي وضمان المحاسبة عن الانتهاكات التي ارتكبت ضد المهاجرين في مراكز الاعتقال“. ودعا إلى وصول المراقبين في مجال حقوق الإنسان إلى مركز الاعتقال حث يحتجز آلاف الليبيين منذ سنوات من غير إجراءات قضائية مشيرا إلى ”تقارير مروعة“ تخرج من بعض هذه المراكز.
البحر والصحراء
الى جانب ذلك قالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إن مهاجري غرب أفريقيا الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا يلاقون حتفهم في منطقة الصحراء بأعداد أكبر بكثير من البحر المتوسط ولكن الجهود التي تُبذل لإثناء هؤلاء الأشخاص ربما تؤدي إلى فتح طرق جديدة. وسُجلت 2569 حالة وفاة بين المهاجرين حتى الآن هذا العام في وسط البحر المتوسط في حين وصل أكثر من 107 آلاف مهاجر من غرب أفريقيا بشكل أساسي إلى إيطاليا.
وقال ريتشارد دانزيجر مدير المنظمة الدولية للهجرة لغرب ووسط أفريقيا في مؤتمر صحفي في جنيف “شيء واحد ما زال غير موجود لدينا وهو أي تقدير لعدد الوفيات في الصحراء. ”نفترض ، وأعتقد أننا قلنا من قبل، أنه يجب أن يكون على الأقل ضعف عدد من يموتون في البحر المتوسط. ولكن ليس لدينا فعلا دليل على ذلك إنه مجرد افتراض. لا نعرف فحسب“. وقال إن تخوف مهربي البشر من السلطات يتزايد في النيجر، وهي طريق عبور رئيسي، مما يدفعهم على الأرجح للتخلي عن المهاجرين في الصحراء.
وقال جوسيب لوبريت رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في النيجر إن مهاجرين كثيرين أبلغوا عن حالات وفاة في الصحراء وقال بعضهم إن المهربين كانوا يعتقدون إنهم إذا اجتازوا حقول الألغام بسياراتهم بسرعة لن يلحق بهم أذى. وأضاف أن أعداد المهاجرين الذين يجتازون النيجر تراجعت بشكل كبير بعد اتخاذ الحكومة إجراءات قوية لإغلاق ”تجمعات“ المهاجرين واعتقال المهربين.
وقال دانزيجر إن المنظمة الدولية للهجرة تحاول أيضا إبلاغ الناس بمعلومات تحذرهم مما قد يتعرضون له في ليبيا. وأضاف أن الرسالة تقول ”ما يحدث في ليبيا أفظع بكثير من الموت. إنها روايات الرعب التي يرويها العائدون“. ولا يعتبر مهربون كثيرون أنفسهم مجرمين وهم في الغالب قصاصو أثر سابقون في الصحراء يحاولون كسب المال. وقال لوبريت إن كثيرين استسلموا في حين واصل أفراد عصابات إجرامية منظمة لهم اتصالات في ليبيا نشاطهم. وقال ”الآن يبحثون عن طرق بديلة وأعتقد أنها على الأقل خطيرة بنفس القدر“. بحسب رويترز.
والنيجر بها طريقان إلى ليبيا أحدهما قريب من تشاد ويُستخدم لتهريب المهاجرين وآخر قريب من الحدود الجزائرية ويعد أكثر خطورة بكثير وتستخدمه الجماعات المتطرفة ولتهريب المخدرات والسلاح. وقال دانزيجر إن هناك طريقا بديلا عبر شمال مالي ولكن لا يبدو أن هناك زيادة كبيرة في استخدامه. وأضاف أن الطريق الذي يعد الأكثر أمانا يسير بمحاذاة الساحل الغربي لأفريقيا عبر السنغال وموريتانيا والمغرب إلى مضيق جبل طارق وقد تزايد تدفق المهاجرين هناك.
عمليات انقاذ مستمرة
في السياق ذاته نقلت سفينة انقاذ مهاجرين في المتوسط الى باليرمو في صقلية 604 مهاجرين من 15 دولة، بينهم 204 أطفال تم انقاذهم في البحر. والسفينة اكواريوس التي تشغلها منظمة "اس او اس المتوسط" الخيرية مع "اطباء بلا حدود" نفذت سلسلة عمليات انقاذ ونقلت المهاجرين المتحدرين من سوريا ومصر ومالي والسودان والمغرب والجزائر او بنين، الى صقلية. وقالت منظمة "اس او اس المتوسط" في بيان ان "عمليات الانقاذ المتعددة التي قامت بها اكواريوس في الايام الماضية في منطقة جغرافية واسعة جدا تظهر ان الازمة الانسانية مستمرة او حتى تتفاقم في المتوسط".
وأوضحت انه "خلال 18 شهرا من مهامها، تم انقاذ حوالى 25 الف شخص في عرض البحر واستقبلوا على متن السفينة اكواريوس". وكان وزير الداخلية الايطالي ماركو مينيتي اعلن ان عدد الوافدين من المهاجرين عبر تركيا وتونس والجزائر الى ايطاليا سجل ارتفاعا كبيرا. ومنذ السنة الماضية ازداد عدد الوافدين في سفن من تونس نحو جزيرة لامبيدوزا الايطالية او غرب صقلية بمعدل ثلاث مرات، والوافدين من الجزائر الى جزيرة ساردينيا بمعدل الضعفين. اما عدد المهاجرين الواصلين من تركيا نحو جنوب ايطاليا فقد ارتفع بنسبة 63% كما اوضح الوزير.
وفي الوقت نفسه فان عدد الواصلين عبر ليبيا تراجع بنسبة 25% مع تباطؤ كبير هذا الصيف لكنه يبقى يشكل الغالبية بفارق كبير، بحسب ما قال الوزير أمام لجنة برلمانية. ومن أصل حوالى 108 آلاف مهاجر وصلوا هذه السنة الى السواحل الايطالية فان 92% منهم انطلقوا من ليبيا.
على صعيد متصل تمكنت قوات خفر السواحل التونسي من إنقاذ 98 مهاجرا كانوا يبحرون خلسة باتجاه أوروبا عندما كان مركبهم يغرق بينما أعلنت البحرية إحباط هجرة 43 آخرين على متن أربع قوارب قبالة سواحل جرجيس. وزادت محاولات الإبحار من السواحل التونسية بعد أن شددت جماعة مسلحة الرقابة على السواحل الليبية مما أدى إلى انخفاض مفاجئ في محاولات الهجرة غير الشرعية انطلاقا من السواحل الليبية طوال الشهرين الماضيين.
وأشارت بيانات رسمية إلى أن القوات البحرية التونسية أحبطت وصول نحو 170 مهاجرا في شهر أغسطس آب الماضي بينما وصل العدد إلى حوالي 550 في شهر سبتمبر أيلول فقط، وتنطلق هذه الرحلات السرية من عدد من المناطق الساحلية من بينها هرقلة وصفاقس وبنزرت وجرجيس. وقال العميد خليفة الشيباني الناطق باسم الحرس الوطني ”الحرس البحري أنقذ 98 مهاجرا تونسيا قبالة سواحل قرقنة بعد أن بدأت مياه البحر تتسرب إلى داخل المركب، فتم نقلهم على متن الخافرات التابعة للحرس الوطني، في حين غرق المركب“. بحسب رويترز.
وفي بيان منفصل قال الجيش إنه تمكن من إيقاف 43 مهاجرا قبالة سواحل جرجيس كانوا على متن أربعة قوارب. وحظي الانتقال الديمقراطي في تونس بإشادة واسعة وكان سلسا ولكن كل الحكومات التي تعاقبت بعد انتفاضة 2011 فشلت في تحقيق انتعاش اقتصادي وتوفير فرص عمل لمئات آلاف الشبان العاطلين مما يدفع بعضهم إلى الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا للبحث عن عمل.
مركز مؤقت
من جانب اخر قال مسؤول كبير في الأمم المتحدة إن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للمنظمة الدولية تسعى لفتح مركز مؤقت للاجئين في طرابلس مطلع العام القادم لإعادة توطين أو إجلاء ما يصل إلى 5000 من الفئات الأشد ضعفا من اللاجئين من ليبيا سنويا. والرقم جزء بسيط من إجمالي عدد المهاجرين في ليبيا الذين قدر عددهم بما يصل إلى مليون شخص لكنه سيكون مخرجا مقبولا لنحو 43 ألف لاجئ تقول مفوضية الأمم المتحدة إنهم تقطعت بهم السبل حاليا في ليبيا.
وقال روبرتو مينيوني ممثل المفوضية في ليبيا في روما ”نأمل في الحصول على التفويض (الكتابي) قريبا“. وأضاف أن الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس وافقت بالفعل شفاهة على المشروع. وسيقام المركز في منشأة تدريب سابقة لشرطة الهجرة وسيكون بوسع المهاجرين الدخول والخروج دون قيود. وقال مينيوني إنه ما إن يتم تجديد المنشأة ستكون قادرة على استيعاب ما يصل إلى 1000 لاجئ مؤقتا وقد يبدأ تشغيلها بحلول مطلع 2018.
وباتت إيطاليا الوجهة الرئيسية للمهاجرين إلى أوروبا منذ أن أوقف اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا التهريب عبر اليونان العام الماضي لكن عدد الوافدين تقلص بشدة منذ يوليو تموز عندما شن فصيل مسلح حملة على عمليات الهجرة. وبدعم من الاتحاد مولت إيطاليا ودربت وزودت خفر السواحل الليبي في طرابلس بالعتاد. ووعدت إيطاليا أيضا بدعم حكومة رئيس الوزراء فائز السراج والسلطات المحلية بعشرات الملايين من اليورو بهدف وضع حد لعمليات التهريب.
وأثارت تلك الاستراتيجية انتقادات من منظمات حقوق الإنسان التي تشير إلى الأوضاع البائسة داخل مراكز الاحتجاز التابعة للدولة والتي يقول مينيوني إنها تستضيف نحو 6000 حاليا. وقال وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي إنه يعول على وكالات اللاجئين والهجرة التابعة للأمم المتحدة لتحسين أوضاع اللاجئين والمهاجرين في ليبيا. وقال مينيوني ”لا يمكن أن نكون نحن الحل الوحيد“ ذلك لأن الوضع في ليبيا أيضا ما زال خطيرا ولا يزال وصول الموظفين الدوليين إلى هذا البلد محدودا.
وأضاف ”ما زالت هناك مخاطر كبيرة“ على الموظفين الدوليين. وقال ”قبل نحو شهر ونصف وقع هجوم على قافلة للأمم المتحدة على بعد 30 كيلومترا من طرابلس بالقذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة. نجونا من الأسوأ بأعجوبة“. وذكر أنه جرى إطلاق سراح قرابة 12 ألفا من الفئات الأشد ضعفا من اللاجئين- النساء والأطفال والمرضى أو المعوقون أو المسنون- من مراكز الاحتجاز بطلب من مفوضية الأمم المتحدة ومن المتوقع الإفراج عن حوالي 800 آخرين قريبا. بحسب رويترز.
وتأمل المفوضية في إعادة توطين الكثيرين منهم إلا أن هذه عملية طويلة. وكثير من الدول ليس لها وجود دبلوماسي دائم في طرابلس وهو ما يزيد الأمور تعقيدا. ولذلك قال مينيوني إن المفوضية ستسعى لإجلاء معظمهم إلى مراكز مؤقتة في رومانيا وسلوفاكيا أو حتى كوستاريكا حيث سيتاح أمامهم وقت أطول لتقديم طلبات لإعادة التوطين. وأضاف أن المفوضية تعمل حاليا على فتح مركز مؤقت آخر في النيجر.
اضف تعليق