تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول الاتحاد الأوربي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ماتزال محط اهتمام واسع خصوصا ان بعض تلك التصريحات والتهديدات المبطنة، قد أشعلت موجة من الغضب والانتقادات داخل وخارج دول الاتحاد، حيث ندد بعض الزعماء والمسؤولين الأوروبيين بتصريحات ترامب التي وصفت بأنها غير لائقة وقد تضر كثيرا بالعلاقات بين أوروبا وأميركا، وقد رد الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند على ترامب الذي انتقد الاتحاد الأوروبي والمستشارة أنغيلا ميركل في مقابلة له مع صحيفتين ألمانية وبريطانية. وقال أولاند إن الاتحاد "ليس بحاجة لنصائح خارجية تقول له ما عليه فعله".
اما رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، وفي رسالته إلى قادة الاتحاد الأوروبي ردًا على ما أسماه بالتدخل غير المقبول في شئون الدول الأوروبية الداخلية، قال: إن البيانات والتصريحات "المقلقة" من الإدارة الأمريكية الجديدة هي واحدة من عدة تهديدات خارجية للاتحاد الأوروبي وتهدد مستقبل الاتحاد.." ورسالة توسك لزعماء الدول الـ27 أعضاء الاتحاد الأوروبي وكما نقلت بعض المصادر، تأتي في إطار القلق من مواقف الرئيس الأمريكي الجديد والتي كشفت تصريحاته عن جزء كبير منها، حيث تعكس شعورا متناميًا في كثير من المجتمعات الأوروبية بالحاجة إلى الرد على تحركات ترامب السياسية، لاسيما قرار الحظر الذي فرضه قبل أيام على دخول اللاجئين والمسافرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى أمريكا، يضاف الى ذلك تهديداته السابقة بخصوص حلف الناتو والشركات الالمانية وغيرها من التصريحات الاخرى.
رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، قال في رسالته إن "التغيير في واشنطن يضع الاتحاد الأوروبي في وضع صعب، حيث يبدو أن الإدارة الجديد تثير الشكوك في الـ70 عاماً الماضية من السياسة الخارجية الأمريكية"، ملفتًا أن التصريحات المثيرة للقلق والصادرة عن ترامب خلال حملته الانتخابية، وما تلاها عقب توليه مقاليد الأمور داخل البيت الأبيض، تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل أوروبا خاصة والعالم بصفة عامة.
وناشد توسك زعماء أوروبا أن يتذكروا أن قوة قارتهم وتماسك بلدانهم وقدرتها على مواجهة كاف الصعاب والتحديات التي تواجهاه لا يكون إلا حين تكون متحدة، مضيفًا: "سوياً فقط يمكننا أن نكون مستقلين تماماً". وتابع أن "تفكك الاتحاد الأوروبي لن يؤدي إلى استعادة سيادة كاملة للدول الأعضاء فيه كما يقول البعض"، مؤكدًا رفض الاتحاد لأي محاولات أو تصريحات تتطرق إلى الشأن الداخلي لأي دولة أوروبية، لذلك "علينا اتخاذ خطوات حازمة وقوية تغير المشاعر الجمعية وتنعش الطموح للارتقاء بالاندماج الأوروبي إلى مستوى أعلى". وتصريحات رئيس المجلس الأوروبي ضد ترامب، تعد الأعنف ضد أي رئيس أمريكي سابق، وتعكس حجم القلق من مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية في عهد الرئيس الجديد، وهو مايثير العديد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذا القلق، وسيناريوهات مستقبل العلاقة بين الطرفين.
تحدي جديد
وفي هذا الشأن اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تشكل "تحديا" للاتحاد الأوروبي، خصوصا في ما يتعلق بالاقتصاد. وصرح هولاند في مؤتمر صحفي خلال زيارة إلى برلين للقاء المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أنه وفي ما يتعلق بأوروبا "لنكن صريحين هناك تحديات تطرحها الإدارة الأمريكية بالنسبة إلى القواعد التجارية وأيضا حول المواقف التي علينا اعتمادها لتسوية النزاعات في العالم". وقال "علينا بالطبع التحاور مع دونالد ترامب بما أن الشعب الأمريكي اختاره رئيسا، لكن علينا القيام بذلك أيضا بقناعة أوروبية والترويج لمصالحنا وقيمنا".
كما أعربت أنغيلا ميركل بشكل ضمني عن قلقها من التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة. وقالت "نلاحظ أن الإطار العام الذي نعيش فيه في العالم يتغير بسرعة وبشكل جذري وعلينا النهوض بهذه التحديات الجديدة. وتابعت "الأمر يتعلق بالدفاع عن مجتمع حر وعن التبادل الحر في آن". ومنذ توليه مهامه، ترجم ترامب وعده سحب الولايات المتحدة من معاهدة التبادل الحر عبر الأطلسي، إحدى أولويات سلفه باراك أوباما الذي كان يريد إقامة توازن مع نفوذ الصين المتنامي.
ويريد ترامب أيضا إعادة التفاوض بشأن اتفاق التبادل الحر في أمريكا الشمالية ومشروع الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا الذي بات مهددا مع رحيل باراك أوباما من البيت الأبيض. وأعرب ترامب مؤخرا في حديث للصحافة الأوروبية عن قلة اهتمامه بالاتحاد الأوروبي، مشيدا ببريكست ومتوقعا أن تتخذ دول أخرى خطوة مماثلة للندن. كما اعتبر أن حلف شمال الأطلسي منظمة "عفا عنها الزمن"، والتي تنضوي تحتها عدة دول أوروبية. والتقى هولاند مع ميركل في برلين للتحضير لقمة القادة الأوروبيين الأسبوع المقبل في مالطا، لإخراج المشروع الأوروبي من الأزمة التي سببها بريكست.
كما قال هولاند خلال حفل تقليد السفيرة الأمريكية في باريس جين هارتلي وساما "أؤكد لكم أن أوروبا ستكون دائما على استعداد لمواصلة التعاون بين ضفتي الأطلسي، لكنها ستتحرك وفق مصالحها وقيمها. وهي ليست بحاجة لنصائح خارجية تقول لها ما عليها فعله". وتابع هولاند من دون أن يسمي ترامب بالاسم "في الوقت الذي تتسلم فيه إدارة جديدة في واشنطن مسؤولياتها، أريد التذكير أن العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة كانت دائما قائمة على مبادئ وقيم. إن هذه المبادئ تدعى الاحترام والدعم المتبادل في الملمات، وأيضا التمسك بالديمقراطية، والدفاع عن الحريات، والمساواة بين الرجال والنساء، وكرامة الكائن البشري".
وكان ترامب أعلن في حديث مع صحيفتي بيلد الألمانية والتايمز البريطانية أن المملكة المتحدة "كانت فعلا على حق" عندما قررت مغادرة الاتحاد الأوروبي، الذي اعتبر أنه خاضع لهيمنة ألمانيا. واعتبر هولاند أيضا في كلمته أن "أوروبا تقوم على أمم اتخذت هذا الخيار لرفع عدد من التحديات. وهي ستتحمل مسؤولياتها، خاصة للدفاع عن نفسها وعن أمنها". وردا على قول ترامب بأن الحلف الأطلسي "قد مر عليه الزمن" قال هولاند أن هذا الحلف "لن يمر عليه الزمن إلا عندما يمر الزمن على التهديدات". بحسب فرانس برس.
وتابع الرئيس الفرنسي "نحن متمسكون بتحالفاتنا، إلا أننا أيضا قادرون على أن نكون مستقلين على المستوى الإستراتيجي. وهذا ما دافعت عنه فرنسا على الدوام باسم استقلالها، بتكامل مع الحلف الأطلسي". كما أشاد هولاند بالرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي كان "لاعبا أساسيا" في التوصل إلى اتفاق باريس حول المناخ الذي يريد ترامب إعادة النظر فيه.
الشعبوية والانفتاح
على صعيد متصل قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن الانفتاح وليس الشعبوية أو الاستقطاب أو العزلة هو الحل للتحديات العالمية المتمثلة في العولمة والعصر الرقمي. وقالت ميركل في كلمة أمام قيادات كنيسة في فورزبرج "أعتقد أن بعد مرور ربع قرن على توحيد ألمانيا بعد نهاية الحرب الباردة ربما ستحل حقبة تاريخية محل حقبة تاريخية جديدة." وأضافت أن على الرغم من أن البعض يحلمون "بالعودة إلى عالم صغير" فإن الحل المناسب ليس العزلة وإنما الانفتاح.
ولم تذكر المستشارة الألمانية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاسم لكن تصريحاتها تتناقض بشدة مع وعوده بأن تكون "أمريكا أولا" وأن تنسحب الولايات المتحدة من اتفاقات تجارية متعددة الأطراف بالإضافة إلى شن حملة على الهجرة غير الشرعية وإقامة جدار على الحدود المكسيكية. وقالت ميركل "لن نحرز أي تقدم عبر محاولة حل المشكلات من خلال الاستقطاب والشعبوية... يجب أن نظهر أننا ملتزمون بالمبادئ الأساسية لبلدنا." بحسب رويترز.
وكان ترامب قال إن ميركل ارتكبت "خطأ كارثيا" من خلال السماح لأكثر من مليون لاجئ معظمهم من المسلمين الذين فروا من حروب بالشرق الأوسط بدخول ألمانيا. واستقبلت ميركل انتخابه في نوفمبر تشرين الثاني بعرضها العمل معه عن كثب على أساس قيم "الديمقراطية والحرية واحترام القانون والكرامة الإنسانية بغض النظر عن الأصل أو لون البشرة أو الدين أو الجنس أو الميول الجنسية أو الانتماء السياسي".
قلق وتوقعات
في السياق ذاته قال الوزير السابق فرانك فالتر شتاينماير إن على ألمانيا أن تعد نفسها لأوقات صعبة أثناء حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مضيفا أن التجارة الحرة والتعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا لمكافحة التطرف والإرهاب أمر مهم لبرلين. وكتب شتاينماير -الذي وصف ترامب في أغسطس آب الماضي بأنه داعية كراهية- في صحيفة بيلد واسعة الانتشار أن بعض أعضاء الإدارة الأمريكية الجديدة يدركون أهمية حلفاء مثل ألمانيا.
وقال "أعلم أننا ينبغي أن نعد أنفسنا لأوقات مضطربة يشوبها الغموض وعدم القدرة على التنبؤ. لكنني مقتنع بأننا سنجد في واشنطن آذانا صاغية تدرك أنه حتى الدول الكبرى تحتاج إلى حلفاء في هذا العالم." وأثار ترامب حفيظة القادة الألمان بتصريحات منها أن بريطانيا لن تكون آخر دولة تخرج من الاتحاد الأوروبي والتهديد بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات من الصين والمكسيك. وتباينت ردود أفعال المسؤولين الألمان بعد تنصيب ترامب.
الى جانب ذلك قال زيجمار جابرييل نائب المستشارة الألمانية إن بلاده ستحتاج إلى استراتيجية اقتصادية جديدة تتجه إلى آسيا إذا بدأت الإدارة الأمريكية الجديدة حربا تجارية مع الصين محذرا من "أوقات صعبة" بعد تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقال جابرييل في مقابلة مع تلفزيون زد.دي.إف في أول رد فعل رسمي من جانب ألمانيا على تنصيب ترامب "ما سمعناه اليوم كان نبرات قومية عالية... أعتقد أنه علينا التأهب لأوقات صعبة." أضاف أن ترامب "كان جادا جدا" في خطاب تنصيبه وهو ما يعني أنه سينفذ تعهداته فيما يتعلق بالتجارة والقضايا الأخرى ويحولها إلى فعل. وقال إن على أوروبا وألمانيا أن تقفا سويا "للدفاع عن مصالحنا." والولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لألمانيا وحذر ترامب من أن إداراته ستفرض ضريبة نسبتها 35 بالمئة على السيارات التي تخطط بي.إم.دبليو الألمانية لإنتاجها في مصنع جديد في المكسيك وتصديرها للسوق الأمريكية.
وقال حليف رئيسي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنه لا يمكن لألمانيا الخضوع للترهيب والتهديدات من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بفرض حماية جمركية وإنها إذا فعلت ذلك ولو لمرة واحدة فستجعل نفسها عرضة للمزيد من التسلط. وقال نوربرت روتجن رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني إنه يجب على ألمانيا أن تبقى وفية لقيمها. وألمانيا إحدى الدول المصدرة البارزة في العالم وتشكل الصادرات نحو نصف ناتجها المحلي الإجمالي. وأبلغ روتجن مجموعة صغيرة من المراسلين الأجانب عندما سئل عن استعداد الصناعة الألمانية لمواجهة ترامب "أفضل شيء هو عدم الإذعان للترهيب والتهديدات. "إذا سلكت هذا الطريق مرة ستكون عرضة للتهديدات والتخويف. ولا أعتقد أن هذا منطقي سواء بالنسبة لألمانيا ككل أو للشركات فرادى." وروتجن هو أحد قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه ميركل. بحسب رويترز.
وقال روتجن "أعتقد أن من الصواب من الناحية السياسية ومن الحكمة من الناحية الاقتصادية الالتزام بمبادئنا وسياساتنا التي هي بالنسبة لألمانيا سياسة تجارة مفتوحة ونزيهة." ورد زيجمار جابرييل نائب ميركل على تصريحات ترامب التي قال فيها إن شوارع نيويورك بها الكثير من السيارات الألمانية والقليل من السيارات الأمريكية قائلا إن الولايات المتحدة "يجب عليها أن تصنع سيارات أفضل." ووجه جابرييل تحذيرا غير مباشر إلى ترامب من إثارة النزعة القومية وتشجيع الحمائية قائلا في كلمة ألقاها في برلين "النزعة القومية والحمائية ليسا الوسيلة إلى العظمة." والولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري لألمانيا.
اضف تعليق