q
سياسة - تقارير

انتخابات لبنان: من الخاسر الأكبر؟

نتائج التصويت تفرض خريطة سياسية جديدة

انتهت عملية التصويت في أول انتخابات برلمانية يشهدها لبنان منذ تسع سنوات، لاختيار 128 نائب جديد في ظل تعديلات جديدة ومختلفة تضمنت الاعتماد على النسبية والصوت التفضيلي ودوائر صغيرة، هذه الانتخابات التي شهدت نسبة اقبال جيدة حيث وصلت إلى 46.88%، وفقا للمؤشرات الأولية، عدها البعض انتخابات مصيرية قد تسهم في إعادة رسم الخارطة السياسية...

انتهت عملية التصويت في أول انتخابات برلمانية يشهدها لبنان منذ تسع سنوات، لاختيار 128

نائب جديد في ظل تعديلات جديدة ومختلفة تضمنت الاعتماد على النسبية والصوت التفضيلي ودوائر صغيرة، كما نقلت بعض المصادر، هذه الانتخابات التي شهدت نسبة اقبال جيدة حيث وصلت إلى 46.88%، وفقا للمؤشرات الأولية، عدها البعض انتخابات مصيرية قد تسهم في إعادة رسم الخارطة السياسية في هذا البلد الذي يعاني الكثير من الأزمات والمشكلات بسبب الصراعات الحزبية والطائفية، وأجريت آخر انتخابات تشريعية عام 2009، وكان يفترض أن تستمر ولاية البرلمان الذي تشكل حينئذ لأربعة أعوام فقط. ومددت ولاية البرلمان مرتين على ضوء عدم الاستقرار في سوريا المجاورة، ولإفساح المجال لتعديل قوانين الانتخابات. وجرى تعديل النظام الانتخابي، وخُفض عدد الدوائر. كما سمح للمغتربين بالتصويت للمرة الأولى في تاريخ لبنان.

من جانب اخر استبعد البعض حدوث اي تغير بسبب غياب الموقف الوطني الموحد وتدخلات دول اخرى تسعى الى تحقيق مصالحها الخاصة من خلال دعم بعض الأحزاب والشخصيات المتنفذه، حيث اكدت بعض المصادر أن حزب الله احد اهم الأحزاب اللبنانية والذي حقق مكسب مهم، ربما لا يبدو مستعدا للقبول بسهولة بعودة سعد الحريري إلى موقع رئيس مجلس الوزراء، خصوصا أن في المجلس الجديد شخصيات سنّية أخرى تتمتع بثقل معيّن مثل نجيب ميقاتي الذي شكّل لائحة خاصة به في طرابلس، واستطاعت لائحة ميقاتي التي دخلت في منافسة مع تيّار المستقبل، الحصول على أكثر من مقعد واحد في مدينة تعتبر معقلا من معاقل السنّة في لبنان، يضاف الى ذلك إصرار رئيس الجمهورية ميشال عون على تشكيل حكومة جديدة سريعا.

ويقسم لبنان السلطة بين الجماعات الدينية وفقا للحصص التي تم تعديلها في نهاية الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. ووفقا لهذا التقسيم فإن الرئيس هو دائما مسيحي ماروني ورئيس الوزراء مسلم سني ورئيس البرلمان مسلم شيعي.

وفي البرلمان يتم تقسيم 128 مقعدا بالتساوي، إذ يذهب 64 مقعدا للمسيحيين ومثلها للمسلمين بمن فيهم الدروز، على أن يتم تقسيم هذين النصفين بين ما إجماليه 11 طائفة. وتخصص المقاعد في كل دائرة وفقا لتركيبتها السكانية. ففي دائرة البقاع الانتخابية الثالثة في شمال شرق لبنان على سبيل المثال يحصل السنة على مقعدين والشيعة على ستة ويحصل الموارنة والكاثوليك على مقعد واحد لكل منهما. وتتخذ الأحزاب الرئيسية في لبنان طابعا طائفيا، لكن في وقت الانتخابات تدخل في تحالفات تكتيكية مع قوى علمانية ودينية أخرى لتشكيل قوائم انتخابية مشتركة في كل دائرة.

ماذا ينتظر لبنان

وفي هذا الشأن لا تزال الانتخابات النيابية في لبنان تتصدر الصحف العربية، واللبنانية خاصة؛ إذ جرت بعد أكثر من تسع سنوات من التجديد مرتين للبرلمان. تقول جريدة "المستقبل" اللبنانية إنه "بمعزل عن القانون الجديد و'أفخاخه' اللوجستية والتطبيقية، وبعيدا عن علامات الاستفهام والتعجب التي رُسمت حول بعض نسب الاقتراع المتدنية في بعض الدوائر، يبقى إنجاز الاستحقاق الانتخابي هو 'الإنجاز' بحد ذاته بعد طول انقطاع دام لقرابة العقد من الزمن".

وبالمثل، تقول جريدة "اللواء" إنه "مهما كانت نتائج دورة الاقتراع (6 مايو/أيار 2018) إلا انها، وبكل المقاييس تشكّل حدثا فريدا من نوعه. فهي إنهاء لسنوات تسع عجاف من التمديد التلقائي، الذي ألغى الفعالية السياسية، واختصر رأي المواطن، تحت حجج وأوهام واعتبارات ممجوجة، ولا معنى لها سوى إظهار 'الديمقراطية النيابية' وكأنها مجرَّد فقط 'زوبعة في فنجان' أو نكتة سمجة، يتسلى بها الظرفاء".

ويتحدث اميل خوري في جريدة "النهار" اللبنانية عن ما بعد الانتخابات فيقول: "دولة أو لا دولة تلك هي القضية بعد أيّار مايو". ويقول خوري: "انتهت الانتخابات النيابيّة، وقد تنتهي معها التحالفات الظرفيّة والمصلحيّة لتحلّ مكانها تحالفات سياسيّة تُواجه انتخابات رئاسة المجلس وتسمية رئيس الحكومة والوزراء". وتتساءل الهام سعيد فريحه في جريدة "الأنوار" اللبنانية: "انتهت الانتخابات فماذا بعد؟" وتقول إن الحديث التالي سيكون عن "الأقطاب الذين ستتشكل منهم موازين القوى في المجلس الجديد". وتضيف: "لا شك في أن القانون النسبي قد أدى إلى بعض الغموض بحيث إن الكثير من التوقعات لم تكن مرتقبة، ما يعني أن ميزان القوى تحدده الأحجام أولا ثم التحالفات بين هذه الأحجام. وهذا ما سيتوضح عند تشكيل الحكومة".

وفي جريدة "الجمهورية" اللبنانية، يقول سجعان القزي: "لم تَكن هذه الانتخاباتُ جُزءا من مشروع تطوير النظامِ اللبناني وتحسينِه، إنما هي جُزءٌ من تَموضُعِ لبنانَ حيالَ الصراع الكبير الدائر في المِنطقة، والمشَرَّع أمام التطوّرات الآخِذة بالتصاعُد. فأمس انتَخَبت إيرانُ في لبنان، وابتداء من اليومِ تَنتخِبُ إسرائيل في المنطقة، ونَعرف لمن تَحتفِظُ بضربَتِـها 'التفضيليّة'". ويضيف الكاتب: "لبنانُ الواحدُ ليس وطنا كامِلا. نحن نِصفُ وطنٍ ونِصفُ دولة وشَعبان؛ وإذا جمعنا النِصفين لا يُشكِّلان واحدا، بل أربعةَ أرباعٍ، لأنهما نقيضان في الولاء والهويّة. وإذا جَمَعنا الشعبَين يُشكّلان دولتين لا شعبا واحدا. الآخَرُ يطالِبُ بالتغيير لأصبحَ مثلَه، وأنا أنادي بالتغيير ليصبِحَ هو مثلي. ويبقى لبنان".

وتتحدث صحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية اللندنية في افتتاحيتها عن توقعاتها لما يمكن أن تُسفر عنه هذه الانتخابات، فتقول: "أمران مُحتَملان مُمكن أن تتمخَّض عَنهُما هذهِ الانتخابات في المُحَصِّلة النِّهائيّة". الأول هو "عَودة السيّد سعد الحريري على رأس حكومة ائتلافيّة تَضُم أحزابا عَديدة على غِرار الحُكومة الحاليّة، ولكن بِمقاعِد أقل لحِزبِه (تيَّار المُستقبل) بعد تَراجُع الدَّعم السُّعودي له سِياسيا وماليا، وحُدوث انشقاقات في قِمَّته، أي 'تيَّار المُستقبل' وظُهور قِياداتٍ مُنافِسة". بحسب بي بي سي.

الثاني هو "تكريس 'حزب الله' مكانته كقُوَّة رئيسيّة سياسيّة وعَسكريّة في لُبنان رغم التَّحالفات الخارجيّة التي وقفت في خَندق الأحزاب والتَّكتُّلات المُضادَّة له بِدعم إقليمي وخارِجي، فتَدخُّل الحِزب عَسكريا في سوريا أثَّر سَلبِيا على شَعبيّته في ظِل حالة الاستقطاب الطَّائِفي المُتصاعِدة في المِنطَقة، ولكنّه يَظل تَأثيرا مَحدودا، والحزب بِحاجَة إلى هذهِ العَودة القَويّة والغِطاء السِّياسي الأوسَع في ظِل التَّوقُّعات باحتمالات حَرب إيرانيّة إسرائيليّة وَشيكة قد يَكون لُبنان وسوريا مَيدانُها".

التحول السعودي

في المرة السابقة التي أجرى فيها لبنان انتخابات نيابية حظي يوسف سنجر برحلة جوية مدفوعة للعودة من السعودية إلى موطنه من أجل التصويت لكتلة رئيس الوزراء سعد الحريري. وباعتباره موظفا في شركة (سعودي أوجيه) للإنشاءات التي كانت أعمالها مزدهرة في ذلك الوقت وتملكها أسرة الحريري لم يكن هناك أي شك في المرشح الذي سيؤيده في تلك الانتخابات.

حينها انخرط سنجر في ماكينة الدعاية الانتخابية بينما ظلت والدته تلاحق جيرانها للتأكد من ذهابهم للتصويت في مدينة صيدا الواقعة في جنوب لبنان. وبعد سنوات منذ ذلك الوقت انهارت (سعودي أوجيه) بسبب تقليص إنفاق الدولة في السعودية والإهدار وسوء الإدارة والفساد وساءت أحوال سنجر ويقول الآن إنه لن يعطي صوته لمرشح من أسرة الحريري مرة أخرى هو والعشرات من أفراد عائلته.

ويعكس فقدان الثقة الصدع الذي شهدته العلاقة الوثيقة بين السعودية ولبنان وكان كثير من مظاهرها يمر عبر أسرة الحريري. ومع تركز اهتمام الرياض الآن على اليمن حيث أصبحت الرياض طرفا في حرب بالوكالة مع إيران عززت طهران نفوذها في لبنان من خلال دعمها غير المقيد لجماعة حزب الله الشيعية المسلحة. ويُحدث هذا التغير تعديلاً في ميزان القوى في المسرح السياسي اللبناني ويعكس سنجر وأسرته هذا التحول.

وقال سنجر إن شركة (سعودي أوجيه) توقفت عن دفع مرتبه في العام 2015 وإنه عاد إلى صيدا بعد ذلك بعام لكنه يواجه صعوبات في تسيير أموره. وهو يعتزم التعبير عن استيائه بعدم التصويت في الانتخابات البرلمانية. وقال سنجر ”كنا نحس حالنا كأننا نشتغل بالحكومة. كنا تقريبا شبه حكوميين“.

وقد أحدث انهيار (سعودي أوجيه) هزة على الصعيد المالي لأسرة الحريري وكتلة تيار المستقبل. وكانت الثروة التي ولدتها شركة البناء العملاقة قد ساعدت في ترسيخ وضع أسرة الحريري باعتبارها القوة السنية المهيمنة في الحياة السياسية في لبنان. كما أنها كانت أداة للدعم السعودي لرئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري الذي اغتيل في العام 2005. وأصبح الحريري رئيسا للوزراء في أواخر 2016 بعد أن أبرم صفقة سياسية مع ميشال عون وهو حليف مسيحي لحزب الله أصبح رئيسا للبلاد. وقال الحريري إنه سيخلق وظائف ضمن خطة استثمار لرأس المال قيمتها 16 مليار دولار. بحسب رويترز.

ووصلت العلاقات السعودية اللبنانية إلى الحضيض في نوفمبر تشرين الثاني الماضي بعدما ظل الحريري في الرياض لفترة قصيرة وأعلن من هناك استقالته من منصب رئيس الوزراء. وحلت الأزمة بعد تدخل فرنسي. ولدى عودته إلى بيروت تراجع الحريري عن الاستقالة. وينفى الحريري أنه أجبر على الاستقالة ونفت السعودية أنها وضعته قيد الحبس المنزلي. وعاودت السعودية فتح خط ائتمان للبنان بقيمة مليار دولار لكن لا توجد مؤشرات على دعم مالي للحريري.

انتخابات الخارج

لأول مرة منذ نشوء دولة لبنان، تمكن المغتربون من المشاركة في الانتخابات النيابية في دورتها الحالية. ويندرج هذا التطور في إطار تغيير شامل في القانون الانتخابي أدخل النسبية لأول مرة إلى الانتخابات في لبنان، وجاء بإصلاحات متعددة متعلقة بالقانون الانتخابي. إلا أنه وبالرغم من تسهيل عملية تسجيل المقترعين في الخارج لأسمائهم للإدلاء بأصواتهم في الدول التي يقيمون فيها، فإن عدد المسجلين قارب التسعين ألفا فقط، في وقت يقدَر عدد اللبنانيين في الخارج والمنحدرين من أصول لبنانية بالملايين، مع العلم بأنه ليس هناك أرقام علمية ودقيقة في هذا الموضوع.

وقد سبق الانتخابات سجال كبير يتعلق بآليات مراقبتها في الخارج وضمان نزاهتها وبالجهة الرسمية المخولة الإشراف عليها بين وزارة الداخلية ووزارة الخارجية، ليتم التأكيد لاحقا بأن تلك مسؤولية الداخلية. وتمكن اللبنانيين غير المقيمين من المشاركة بالانتخابات حق لهم ويتسق مع القوانين الانتخابية لدول كثيرة في العالم تكرَس حق مواطنيها بالمشاركة في الانتخابات ولو كانوا خارج أراضيها.

ولكنَ للمسألة في لبنان بُعدا إضافيا سياسيا متعلقا بحسابات ديموغرافية ومحاولات لاإشراك المغتربين في الحياة السياسية انطلاقا من اعتبارات متعلقة بالتوازنات الطائفية واستقطاب لبنانيين يـُعتقد أنهم قد يساهمون في تعزيز أعداد الناخبين من طوائف معينة، وخصوصا المسيحيين منهم. ولكن هذا الاعتبار لا يستند إلى أي معطيات علمية تحدد عدد المغتربين من كل طائفة.

ولا ينفصل الموضوع عن مساع لإعادة الصلة بين أولئك المنتشرين في العالم من جذور لبنانية وبلدهم الذي ينحدرون منه، في إطار عملية طويلة الأمد تربط الداخل بالخارج، ولخلق روابط مع المغتربين الذين يُعتبرون طاقة اقتصادية كبيرة للبنان. في هذا الإطار تنشط "المؤسسة المارونية للانتشار" في تحفيز المنحدرين من أصل لبناني في العالم للاستحصال على الهوية اللبنانية وإعادة مد الجسور مع بلاد أجدادهم، وهو ما تمَ تدعيمه من خلال قوانين متعددة تسهَل عملية إثبات الأصول اللبنانية والحصول على الهوية.

وفي الاتجاه نفسه ولتدعيم الملف الاغترابي، تمَ التوافق على أنه في الانتخابات المقبلة المفترض اجراؤها عام 2022 سيتم انتخاب ستة نواب إضافيين في المجلس النيابي يمثلون اللبنانيين المنتشرين في العالم. بالرغم من كل التعديلات التي أُدخلت إلى قانون الانتخابات والتي تُعتبر إصلاحية، فإنه لطالما كان للمغتربين دور في الانتخابات النيابية خصوصا في فترة ما بعد الحرب. بحسب بي بي سي.

فقد عمدت الماكينات الانتخابية لأحزاب أساسية وشخصيات نافذة في السابق، على استقدام ناخبين من دول الاغتراب على نفقتها الخاصة ليصوَتوا لها. وبحسب ما يُشاع في بيروت هذه الاأام فإن الخطوط الجوية ستكون شاهدة على استمرار النسق ذاته بالرغم من أنه بات للمغتربين خيار التصويت حيث هم.

اضف تعليق