مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في مايو/أيار المقبل يعيش العراق هذا البلد المهم، الذي يعاني الكثير من الازمات ومشكلات الامنية والاقتصادية، صراع جديد بين الاحزاب والشخصيات المتنفذة، والتي دخلت اليوم في حرب تنافسية لعقد تحالفات جديدة في سبيل ترتيب أوضاعها في المعركة الانتخابية القادمة بما يمكنها من الحفاظ على مكاسبها الخاصة، ويرى بعض المراقبين ان الاحزاب والكتل الرئيسة سعت الى اعداد خطط وبرامج خاصة وبناء تحالفات مع شخصيات مؤثرة في الشارع العراقي، من اجل كسب ثقة الناخب العراقي من جديد خصوصا وان الحكومات السابقة قد فشلت في تنفيذ وعودها تجاه المواطن العراقي.
هذه التحالفات وبحسب بعض الخبراء، لا تختلف عن التي سبقتها في الانتخابات التي جرت أعوام 2005 و2010 و2014، حيث انها تمثل تكتلات مذهبية وقومية، القوى السياسية الشيعية اتحدت مع القوى السياسية الشيعية، والسنية والكردية قد فعلت الشيء نفسه، مع وجود بعض الاستثناءات البسيطة، واعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، عن مصادقة مجلس المفوضين على طلبات التحالفات الانتخابية بعد دراستها من قبل المجلس. وقال رئيس الادارة الانتخابية في مفوضية الانتخابات رياض البدران في بيان، ان عدد التحالفات الانتخابية المصادق عليها بلغ (27) تحالفا انتخابيا، لافتا الى ان عدد الاحزاب المنضوية في تلك التحالفات بلغ ( 143) حزبا سياسيا. وأشار إلى أنّ الاحزاب السياسية المجازة وعددها 204 أحزاب والتي لم تدخل في التحالفات الانتخابية ستشارك بصورة منفردة في الانتخابات المقبلة.
ولا يزال هناك جدل بين القوى السياسية بشأن الموقف من موعد إجراء الانتخابات في مايو/أيار القادم، حيث تصر الحكومة وقوى وأحزاب شيعية على إجرائها في موعدها، بينما تسعى قوى سنية إلى تأجيلها لمدة عام أو نصف عام، بسبب عدم حسم موضوع عودة النازحين إلى مناطقهم وانتشارهم في معسكرات الإيواء بعدد من المحافظات، يضاف الى ذلك الازمة المستمرة بين الحكومة المركزية وشمال العراق، كما شكك البعض منذ الان بنزاهة الانتخابات القادمة
العبادي والمالكي
وفي ما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد أسس رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ائتلافا سياسيا جديدا لخوض الانتخابات النيابية المرتقبة في 15 أيار/مايو المقبل، في مواجهة سلفه نوري المالكي، الذي أعلن بدوره الترشح ضمن ائتلاف "دولة القانون". في انقسام غير مسبوق لحزب الدعوة الذي ينتميان إليه. وقال العبادي في بيان "أعلن لأبناء شعبي (...) تشكيل ائتلاف النصر العابر للطائفية والتفرقة والتمييز، وأدعو المخلصين والكيانات السياسية للانضمام لائتلافنا الوطني الجديد".
وأضاف العبادي في بيانه أن ائتلافه "سيمضي قدما بالحفاظ على النصر وتضحيات الشهداء والجرحى والوفاء لمواقف الأبطال في سوح القتال ومحاربة الفساد والمحاصصة بجميع أشكالها والاعتماد على الكفاءات الوطنية المخلصة". وحيدر العبادي (65 عاما) سياسي شيعي ووزير ونائب سابق عن حزب الدعوة المعارض التاريخي لنظام صدام حسين، ولد في حي الكرادة وسط بغداد.
وقد تولى رئاسة الحكومة خلفا لنوري المالكي الذي أصبح نائبا لرئيس الجمهورية. وتحت قيادته، تمكنت القوات العراقية من طرد تنظيم داعش بعد ثلاث سنوات من سيطرته على ما يقارب ثلث مساحة البلاد. وأعلن المالكي بدوره ترشحه للانتخابات النيابية المقبلة ضمن ائتلاف "دولة القانون"، ما دفع بحزب الدعوة إلى التراجع عن المشاركة في قائمة موحدة ودعم لائحتي العبادي والمالكي. بحسب فرانس برس.
وقال المتحدث باسم المالكي، عباس الموسوي إن "الخروج بلائحتين لا يعني أنها مواجهة بين شخصين، بل هي مواجهة بين مشروعين ورؤيتين وتحالفات مختلفة". وأضاف أن "حزب الدعوة تبنى القائمتين، ولم يمارس علينا أي ضغط إقليمي، لا إيراني ولا أمريكي". لكن رغم ذلك، أكد المحلل السياسي عصام الفيلي أن "إيران سيكون لها الدور الكبير، ولن تسمح للكيانات الشيعية أن تتشرذم"، مضيفا أن "أطرافا سنية أيضا ستدعم التحالفات الشيعية بتأثير من إيران". وفي 2014، فشلت محاولات المالكي (67 عاما) للبقاء رئيسا للوزراء لولاية ثالثة. وبعد ذلك بعام، حملت لجنة تحقيق برلمانية المالكي و35 مسؤولا آخرين مسؤولية سقوط الموصل ثاني أكبر مدن العراق، بيد تنظيم "الدولة الإسلامية".
قائمة عابرة للطائفية
عن حيدر حمادة السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء العراقي، أن "العبادي يعتزم إطلاق كتلته الوطنية الانتخابية /النصر/ العابرة للطوائف"، مضيفا أن "أعدادا كبيرة من مرشحي الكتل والتحالفات تطلب الانضمام إليه، ومن بينهم المتطوعون الذين حاربوا داعش". وأضاف المصدر أن "العبادي اشترط على المرشحين في كتلته الائتلافية الالتزام بالابتعاد عن المحاصصة في المواقع الحكومية"، وأنه يعتزم اختيار المرشحين المهنيين وإشراك الشباب لبناء مستقبل واعد.
ولا يزال هناك جدل بين القوى السياسية بشأن الموقف من إجراء الانتخابات، حيث تصر الحكومة وقوى وأحزاب شيعية على إجرائها في موعدها، فيما تسعى قوى سنية إلى تأجيلها لمدة عام أو نصف عام بسبب عدم حسم موضوع عودة النازحين إلى مناطقهم وانتشارهم في معسكرات الإيواء في عدد من المحافظات.
ونفى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي احتمال تأجيل موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 12 مايو المقبل، مؤكدا أنه لن يتفاوض مع أحد "لإدخال المسلحين" في العملية الانتخابية. وقال العبادي: "لا تأجيل لموعد الانتخابات مطلقا ولن نتفاوض مع أي جهة لإدخال المسلحين في الانتخابات". وشدد العبادي على وجوب "أن تكون العملية السياسية قائمة على انتخاب قوى وطنية عابرة للطائفية"، ودعا المواطنين إلى "تسلم بطاقاتهم الانتخابية لمنع أي تلاعب قد يحصل بما يضمن استقلالية مفوضية الانتخابات وموظفيها".
وحذر رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي همام حمودي في 6 يناير/كانون الثاني 2018، من أن تأجيل الانتخابات "سيفتح نار جهنم على العراق". وأفاد موقع "العربي الجديد" نقلا عن مصدر برلماني عراقي بأن عددا من نواب البرلمان ينظمون منذ أيام حملة لجمع التواقيع، تمهيدا لمطالبة البرلمان بعرض مشروع قرار تأجيل الانتخابات على أعضاء البرلمان للتصويت. وأشار المصدر إلى وجود قوى سياسية "سنية وشيعية وكردية" تؤيد تأجيل الانتخابات.
وأضاف أن "الطرف الأقوى المطالب بتأجيل الانتخابات، هو النواب السنّة الذين يبررون ذلك بعدم عودة جميع النازحين إلى مناطقهم"، لافتا إلى انضمام جهات من "التحالف الوطني" الحاكم إلى جبهة المطالبين بالتأجيل. وتابع: "توجد أمور أخرى تدفع باتجاه التأجيل، مثل تأخر البرلمان في مسألة التصويت على قانون الانتخابات"، معتبرا أن الانتخابات لن تتم ما لم يحصل اتفاق على صيغة معينة للقانون. رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري من جهته، لم يستبعد احتمال تأجيل الانتخابات البرلمانية ستة أشهر أخرى، مرجحا أن تشهد الأيام المقبلة التصويت على قانون الانتخابات. يشار إلى أن الدستور العراقي يوجب إجراء الانتخابات البرلمانية مرة كل أربع سنوات.
تشظي وخلافات
على صعيد متصل يشتعل المشهد السياسي في العراق بحمى الصراع والتنافس لعقد التحالفات وترتيب الأوضاع بين القوى السياسية للحفاظ على هيمنتها على السلطة للمرحلة المقبلة وسط مؤشرات التشظي والانقسامات بين الاحزاب والقوى في كل المكونات. وفي خضم معمعة صراع الانتخابات فإن القوى السياسية تنسى تحديات أهم من الانتخابات بالنسبة للمواطنين مثل إعادة إعمار المدن المحررة المدمرة من أجل تمكين إعادة ملايين النازحين، وإنهاء مظاهر عسكرة المجتمع والحد من الفساد والانتشار المرعب للمخدرات والجريمة المنظمة وسوء خدمات الصحة والتعليم وغيرها.
وقد تركز اهتمام الأحزاب هذه الأيام على عقد التحالفات فيما بينها لخوض الانتخابات حيث أقرت مفوضية الانتخابات 30 تحالفا من بين حوالي 204 أحزاب وكيانات سياسية ستخوض الانتخابات، مع ملاحظة أن التحالفات الجديدة تعكس تشظي القوى التي تدعي تمثيل المكونات من الشيعة والسنة والكرد، مع تعمق الخلافات بينها ليس لمصلحة إحداث التغييرات وإصلاح أوضاع الوطن وأزماته المتراكمة بل من أجل تقاسم كعكة السلطة وامتيازاتها، وسط مؤشرات عزوف كبير من المواطنين عن المشاركة في الانتخابات بعد أن أثبتت عدم جدواها في حل أزمات البلد ببقاء القوى والوجوه نفسها وتبادل الأدوار والمواقع.
وقد أبرزت التحالفات خلافا بين قطبي حزب الدعوة رئيس الوزراء حيدر العبادي ونوري المالكي اللذين دخلا بقائمتين مختلفتين حيث استقطب العبادي في قائمته الشيعية معظم فصائل الحشد الشعبي بينما شكّل رئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي تحالفا جمع معه معظم الأحزاب السنية. وحتى في إقليم كردستان يبدو أن أحزابه لم تتجاوز خلافاتها ودخلت بقائمتين وليس بقائمة واحدة كما حصل في الانتخابات السابقة.
وحول أزمة إقليم كردستان أكد رئيس الوزراء حيدر العبادي أن «اللجنة العليا في رئاسة رئيس الأركان، توجهت إلى الإقليم لحسم قضية الحدود لكن للأسف لا تعاون» متعهدا بصرف رواتب للموظفين وليس للأحزاب، ومتسائلا عن مبلغ 9 ترليونات دينار من موارد النفط استلمتها حكومة اربيل ولم تعلن عنها.
وقد رد الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرزاني متهما بغداد بعدم الجدية في الحوار مع حكومة أربيل. كما واصلت بعض الأطراف الكردية انتقاد مواقف بغداد تجاه الإقليم، حيث أعلن مستشار مجلس أمن إقليم كردستان، مسرور بارزاني أن ـ الحكومة العراقية لم تكن لتتجرأ على مهاجمة قوات البيشمركه لولا خيانة 16 تشرين الأول/أكتوبر» في إشارة إلى دخول القوات الاتحادية إلى كركوك.
وضمن محاولات تدويل الأزمة بين بغداد واربيل أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو أن مسؤولين أتراكا سيبحثون وساطة محتملة بين الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان العراق خلال زيارة وفد تركي إلى بغداد في 21 كانون الثاني/يناير الحالي. وفي التطورات الأمنية شهد قضاء الطوز جنوب كركوك تطورات متسارعة ساهمت في تعميق التوتر الأمني والسياسي في المدينة ( المتنازع عليها) التي يقطنها خليط من العرب والكرد والتركمان حيث تعرضت المدينة إلى قصف ما استدعى إرسال قوات اتحادية لضبط الأوضاع فيها، كما أقال مجلس قضاء الطوز، القائممقام الكردي شلال عبدول مع مقاطعة الأعضاء الكرد، وسط تفاقم الخلافات على إدارة المنطقة التي سيطرت عليها القوات الاتحادية في منتصف تشرين الأول/اكتوبر الماضي عقب استفتاء الإقليم على الانفصال. وقد قرر مجلس النواب إرسال لجنة تحقيقية إلى المدينة لضمان عودة النازحين إليها ورصد الانتهاكات، وسط اتهامات متبادلة بين أحزابها بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع فيها.
وفي شأن إعادة النازحين إلى مدنهم المحررة، كشرط طلبته القوى السنية للمشاركة في الانتخابات المقبلة، أخذت مسألة الإعادة القسرية للنازحين حيزا من الاهتمام بعد تأكيد منظمات حقوقية وقوى سياسية بأن السلطات الحكومية تجبر النازحين على العودة إلى مدنهم رغم وجود معوقات جدية تحول دون ذلك منها الدمار الكبير الذي تعرضت له معظم مدن النازحين مثل الموصل والرمادي والفلوجة، ونقص الخدمات الأساسية ووجود الأنقاض الهائلة فيها وعدم منح أي تعويضات لأصحاب البيوت المدمرة، إضافة إلى وجود أسباب سياسية ومشاكل عشائرية معقدة بين عائلات تنظيم داعش وعائلات ضحاياهم.
وأعلن مجلس الوزراء عودة نحو 50٪ من النازحين إلى مناطقهم المحررة، لافتا إلى أن توجيهات رئيس الحكومة حيدر العبادي أكدت على ضمان توفير الخدمات الأساسية في تلك المناطق، وترك الخيار للعوائل النازحة في عودتها الطوعية دون أي إلزام. إلا أن مصادر في مخيمات النزوح ببغداد أكدت أن قيادة عمليات بغداد أبلغتهم بمغادرة العاصمة والعودة إلى مناطقهم في الموصل والانبار وصلاح الدين خلال شهر شباط / فبراير المقبل رغم أن بيوتهم مدمرة. كما أعلن المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن «بعض الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة العراقية، ضمن محافظة الأنبار تعمل على إعادة النازحين قسرياً بغية إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. ويتفق العراقيون على أن تركيز القوى السياسية على الانتخابات واعتبارها مسألة مصيرية بالنسبة لها، سيكون على حساب الاهتمام بالمشاكل المزمنة والمستعصية في البلد وســـط اقتــصاد أنهكته الحروب ضد الإرهاب والفساد وسوء الإدارة.
اضف تعليق