q

كثيرا ما يتأثر الإنسان بما يحيط به من مؤثرات ومتغيرات قد تسبب له عوارض وحوادث ينجم عنها مشكلات تصيب الإنسان وتؤثر على حالته الصحية والنفسية، فقد يصاب بأمراض مختلفة بعضها بسيط وبعضها يصعب علاجه فمثلا أمراض البرد والزكام وأحيانا الحروق البسيطة يمكن علاجها بالمنزل أو بمجرد الذهاب الى المستوصف الصحي، لكن عندما يصاب الإنسان بأمراض كالقلب أو الدماغ  أو أمراض الجهاز العصبي فلابد من مراجعة العيادات الطبية الخاصة ليعرض الحالة التي يعاني منها على الطبيب المختص.   

وعند مراجعة المريض للعيادة الطبية تبرز لدينا عدة أمور منها ارتفاع أسعار الكشف عن الحالة حيث باتت  تتزايد بشكل تدريجي ومن دون إن نرى مراعاة من قبل الأطباء للحالات الخاصة والفقراء إلا من قبل بعض الأطباء، فالمريض ذو الدخل المحدود بالكاد يستطيع أن يوفر قوته اليومي فكيف له أن يوفر سعر الكشف المرتفع بالنسبة لحالته، فضلا عن سعر العلاج الذي يثقل كاهل المريض أكثر ويزيد من الأعباء الملقاة عليه، وإن تمكن المريض من دفع هذه المبالغ سيُفاجأ في بعض الأحيان بعدم جدوى العلاج الموصوف من قبل الطبيب بسبب عدم كفاءة وخبرة بعض الأطباء، كذلك مشكلة اتفاق بعض الأطباء مع صيدليات معينة لبيع الدواء للمريض من اجل تقاسم الإرباح، كل ذلك وغيره يؤثر على المرضى والمجتمع بشكل عام، والمشكلة الأكبر إذا كان هدف الطبيب من وراء فتح العيادة الطبية هو جمع الأموال والربح فقط فان ذلك يؤثر وبشكل كبير على قيم ومبادئ مهنة الطب التي هي مهنة إنسانية قبل كل شيء. 

وقد أجرت (شبكة النبأ المعلوماتية) حوارا مع أصحاب الشأن من مرضى وأطباء لنتعرف على أرائهم ومعاناتهم وتكوين صيغة من التعاون بينهم من اجل إيجاد آلية عمل تنفع الطرفين، فكان سؤالنا المطروح على المريض (أحمد محمد/43 سنة/ كاسب): ما هي المشاكل والصعوبات التي تواجهك عند الذهاب الى العيادات الطبية الخاصة وما هي الحلول برأيك لتلك المشكلات؟. وقد أجابنا قائلا: ان الحديث عن العيادات الطبية الخاصة يعتبر حديثا مهما وهذه الأهمية متأتية من ضعف الرقابة الحكومية والمتابعة للكثير من مفاصل الحياة التي لها تماس مباشر بحياة المواطن، يضاف الى ذلك غياب الوازع الإنساني في التعامل، ويؤسفني أن أقول هذا لان الكثير من أصحاب العيادات الطبية ابتعدوا عن ما اقسموا عليه عند التخرج لان مهنة الطب هي مهنة إنسانية وأخلاقية أولا.

هبوط الدخل يضاعف من المشكلة

فالإنسان في بلادنا يعاني أصلا من تدني مستوى دخل الفرد ومعاناة المواطن تبدأ ليس من العيادات الخاصة فقط ولكن ما يرتبط بها من فحوصات مختبرية وما يتبع ذلك من غلاء الأدوية وتكاليف العلاج، حيث أن المواطن البسيط لا يستطيع تحمل هذه الأجور وشراء الدواء. أما الحلول بنظري تتلخص بخطوات عديدة ومنها تولي الدولة استيراد الدواء والسيطرة على حركته من خلال المذاخر الدوائية وكذلك تنشيط القوانين التي تحد من هذا الجشع المتنامي في هذا المجال وعليها أيضا وضع ضوابط لأجور الأطباء حسب مهاراتهم وخبراتهم الطبية وإلزام أصحاب المختبرات بالحد المعقول من الأجور لأنها تختلف بين مختبر وآخر وتخضع للمزاجية وأن تقوم الدولة بإصدار جداول بأسعار الدواء بشكل دوري يراعي دخل الفرد وخاصة أصحاب الدخول المنخفضة.       

وقد أشارت المريضة (نضال علي/ معلمة/ 31 سنة) الى نقاط مختلفة فكان جوابها كالتالي: كغيري من المرضى أشاهد عددا من الحالات عند مراجعتي للعيادات الطبية فبالإضافة الى ارتفاع أسعار الكشفية والدواء هنالك أمور أخرى مثل اختلاف سعر نفس الدواء من صيدلية الى أخرى ومنطقة الى أخرى وأحيانا يكون الاختلاف كبيرا مما يخلق الشك في نفس المريض من انه ليس نفس الدواء المرتفع الثمن في الصيدلية الأخرى وهذا يعني خضوع تسعير الدواء لاجتهادات أصحاب الصيدليات ووفقا لآرائهم الشخصية، و كذلك ارتفاع أسعار التحليلات المختبرية حيث يبلغ سعر التحليل الواحد أحيانا مبلغ 75000 دينار فكيف يكون الحال إذا كان لدينا عدة تحاليل وكان مدخولنا الشهري لا يتجاوز 300000 دينار فيكون مجموع سعر الكشفية والتحليلات و الدواء يساوي ثلاثة أرباع الدخل الشهري للفرد إذا لم يكن يساويه كله، فكان الله في عون الفقراء والبسطاء الذي لا يهتم أحدا لأمرهم إلا القليل، لذلك لابد من اشتراك جميع المؤسسات الحكومية والدينية ومنظمات المجتمع المدني والصحافة والأعلام في مناشدة أصحاب العيادات الطبية والمختبرات والصيدليات بضرورة التخفيف عن كاهل المواطن لان دور الأطباء ومن تبعهم هو انساني في الأصل.   

فيما قال المريض (عباس كاظم): ان المشاكل التي يعاني منها المرضى عند زيارة العيادات الطبية متعددة وتتمثل في أمور مختلفة منها عدم امتلاك الطبيب المعرفة الكافية بالحالة المرضية مما يتسبب في وصف علاج غير فعال للحالة وذلك يتطلب مراجعة الطبيب مرة أخرى فيقوم الطبيب بوصف علاج آخر، وقد يتكرر عدد المرات ليصبح المريض حقل تجارب بالنسبة للطبيب مما يرهق المريض صحيا وماديا ونفسيا، من دون اكتراث الطبيب الذي يريد أن يصل الى غايته وهي معرفة الدواء الأكثر فعالية لتلك الحالة.  

حتمية وفوائد التعاون الجماعي 

من ناحية اخرى أجرينا حوارا مع عدد من الأطباء لنتعرف على وجهة نظرهم بخصوص هذا الموضوع، فكان سؤالنا: ما هي آراؤك ومقترحاتك حول ارتفاع أسعار الكشف على المريض والدواء  تأثيرها على المريض وخاصة الذين هم من الطبقات الفقيرة؟ وماذا يمكن أن يفعل الأطباء أصحاب العيادات للحد من المشكلات التي يواجهها المرضى؟.  

فأجابنا الدكتور (محمد العامري/ تخصص باطنية) قائلا: يواجه الفقراء مشاكل كثيرة جدا في كافة مرافق الحياة (في غلاء المعيشة وغلاء الإيجارات وتكاليف متطلبات الحياة كالكهرباء وأمور كثيرة أخرى) وأن ثمن الكشفية والعلاج يزيد من الضغط المادي الذي يعانيه المريض. إن توفر الخدمات الطبية المجانية في المستشفيات تخفف قليلا من الأعباء التي يتحملها المريض، ولكن عدم وجود نظام للعمل وكثرة المرضى وقلة الكادر الطبي أدى الى عدم ذهاب الكثير من المرضى الى المستشفى واعتبارها روتين قاتل فيفضلون مراجعة العيادات الطبية الخاصة. 

إن الطبيب كغيره من إفراد المجتمع يحتاج سكن ومتطلبات والتزامات الحياة الأخرى لذا فإنه يفرض دفع كشفية تصل الى 25000 دينار أو أكثر علما بأن الكشفية في الدول العربية المجاورة تصل الى 200 دولار (لبنان مثلا) .. مع ذلك أرى أن يقوم الطبيب بإجراء كشفية مجانية للفقراء و تتحمل الصيدلية علاج مجاني أو مدعوم وهذا ما يقوم به عدد من أطبائنا.    

ووجهنا ذات السؤال الى الدكتور (على منصور) فكان جوابه: أن المشاكل التي تواجه المرضى وخاصة ذوي الدخل المحدود كثيرة ولا يجب إن يتحملها المرضى والأطباء وحدهم فكل جهة لها علاقة بهذا الأمر يجب إن تتحمل المسؤولية وتسعى الى تخفيف العبء عن المريض واقصد إن تأخذ الدولة دورها الفعال في هذا المجال وكذلك أصحاب الصيدليات والمذاخر الدوائية وأصحاب المختبرات التحليلية، أما بالنسبة للكشفة الطبية فتعد مشكلة مهمة تواجه جميع الأفراد ولكن من الضروري إعطاء الطبيب المعالج ما يستحقه من أتعاب، مع هذا فقد لوحظ أن بعض الأطباء يغالون في مبلغ الكشفة وهذا لا يتناغم مع الصفة الإنسانية للمهنة، علما أن الكثير من الأطباء يعالجون الفقراء ومن لا يستطيع دفع الكشفة مجانا ويأخذ بنظر الاعتبار أبعاد هذه المشكلة فكلا منا يجب أن يأخذ دوره لإيجاد الحلول.           

وعلى الأطباء أن ينتبهوا الى هذا الأمر وينظروا الى المرضى نظرة إنسانية بعيدا عن تحقيق المنفعة الخاصة، وأن يقوموا بمساعدة المرضى وخاصة المحتاجين ومن هم من الطبقات الفقيرة من خلال تخفيض ثمن الكشف والعلاج او جعله مجانا وغير ذلك من الإجراءات التي تساهم في جعل المجتمع يتمتع بصحة جيدة وبأقل الإثمان، كذلك يساهم هذا الأمر في إشاعة روح المحبة والتآخي بين جميع الأفراد ونبذ الفرقة والاستعلاء بين مختلف فئات المجتمع وما أحوجنا الى مثل هكذا أمر وخصوصا أننا من أتباع أهل البيت (ع) ننهل من مدرستهم ونسير وفق مبادئهم، كي نتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها، وأخيرا نتمنى من الله العلي القدير أن يمن بالصحة والسلامة على الجميع. 

اضف تعليق