حينما تتلاقى الخبرة الطبية مع المعرفة المتراكمة، تتشكل ملامح التميّز الحقيقي في الخدمة الصحية، فالمستشفيات لم تعد تعتمد فقط على كفاءة الأجهزة أو سرعة الإجراءات، بل على ما يمتلكه الأطباء من رصيد معرفي يوجّه قراراتهم ويعزز دقّة تشخيصهم وفاعلية علاجهم...
حينما تتلاقى الخبرة الطبية مع المعرفة المتراكمة، تتشكل ملامح التميّز الحقيقي في الخدمة الصحية، فالمستشفيات لم تعد تعتمد فقط على كفاءة الأجهزة أو سرعة الإجراءات، بل على ما يمتلكه الأطباء من رصيد معرفي يوجّه قراراتهم ويعزز دقّة تشخيصهم وفاعلية علاجهم. من هذا المنطلق، جاءت دراسة الباحثة إسراء سلمان محمود من كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، الموسومة بعنوان:
"تأثير التراكم المعرفي في تحقيق جودة الخدمة – دراسة استطلاعية تحليلية لآراء الأطباء الاختصاص في مستشفى الكفيل التخصصي بكربلاء المقدسة."
تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن مدى ارتباط المعرفة بجودة الأداء الطبي، وإلى فهم الطريقة التي تتكوّن بها الخبرة المتراكمة لدى الأطباء داخل المؤسسات الصحية، من خلال ثلاثة أبعاد أساسية: تكامل المعرفة، واستيعابها، ومشاركتها. فالبعد الأول يُعنى بكيفية حصول الطبيب على المعرفة من مصادر متعددة داخل وخارج المستشفى، والثاني يركّز على فهمها وتطبيقها عملياً، فيما يأتي الثالث ليُجسّد جوهر العمل الجماعي عبر مشاركة المعلومات والخبرات لتتحول إلى معرفة مؤسسية مستدامة.
من خلال حوارٍ تحليلي مع الباحثة، سنقترب من تفاصيل هذه الأبعاد، ونستكشف كيف يمكن للمعرفة أن تتحول إلى أداة تحسينٍ مستمرة ترفع من مستوى الخدمات المقدمة، وتمنح الطبيب قدرةً أكبر على اتخاذ قراراتٍ دقيقة في اللحظات الحرجة. كما سنناقش أثر البيئة التنظيمية، وبرامج التدريب، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في تحويل هذا التراكم المعرفي إلى ميزة تنافسية تعزز سمعة المستشفى وتضمن رضا المرضى واستدامة الأداء الصحي.
بهذه الرؤية، تفتح الدراسة نافذة جديدة على علاقة العقل والخبرة في رسم معالم الخدمة الطبية المتميزة، مؤكدة أن الطبيب الذي يمتلك معرفة متراكمة هو الطبيب القادر على صنع الفرق بين العلاج الجيد والعلاج الأفضل.
وفيما يلي تفاصيل الحوار الذي يفتح باباً واسعاً أمام سؤالٍ مهم:
ما الأبعاد الأكثر تأثيراً في بناء التراكم المعرفي لدى الأطباء داخل المستشفيات التخصصية؟
هناك ثلاثة أبعاد اعتمدتها الدراسة الحالية لمعرفة كيفية تكوين تراكم معرفي وخزين من المعرفة والمعلومات لدى الاطباء الاختصاص في مستشفى الكفيل التخصصي تلخصت بالاتي ابتداءً من البعد الاول تمثل بتكامل المعرفة اي الحصول على المعرفة من مصادره خارجية او داخليه سواء كانت من داخل المؤسسة وكيفيه حصول الاطباء على المعلومات اما من خارج اطار المستشفى او بالاعتماد على مصادرها الداخلية في المستشفى تشمل المدونات والتجارب السابقة والخبرات المشاركة بين الاطباء الاخرين ثم يأتي دور البعد الثاني وهو بعد استيعاب المعرفة ويقصد به كيفيه تحويل واستيعاب وفهم هذه المعلومات التي تم الحصول عليها وتطبيقها في بيئة العمل اما البعد الثالث والاخير وهو بعد مشاركة المعرفة ويأتي دورة بعد استيعاب المعرفة وتطبيقها يأتي دور مشاركة المعرفة والمعلومات والخبرات التي تم الحصول عليها ليتم الاستفادة منها بشكل اكبر وتدوينها ليتم اعاده العمل بها وتطويرها مستقبلا وبذلك سوف يكون للأطباء خزين معرفي يستفاد منه خدمة للمجتمع بشكل عام والمرضى بشكل خاص ويؤدي الى تقديم خدمات متميزة وتجنبا للأخطاء التي قد تحصل.
بأي صورة يسهم تكامل المعرفة في تحسين دقة التشخيص وفاعلية العلاج داخل المؤسسات الصحية؟
يسهم تكامل المعرفي بشكل واضح بتقديم خدمات ممتازة للمرضى بما فيها تحسين دقه التشخيص وفاعليه العلاج وذلك من خلال المعلومات والمعرفة التي يتم حصول الاطباء عليها ومشاركتها فيما بينهم والخبرات التي تكونت لديهم كلها تم تدوينها ونشرها لتفادي الاخطاء والاستفادة من تجارب الاخرين السابقة وبذلك يتم تطوير بشكل مستمر وتكوين خزين معرفي مهم لدى الاطباء يمنعهم من الوقوع في الاخطاء وتكرارها.
ما العلاقة بين استيعاب المعرفة الضمنية لدى الأطباء ومستوى الرضا لدى المرضى؟
ان مستوى الرضا لدى المرضى يتحقق من خلال الدقة والحصول على الخدمة المرضية ويتحقق ذلك بعد معرفه الاحتياجات الأساسية لدية والقيام بتلبيتها وتمكين الاطباء من تلبيتها من خلال المعرفة والمعلومات والخبرات التي تكونت لديهم بالتالي الابداع في تقديم الخدمات للمرضى وتقديم خدمات مرضية.
كيف يمكن لمشاركة المعرفة بين الأطباء أن تتحول إلى ثقافة تنظيمية داعمة لجودة الخدمة؟
بوجود قيادة ادارية قوية ووجود ثقافه تنظيمية تشجع على تبادل المعرفة بين الكادر الطبي وطريقه اختيار وتوظيف الاطباء الذين يمتلكون مهارات والتأقلم مع ظروف العمل ومشاركة المعلومات فيما بينهم كل ذلك من شانه ان يحول مشاركة المعرفة الى ان تكون ثقافه تنظيمية تدعم جودة في الخدمة المقدمة للمرضى داخل المستشفى.
ما الأساليب التي تُمكّن إدارة المستشفى من تحويل الخبرات الفردية إلى معرفة مؤسسية مستدامة؟
تتمكن ادارة المستشفى التي تروم الى بناء تراكم معرفي من تدوين جميع الخبرات والتجارب التي تم الحصول عليها وادخال كافة المعلومات والحفاظ عليها ومشاركتها بحيث يتمكن جميع من الحصول عليها وقت الحاجة والحفاظ عليها من التلف.
بأي طريقة يعزز التراكم المعرفي قدرة الأطباء على اتخاذ قرارات سريعة وصحيحة في الحالات الطارئة؟
يعزز التراكم المعرفي من قدرة الاطباء الاختصاص من حيث اتخاذ قرارات صحيحه وسريعة بناءا على التجارب والخبرات والمعلومات التي تم الحصول عليها ومشاركتها حيث عندما يواجهون مشكله او موقف طارئ يتعين عليهم القيام الفوري بحل المشكلات باستخدام الخزين المعرفي الذي يمتلكونه والتجارب السابقة التي مرو بها والتي تم الاستفادة منها بكيفية التعامل مع المواقف الطارئة.
ما الدور الذي تؤديه البيئة التنظيمية في تشجيع تبادل المعرفة وتكاملها بين الكوادر الطبية؟
ان وجود بيئة تنظيمية محفزة ومشجعه على مشاركة المعلومات والتعاون وتبادل المعرفة بين الموظفين لديها وتحفيز وتشجيع الموظفين وبناء هيكل تنظيمي يساعد على تبادل المعرفة بين الموظفين بالإضافة الى تحفيز الموظفين وتشجيعهم على سلوكيات التعاون وتبادل المعرفة من شأنه ان يعزز من قدره الاطباء وسهولة الحصول على المعلومات وتبادلها فيما بينهم.
كيف يمكن لمفهوم رأس المال المعرفي أن يشكّل ميزة تنافسية في المستشفيات الخاصة؟
ان اهم ما يميز ويتنافس بيه المؤسسات بشكل عام والمستشفيات اساس بحثنا وحديثنا بشكل خاص هو كيفيه الحصول على راس مال معرفي يميزها ويميز اعمالها وخدماتها التي تقدمها للمرضى وكيفيه حصولها على كادر متميز تتميز عن اقرانها بحصولها عليه فأساس التميز هو بالمعلومات والمعرفة التي يمتلكها الكادر الطبي والتي تؤهله الى الابداع والتميز بعمله والذي يحسب كنقطة تتميز بها المستشفى عن المستشفيات الاخرى ونرى عادتا تروج اعلاميا المستشفيات للملاكات التي تمتلكها وتتميز بها وتعتبر نقطه جذب قوية لدى مرضاها فلمريض يبحث دائما عن الطبيب المتمكن الذي يقدم افضل خدمة من حيث الفحص والتشخيص الحالة والعلاج فضلا عن الاسلوب التعامل مع المرضى.
ما الأثر الذي تتركه البرامج التدريبية المستمرة على مستوى جودة الخدمات المقدمة للمرضى؟
في حديثنا عن البرامج التدريبية وما الفوائد التي تستفاد منها عند اعدادها والقيام بها بالنسبة للكادر الطبي ومدى الاستفادة منها بالنسبة للمستشفى من اعدادها نلاحظ ان المستشفيات تقوم بشكل دوري وجداول تدريب وندوات واجتماعات لتدريب كوادرها واعلامهم واطلاعهم على كل المستجدات كل ذلك يزيد من معرفتهم وقدراتهم وخبرتهم في العمل ويصب في مصلحه تقديم خدمات مرضية وبالتالي تجنب الاخطاء التي قد تحصل.
بأي شكل يسهم استخدام التكنولوجيا الحديثة في تعزيز عمليات جمع المعرفة وتوظيفها داخل المستشفى؟
سابقا كانت تعتمد المؤسسات في تدوين معلوماتها والاحتفاظ بها على السجلات والمدونات الورقية والتي تكون معرضه للتلف والخسارة وفقدان قيمتها اما في الوقت الحالي وبحلول التحول الرقمي ودخول عالم التكنلوجيا سهل الكثير على المؤسسات في عملها من حيث سهولة حفظها. مشاركتها والرجوع اليها في اي وقت والحفاظ عليها من التلف او في حاله مغادرة أحد من الموظفين فان جميع التجارب يتم الاحتفاظ بها في المؤسسة ولا يتم خسرانها.
ما التحديات التي تواجه تطبيق نظم إدارة المعرفة في القطاع الصحي وكيف يمكن تجاوزها؟
بعد عمل الاستقصاء واخذ مجموعه الأجوبة حول التحديات التي تقف دون تحقيق تراكم المعرفي والتي يمكن مواجهتها وايجاد الحلول لها من بينها الضوضاء وعدم وجود اماكن لراحة تساعد على عمل بيئة عمل تشجع على التعاون ومشاركة المعلومات.
ما العلاقة بين التعاطف الإنساني في التعامل مع المرضى وبين التراكم المعرفي المهني للأطباء؟
بالبداية يجب توضيح معنى مصطلح تراكم معرفي ليتسنى لي ان اوضح العلاقة بين التكامل المعرفي والتعامل الانساني مع المرضى وما العلاقة بين المصطلحين ان مصطلح تراكم معرفي يعني مجموعه من المعلومات والمعرفة التي تراكمت لدى الاطباء عينه الدراسة نتيجة الخبرات والتجارب السابقة حيث تكونت لهم حصيلة من المعارف والمعلومات في مختلف التجارب والتي يمكن استخدامها في مختلف المواقف التي يتعرضون لها اثناء العمل ومنها هي عمليه التعاطف الانساني مع المرضى واهميتها وتأثيرها على الصحة النفسية للمريض وتقديم خدمه ممتازة من قبل المستشفى وبناء ميزة تنافسيه مستدامة.
كيف تؤثر سياسات التحفيز المادي والمعنوي في تعزيز روح المشاركة المعرفية بين الأطباء؟
تؤثر سياسات التحفيز سواء كانت مادية او معنوية في تعزيز روح التعاون والمشاركة بين الاطباء وتحفيز الاطباء على البحث على المعلومات ومشاركتها وتحفيز الاخرين ايضا بما يخلق اجواء وبيئة عمل تعاونيه تساعد على حب العمل والشغف بالعمل والتعاون بما يصب بالمصلحة العامة والعمل على كيفية التطوير في العمل وتقديم أفضل الخدمات للمرضى واقصى خدمه ممكنه.
ما الخطوات التي يمكن أن تتبعها الإدارة لترسيخ مبدأ التعلم التنظيمي المستمر كجزء من ثقافة العمل؟
تستطيع الإدارة من عمل نظام تدريب مستمر واتباع وفق اليات معينه من خلاله تزود الاطباء بكل المعلومات الجديدة وتعمل على تزويدهم بكل التطورات بمجال التعليم وجميع التطورات بالمجال الصحي التي تحسن من الواقع الصحي.
بأي شكل يسهم التراكم المعرفي في تحقيق التوازن بين جودة الخدمة الطبية ورضا المرضى واستدامة الأداء الصحي؟
يساهم التراكم المعرفي وبشكل واضح في تحقيق التوازن بين جودة الخدمة وبالتالي رضا المرضى والذي يؤدي الى استدامه الأداء الصحي حيث ان تكوين راس مال معرفي وتراكم معرفي لدى الاطباء سوف يساهم في تقديم خدمات مميزة من قبل الأطباء وكل ذلك يؤدي الى ان تكون المستشفى مميزة بنظام عملها والخدمات التي تقدمها وبما تمتلكه من اطباء مميزين يضيفون ميزة تنافسيه للمستشفى بامتلاكها اطباء بارعين وبالتالي سوف تستمر هي الرائدة بالمجال الصحي ولا يوجد للمستشفى منافس يضاهي ما تقدمه والذي يؤدي بالتالي الى تقديمها اداء صحي مستدام.
وفي ختام هذا الحوار، لا يسعنا إلا أن نعبّر عن خالص شكرنا وتقديرنا للباحثة إسراء سلمان محمود من كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة كربلاء، على ما قدمته من رؤية علمية عميقة تناولت موضوعًا بالغ الأهمية في تطوير القطاع الصحي. لقد أضاءت لنا جوانب متعددة من مفهوم التراكم المعرفي، وكيف يمكن تحويل الخبرات الفردية إلى رصيدٍ مؤسسي ينعكس إيجابًا على جودة الخدمات الطبية ورضا المرضى.
إن ما توصلت إليه الباحثة من نتائج يؤكد أن المعرفة ليست ترفًا أكاديميًا، بل هي جوهر التميّز في العمل الطبي، وأساس النجاح في بناء مؤسسات صحية قادرة على التطور والاستدامة. شكراً لها على هذا الجهد البحثي المتميز، وعلى مساهمتها في إثراء النقاش حول مستقبل إدارة المعرفة في المستشفيات العراقية، وعلى رؤيتها التي تؤكد أن الطبيب المتعلم دوماً هو الطبيب الأكثر إنسانية وكفاءة.
اضف تعليق