إسلاميات - المرجع الشيرازي

تعزيز الإيثار في العلاقة الزوجية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

ان الزوج ملزم بالتعامل الحسن مع زوجته حتى لو تعاملت معه بالضد من ذلك، وعلى الزوجة أن تعامل زوجها بالإحسان حتى أو أساء التعامل معها، هنا تكمن قضية التضحية والإيثار، فالمعروف في السلوك الطبيعي أن الإنسان يحسن التعامل مع من يحسن إليه، لكن المطلوب هو أكثر من ذلك..

(المهم أن نسعى لكي نصل إلى الإيثار شيئاً فشيئاً، ونحب لغيرنا ما نحبّه لأنفسنا)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

الأسرة هي العنصر الأساسي في سلامة البنية الاجتماعية، فمثلما تكون الخلية هي أساس البناء البيولوجي السليم في الكائن الحي، فإن الأسرة هي أساس البناء الاجتماعي السليم، لدرجة يمكن القول إنْ صحَّت الأسرة صحَّ المجتمع والعكس صحيح.

ولكن كيف تُبنى العائلة الصالحة؟، من البديهي أن الأبويْن هما على رأس قائمة المسؤولية في بناء عائلة من طراز وفيع أو رديء، فهما (الأب و الأم)، مثالان شاخصان أمام أولادهما البنون والبنات، لذا يجب أن يقدم الأب للابن نموذجا أخلاقيا دينيا وسلوكيا، وتقدم الأم شخصية متميزة بعفتها وصلاحها لابنتها، ومن خلال هذين النموذجين، يمكن أن تُبنى العائلة النموذجية بأخلاقها ودينها وسلوكها، ولعل صفة الإيثار تعد من أهم صفات العلاقات الزوجية.

حيث يحب الزوج لزوجته ما يحب لنفسه، وتحب الزوجة لزوجها ما تحب لنفسها، وهذا هو الإيثار الذي سينتقل بالتربية الأصيلة للذرية التي ستكون صالحها، وبالتالي سوف تشكل الأساس السليم والقوي للبنية الاجتماعية. بمعنى أوضح أن طبيعة العلاقة الزوجية سوف تنعكس على الأبناء، فمن الأفضل أن تكون المحبة هي الرابط الأقوى بين الزوجين. 

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله يقول في محاضرته القيمة بعنوان المحبة، ضمن سلسلة محاضرات نبراس المعرفة:

(وبناء على ذلك يحبّ الزوج لزوجته ما يحبه لنفسه بغض النظر عن كون الزوجة تتعامل بنفس الطريقة أم لا تتعامل. فهذا خطاب للجميع: للزوج والزوجة، للأخ وأخيه، للأب وابنه، وللأم وابنتها).

هذا يعني أن الزوج ملزم بالتعامل الحسن مع زوجته حتى لو تعاملت معه بالضد من ذلك، وعلى الزوجة أن تعامل زوجها بالإحسان حتى أو أساء التعامل معها، هنا تكمن قضية التضحية والإيثار، فالمعروف في السلوك الطبيعي أن الإنسان يحسن التعامل مع من يحسن إليه، لكن المطلوب هو أكثر من ذلك، فحتى لو أساء التعامل معك عليك أن تحسن إليه.

بمعنى في كل الأحوال يجب أن تقدم الزوجة النموذج المثالي لأولادها (بنان وبنين)، من خلال تعاملها بالحسنى مع شريك حياتها، فالأولاد ينظرون إلى طبيعة علاقة الأبوين، ومنهما يتعلمون ويكتسبون التصرفات ويتأثرون بالسلوكيات، فمن الممكن جدا أن تساهم الأم في ترصين البنية الاجتماعية إذا أحسنت تربية ابنتها، وكذلك يمكن للأب أن يسهم في بناء المجتمع الرصين إذا استطاع أن يزرع الأفكار والسلوكيات الحسنة في شخصية أولاده.

صناعة الأسرة الصالحة

المطلوب هو صناعة أسرة ناجحة، هذا هو الهدف الذي يسعى إليه معظم الآباء والأمهات، فالأسرة هي مثل الشركة يتم تأسيسها أولا بالزواج، ومن ثم تبدأ عملية الإنجاب، ثم التربية والنمو والنشوء في أحضان الأبوين، ومنهما يأخذ الأبناء الصفات والفكر والسلوك والدين والأخلاقيات. 

وطالما أن التركيز هنا على تعزيز العلاقات الزوجية، فهذا الهدف يسهم أيضا في تعزيز البنية الاجتماعية ويجعلها أكثر قوة واستقرارا، لذا من المهم أن يُؤْثِر الزوج زوجته على نفسه وبالعكس، حيث تقوم الزوجة بدورها التربوي السديد لأفراد العائلة. 

لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(ليس شرطا (أن يكون الإيثار متبادلاً في أن تحب الزوجة لزوجها ما تحبه لنفسها أيضاً، فإذا كانت لا تعمل هي بوظيفتها فليعمل هو بوظيفته، حتى لا يُسلب عنه الدرجة الرفيعة من الإيمان وحتى لا يقال عنه عبارة (لا يؤمن).

ضمن الطبيعة البشرية السائدة، كل عمل فيه إحسان وخير، سوف ينتج عنه الإحسان والخير أيضا، لذا في الغالب إذا آثر الزوج زوجته على نفسه، وشعرت بذلك أو رأته بعينها، فإنها سوف تبادر بالعمل ذاته، وليس معقولا أنك تحسن لزوجتك وهي تسيء التعامل معك.

ولكن حتى لو حدث ذلك افتراضا، وكانت الزوجة لا تتعامل بالمثل مع زوجها، فالمطلوب منه أن لا يكف عن مواصلة التعامل الحسن معها، وإذا قام الزواج بالتعامل الفج مع زوجته، عليها أيضا أن تتصرف معه كزوجة صالحة، تعامله بإنسانيتها وأخلاقها وعفّتها.

بهذا الأسلوب التربوي الرفيع يستطيع الزوجان، أن يؤسسا، ويبنيا أسرة من طراز رفيع، فسوف يكون الأبناء الذكور على درجة عالية من الأخلاق وحسن السلوك والتصرف، لأنهم أخذوا ذلك من العلاقة المثالية التي يتعامل بها الأب مع الأم، فتفضل الزوجة زوجها على نفسها، وفي الوقت ذاته، يفضّل الزوج زوجته على نفسه، هنا تكون درجة الإيثار كبيرة جدا، وتسود المحبة العالية بين الزوجين، وفي المحصلة يخرج الأبناء صورة من الأبوين الصالحيْن.

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، يؤكد هذه الحالة فيقول: 

(الزوجة أيضاً عليها أن تحب لزوجها ما تحبّه لنفسها سواء قابلها زوجها بهذه المحبّة أم لم يقابلها، فإذا كانت الزوجة لها قابلية الأخلاق الفاضلة سوف تتعلم من زوجها وهكذا العكس، فالزوجة إذا عاملت زوجها بهذا النوع من الخُلق، وأحبّت لزوجها ما تحبّ لنفسها كان الأمر كذلك، فهي تفضل زوجها على نفسها فيما تحبه، والزوج أيضاً يفضل زوجته على ما يُحبّ).

الإيثار هو الإيمان

وهكذا سوف يستمر تعزيز السلوك المثالي للزوجين في مسألة البناء الأسري الجيد، وانعكس ذلك بشكل كبير على سلامة البنية الاجتماعية وتماسكها، وكم يكبر الأب في عيون أولاده حين يرونه يفضّل أمهم حتى على نفسه، فهو بهذا السلوك يزرع بذرة الإيثار في نفوس وعقول أبنائه (الذكور والبنات)، وطالما أن الإيثار هو الإيمان، فالحصيلة هي أبناء مؤمنين ومضحين، وهاتين الصفتين الإيمان والتضحية تبنان أعظم المجتمعات.

وبهذا يمكن لأي شخص أو إنسان، أن يتعلم الإيثار، خطوة خطوة، فهناك نوع من التدريب المستمر على تحصيل صفة التضحية من أجل الآخرين، وأن يحب الزوج لزوجته ما يحب لنفسه، وتحب الزوجة لزوجها ما تحبه لنفسها، ويسري هذا السلوك في عقول ودماء الأبناء، فتشمل الأسرة المثالية التي يمكن أن تساهم في تكوين المجتمع المتفرّد بين المجتمعات.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

إنّ (الإيثار هو قمة الإيمان، ومن الممكن أن يبلغ الإنسان هذه القمة شيئاً فشيئاً).

الدرس المهم الآخر في العلاقات الزوجية، أن لا يكتفي الزوج بجمال الكلام ولطفه في تعامله مع زوجته، وإنما عليه أن يثبت المحبة من خلال العمل الفعلي، لكي يثبت المحبة عمليا لزوجته، نعم الكلام اللطيف مطلوب، ولكن يجب أن يكون هناك عمل وسلوك جيد أيضا.

ينطبق نفس الشيء على الزوجة في علاقتها مع زوجها، يجب أن تثبت المحبة في سلوكها وتصرفاتها، لاسيما أنها تحت رصد الأبناء كي يتعلموا منها كيف يبنون حياتهم الأسرية مستقبلا، فالأم مدرسة الأبناء حاضرا ومستقبلا.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(الزوج مثلاً إن لم تكن زوجته تتعامل معه جيدا فليكن تعامله معها بطريقة جيدة، فهذه التربية العملية التي جاءت في الحديث الشريف: (كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ). وفي حديث آخر: (كونوا دعاة للناس بأعمالكم، لا بأقوالكم) ومعنى ذلك أن لا يقتصر تعامله على القول فقط).

الخلاصة يمكن للعلاقات الزوجية أن تبني مجتمعا صالحا متماسكا قويا منتجا، ويمكن أن يحدث العكس، من هنا تأتي أهمية هذا الموضوع، لأن السياسة وحدها لا يمكنها بناء مجتمع مستقرن ولا حتى الاقتصاد والأموال وتكديس المليارات والمظاهر العمرانية وغيرها، هذه كلها لا تعادل دور الأسرة النموذجية وقدرتها الفاعلة في بناء مجتمع حضاري رصين. 

اضف تعليق