على كلّ فرد منّا أن ينظر ما هي وظيفته تجاه نفسه وتجاه الآخرين وما هي الواجبات المترتّبة عليه، والمحرّمات التي يجب عليه الانتهاء عنها قبل أن ينظر إلى أي شيءٍ آخر. فالواجب هو أن يعرف الإنسان أحكام دينه ثم يلتزم بها، وعلى رأس تلك الواجبات معرفة المولى صاحب العصر...
أهمّ وسيلة للتقرّب من الإمام المهديّ عجّ هي أداء واجباتنا ووظائفنا
المرجع الديني السيد صادق الشيرازي
الفرق بين الواجب والرغبة
هناك نقطة تؤرّق بال معظم الشيعة، وهي: كيف السبيل إلى التشرّف بلقاء الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه؟
إنّ مسألة اللقاء بالإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه مسألة خاصّة، وقد زخرت الكتب بقصص الذين تشرّفوا بلقائه، بمن فيهم العلماء والعامّة، الشيوخ والشباب، الرجال والنساء. ولكن أيطلب الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه من شيعته في فترة غيبته الكبرى أن يجدّوا ويجتهدوا ليتشرّفوا بلقائه فقط؟ أم أنّ المسؤولية تحتّم علينا أشياء أخرى؟ أوَ لا توجد مسؤولية أهمّ وأخطر من تلك؟
إنّ أهمّ وسيلة للتقرّب من الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه هي أداء واجباتنا ووظائفنا على أكمل وجه، وأداء الواجب هو الهدف نفسه الذي شرّف الله به الإمام المهدي بالإمامة، وكذلك هدف الرسول الكريم والأئمّة سلام الله عليهم أجمعين من قبله.
صحيح أنّ الذين وفّقوا أو سيوفّقون لنيل الشرف العظيم بلقاء الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه وزيارته في الغيبة الكبرى، هم ـ في الغالب وحسب القاعدة ـ ممّن يعرفون الواجب ويعملون به، وإلاّ لما حصلوا على هذا الشرف، ولكن هذا ـ أي الطموح للقائه عجّل الله تعالى فرجه ـ ليس هو الواجب، بل من الأفضل أن نجمع بينهما، وإلاّ فإنّ الواجب مقدّم على الرغبة، والواجب هو معرفة الواجبات الشرعية والعمل بها وتشخيص المحرّمات والاجتناب عنها، تجاه النفس والآخرين، وتعليم الجاهلين كلّ حسب قدرته ومعرفته، والسعي لكسب المزيد من المعرفة على هذا الطريق(1).
فمن باب المثال، إذا كان شخصٌ يرغب في زيارةٍ شخص عزيز عليه، يحبّه كثيراً، لكنّ وظائفه في خدمة الناس كانت تمنعه عن تحقيق رغبته أو تؤخّرها، فالزيارة تشكّل رغبة لهذا الشخص، ولكنّ وظيفته شيء آخر.
فكذلك الحال بالنسبة لنا تجاه المولى صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه. إنّ لنا في لقائه سلام الله عليه رغبة، ولنا إزاءه وظيفة، فإذا كان هذان الأمران قابلين للجمع فما أحسن ذلك! أمّا إذا لم يمكن الجمع بينهما، فما هو الواجب على الفرد؟ أيسعى لتحقيق الرغبة أم العمل بالوظيفة؟ لا شكّ أنّ الواجب هو السعي للعمل بالوظيفة.
إنّ علقتنا الشديدة ـ جميعاً ـ بوليّ العصر صلوات الله وسلامه عليه هي التي تدفعنا لأن نهتمّ ونعمل ونجدّ ونجتهد لسلوك الطريق الذي ينتهي بنا إلى التوفيق للانضواء تحت مظلّة رضاه، أمّا الأمل بلقائه عجّل الله تعالى فرجه في عصر الغيبة، فهو مطلب مهمّ أيضاً، ويجسّد رغبة عظيمة؛ فمن وُفّق له فقد نال مقاماً شامخاً وشرفاً رفيعاً، ولكنّ الرغبة ليست الوظيفة دائماً.
إنّه لشرف كبير وكرامة عظيمة أن يلتقي الإنسان إمامه عجّل الله تعالى فرجه عن قرب ويقبّل يده، لا شكّ في هذا ولا شبهة، ولكن هل هذا هو ما يريده الإمام منّا؟ وهل هذا هو واجبنا ومسؤوليّتنا؟
إنّ مسؤوليّتنا تتمثّل أوّلاً في تعلّم الإسلام والعمل به وتعليمه، وهي تقع على عاتق كلّ فرد مسلم، سواء كان رجلاً أم امرأة، زوجاً أم زوجة، أولاداً أم آباءً وأمّهات، أساتذة أم تلاميذ، وباعة أم مشترين، ومؤجّرين أم مستأجرين، وجيراناً أم أرحاماً، وفي كلّ الظروف والأحوال.
على كلّ فرد منّا أن ينظر ما هي وظيفته تجاه نفسه وتجاه الآخرين؛ وما هي الواجبات المترتّبة عليه، وما هي المحرّمات التي يجب عليه الانتهاء عنها قبل أن ينظر إلى أي شيءٍ آخر. فعلى الزوج أن يعرف واجباته تجاه نفسه وتجاه زوجته وعائلته وتجاه الآخرين، وكذا المرأة عليها أن تسعى لمعرفة ما يجب عليها تجاه زوجها وأولادها والمجتمع، وهكذا الأولاد تجاه والديهم، والوالدان تجاه الأبناء، وكذا الإخوة فيما بينهم، وهكذا الجيران والأرحام والمتعاملون بعضهم مع بعض.
فالواجب هو أن يعرف الإنسان أحكام دينه ـ ولا أقلّ من الواجبات والمحرّمات ـ ثم يلتزم بها، وعلى رأس تلك الواجبات معرفة المولى صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه وعجّل الله تعالى فرجه. وهذا بحدّ ذاته واجب الجميع، لأنّه «مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية». ولكي لا يموت أحدنا بحكم المشرك، عليه أن يعرف ما هي واجباته وما هي المحرّمات عليه، فيما يخصّ العقائد والعمل.
يقول الفقهاء: إنّ على كلّ شخص أن يسعى للحصول على ملَكة العدالة في نفسه، وهذا من المسلّمات، وهو ـ على حدّ التعبير العلمي ـ مقدّمة وجود الواجب المطلق.
إذاً؛ على كلّ فرد، رجلاً كان أم امرأة، شابّاً أم شيخاً، أن يحصل على ملَكة تحصّنه من ارتكاب المحرّمات وتحول دون تخلّفه عن الواجبات، ثمّ عليه بتعليم الآخرين حسب مقدرته ومعرفته. فهذا هو الواجب، وهذا ما يسرّ الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه، ويجعله يرضى عنّا؛ وفي رضاه رضا الله تعالى. أمّا مَن لم يؤدِّ واجبه، فليتوقّع غير ذلك.
قصّة وعبرة
أجل، إنّ المطلوب من الفرد المؤمن في علاقته ومحبّته لإمام العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه أن يسعى جهده لإيجاد السنخية بين طبيعته الأخلاقية وسلوكه اليومي وبين رغبة الإمام عجّل الله تعالى فرجه، ليرتقي بعد ذلك إلى مستوى مشايعته حقّ المشايعة.
ومن ذلك؛ ما ينقل عن الشيخ مرتضى الأنصاري قدّس الله نفسه الزكية، إذ كان يتتلمذ على شريف العلماء رضوان الله عليه في بدايات شبابه في كربلاء المقدّسة. ولتوفير ما يقتات به، اختار مهنة إصلاح الأقفال، فجمع عدّة أقفال، وجلس فيما يشبه الدكان عند مدخل صحن الإمام أبي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فكان يجلس لهذه الحرفة ساعة أو ساعتين من كلّ يوم.
وفي تلك الأيّام كان هناك جماعة من طلاّب العلوم الدينية قد صمّموا على أن يسلكوا طرقاً معيّنة تمكّنهم ـ بزعمهم ـ من رؤية الإمام صاحب الزمان سلام الله عليه، فمارسوا جملة من العبادات الخاصّة، وحضروا المساجد، وسألوا العلماء، وتوسّلوا بالأئمة صلوات الله عليهم، وزاروا المراقد الشريفة، وتفحّصوا في الوجوه بما يعرفونه من علامات للإمام، دون أن يصلوا إلى شرف اللقاء.
فصادف ذات يوم أن حضرت تلك المجموعة عند بسطة الشيخ، وكانوا يعرفون الشيخ بحكم الدراسة، وفي أثناء تحاورهم معه لفتت أنظارهم امرأة عجوز كانت قد جاءت إلى الشيخ الأنصاري ـ ولم يكن معروفاً آنذاك ـ وهي تحمل قفلاً فقالت له: إنّها أمّ لأيتام جوعى، وتريد منه أن يشتري منها القفل رغم أنّ مفتاحه ضائع؛ دون أن يظلمها أو يغشّها؛ لتبتاع بثمنه خبزاً لأيتامها.
فرقّ الشيخ لما سمع منها فحاول أن يعثر لقفلها على مفتاح يناسبه حتى يرفع من ثمنه، ولمّا وجد المفتاح المناسب له قال للمرأة: كان قفلك لا يساوي إلا فلساً واحداً، وحيث أصبح الآن بمفتاح فهو يعادل خمسة فلوس، واقترح عليها أن يبيعها المفتاح بفلس واحد، ثم يشتريه منها مع القفل بخمسة فلوس لتربح بذلك أربعة فلوس، بدلاً من أن تبيع القفل وحده بفلس واحد فقط(2).
وأثناء تلك المحاورة التي جرت بين الشيخ الأنصاري والمرأة، كان رجل بهيّ الطلعة مهاباً جالساً عند الشيخ وكأنّه ينتظر دوره في أمر ما، وحينما انتهى الشيخ من معاملة البيع والشراء مع المرأة، قام الرجل وودّع الشيخ لينصرف. وأثناء انصرافه، التفت إلى الطلبة الذين اجتمعوا عند الشيخ الأنصاري بعد أن اطّلعوا على مجريات هذا التعامل النزيه، ولم يكونوا قد تنبّهوا إلى وجود هذا الرجل الجليل بينهم، قائلاً: كونوا مثل هذا الشيخ ليأتيكم صاحب الزمان بنفسه!!
وبعد لحظات من مغادرته المكان، عاد إليهم رشدهم في كيفيّة اطّلاع هذا الرجل على نواياهم في البحث عن إمام الزمان صلوات الله عليه، فألقي في روعهم أنّه هو نفسه الإمام لما تذكّروه من العلامات المأثورة عنه سلام الله عليه والتي كانت واضحة كلّ الوضوح لديهم، ولكنهم لم يتنبهوا لها في حينها، فأخذوا يبحثون عنه بين الناس، لكن دون جدوى. فهؤلاء رغم أنّهم رأوا الإمام عجّل الله تعالى فرجه ولكنهم لم يكونوا بعد قد وصلوا إلى المستوى الذي وصله الشيخ الأنصاري الذي نقل مكرراً أنه كان يتشرّف برؤيته عجّل الله تعالى فرجه.
أقول: إنّ الشيخ الأنصاري حافظ على هذا المستوى الرفيع من الإيمان حتى آخر لحظة من عمره الذي قضاه إخلاصاً وعلماً ويقيناً. ولاشكّ أنّ من يبني حياته على أساس من الإيمان والإخلاص، فإنّ العاقبة الأحسن ستكون من نصيبه، نعمةً من الله وفضلاً، والله يؤتي فضله مَن يشاء.
على كلّ حال؛ إنّ تحملنا لمسؤوليتنا الشرعية هو الذي يُرضي الإمام عنّا إن نحن أتقنّا العمل بها، وإذا أردنا أن نعرف نسبة رضاه عنّا، فلنفكّر مع أنفسنا في مدى معرفتنا للواجب والمسؤولية والعمل بهما ـ تجاه أنفسنا والآخرين، أقرباء وأرحاماً وسواهم.
إنّ الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه يرانا ويرى أعمالنا كما ورد في تفسير قول الله تعالى: ()وقُلِ اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)(3).
وفي الروايات أنّه عجّل الله تعالى فرجه:
«مؤيّد بروح القدس، بينه وبين الله عزّ وجلّ عمود من نور يرى فيه أعمال العباد، وكلّ ما يُحتاج إليه»(4).
فهو يسمع كلامنا ويرى أجسامنا وكلّ ما يظهر منّا، ويرى كذلك ما وراء السطور كالفكر والنوايا، ويعرف فيما إذا كانت نيّاتنا وأفكارنا لله أم لغيره.
ما يحول دون تشرّفنا بلقاء الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه
إنّ موضوع الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه من المواضيع العميقة والواسعة وهو متشعّب الجوانب كثير الفروع، الأمر الذي يتطلّب من كلّ منّا أن يزيد من مطالعاته وتأمّلاته في هذا الموضوع الهام، لكنّ السؤال المهمّ في هذا المجال هو:
إذا كان الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه موجوداً بين ظهرانينا ـ كما هو الحقّ ـ فلماذا لا نراه مع أنّه يرانا صلوات الله وسلامه عليه؟
في جواب هذا السؤال نستعين بالقصّة التي رواها المرحوم والدي والتي تعود إلى الأيّام التي كان يعيش فيها في سامرّاء العراق:
يقول السيد الوالد رحمه الله: كان أحد العلماء يكثر من ارتياد سرداب الغيبة في أيام الجمع وغيرها، يخلو فيه .. يقرأ دعاء الندبة والعهد وزيارة صاحب الزمان، ويدعو الله بفنون الدعوات على أمل اللقاء بالإمام عجّل الله تعالى فرجه.
يحكي والدي عن هذا العالِم أنّه قال:
مرّ زمان وأنا على هذه الحال أرتاد السرداب شوقاً لرؤية صاحب الزمان صلوات الله عليه. وفي أحد الأيام وبينما أنا جالس وحدي منشغلاً بالدعاء والمناجاة، مفكّراً في حالي وأنّ المدّة قد طالت وأنا مواظب على الحضور إلى هذا المكان دون أن أوفّق للقاء الإمام عجّل الله تعالى فرجه، متسائلاً مع نفسي عن السبب الذي يحول دون تشرّفي برؤيته، قائلاً: ما هو ذنبي، ولماذا لا يمنّ عليَّ الإمام بشرف رؤية طلعته الرشيدة؟ وبينما أنا ساهم في هذه الحالة إذ أُلهمت بأنّ الإمام عجّل الله تعالى فرجه سيدخل السرداب حالاً، ولقد وقع هذا الموضوع في قلبي على نحو اليقين، لا وقوع تخيّل أو مجرّد تصوّر، بل أرشدني إليه ضميري وأيقنت ـ بوجداني ـ أنّ الإمام سلام الله عليه سيدخل السرداب الآن، وشعرت أنّي سأوفّق للقائه.
ولكن ما إن دنت ساعة التشرّف والتوفيق للقاء الإمام حتى تملّكتني هيبة عصرتني عصرة لم أشعر معها إلاّ وأنا خارج من السرداب متسلّقاً درجات السلّم الذي يفضي إليه. واضطرب وجودي لذلك اضطراباً شديداً. فأدركت أنّه لم يحن بعد الوقت الذي أكون لائقاً ومؤهّلاً للقاء الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه.
ولإلقاء مزيد من الضوء على هذا الموضوع نستعين بالرواية القائلة: يحكى أنّ رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وآله أنّه يحبّ إقراء الضيف لكن زوجته تكره ذلك وتعكّر عليه، فقال صلى الله عليه وآله قل لها: «إنّ الضيف إذا جاء؛ جاء برزقه، وإذا ارتحل؛ ارتحل بذنوب أهل البيت»(5).
أي، أنّ الله سيبارك ويضيف في رزق أهل ذلك البيت ما ينفقونه في إقرائه، ثم إذا انصرف عنهم بعد ذلك وارتحل ارتحلت ذنوبهم معه.
يقال: إنّ الرجل عاد ثانية إلى النبي صلى الله عليه وآله وأخبره أنّ ذلك لم يُجد نفعاً مع زوجته. فأمره النبي صلى الله عليه وآله أن يمسح بيده على وجهها إذا حلّ الضيف.
وفعَل الرجل ذلك، فأصبحت المرأة تتمنّى إقراء الضيف بعد ذلك؛ لأنّها رأت الأمور التي أخبرها بها زوجها عن النبي صلى الله عليه وآله على حقيقتها، بعد أن مسح على وجهها بأمر النبي صلى الله عليه وآله، أي رأت الضيف عندما يدخل الدار ترافقه أنواع الأطعمة والفواكه، وعندما يخرج تخرج معه الأوساخ والعقارب والحيّات مثلاً.
نستفيد من هذا الحديث أموراً عديدة؛ منها أمران لهما صلة بموضوعنا، وهما:
الأمر الأوّل: الولاية التكوينية لرسول الله صلى الله عليه وآله. فمع أنّه صلى الله عليه وآله لم يقم هنا بفعل، فلم يمسح بيده الشريفة على وجه المرأة مثلاً، بل أمر الزوج أن يمسح هو بيده على وجهها، ولكنه مع ذلك أثّر في تكوين المرأة، أي أنّ أمر النبي صلى الله عليه وآله وكلامه يكفي لتغيير الكون، ولا حاجة حتى لفعله المباشر، بل تكفي إرادته وقوله. والإمام كالنبيّ في هذا.
الأمر الثاني: أنّ الذنوب التي تكبّل الإنسان هي مانع حقيقيّ يحول دون التشرّف بلقاء الإمام صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه، أي لا يكون الشخص جديراً بلقائه سلام الله عليه فيُحرم هذا التوفيق بسببها.
إنّ الأرواح غير المتكاملة غير لائقة للقاء الإمام، والأعين الخطّاءة لا تستحقّ أن تطلّ على حضرته، والآذان المليئة بالذنوب غير جديرة بسماع صوته، وأنّى للشفاه التي صدرت من بينها آلاف المعاصي أن تتشرّف بتقبيل يديه!
وإلاّ فلِمَ لا يسمح الإمام لبعض محبّيه بلقائه وهو أهل الكرم والجود! ألم يلتقِ السيدَ الفلاني والشيخَ الفلاني والبقّالَ الفلاني والعطّارَ الفلاني، وأشخاصاً أمّيين لا يعرفون القراءة والكتابة، فلماذا لا يسمح لأشخاص متعلّمين أو من أهل العلم مثلاً، لنيل هذا الشرف! إنّ الذنوب هي التي تحول دون اللقاء بالإمام، فإنّ الإمام لا ينظر إلى أبداننا، بل ينظر إلى قلوبنا وأرواحنا وعقولنا.
فلنعاهد الله سبحانه وتعالى على أن نبدأ سلوك الطريق المنتهي بلقاء الإمام سلام الله عليه؛ فلعلّنا نبلغ المقصود بعد زمان طال أو قصر، فإنّ من سلك الطريق لابدّ وأن يصل، وصاحب الزمان عليه الصلاة والسلام يعرف عن قلبك وقلبي إن كنّا سالكي الطريق حقّاً أم لا؛ فإن علم صدقنا فسيأخذ بأيدينا. ولو أنّ أحدنا تقدّم إليه بمقدار خطوة واحدة من الطريق فإنّه عجّل الله تعالى فرجه سيتقدّم إليه خطوات ويفتح له ذراعيه، شريطة أن نجعل أنفسنا أهلاً لذلك.
الإقتداء بالسلف الصالح
ولتكن لنا في أويس القرني قدوة وعبرة، فإنّ هذا العبد الصالح لم يوفّق لأن يلتقي الرسول صلى الله عليه وآله، مع أنّه كان في عصره، فقد كان يعيش في اليمن، وعندما توجّه منها إلى المدينة لرؤية الرسول صلى الله عليه وآله وزيارته لم يسعفه الوقت، فحينها كان صلى الله عليه وآله قد استشهد. وتأثّر أويس لذلك كثيراً. ولكن هل تعلمون أنّ أويساً هذا مقدّم على كثير ممّن صحبوا الرسول صلى الله عليه وآله؟(6).
نادراً ما تجد إنساناً يؤمن بدين ويعتقده حتى يتفانى من أجل تطبيقه دون أن يشاهد صاحب هذا الدين أو يتشرّف بسماع كلامه رغم معاصرته له، وهذا ما كان لأويس القرني الذي عاصر الرسول صلى الله عليه وآله ولكنه لم يشاهده أو يسمع كلامه ومع ذلك آمن به وقوي إيمانه اعتماداً على ما وصله عنه بعد أن اطّلع على فحوى الدين الجديد وتأمّل مفرداته. فحالنا في زمن الغيبة كحال أويس في عدم رؤيته النبي؛ فلنقتد بمثل هذا النموذج الصالح لننال ـ إن شاء الله تعالى ـ رضا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وأئمّتنا الطاهرين عليهم السلام لاسيما مولانا الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه.
عنصرين وثلاث مقدّمات
هذا، ولأجل الوصول إلى رضا مولانا ومقتدانا الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه، ينبغي لنا أن نحقّق في ذواتنا عنصرين اثنين:
• أن نعاهد الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه بتغيير أنفسنا تدريجياً.
• أن نلتمسه عجّل الله تعالى فرجه الدعاء ومدّ يد العون لنا في سبيل التغيير.
ولكي نفلح في تحقيق هذين العنصرين، فلابدّ لنا من مقدّمات ثلاث هي:
1. الطلب الحثيث للعلم، والتأكّد بأنّ من أعظم العبادات التعليم والتعلّم.
2. طرح «الأنا» عن النفس(7).
3. أن نسعى لأن يكون كل منّا راوية حديث ـ والتاء هنا تاء المبالغة ـ لنكون مصداق الحديث الشريف: «يشدّ به قلوب شيعتنا»(8).
اضف تعليق