q
المشكلة هي ما حدث بعد ذلك، كان من المفترض التركيز على القضاء على القاعدة وترك المدن والارياف الافغانية للافغان دون تدخل امريكي ودون وجود عسكري امريكي، اما قضية اقتتال الافغان فيما بينهم او عودة طالبان فهذا شأن أفغاني، الخطأ الاكبر هو استمرار الوجود العسكري الأمريكي...

في يوم 11 سبتمبر 2001 كنت قد غادرت منزلي لازور للمرة الاولى زميل دراسة في بيته في المنصور، ما ان استقبلني حتى سألني ان كنت قد علمت بما جرى. فاجبت بالنفي، وعندما اخبرني ان مجموعة من الطائرات ضربت اهداف داخل الولايات المتحدة ظننت للحظة ان الامر كذبة او مزحة، وحتى عندما تابعنا معا ما عرضه التلفزيون كان الامر سرياليا.

بعد عودتي للمنزل بدأت فهم ما يجري و(استوعبت) ما حدث، حينها كانت الاخبار تتحدث عن 8 طائرات مختطفة وليس 4، ادركت منذ البداية ان ما حدث من تدبير القاعدة ليس لاني اعلم الغيب لكن حجم العملية يتجاوز قدرات اي تنظيم اخر.

بعدها استمر التلفزيون بعرض خطب بن لادن بطريقة ملفتة للنظر. حينها كانت امي تقول: "واحنا شعلينا؟"، لم يفهم صدام وابنه عدي ان الاستمرار ببث خطب بن لادن كان استفزازا للولايات المتحدة.

كان العالم كله يتحدث عن (عالم ما بعد 11 سبتمبر) وكيف ستنتقم الولايات المتحدة من نظام طالبان الذي اوى بن لادن وكيف ستتأثر العلاقات مع السعودية - وقد تأثرت فعلا - وكيف سيصبح اصعب لنا نحن المسلمون ان نزور الولايات المتحدة او نهاجر اليها. واخيرا وليس اخرا كيف سيؤثر الحدث على الموقف من نظام صدام والسياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة عموما.

بعد اشهر بدأت حكاية لقاء ضابط مخابرات عراقي بمحمد عطا في براغ تتسرب وبدأ الكلام عن غزو امريكي محتمل للعراق - بعد اسقاط طالبان ومطاردة القاعدة فيها، في اوائل صيف 2002 سربت الصحافة الامريكية ولاشهر خططا مفصلة - جرى تنفيذها لاحقا - لغزو العراق، حينها ادركت ان ما حدث في ذلك اليوم سيسقط صدام.

الان وقد مضت 20 سنة على هذا الحدث الذي غير العالم، اصبح لدينا كم غير قليل من الوقت والتجارب والوثائق وتعاقب القيادات وتغير الاحوال بما يسمح لتقييم موضوعي لما حدث بعد 11 سبتمبر.

كان قرار الولايات المتحدة اسقاط نظام طالبان عبر دعم تحالف الشمال المعارض بالمال والسلاح والتغطية الجوية والقوات الخاصة الامريكية قرارا صحيحا. وقد تمت المهمة خلال شهرين.

المشكلة هي ما حدث بعد ذلك، كان من المفترض التركيز على القضاء على القاعدة وترك المدن والارياف الافغانية للافغان دون تدخل امريكي ودون وجود عسكري امريكي، اما قضية اقتتال الافغان فيما بينهم او عودة طالبان فهذا شأن افغاني.

الخطأ الاكبر هو استمرار الوجود العسكري الامريكي الذي حول طالبان الى ادعياء مقاومة الاحتلال الاجنبي. كما انه زاد اعتماد الافغان على الأمريكيين، وكانت نتيجة ذلك ونتيجة فشل الامريكيين والافغان معا في بناء الدولة والقوات المسلحة -وبعد 20 سنة - استيلاء الطالبان من جديد على افغانستان.

في العراق كان من المفترض اتباع نفس النصيحة عموما. اطيح بصدام بغزو عسكري امريكي شامل، كان الافضل اعلان حكومة مؤقتة فورا والانسحاب وترك البلاد للعراقيين حتى لا يتحول الوجود الامريكي الى شماعة يعلق عليها العراقيون فشلهم في كل شيء.

ادى الوجود الامريكي المكثف واعلان سلطة الائتلاف المؤقتة الى منح صفة المقاومة لكل ارهابي وكل صدامي مجرم، كما ادى الى اعتماد عراقي على الولايات المتحدة في كل شيء، والنتيجة هي ذاتها: فشل امريكي وعراقي في بناء الدولة والقوات المسلحة.

في المحصلة انا اعتقد ان قرار اسقاط طالبان وصدام كان صحيحا لكن الاخطاء كانت فيما بعد ولا تتحمل الولايات المتحدة وحدها هذه الاخطاء بل هي مسؤولية الافغان والعراقيين ايضا...

اليوم لدينا جيل كامل اصبح عمره 20 سنة ولهؤلاء اقول: اتركوا هراء نظريات المؤامرة التي تلقنكم اياه الاجيال السابقة.

اقرؤا وادرسوا وسافروا وتعلموا اللغات الاجنبية واصول البحث العلمي وتعرفوا على الثقافات المختلفة وعلى الناس الذي يختلفون عنكم، العالم كبير وهائل ولديه اهتمامات وهموم كثيرة تتجاوز نفط العراق.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق