يستطيع من يدعي العلم أن يحتل مقام العالم بكل سهولة في زمننا المعاصر.. يستطيع أن يسود على الناس ويهمش دور العلماء ويفرض الغلبة عليهم وعلى الناس بفن السياسة فيكون الأول على بيئتهم الاجتماعية، وربما المرجع بلا منازع، إذ لا يوجد معيار علمي يردعه وأتباعه عن...

الإمام الجواد صلوات الله وسلامه عليه: "العلماء غرباء لكثرة الجهال"

كثير منا ينظر إلى هذه الرواية بمنظار ما في مفاهيمه السلبية، فيرى غربة العلماء بين جهال لا يرغبون في العلم، وجهال لا يكرمون العلماء، وجهال لا يزاحمون العلماء بركبهم لكسب العلم منهم.

أظن أن الرواية ناظرة إلى قلة عدد العلماء نسبة لعدد غير العلماء في البيئة العلمائية، وفيها نقض لمدعي العلم من "العلماء" وقلة عدد العلماء فيهم.

الجاهل لفظ يأتي بمعنى الأحمق مدعي العلم.. ولكثرة هذا اللون من الناس نسبة لعدد العلماء، فالعلماء بينهم غرباء.. ولفظ الجاهل يأتي أيضا بمعنى ما خفي عنه شيء فهو جاهل به..

وبالنظر إلى الواقع المعاش ومستوى التطور التقني في وسائل الإتصال الإجتماعي؛ لا يشكل الحمقى بين الناس "غربة" في العلماء!

‏وذات الواقع المعاش يشي بقلة عدد العلماء بين من يحمل صفة العلم.. هنا تصبح أكثرية الناس إلى جانب العلماء غرباء بين الحمقى مدعي العلم من "العلماء".

غربة العالم يصنعها الناس غير العالمين، وهذه حال طبيعية لا خلاف في وقوعها في كل المجتمعات.. وغربة العالم بين من يدعي العلم وما هو بعالم من "العلماء" هي أخطر ما تعنيه هذه الوظيفة.

يستطيع من يدعي العلم أن يحتل مقام العالم بكل سهولة في زمننا المعاصر.. يستطيع أن يسود على الناس ويهمش دور العلماء ويفرض الغلبة عليهم وعلى الناس بفن السياسة فيكون الأول على بيئتهم الاجتماعية، وربما المرجع بلا منازع، إذ لا يوجد معيار علمي يردعه وأتباعه عن ارتكاب ما يرغب إليه من مقام.

واقعنا المعاش يكشف معنا خاصا للرواية، فيجعل للعالم بين الحمقى من نظرائه مدعي العلم غربة. وأما الناس الذين خفي عنهم العلم فهم ضحايا الحمقى من "العلماء" ويشكلون بيئة احتضانهم حيث لا غربة فيهم.

إن غربة العالم لا يشكلها الحمقى من الناس ولا جهالهم، بل أدعياء العلم من "العلماء" نظرائهم في الساحة العلمية.

في قضايا إثبات أو نفي الشعائر تبدو الحقيقة واضحة تماما..

علماء ذووا حجة بالغة متينة في العلم بالأصول العقدية والسيرة التأريخية ذات العلاقة. وأدعياء علم تسندهم آلة السياسة فيخضعون الأصول في دليل الشعائر إلى ضرورات السياسة حتى يتمكنوا من بسط سيادتهم.

وكلما جاءهم دليل قاطع بنص أو بعقل او بإجماع أو بسيرة متشرعة أو بتفسير...؛ أولوه أو كذبوه أو اختلقوا من عندهم فيه بما تهوى أنفسهم فاستكبروا وأضلوا الناس من حولهم فكانوا معهم.. فأي غربة نستطيع رصدها في هذه العلاقة؟!

غربة العلماء في واقعنا المعاصر هي من صنع أدعياء العلم من الحمقى، وليس من عامة الناس الذين خفي عنهم ما لا يعلمون... قد يسود "العلماء" الحمقى على العلماء الأصيلون، لكنها سيادة قصيرة الأجل لا تقوى على فعل شيء.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق