المرجع الراحل لا يعرف الجمود بل تراه دائم التحديث، لذلك تجده يدعو للتجديد الاجتماعي وعدم الاكتفاء بالبرامج التقليدية، "حيث أن المواليد والوفيات، لا تكفي في إملاء الفراغ فاللازم على القادة رجال العمل التطوعي خلق المناسبات، مثل الاحتفال بمناسبة مرور ألف عام على مولد العالم الفلاني...
قال الإمام علي (عليه السلام): (يَا كُمَيْل بْن زِيادٍ، هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ) [1].
عندما نتحدث عن الإمام الشيرازي قدس سره فإننا نجد أنفسنا أمام محيط «علمي» لم نستوعبه إلى يومنا هذا، فقد ترك لنا تراثاً علمياً ضخماً في مختلف الحقول يستحق الوقوف عنده واستخراج كنوزه، ويكفي هذا التراث أن يكون مكتبة لمركز أبحاث إسلامي.
تساءلت مع نفسي عن هذه الطاقة الجبارة التي تميز بها المرجع الراحل، فوجدت أنه كان يتمتع بصفات العظماء الذين ساهموا في رسم معالم الحضارة الإنسانية.
في هذه المقالة المختصرة سأذكر بعض السمات الأخلاقية التي أرى من المناسب نشرها في صفوف العاملين في حقل العمل الاجتماعي والتطوعي، لتكون نقاط ملهمة للمزيد من النشاط والحيوية، وهي كالتالي:
لا يأس
أسس المرجع الراحل في كربلاء العديد من المشاريع الثقافية كالنشرات والدوريات والمدارس والحوزات والمشاريع الاجتماعية والمساجد والحسينيات وغيرها. وبسبب ضغوط النظام الحاكم في ذلك الوقت هاجر إلى الكويت، وهناك أخبره أحدهم أن تلك المشاريع قد صادرها النظام وأغلقت، فما كان جوابه إلا أن قال: لنبدأ من جديد!
وبدأ العمل في الكويت وفي فترة وجيزة تحولت منطقة بنيد القار إلى منطقة نشطة حيوية، فأسس الحوزة والمكتبة والمسجد والحسينية، وانتقلت موجة النشاط لبقية أرجاء المنطقة، وشجع على إحياء الحسينيات والديوانيات وغيرها...
أي روح كان يتمتع بها هذا العملاق؟!
إن شعار هذا العملاق: لا تتوقف... لا تيأس... عليك بالحركة والتفكير والجد والنشاط...
الهمة العالية
تميز المرجع الراحل بالهمة العالية، فكان كما قال الإمام علي (عليه السلام): (كن بعيد الهمم إذا طلبت) [2].
ففي مجال التأليف صدر له كتيب بعنوان «ثلاثة مليارات من الكتب» وقال عنه أن هذا العدد هو ”حيلة العاجز وأقل الإيمان لمن يريد إنقاذ المسلمين من هذا السقوط الذي لا مثيل له في تاريخ الإسلام الطويل، وإلا فالوسائل الحديثة من الآلات السمعية والبصرية والصحف والمجلات والانترنيت والأقمار وما إليها، كلها وسائل العصر للثقافة والإعلام ومن الضروري الاستفادة منها“.
ولم يكتف بهذا العنوان النظري بل وضع خطة التنفيذ بقوله: "من الممكن أن يهيئ لأجل ثلاثة مليارات من الكتب ثلاثمائة دار للنشر، في ثلاثمائة مدينة في العالم، ولكل دار فروع في مختلف المدن المرتبطة بتلك المدينة الأم، حتى يتم توزيع الكتب في طول البلاد وعرضها في أقل زمان وأحسن توزيع.
واللازم أن تهيئ تلك الكتب للتوزيع والنشر بمختلف الصور الممكنة، سواء بالبيع أو بالمجان أو بغيرهما، كالمشاركة والحضور في معارض الكتب، والإهداء إلى المكتبات وغير ذلك.
التجديد المستمر
المرجع الراحل لا يعرف الجمود بل تراه دائم التحديث، لذلك تجده يدعو للتجديد الاجتماعي وعدم الاكتفاء بالبرامج «التقليدية»، "حيث أن المواليد والوفيات، لا تكفي في إملاء الفراغ فاللازم على القادة «رجال العمل التطوعي» خلق المناسبات، مثل الاحتفال بمناسبة مرور ألف عام على مولد العالم الفلاني، أو بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً من نزول القرآن، ويلحق بذلك الاحتفال بافتتاح مسجد أو مدرسة، أو لأجل توزيع الجوائز للناجحين، أو لأجل إقامة المعارض والتمثيليات، إلى غيرها.
كما يدعو للاستفادة من العطلات الرسمية، سواء كانت عطلة يوم كيوم الجمعة، ويوم العيد، أو عطلة أيام، كعطل المدارس، ففي الأول، يعقد الاجتماعات، وينجز الأعمال الخفيفة، وفي الثاني، يفتح الدورات الدينية، أو يكوِّن اللجان لتعليم القرآن، وتقوية أقلام الطلاب، وتدريبهم على الخطابة، وفتح دورات عملية لهم.
المثابرة على العمل
فقد كان يعمل أحياناً عشر ساعات متواصلة بلا ملل ولا كلل..
فإذا جلس للتأليف، جلس ثمان ساعات متواصلة.
وإذا جلس للحوار والاقناع، جلس عدة ساعات متتالية.
وإذا استقبل الناس، وقف لهم من الصباح الباكر حتى أذان الظهر دون أن يجلس على الأرض.. وهكذا.
ومن الأمثلة على مثابرته أنه ألف كتابه المعروف ب «شرح الكفاية» في شهر رمضان المبارك وكان يجلس للتأليف من بعد طعام الإفطار حتى قبيل أذان الفجر. ولا يقوم من مجلسه إلا مرة أو مرتين لتجديد وضوؤه..
لقد مضى على رحيله 21 عاماً إلا أن فكره وسيرته لا تزال حية تنبض بالروح والعطاء، وهي تلهم العاملين وتفتح لهم آفاق رحبة للعلم والعمل.
عليه الرحمة والرضوان.
اضف تعليق