q
تسعى إيطاليا التي استقبلت أكثر من 640 ألف مهاجر معظمهم أفارقة خلال السنوات الخمس الماضية، الى وضع خطط جديدة في سبيل معالجة ملف الهجرة غير الشرعية، خصوصا وان اغلب دول الاتحاد الأوروبي وكما نقلت بعض المصادر، قد تجاهلت بشكل كبير محاولات روما، لإقناعهم باستقبال بعض المهاجرين الجدد وتقاسم كلفة رعايتهم...

تسعى إيطاليا التي استقبلت أكثر من 640 ألف مهاجر معظمهم أفارقة خلال السنوات الخمس الماضية، الى وضع خطط جديدة في سبيل معالجة ملف الهجرة غير الشرعية، خصوصا وان اغلب دول الاتحاد الأوروبي وكما نقلت بعض المصادر، قد تجاهلت بشكل كبير محاولات روما، لإقناعهم باستقبال بعض المهاجرين الجدد وتقاسم كلفة رعايتهم، وقال ماتيو سالفيني وزير الداخلية الإيطالي ورئيس حزب الرابطة اليميني المتطرف، إنه يسعى لإرغام الدول الأوروبية الأخرى على المساعدة في تحمل أعباء المهاجرين. وهو ما اثار موجة جدل جديدة داخل اوروبا حيث ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالموقف الإيطالي قائلا إن القانون الدولي يحتم على إيطاليا أن تستقبل المهاجرين. ونقل المتحدث باسم الحكومة الفرنسية بنيامين جريفو عن ماكرون قوله لحكومته "ثمة قدر من الاستخفاف وعدم المسؤولية في سلوك الحكومة الإيطالية فيما يتعلق بهذا الوضع الإنساني المؤثر". وذهب المتحدث باسم حزب ماكرون غابرييل أتال إلى أبعد من ذلك وقال لقناة تلفزيونية: "الموقف الإيطالي يصيبني بالغثيان".

وقد رفضت إيطاليا الانتقاد الفرنسي. وقال لويجي دي مايو نائب رئيس الوزراء الإيطالي "هذا انتقاد يبعث على السخرية". وقال وزير النقل الإيطالي دانيلو تونينيلي لمحطة كابيتال الإذاعية "ينبغي ألا يجرؤ أحد على نعت إيطاليا أو حكومتها بعدم الإنسانية أو كراهية الأجانب". وتلقت إيطاليا أيضا دعما من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وهو صديق لسالفيني ويروج لبرنامج صارم مناهض للمهاجرين. وقال أوربان "من المحزن أن نسمع لسنوات بأن من المستحيل حماية الحدود البحرية".

وحقق حزب الرابطة بزعامة سالفيني أفضل نتائجه على الإطلاق في الانتخابات العامة، التي أجريت في مارس آذار بعد أن تعهد بترحيل مئات الآلاف من المهاجرين، ووقف تدفق أي مهاجرين جدد وشكل حكومة ائتلافية مع حركة 5-نجوم المناهضة للمؤسسات. وقال سالفيني قبل فترة في صفحته على فيسبوك "المسؤولية تحتاج إلى مشاركة وأنا سعيد أن حكومتنا رفعت رأسها بعد سنوات من الصمت"، مضيفا أنه ينوي السفر إلى ليبيا ، لبحث موضوع المهاجرين الذين ينطلقون من هناك.

حكومة جديدة

وفي هذا الشأن ينذر الوصول حكومة شعبوية مناهضة للمؤسسات ومن أقصى اليمين الى الحكم في ايطاليا، بمزيد من الجدل حول طريقة التعامل مع تدفق المهاجرين بعدما لوحت باحتمال القيام بعمليات طرد جماعية. وقد وصل نحو 700 ألف شخص إلى السواحل الايطالية منذ 2013. ولوقف هذه المأساة الانسانية، قامت ايطاليا وبدعم من الاتحاد الاوروبي، بتدريب عناصر خفر السواحل الليبيين وتزويدهم بالمعدات من أجل اعتراض المراكب قبل وصولها إلى المياه الدولية.

ومنذ مطلع العام، سجلت وزارة الداخلية وصول 7,100 شخص انطلقوا من ليبيا و3,500 آخرين من تونس أو الجزائر أو اليونان. وبحسب وكالة الهجرة الدولية، اعترض الليبيون بدورهم 6500 شخص كانوا يسعون للوصول إلى الطرف الجنوبي الاقصى لاوروبا. والحكومة الشعبوية قالت إنها ستدفع الشركاء في الاتحاد الأوروبي لتعزيز الحدود الخارجية للاتحاد وقبول حصة أكثر إنصافا من المهاجرين المنتشرين في القارة وبشكل تلقائي. وتريد أيضا تسريع اجراءات اللجوء وترحيل المرفوضين ومواطني دول تعتبر "آمنة".

وللمساعدة في تمويل العملية ستعيد الحكومة تخصيص قسما من ميزانية 2017 -- 4,2 مليار يورو (4,8 مليار دولار) التي رصدت لعمليات الانقاذ، لتقديم المساعدة الصحية وادارة مراكز الاستقبال. وتراجعت ارقام المهاجرين الواصلين إلى ايطاليا بنحو 80 بالمئة في الفترة من تموز/يوليو 2016 إلى تموز/يوليو 2017 بعد أن توصل ماركو مينيتي، المنسق المخضرم في اجهزة الاستخبارات والذي اصبح وزيرا للداخلية في كانون الاول/ديسمبر 2016، إلى اتفاق مع طرابلس لوضع المهاجرين في مراكز اعتقال على الاراضي الليبية.

وانتقدت منظمات حقوق الانسان والامم المتحدة معظم تلك المراكز ونددت بالظروف "غير الانسانية" فيها. وتراجعت اعداد الواصلين ايضا بسبب تغيير رئيسي في تلك الاجراءات. ففيما كان خفر السواحل الايطالي في السابق يقوم بتنسيق عمليات الانقاذ من روما، أصبحت تلك السلطة الان بشكل كبير مع طرابلس. وبالنسبة للمهاجرين، فإن ذلك الفارق مهم. فالتنسيق من جانب روما يعني نقلهم إلى إيطاليا، فيما تولي طرابلس تلك المهمة يعني تركهم مرة أخرى تحت رحمة نظام يرزح تحت اعمال العنف وعمليات الابتزاز إضافة إلى ظروف معيشة سيئة. وقالت كارلوتا سامي المتحدثة باسم المفوضية العليا لللاجئين التابعة للأم المتحدة "تراجعت اعداد الواصلين لكن ليس معاناتهم".

وتقول فيتوريا وهي نيجيرية عمرها 21 عاما وصلت إلى صقلية في وقت سابق بعد أشهر أمضتها، ، في ظروف مزرية في ليبيا "لم أخف من الماء لان الله خلق الماء. لا اخشى الموت فكلنا سنموت في وقت ما. أخشى أكثر إذا قبضت علي الشرطة الليبية مرة اخرى لكنهم شريرون للغاية". ونقلت على متن سفينة الانقاذ اكواريوس التي تستأجرها منظمتا "اس او اس المتوسط" و"أطباء بلا حدود"، بعد أن انقذها زورق أصغر تديره منظمة غير حكومية اسبانية استجابة لاتصال من خفر السواحل الايطاليين.

وتم إبلاغ طاقم الزورق الاول بأن ليبيا تقوم بتنسيق عملية الانقاذ، لكن خفر السواحل في الدولة الواقعة في شمال افريقيا، لم يظهر. وبعد تأخر استمر ثلاثة ايام، قبلت ايطاليا بنقلهم. وتتعثر جهود المنظمات غير الحكومية بطلب طرابلس من السفن الابتعاد -- حتى في حالات لا يمكن لليبيين فيها التدخل بأنفسهم بسبب المسافة أو الافتقار للموارد. ويقول روبن نوغباور، المتحدث باسم المنظمة الالمانية غير الحكومية "سي-ووتش" إن "هذا يضعنا في مواقف مستحيلة". ويضيف "إذا امتثلنا، ننتهك واجب الانقاذ. واذا لم نتمثل نجازف بعدم تمكننا من احضار المهاجرين إلى ايطاليا أو بتعريض سفننا للحجز من جانب السلطات الايطالية".

وفي الاسابيع القليلة الماضية أجبر الايطاليون سفنا تابعة لمنظمات غير حكومية على مغادرة مناطق إنقاذ لايام، وهو تكتيك يعني بحسب فريدريك بينار مدير "اس او اس المتوسط" بأن "الاولوية لم تعد فعالية الانقاذ". وقال المدير الاقليمي لمنظمة "اس او اس المتوسط" فيديريكو سودا "إن عمليات العبور اليوم أكثر خطورة من أي وقت مضى". وسجلت منظمته مصرع أو فقدان 383 شخصا قبالة سواحل ليبيا هذا العام حتى الان، أي ما يمثل 2,8 من اعداد المغادرين المعروفة، بارتفاع بنسبة 2,2 بالمئة عن السنوات السابقة. بحسب فرانس برس.

وتأمل الحكومة الايطالية الجديدة تطبيق تدابير اخرى سبق أن جربها مينيتي دون جدوى. وبموجب تلك التدابير، ترفض ايطاليا استقبال المهاجرين الذي تنقذهم السفن الاوروبية إن كانت عسكرية أو إنسانية مخصصة للانقاذ. وتأمل حركة خمس نجوم الشعبوية وحزب الرابطة اليميني المتشدد، أن تعيد في أسرع وقت ممكن غالبية الواصلين الجدد بتسريع إجراءات اللجوء وطرد الذين ترفض طلباتهم، إضافة إلى ما يقدر ب 500 ألف مهاجر غير شرعي. لكن بالوتيرة الحالية -- طرد 6,514 مهاجر فقط في 2017 وسط معارضة الدول التي انطلقوا منها -- فإن العملية يمكن أن تأخذ اكثر من 75 عاما، بحسب وسائل الاعلام الايطالية.

اجراءات صارمة

الى جانب ذلك قال وزير الداخلية الإيطالي الجديد ماتيو سالفيني إن إيطاليا لن تظل ”مخيم اللاجئين الخاص بأوروبا“ ووعد باتخاذ إجراء صارم للحد من عدد المهاجرين الواصلين وإعادة من أتوا بالفعل. وجعل سالفيني، زعيم حزب الرابطة اليميني ونائب رئيس الوزراء في الائتلاف الحاكم المتشكك في الاتحاد الأوروبي، الدعوة للحد من المهاجرين شعار حزبه الذي تظهر استطلاعات الرأي تنامي شعبيته بسرعة.

وتوجه سالفيني إلى صقلية، بعد يومين من أداء الحكومة الجديدة اليمين، وجهة أكثر من 600 ألف مهاجر وصلوا إلى الشواطئ الإيطالية قادمين من شمال أفريقيا منذ 2014. وقال ”انتهى الأمر“ بالنسبة للمهاجرين في إيطاليا قبل وصوله إلى مركز استقبال في ميناء بوتسالو حيث يجري تسجيل الواصلين بحرا وتصويرهم وأخذ بصماتهم. ويقول حزب الرابطة إن الغالبية العظمى من المهاجرين في إيطاليا لا يستحقون وضع لاجئ وإن إيطاليا لا يمكنها تقديم المساعدة لهم وإنهم بقبولهم العمل بأجور متدنية يضرون بظروف عمل الإيطاليين.

وواصل سالفيني الضغط قائلا في حديث إذاعي إن إيطاليا ”لا يمكن أن تتحول إلى مخيم للاجئين“ وتوعد بحشد تأييد شركاء إيطاليا للحصول على المزيد من مساعدات الاتحاد الأوروبي لمعالجة هذه المشكلة. وقال سالفيني ردا على سؤال عن تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن أن أوروبا تحتاج لأسلوب جديد في التعامل مع أزمة الهجرة ”من الواضح أن إيطاليا جرى التخلي عنها، والآن يتعين أن نرى الحقائق“. وكتب سالفيني، الذي يريد فتح مركز لاحتجاز المهاجرين وترحيلهم في كل منطقة في إيطاليا، على تويتر في وقت لاحق يقول ”إما أن تساعدنا أوروبا في تأمين بلادنا أو سنلجأ لأساليب أخرى“.

وأصبحت إيطاليا المعبر الرئيسي إلى أوروبا الذي يسلكه المهاجرون لأسباب اقتصادية وطالبو اللجوء حيث يقطع مئات الألوف الرحلة الخطرة من شمال أفريقيا كل عام ويموت الألوف في البحر. وتوقف الطريق الرئيسي الآخر، من تركيا إلى اليونان، بدرجة كبيرة بعد وصول أكثر من مليون مهاجر في عام 2015. وبعد مقتل 48 مهاجرا على الأقل عندما انقلب زورقهم قبالة الشاطئ التونسي قال سالفيني إنه ليس هناك ما يدعو الناس للفرار من تونس وهي ”دولة حرة ديمقراطية“. وأظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة إبسوس لقياس الرأي العام ونشرته صحيفة كورييري ديلا سيرا يوم أن التأييد لحزب الرابطة ارتفع إلى 28.5 بالمئة من 17 بالمئة في انتخابات الرابع من مارس آذار.

ويأتي الحزب الآن في المرتبة الثانية بعد شريكه في الائتلاف حزب (حركة 5-نجوم) ذي الميول اليسارية الذي تراجعت شعبيته قليلا عن 32.7 بالمئة في الانتخابات عازمة على إظهار قوتها. وتعهد زعيم حزب (حركة 5-نجوم) لويجي دي مايو والذي يشغل كذلك منصب نائب رئيس الوزراء ووزير العمل والصناعة بتغيير إصلاحات سوق العمل المعروفة باسم (قانون الوظائف) الذي سنته حكومة يسار الوسط السابقة.

ايطاليا والعنصرية

في السياق ذاته ألقى سياسيون يساريون في إيطاليا في وقت سابق باللوم في حادث إطلاق نار بدافع عنصري في وسط البلاد على حزب الرابطة اليميني المتطرف مع احتدام الجدل في البلاد حول قضية الهجرة. وأصيب ستة مهاجرين أفارقة حينما أطلق إيطالي يدعى لوكا ترايني النار عليهم في مدينة ماتشيراتا بوسط إيطاليا. وكان ترايني مرشح حزب الرابطة في انتخابات محلية العام الماضي لكنه أخفق في الحصول على أي أصوات. وقالت الشرطة إن ترايني اعترف بإطلاق النار من سيارة ولم يبد أي ندم.

ونأى ماتيو سالفيني رئيس حزب الرابطة، الذي أبرم اتفاقا انتخابيا مع رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، بنفسه عن الهجوم لكنه قال إن العنف نتيجة مباشرة لتدفق المهاجرين على إيطاليا في السنوات الأخيرة. وقال سالفيني لصحيفة لا ستامبا ”إن كان أحد يستحق اللوم فهي الحكومة التي سمحت لمئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين بدخول البلاد دون أي قيود“. واتهم سياسيون يساريون سالفيني بإثارة مشاعر خطيرة في بلد يسعى جاهدا للتخلص من إرث الدكتاتور الفاشي بينيتو موسوليني الذي حكم إيطاليا من 1922 إلى 1943.

وقالت لورا بولدريني رئيسة مجلس النواب الإيطالي وأحد أهم قيادات حزب الحرية والمساواة اليساري ”أشاع سالفيني الخوف والفوضى ويجب أن يعتذر أمام الشعب الإيطالي“. وانضم برلسكوني إلى الجدل المحتدم حول هذه القضية وقال إن حكومة يسار الوسط سمحت بدخول 630 ألف مهاجر إلى إيطاليا على مدى السنوات الأربع الماضية بينهم 30 ألفا فقط لهم حق اللجوء. بحسب رويترز.

وقال برلسكوني في برنامج إخباري على شبكة تلفزيون ميدياسيت التي تملكها أسرته ”الباقون وعددهم 600 ألف مهاجر يمثلون قنبلة اجتماعية موقوتة قابلة للانفجار لأنهم يعيشون على الصدقات والجريمة“. وتعهد برلسكوني بأن يجعل الأمن على أحد أولوياته إذا وصل ائتلافه إلى السلطة الشهر القادم. ودعا الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إلى يسار الوسط إلى الهدوء وقال ماتيو رينتسي زعيم الحزب ”سيكون من السهل إثارة الجدل حول من يغذون مشاعر الكراهية ضدنا كل يوم لكن هذا سيكون خطأ“.

اضف تعليق