q

ماتزال الحرب على تنظيم داعش الإرهابي غير مكتملة الأبعاد، فتحرير الموصل الذي تم الإعلان عنه هو بيان لإنكسار دولة داعش التي كانت تسيطر على الموصل، وذلك لا يعني تحرير كل الأراضي، الأمر الذي جعل معركة تلعفر اليوم تبدو بأهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة إلى العراق تكاد أن تكون من حيث البعد الإستراتيجي مساوية للمعارك التي خاضها العراق في الأنبار أو الموصل، وذلك بسبب كون قضاء تلعفر هو مثلث حيوي يشترك فيه العراق وتركيا وسوريا وهذا ما يبين أهمية زيارة وزير الخارجية التركي إلى العراق مع إعلان العمليات وتقدم القوات المسلحة بإتجاه دحر جماعات داعش الإرهابية. والذي سيحمل معه ملفات مهمة تعمل على تحويل النزاع والخلاف بشأن وجود القوات التركية إلى تنسيق مشترك بعدما أعلن العراق إنتصاره على تنظيم داعش في الموصل.

أهمية المعركة عسكرياً

على المستوى العسكري تعد معركة تلعفر ذات أهمية كبيرة بالنسبة للعراق وذلك لأن حسم المعركة ومسك الأرض سوف يؤمن عملية الحدود مع سوريا بشكل كبير وسوف يساعد على حسم ملف القوات التركية في معسكر بعشيقة، ويبدو ذلك من خلال المحاور الخمسة التي إعتمدتها خطة القوات المسلحة في تحرير القضاء والمشاركة الواسعة التي شملت الشرطة الإتحادية والحشد الشعبي والجيش وقوات مكافحة الإرهاب بالإضافة إلى الغطاء الجوي الذي يقدمه التحالف الدولي والمدفعية الذكية الفرنسية والتي ستؤمن متطلبات إستراتيجية المناورة والتحطيم النفسي لمعنويات العدو القتالية.

وفي الوقت ذاته فإن هذا التخطيط في إدارة المعركة يبين للأطراف الإقليمية الجاهزية العسكرية والقتالية التي تتمتع بها القوات المسلحة في الدفاع عن أراضيها، فضلاً عن أنه يبعث رسالة واضحة إلى هذه الأطراف أن الممكن في هذه المرحلة هو التنسيق ولا يمكن القيام بأي مهمة عسكرية دون تنسيق مع الحكومة العراقية والقيادة العامة للقوات المسلحة.

إن الأهمية العسكرية في هذه المعركة تنبع من إهتمام تركيا الدبلوماسي بعمليات الحرب والتقرب غير المباشر لأجل التنسيق المشترك وهذا بحد ذاته يكشف عن أهمية الخطوات التي قامت بها الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الرسمية تجاه موضوع الوجود التركي في معسكر بعشيقة، فبدل أن كانت لغة التصعيد العسكري سيدة الموقف أصبح الحوار هو الأقرب إلى علاقة البلدين. ومن ثم فإن الطريق الذي سوف تتبناه تركيا في هذه الحالة هو إدارة التنسيق المشترك والتفاهم مع الحكومة العراقية في هذا الشأن.

ويبدو من خلال تحليل ظروف المعارك، إن رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي إستطاع أن يتعامل مع الأطراف الإقليمية بطريقة تضمن قبول الجميع بها، بحيث لم تتحول لغة التصعيد إلى الحد الذي ينذر بقطع العلاقات وهذا بحد ذاته يمثل مؤشر مهم عن كيفية التعامل مع هذه الأطراف وإدارة المصالح المشتركة معها.

ماذا يعني تحرير تلعفر؟

رغم إختلاف المواقف بشأن أهمية معركة تلعفر إلا أن من أهم نتائجها هو إنتقال العراق في الحرب على تنظيم داعش من مكافحة الإرهاب إلى مكافحة التطرف العنيف. فحسم المعركة من الناحية العسكرية لن يكتمل من دون أن تبدأ إجراءات المكافحة على المستوى المدني وعلى مستوى العمليات، وهنا فإن التفكير سوف يتخذ ملامح جديدة وسوف يزيد من شدة الأعباء على القائد العام للقوات المسلحة، لأن إستراتيجية التنفيذ سوف تتطلب إستراتيجية مختصة في مكافحة التطرف تتبنى مستلزمات إدارة الموارد البشرية المستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية وإعادة نمذجة الجانب الإجتماعي بحدود جديدة.

وعليه فإن المحافظة على مكتسبات النصر بعد داعش تتطلب أن تكون هنالك مقدرة على ضبط النسق المدني وإحتواء تمدد التنظيمات المتطرفة. فالخطوات التي سوف تنشأ بعدها ستقود مظاهر التوازن القادم في المنطقة خصوصاً بعد البدء بالتنسيق العراقي - التركي المحتمل في هذا الشأن والتقارب العراقي من الخليج.

إذ يبدو أن الدبلوماسية العراقية قد بدأت بخطوات إيجابية في هذا المجال وقد أصبحت إدارة العراق للتوازنات الخارجية أفضل من الفترة السابقة، الأمر الذي يجعل خطوات العراق في البيئة الإقليمية أكثر إتزاناً وتأثيراً عن ماسبق.

إن تحرير تلعفر سيمكن العراق من البدء بتسوية الخلافات التي كانت قائمة مع بعض الأطراف خصوصاً تركيا وإقليم كُردستان، إذ قد تنتهي مع تركيا بسبب إنتفاء وجود المبرر لوجود قواتها إلا أنها قد تبدأ مع إقليم كُردستان المندفع بشكل كبير لإجراء إستفتاءه بشأن الإنفصال، وهذا قد يعمل على خلق أجواء سياسية جديدة يغطيها التنسيق بين الأطراف المعارضة لهذا الإستفتاء كالحالة مع تركيا وإيران. وعليه فإن أجواء التنسيق سوف تشهد تنوعاً في المصالح التي تجمع الأطراف التي كانت على تناقض فيما سبق.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2017Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق