الشعور بالإستلاب السياسي يتزايد في هذه المناطق بين الحين والآخر، الأمر الذي تتطلب معالجته أن تكون هنالك مقدرة على ضبط الحقوق والواجبات في هذه المناطق بين المواطنين وممثليهم في مجلس النواب من أجل منع تزايد الإستلاب السياسي فيها. وفي هذه الحالة فإن التمثيل على أساس...
منذ أن أعلنت قيادة العمليات المشتركة إنتهاء عملياتها المسلحة ضد تنظيم داعش الإرهابي والأبحاث الإستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص وفي غيرها من مناطق العالم، تحذر من إمكانية عودة النشاطات الإرهابية من جديد بفعل النقص الإستخباري الذي تعاني منه القوات المسلحة العراقية بشكل خاص وضعف التعاون الإستخباري في المنطقة بشكل عام، إذ من الصعب السيطرة على الخلايا النائمة من دون أن يكون هنالك نشاط إستخباري يشمل الرقعة الجغرافية للعراق وجواره الإقليمي الذي يعاني هو الآخر من نشاط الجماعات المسلحة.
وعلى الرغم من التوجه العام لهذه الدراسات بشأن تأكيد عودة نشاط العمليات الإرهابية إلا أن منطق بيئة العمليات يدلنا على مدى توافر عنصر إحتضان هذه الجماعات مرة أخرى في العراق على أقل تقدير. فجميع المعطيات السياسية والإقتصادية تدفع بإمكانية تجدد نشاط الخلايا النائمة وتحول نشاطها من الفعل العشوائي إلى الفعل المخطط ذو الصفة المركزية كما كان عليه الأداء عند سيطرة تنظيم داعش الإرهابي وتمدده في العراق.
من الناحية السياسية فإن أبناء المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون لا يشعرون بأن تمثيلهم البرلماني مكتمل في مجلس النواب أو تشكيل الحكومة، ورغم عدم اختلافهم كثيراً عن بقية أبناء المحافظات العراقية الأخرى، إلا أن الشعور بالإستلاب السياسي يتزايد في هذه المناطق بين الحين والآخر، الأمر الذي تتطلب معالجته أن تكون هنالك مقدرة على ضبط الحقوق والواجبات في هذه المناطق بين المواطنين وممثليهم في مجلس النواب من أجل منع تزايد الإستلاب السياسي فيها. وفي هذه الحالة فإن التمثيل على أساس الحقوق والواجبات هو الذي سيطمئن أبناء هذه المناطق خصوصاً إذا ما تلازم هذا العنصر مع الرضا والقبول.
ويمكن تحقق فرص القبول والرضا بالأداء السياسي المحلي والمركزي في هذه المناطق، فعمليات التأهيل والدمج الإجتماعي بحاجة إلى سياسات إقتصادية تعظم فرص المواطنين بالعيش وهذا مايمكن تعزيزه بفرص الرغبة الشعبية للحفاظ على ممتلكاتهم وعدم النزوح مرة أخرى بسبب أفعال التنظيمات الإرهابية.
أما من الناحية الاقتصادية، يبدو الوضع أكثر تأزماً لأن أبناء هذه المناطق يعانون من عدة أزمات منها ماتتعلق بتأهيل البنى التحتية والطرق وأخرى ترتبط بالمستلزمات الأساسية للحياة كبيوت المواطنين والمياه وعناصر العمل الأخرى.
وكل هذه الأزمات سوف تعمل إن لم تتم معالجتها على زيادة الفجوة بين المواطنين والسلطات سواء كانت المحلية أو الإتحادية. ومع ذلك هنالك تراجع في طريقة التعامل الإداري والبيروقراطي مع المواطنين العائدين إلى محل سكنهم، فالإجراءات الأمنية المشددة قد لا تحقق فرص الإستقرار إن لم ترتبط بعنصر القبول، وكذلك فإن سوق العمل لا يمكن تأهيله من جديد إن لم يكن هنالك عوامل تشجيع من قبل الحكومة المحلية أو الإتحادية في هذا الشأن كالمساهمة في دعم القطاع الخاص وتمويل المشاريع الصغيرة التي تعزز من فرص إستقرار الشباب الطموح.
إن مشكلة هذه المناطق لا ترتبط فقط بالمقدرة على التأهيل، إنما بإمكانية توظيف نقاط الإختراق لخلق خلايا نائمة جديدة تهدد مواطنيها، وهذا ما يزيد من احتمالات تبدل حالة الإنتصار التي أوجدتها الحرب على تنظيم داعش إلى مواجهة جديدة، خصوصاً إن العراق لم يستطع توظيف الدعم الدولي من أجل حماية هذا الإنتصار. فالجهود الدولية التي تقدم إلى العراق لحماية الإنتصارات التي تحققت بحاجة إلى شراكة جديدة وتوزيع جديد أيضاً، إذ أن الدعم يجب أن ينتقل لخلق فرص جديدة ذات طابع إستثماري يعمل على دعم الركن المدني في حياة هذه المحافظات، خصوصاً المناطق التي كانت محاصرة من قبل تنظيم داعش الإرهابي كحديثة على سبيل المثال.
ورغم ذلك، فإن الغريب في الحالة العراقية هو طبيعة نمطية الحكم، فالمؤسسة العسكرية العاملة بنشاط لحماية الإنتصار لا يتكافأ أداءها مع المؤسسة السياسية المشغولة اليوم بإدارة مرحلة مابعد الانتخابات، وهذه الفجوة الناشئة قد تفقد قيمة الإنتصار العسكري بسبب الإنشغال مما يوفر فرصة المناورة من قبل التنظيمات المسلحة مرة أخرى لزعزعة الأمن في المناطق المحررة التي مازالت تتعرض إلى هجمات بين الحين والآخر.
إن الحرب المؤجلة في العراق من قبل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة هي ذات طابع تكتيكي رغم أن التعامل معها بحاجة إلى إستراتيجية شاملة، فأداء التنظيمات الإرهابية يتصاعد ويتراجع بسبب ضعف العنصر الإستخباري المكتفي بالحصول على المعلومة دون تعظيم إجراءها بالتنسيق العملياتي الذي يعد العنصر الأهم في هذه الحرب. ثم أن نشاط الخلايا النائمة يرتبط بشكل مباشر بطبيعة الموارد البشرية التي توفرها البيئة الحاضنة، فكلما تراجع أداء الحكومة تجاه المواطنين زادت فرص المواجهة والعكس صحيح.
وعليه فإن أمام العراق فرصة لحماية الإنتصار الذي حققه من خلال إعادة العلاقة مع المناطق المحررة بواسطة التأهيل الإقتصادي والسياسي والذي سيعمل على توفير بيئة مواتية قادرة على إضعاف تمدد الإرهابيين وحصر إنتشارهم.
اضف تعليق