وإذا كان التحدي الأمني قائماً على أساس الخطر الموجود فعلاً بسبب سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، فالحكومة التي ستتشكل في ضوء نتائج إنتخابات ٢٠١٨ لن يكون أمامها خيارات كثيرة للنجاح غير العمل على موضوع الخدمات، فالتحديات الأمنية بدأت تتراجع وجميع مناطق العراق بحاجة إلى جهود إستثنائية...
قد لا يبدو من السهل أن يتعامل رئيس الحكومة القادمة في العراق بنفس صيغة التكاليف التي سادت السنوات السابقة، فالتعهد السياسي لم يعد كافياً لإستمراره من دون أن تكون هنالك مواقف وسياسات قادرة على تحقيق التوازن بين طموحات الجماهير والكتل السياسية التي ستمنحه الثقة لرئاسة الحكومة. فرئيس الحكومة في المرحلة القادمة سيخضع للإعتبارات السياسية من جهة والمطالب الشعبية المتأججة من جهة أخرى.
ومن ناحية أخرى، لم يعد من الممكن ترحيل الأزمة كما حدث عند تشكيل حكومة الدكتور العبادي، فالشعب لم يدخر جهده حينما تعرضت العملية السياسية لخطر تنظيم داعش الإرهابي وعلى الحكومة إعادة النظر بتقييم خدماتها للمواطنين من جديد. فضلاً عن ذلك فقد كان في خطاب وكيل المرجعية الدينية في كربلاء المقدسة ما يمكن تسميته بالتحذير للسياسيين من عدم الإستهانة بما يجري في محافظات الجنوب والفرات الأوسط، وعلى الحكومة القادمة تنفيذ ما يمكن بشكل سريع.
وإذا كان التحدي الأمني قائماً على أساس الخطر الموجود فعلاً بسبب سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، فالحكومة التي ستتشكل في ضوء نتائج إنتخابات ٢٠١٨ لن يكون أمامها خيارات كثيرة للنجاح غير العمل على موضوع الخدمات، فالتحديات الأمنية بدأت تتراجع وجميع مناطق العراق بحاجة إلى جهود إستثنائية من أجل رفع مستوى الخدمات المقدمة إلى المواطنين.
من الناحية الإقتصادية، الدولة ومن خلال موازنتها لعام ٢٠١٨ فرضت رسوماً عالية على الخدمات لكن في المقابل هي متعثرة، فخدمات البلدية أصبحت مرتفعة للغاية وإزدادت الرسوم حتى على الطرق المستخدمة للسيارات التي أصبح المواطن مضطر لدفعها لإنجاز أي معاملة يقوم بها. وأمام كل هذه المبالغ على الدولة إعادة تقييم كيفية توظيف هذه الموارد المالية على شكل خدمات للمواطن من جديد حتى لا يتزايد الشعور بالإستلاب الإجتماعي لديه.
وإذا ما أردنا مناقشة الأمر بحكمة، فإن الموارد الذاتية التي تجبى لصالح الدولة كفيلة بإعادة إنتاج الخدمات وتطويرها من جديد خصوصاً في مجالات الطرق والجسور والمياه وتأهيل الشوارع وتطوير قطاع الكهرباء. إذ أن الحكومة تمتلك من الرسوم والجباية ما يفي بمتطلبات البنى الأساسية والتحتية أيضاً إن تم اعتماد نظام تنفيذ للمشاريع قائم على الميزة التنافسية بعيداً عن الوسطاء والموردين إلى جانب الكوادر الفنية التي تمتلكها الدولة من المهندسين والمصممين الذين ينافسون كبرى الشركات في مجالات تنفيذ المشاريع الهندسية والعمرانية.
أما مشكلة القطاع الكهربائي فإن أنجح الخيارات في تذليل عقباته هي الإنتاج والتوزيع الذاتي لكل محافظة، فالموارد التي ستمتلكها الحكومة والميزانيات المخصصة للمحافظات قادرة على بناء العشرات من المحطات الضخمة، فبدلاً من التوزيع المركزي السلبي الذي فشل في ضمان التطوير لسنوات جاء الوقت ليكون الإعتماد على التوزيع المتعدد المحلي، الأمر الذي يتطلب إعادة هيكلة جديدة لعملية الإنتاج والتوزيع مع الإستفادة من مصادر الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية والسدود.
وبعيداً عن الإجراءات القسرية فإن الحكومة لن تتدخل في ملف الطاقة الكهربائية إلا بعد أن تكتشف سوء الإدارة فيها فضلاً عن أنه يمكن الإستعانة بالعروض الميسرة من الشركات العالمية في هذا المجال كما فعلت مصر مع شركة سيمنز. أو عروض الشركات الصينية في الإستفادة من الطاقة الشمسية.
إن تحدي الخدمات للحكومة القادمة هو الذي سيقدر المدى الذي تستطيع فيه الحكومة الإستجابة لما يجري الآن في العراق غير أن الوعود هذه المرة قد لا تكون كافية والمسؤولية قد تبدو أكبر وما من طريق إلا المكاشفة والعمل بالعلن بعيداً عن تكتيكات الغرف المغلقة، ومهما تكن الإدارة سهلة اليوم فإن إقناع المواطنين هو الأصعب في قبول هذه الحكومة. فضرورة ترشيح شخصيات مهنية وفنية مختصة التي ستثبت إلى حد كبير مصداقية الحكومة الجديدة في تنفيذ المطالب التي ينادي بها أبناء المحافظات في الفرات الأوسط والجنوب.
وعلى الرغم من المسؤولية التنفيذية بموجب الدستور العراقي الدائم لرئيس الوزراء إلا أن ذلك لا يلغي المسؤولية البرلمانية لمجلس النواب الذي يمثل مصدر الثقة بالنسبة للحكومة، فالعمل الرقابي الذي يجب أن يضطلع به مجلس النواب سوف يزيد من الأداء الإيجابي للحكومة، إلى جانب المحاسبة والتي ينبغي أن لا تكون تحت ضغط التجاذب السياسي كما كان الوضع عليه في مجلس النواب المنتهية دورته.
وعليه، فإن الحكومة ستكون أمام توازنات صفرية حقيقية، إذ أن خسارة الكتل السياسية وتجاذبتها يعني الميل بإتجاه المطالب الشعبية والعكس صحيح، ومن ثم فإن طريقة التوافق بين طرفي التوازن تبدو ضرورية في المرحلة الأولى من تشكيل الحكومة لغاية إستقرارها مع عدم تجاهل أن الإستمرار بهذا التوافق قد يؤدي إلى فشلها بنظر الشعب. الأمر الذي يتطلب منها تهيأة بيئة الإستقرار للمرحلة القادمة من خلال العمل على نظام إنتخابي جديد لا يضمن فوز الزعامات بقدر ضمانه لفوز الموالين لناخبيهم، مما يضمن تأمين مستوى نسبي من الرضا والقبول في الوسط الشعبي.
اضف تعليق