q

لا جديد في حروفنا أو كلماتنا حين نقول أن ما يصنع الأمم العظيمة هو ذلك الهاجس الذي يرافقها مثل ظلها، ذلك الهاجس الذي يجعلها تندفع في دروب التغيير بلا تهيّب أو تردد أو شعور بالدونية والعجز، وبما إن الجميع يعرف جيداً إن الكسل وباء ضد النجاح والتطور، لماذا يكسل أو يتكاسل إذاً؟ ويمكن أن نطرح السؤال نفسه بصياغة لغوية أخرى، بما إن العمر يتغير والعقل ينضج يوماً بعد يوم، والفكر يتضح أكثر فأكثر، من المؤكد أننا جميعا ندرك أهمية التغيير ولكن لماذا لا يتغير إلا القليل منا؟.. قال سقراط: لكي نحرك العالم يجب أن نحرك أنفسنا أولاً ولكن في البداية يجب أَن نعرف مفهوم التغيير بحسب المختصين: فالتغيير "هو مفهوم مشتق من الفعل الثلاثي (غيّرَ) بمعنى بدَّلَ الشيء، أو انتقل من حال إلى آخر" ويُعرف أيضاً بأنه عملية تنتج عنها مجموعة من الأشياء، أو الأحداث الجديدة، والتي تستقر بمكان أشياء قديمة. ومن تعريفاته الأخرى: التغيير هو الاستجابة لمجموعة من العوامل المؤثرة على شيء ما، وتؤدّي إلى تغييره من حالته الراهنة إلى حالة أكثر تقدماً، وتطوراً."

دوافع محفزة على التغيير

وبما إن الكون في تغيير مستمر وجميع الأشياء حولنا لا تُستثنى من هذه القاعدة، لماذا نحن نتشبث بعاداتنا السيئة بعصبية أو أعمالنا غير الجيدة أو السلوكيات التي يستحسن أن تتغير إلى الأحسن؟. هناك دوافع تجعل الإنسان يبقى في المكان نفسه دون أية حركة أو أية خطوة نحو الأمام، ويجعله ذلك في حالة خمول ولا يجد دافعاً كي يناضل من أجل التغيير، ومن أهم هذه الدوافع:

أولا التعصب والغرور: فعندما يشعر المرء بأنه يعرف كل شيء ويشعر بعدم احتياجه إلى العلم والمعرفة، يرى نفسه فوق الجميع ويحسب نفسه متكاملاً، وكلما ازداد الغرور نقصت المعرفة، وربما يتحول الغرور إلى جريمة تقضي على المرء، فمن يشعر بأنه يعرف كل شيء لا يمكنه أن يتعلم. كذاك الرجل الذي اراد أن يطور ذاته ويحسِّن مستقبله، وكان يسأل عن هذا الأمر كثيراً، وفي أحد الأيام أخبروه أنه يوجد في مكان بعيد حكيم له خبرات وتجارب في الحياة يستطيع أن يفيده في تطوير ذاته، فذهب إليه بعد أن قطع مسافات طويلة وعندما وصل الرجل لبيت الحكيم طرق الباب فخرج الخادم وفتح الباب، فقال له الرجل انه أتى من مكان بعيد ليلتقي مع الحكيم، فأدخله لغرفة الجلوس ودخل لنداء الحكيم، تأخر الحكيم على الرجل ثلاث ساعات، وبعدها خرج له ورحب به، أخذ الرجل في يذكر قصته للحكيم بكل حماس وشرح له سبب مجيئه إليه، وفجأة قاطعه الحكيم وأمر الخادم بأن يحضر الشاي، استغرب الرجل من هذا التصرف لكنه أكمل حديثه بكل حماس، ‎وفي أثناء ذلك أعطى الحكيم الرجل قدحا فارغ فمسك الرجل القدح بيده وأكمل قصته، فأخذ الحكيم يصب الشاي من البراد في كأس الرجل حتى امتلأت الكأس تماماً وبدأ يفيض الشاي على الرجل، وهنا فقد الرجل أعصابه وقال له: لماذا تفعل ذلك معي، ولم تستمع لي بطريقة مناسبة وعندما أردت أن تصب الشاي لي لم تفعل ذلك بطريقة مناسبة؟.

فأجاب الحكيم: كنت أريد أن أقول لك أن الكأس إذا كانت ممتلئة مهما وضعت بها أشياء مفيدة ومناسبة فإنها سوف تفيض وتسكب خارج الكأس، وكذلك النفس البشرية، فإذا أتيت إلي هنا وأنت مليء بالأفكار والعقلية القديمة فمهما قلت لك من أمور مفيدة ومعلومات جيدة فلن يتغير شيء في حياتك .

ثانيا الخوف من الفشل: حيث يجعل الانسان باقيا في فراشه ويحلم فقط دون النهوض من الفراش والخوض في معترك التغيير، غهناك كثير من الناس يترك التغيير كي لا يسمع كلمة فاشل من هنا وهناك، وربما من أهم أسباب عدم التغيير يكون الخوف من الفشل لذلك يقيد المرء نفسه بأفكار تافهة وسلبية ويجعل نفسه معوقاً طوال الحياة علما أن كسر حاجز الخوف لا يعني التهور غير المحسوب ولا التمرد بل الحركة نحو الهدف.

ثالثا عدم الإمكانات: هنالك حجج واهية نسمعها بكثرة في كل مكان وكأنه ملصق تأييد على كسل الكثير منا، فهناك عقول مريضة يعطي لكسله اهتماما كبيرا ويغطي على مرضه بأروع صور كي يخرج من المعركة سالماً ولكن ربما في العصور الماضية كانت هذه الحجج الواهية مقبولة ولكن الآن بات الأمر مضحكاً للغاية بينما نرى أكبر المعطيات في العلم والعالم نشأت من لا شيء أو من شبه العدم، وأصبحنا نشاهد شخصا بلا أقدام يصبح هو الأول في مسابقة الركض أو تلك الفتاة التي فقدت يدينها لكنها ترسم أحلى الرسومات بواسطة فمها وذلك الذي لا يسمع يكتب أجمل الألحان.

الحاجة الى الفكر السويّ

إذاً التغيير لا يحتاج إلى إمكانات عجيبة وغريبة بل يحتاج إلى فكر سوي كي يعرف مدى احتياجه إلى التغيير حتى يتقدم نحو الأحسن، نحن مرغمون أحيانا بأن ندوس على أنفسنا كي نتغير لأن التغيير سمة من سمات الحياة والعاقل وحده يدرك إن المقابر وحدها لا تتغير.

لذا نحن لو نريد التكيف مع واقعنا والنهوض من بين الخراب، علينا أن نطلق العنان لتفكيرنا ونبدأ بأنفسنا دائما بالتغيير نحو الأجمل والأصحّ: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)*1

والذي يريد فعلا أن يتغير عليه أن يبدأ من جديد ويتخلص من ذكرياته القديمة، وعليه أن يصفي نفسه من كل الأفكار المريضة والتقاليد البالية وبعض العادات السيئة المتأصلة في الذات، كما قال أمير الكلام الامام علي عليه السلام: "ايها الناس تولوا من أنفسكم تأديبها واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها".

ويبدي الصدق فيما يقوله ويبدأ من جديد، إذاً أضف لمسة جديدة لحياتك كي ترى الإبداع، ولا تلم المجتمع بل أنظر إلى نفسك بتمعن غير نفسك لتنعم بمجتمع جديد لا غش فيه ولا مأساة أترك مأساة المجتمع على جانب وتمسك بالإنسانية والصفات الحميدة لترى كيف باستطاعة قطرة أن تروي عطش الجهل والخراب رويداً رويد اًو تقضي على الجفاف، تتجمع القطرات لتصبح سيلاً تقضي على النفايات المبعثرة هنا وهناك كي تنمو بعدها ورود حب وأمان في كل مكان، يقول الشاعر:

قَدِّرْ لرجْلِكَ قبْل الخطْوِ موْضعَها

فمنْ علا زلَقًا عــــــــــــــــنْ غِرَّةٍ زلَجَا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:
1- سورة الرعد. الآية11.

اضف تعليق