رغم تغير بعض المعادلات السياسية في العقد الأخير، لكن يبقى المتحكم في المشهد السياسي وربما الانتخابي على وجه التحديد هي الكتل والأحزاب التقليدية، مع العمل على حجب او تقليل نفوذ القوى الصاعدة الناشئة بعد الحركات الاحتجاجية، عام 2019...
أعلنت قوى الإطار التنسيقي دخول الانتخابات المقبلة بقوائم منفردة وبعد معرفة الاوزان الانتخابية إمكانية العودة الى التحالفات التقليدية، وكذلك القوى السنية تحذوا نفس الحذو، وقد تكون الكردية كذلك، وفي ذلك مؤشر يؤكد ان الانتخابات أصبحت ممارسة شعبية أكثر ما هي وسيلة او أداة للتغيير السياسي.
سؤال فطري ... لماذا ننتخب؟
ولماذا تُصرف ملايين الدولارات على عملية هي بالأساس معلومة النتائج؟
في إجراء الانتخابات تمارس القوى السياسية عملية إقناع محلي ودولي، اذ تريد ان تقول، ان انتقال السلطة في البلد يجري بشكل سلمي عبر منفذ التغيير الديمقراطي من خلال صناديق الاقتراع، وفي الحقيقية التي تحدث خلف الكواليس، ان الانتخابات مجرد موعد إعلان رسمي لانتهاء فترة قانونية والدخول بأخرى.
وفي الفترة الجديدة تمارس الكتل السياسية عملها السياسي بنفس الوتيرة وتختفي جميع الشعارات الرنانة التي حملتها في دعايتها الانتخابية، ولنا في الدورات السابقة خير ادلة على قولنا هذا، فمنذ الآن بدأ الدم السياسي يغلي والتحالفات السياسية اخذت تتبلور لتظهر الى العلن في الأيام القليلة القادمة.
رغم تغير بعض المعادلات السياسية في العقد الأخير، لكن يبقى المتحكم في المشهد السياسي وربما الانتخابي على وجه التحديد هي الكتل والأحزاب التقليدية، مع العمل على حجب او تقليل نفوذ القوى الصاعدة الناشئة بعد الحركات الاحتجاجية، عام 2019.
لذلك ينحسر دور الانتخابات ويضيق تأثيرها في عملية التأثير التي يتوقع ان تحصل بعد العملية الانتخابية، فلا يزال زعيم الحزب هو الشخص الذي يرسم سياسية التحالف، وتبنى التوافقات على أساس رؤيته وحده بعيدا عن الآراء الشابة او الدماء الجديدة التي استقطبها التحالف في السنوات الأخيرة.
ولا يختلف الامر بالنسبة للأغلب الكتل الأخرى في الإطار التنسيقي والتحالف السني والكردي، فالشخصيات المؤثرة والمقررة على مدار السنوات الماضية، هي نفسها تمسك بخيوط اللعبة السياسية وتحرك شخصياتها كيفما تجده مناسب لمرحلة من المراحل.
وفق هذه النتائج يمكن للمراقبين للعملية السياسية وإجراء الانتخابات ان يلمسوا سوء النية الحزبية وإخراج الممارسة الديمقراطية من مضمونها الواسع الذي يشير الى ان البلد يسير الى جانب البلدان التي شهدت تحولا سياسيا وابتعدت كثيرا عن النظام الشمولي الذي احكم قبضته على مقالد الحكم أكثر من ثلاثة عقود.
لكي تصبح الانتخابات ممارسة ديمقراطية فعلية لابد ان تتحلى بجملة من المميزات، أولها العودة الى القانون الانتخابي السابق الذي سمح للمرشحين الشباب والمستقلين من الوصول الى قبة البرلمان وتمثيل شريحة واسعة من الرافضين لسلوكيات الأحزاب القديمة.
ومن المميزات الأخرى عدم السماح لبعض الشخصيات التي خاضت التجربة الانتخابية وحظيت بالفوز وتسنم المناصب او غيرها من المهام داخل البرلمان، لها بالترشيح مجدداـ لسبب رئيس وهو ان مثل هذه الشخصيات ونتيجة لتغلغلها في السلطة وهيمنتها على المال العام استطاعت ان تقوي نفوذها.
بالإضافة الى خلق أصدقاء وإيجاد شبكة من الأنصار او المؤيدين في جميع مؤسسات الدولة، اذ من السهل تكوين هذا الكم الكبير من العلاقات الخارجية طالما هنالك وفرة مالية وتحكم مباشر في مفاصل الدولة.
كل هذه الامتيازات افضت الى نتيجة واحدة وهي ان الانتخابات البرلمانية تحولت من فسحة امل للتغيير الى ممارسة استعراضية من قبل الأحزاب المهيمنة على السلطة، فمن خلال هذه الممارسة يمكن للقوى السياسية ان تستعرض قوتها الداخلية وتُخبر الآخرين بنفوذها الجماهيري.
الأحزاب الكبيرة في العراق سحبت البساط من تحت اقدام العملية الانتخابية، وبهذه الكيفية لا يمكن لأبناء الشعب من الناخبين ان يكونوا مساهمين فعليين في تحسين الوضع السياسي القائم.
اضف تعليق