من يستهين بمكانة الناخب اليوم، سيستهين بمطالبه غداً، ومن يستخدم منصات التواصل للتهريج، لن يعرف كيف يدير مؤسسات الدولة أو يتعامل مع الأزمات، وعلى الناخب أن يتوقف لحظة، ويسأل نفسه، هل هذا المرشح جدير بتمثيلي؟ وهل أريده أن يقرر عني في البرلمان أو الحكومة؟...
في زمن تتزايد فيه التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة والعراق على وجه الخصوص، ونحن على أبواب انتخابات برلمانية مع ازدياد حاجة الناس الى مرشحين يكونوا على قدر المسؤولية، يمثلون مشروعات لقيادات سياسية واجتماعية قادرة على إدارة مرافق العملية السياسية.
في ظاهرة ربما انتشرت في الانتخابات الحالية أكثر من سابقاها، وهي ظهور شخصيات مرشحة لخوض الانتخابات المقبلة، على منصات التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تتصرف بما لا يليق بها كشخصيات سياسية في المستقبل القريب، ومن هذه التصرفات هجوم الشخص المرشح على صاحب مولدة غير ملزم بساعات التشغيل بطريقة استعراضية واضحة.
وكذلك انشار مقاطع غير مناسبة للذوق العام، او تتسم بكونها خطابات شعبوية، مليئة بالتهريج وعدم الانضباط في تقديم البرنامج الانتخابي، هذا في حال وجود برنامج او رؤية من الأساس، فاغلب المرشحين لا يجيدون سوى ارتداء الملابس الفاخرة.
فهل هل تصلح هذه الشخصيات لقيادة مجتمع؟
استخدام هذه الطريقة الفضفاضة في الترويج الدعائي الانتخابي، يراد منها استقطاب الجمهور الانتخابي بصورة عبثية، وكأن العمل في المجال السياسي لا يحتاج الى الوعي والمسؤولية الاجتماعية تجاه الناخبين الذين سيضعون ثقتهم في هذا المرشح وتلك المرشحة.
وقد يتساءل المواطن البسيط، بعد مشاهدة هذه الفعاليات: كيف يمكن لمثل هذه الشخصيات أن تقود مجتمعاً؟ وهل من المنطقي أن نمنح ثقتنا لمن يستهين بعقول الناس، ويحول مواقع التواصل إلى ساحة للضحك على حساب القيم والمبادئ السياسية؟
لا يمكن إنكار أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحملات الانتخابية، ولكن في الوقت نفسه ما يثير القلق أن بعض المرشحين يتعاملون مع هذه المنصات بوصفها مساحة للنجومية الشخصية، وليس للتواصل الحقيقي مع المواطن أو طرح الرؤى، فتراهم يركزون على كل صرف او تصريح او حركة ما من شأنها جلب المشاهدات بدلاً من البرامج الانتخابية، فضلا عن التركيز على كل ما يثير الجدل لا الأمور التي تسهم في حل الأزمات وعدم تفاقمها.
في أحد الفيديوهات التي انتشرت مؤخراً، ظهر مرشح يرقص في تجمع انتخابي على أنغام أغنية شعبية، بينما يحمل لافتة تعد بتحسين الاقتصاد! في مشهد يعكس انفصالاً كاملاً عن الواقع، وسخرية من معاناة الناس الحقيقية.
وفي فيديو آخر، يهاجم أحد المرشحين خصومه بألفاظ نابية، ثم يطالب باحترام نتائج الانتخابات، كيف ننتظر من هذا النموذج أن يحترم القانون أو يمارس العمل النيابي بروح الدولة؟
لكن وفق هذه الطريقة غير المتزنة يكون المرشح قد كتب على نفسه الفشل المبكر، ذلك ان كثيرا من النخب والجمهور الانتخابي يركز على المرشح من حيث طريقة التفكير والطرح، لا سيما وان الشخص المرشح ليس مجرد رقم سيكون في البرلمان فحسب، بل هو مشروع قيادة.
ومن يفشل في تقديم نفسه بطريقة متزنة، كيف يمكن الوثوق بقراراته مستقبلاً؟ فالخطاب السياسي، سواء في البرلمان أو في الإدارات العامة، يجب أن يُبنى على العقلانية والحكمة، لا على الانفعالات والمواقف الاستعراضية.
وهنا على الناخب أيضا ان يتحمل جزءاً من المسؤولية، وعليه الا ينساق وراء هذه المظاهر الهزلية ويمنح صوته دون تدقيق أو مساءلة، فالديمقراطية لا تعني فقط حرية الترشح، بل تعني أيضاً مسؤولية الاختيار. وإذا لم يميز المواطن بين الجد والهزل، فإننا نكرس نمطاً سياسياً هشاً، تتحكم فيه الانفعالات بدلاً من البرامج، والشعارات بدلاً من الإنجازات.
من يستهين بمكانة الناخب اليوم، سيستهين بمطالبه غداً، ومن يستخدم منصات التواصل للتهريج، لن يعرف كيف يدير مؤسسات الدولة أو يتعامل مع الأزمات، وعلى الناخب أن يتوقف لحظة، ويسأل نفسه، هل هذا المرشح جدير بتمثيلي؟ وهل أريده أن يقرر عني في البرلمان أو الحكومة؟
اضف تعليق