كلَّ تجربة، مهما بدت بسيطة أو مألوفة، يمكن أن تتحوّل إلى فرصة ذهبية حين تُخضع لمنهج التفكير خارج النص. فالعباقرة لا يملكون عقولًا خارقة؛ بل يمتلكون الجرأة على رؤية المألوف من زاوية غير مألوفة، وعلى تحويل الفكرة الساكنة إلى مشروعٍ نابض بالتجديد. وختامًا، لنجعل من عقولنا ساحات للتأليف...
يشهد العالم المعاصر تحوّلات متسارعة وتغيُّرات متلاحقة شملت مختلف مناحي الحياة، ما أفرز صعوبات غير تقليديَّة تتطلَّب مهارات عقليَّة متقدِّمة تتجاوز النمطيَّة والتَّفكير التَّقليدي. وفي خضم هذا السِّياق، برز التَّفكير الإبداعي وتوليد الأفكار بوصفه عنصرًا حيويًّا في مسيرة التَّقدُّم والتَّميُّز، ليس على المستوى الفردي فحسب؛ بل على مستوى المؤسسات والمجتمعات كذلك؛ فقد أصبح امتلاك القدرة على إنتاج أفكار جديدة، وربط الأفكار القائمة بطرق مبتكرة من ضروريات التكيُّف والرِّيادة في عصر المعرفة والابتكار.
ولا يُعدُّ الإبداع مجرَّد موهبة فطريَّة تُمنح للبعض من دون غيرهم، وإنَّما هو مهارة يمكن صقلها وتطويرها من خلال المعرفة والممارسة والتَّدريب المنهجي. كما أنَّ عمليَّة تأليف الأفكار، بما تحمله من تعقيد وتركيب، تمثِّل جوهر التَّفكير الإبداعي؛ إذ تعتمد على تكامل الخبرات والمعارف المتنوعة في صيغ فكريَّة مبتكرة تتسم بالأصالة والملاءمة.
ونقصدُ بتأليف الأفكار: توليد أفكار جديدة وربطِها ببعضِها البعض بطرق مبتكرة وغير مألوفة؛ فهي عمليَّة إبداعيَّة تتطلَّب القدرة على تجاوز التَّفكير التَّقليدي، والبحث عن حلول غير اعتياديَّة للمشكلات التي قد تبدو معقدة أو مستعصيَّة. ولا يقتصر تأليف الأفكار على إيجاد حلول جديدة؛ وإنَّما يشمل أيضًا دمج المفاهيم المختلفة من مجالات متعدِّدة لإيجاد مداخل غير تقليديَّة للمشاكل؛ وهذه العمليَّة تفتح أمام الإنسان آفاقًا واسعة لتطوير أساليب مبتكرة تلبي احتياجات العصر وتواكب تغيُّراته المتسارعة.
ولأضرب مثالًا على تأليف الأفكار، أو الاستفادة من أفكار أخرى:
الرِّزقُ والغِنى وكسبُ المالِ يحتاج إلى العملِ وبذلِ الجهدِ والتَّعبِ؛ ولكن القرآن الكريم وروايات المعصومين (عليهم السلام) تعطينا عدَّة أفكار لها علاقة بالرِّزق؛ لكنَّها غير مباشرة، ومثالُ ذلكَ؛ قوله (تعالى): (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (1)؛ فالآية القرآنية تبيِّن أنَّ الزَّواجَ من طرق الرِّزق والغنى.
وقال الرَّسولُ الأعظمُ محمّدٌ (صلَّى الله عليه وآله): "إلتمسوا الرِّزقَ بالنِّكاحِ"(2). وقال (صلَّى الله عليه وآله): "تزوَّجوا النِّساءَ، فإنَّهن يأتينَ بالمالِ"(3).
فنلاحظ أنَّ المعصوم (عليه السلام) يعطى فكرة من خارج أفكارِنا، ويؤلِّفُ فكرةً جديدةً نحن لم نعتدْ عليها وأعطاها لنا؛
ففي قضية الشَّخص الفقير الذي نقول له: تزوَّج، هو ينظر بعدم وجود دافع ومحفِّز لجمعِ الأموالِ من الزَّواج، وعلى العكس من ذلك سوف تكون هناك مؤونة على الرَّجلِ؛ لكن هذا الإنسان يجهل أنَّ الله (تبارك وتعالى) قادر على فتح أبوابٍ من الرزق على يد تلك المرأة.
وإذا أردنا أن نعرفَ سرَّ العباقرة والمفكرينَ ستجدهم يؤلفونَ بين الأفكار، وعادةً ما تكون تلك الأفكار مختلفة، ولا يوجد بينها علاقة بمنظورنا الذي اعتدنا عليه؛ ولأهميَّة الموضوع سوف نبحثه على شكل محاور:
المحور الأوَّل: طرق تطوير مهارة تأليف الأفكار
تتنوَّعُ الطرقُ والاستراتيجياتُ التي تسهمُ في تنمية هذه المهارة وتطويرها بفعَّالية، وأهمُّ هذه الطُّرق:
1. مراجعة الأفكار: كلُّ فكرة قد قدَّسناها في الماضي لابدَّ من عرضها على القرآن الكريم وروايات المعصومين (عليهم السلام)؛ فإذا كانت متوافقة معهما، نتمسَّك بها، وأمَّا إذا لم نجد توافقًا، فعلينا تركها والتَّخلي عنها. وبمعنى آخر: إذا كانت بعض الأفكار التي تكوَّنت سابقًا خاطئة أو محدودة، فمن الأفضل إعادة تقييمها أو البحث عن طرق جديدة لتجاوزها؛ وهذا هو جوهر "التَّفكير خارج الصُّندوق"؛ أي التَّفكير بطرق غير تقليديَّة والنَّظر إلى الأمور من زوايا جديدة من دون التَّوقف عند الأفكار القديمة التي قد تعيق التَّقدُّم.
2. القراءة والاطلاع: قراءةُ الكتبِ والمقالات، والاطِّلاع على مختلفِ المجالات هي من الوسائل المهمَّة التي تسهم في توسيع مداركنا وتعميق فهمنا للعالم من حولنا؛ فعندما نغمر أنفسنا في عالم الكتب نكتسب معارف متنوعة من تجارب الآخرين وأفكارهم، ممَّا يُحفِّز عقولنا على التَّفكير النَّقدي والإبداعي؛ فالانفتاح على مجالات مختلفة، سواء كانت علميَّة أو أدبيَّة أو ثقافيَّة، يمكن أن يُثري آفاقنا الفكريَّة ويوفر لنا الأفكار الجديدة التي تُساعد في حلِّ المشكلات وتطوير الذَّات.
3. التَّفكير الحر: تخصيص وقت يومي للتفكير الحر من الخطوات الضروريَّة التي يمكن أن يتَّخذها الإنسان لتنمية إبداعه وتوسيع آفاقه الفكريَّة، وحينما تسمح لنفسك بالتجول بأفكارك بحرية من دون قيود أو حواجز عقليَّة، فإنَّك تفتح أمام عقلك مساحات واسعة من الإبداع والتَّأمُّل. وهذه اللحظات من التَّفكير غير المحدود تسمح لك بمراجعة تجاربك، وتوليد أفكار جديدة. كما أنَّها تتيح لك استكشاف أبعاد جديدة للأشياء التي قد تكون غفلت عنها في برنامجك اليومي.
4. العصف الذِّهني: عقد جلسات عصف ذهني مع فريق العمل أو الأصدقاء هو وسيلة فعَّالة لتحفيز الإبداع الجماعي وتوليد أفكار جديدة ومبتكرة؛ وفي هذه الجلسات، يتمُّ طرح الأفكار بحرية من دون تقييم أو انتقاد، ممَّا يسمح لكلِّ فرد بالمشاركة من دون خوف من الحكم عليه. وهذه البيئة الآمنة والمفتوحة تشجِّع الجميع على التَّفكير بشكل غير تقليدي والابتكار خارج الحدود التي تضعها المعايير التَّقليديَّة.
5. استخدام أدوات الإبداع: مثل الخرائط الذهنيَّة، والجداول، والرُسومات البيانيَّة أسلوب فعَّال لتنظيم الأفكار وتحفيز التَّفكير المنظم؛ فالخرائط الذِّهنية أداة قوية تساعد في ربط الأفكار ببعضها البعض بشكل بصري، ممَّا يسهل عليك فهم العلاقات بين المفاهيم المختلفة وتوليد أفكار جديدة. وأمَّا الجداول فتساعد في ترتيب المعلومات بشكل منظم وواضح، وهذا بدوره يساعد على تحديد الأولويات والتَّركيز على النقاط الأساسيَّة من جهة. ومن جهة أخرى، تتيح لك الرُّسومات البيانيَّة تمثيل البيانات بشكل مرئي، ممَّا يسهل فهمها واستخدامها في اتِّخاذ القرارات.
6. الاستفادة من تجارب الآخرين: تعلَّم من تجارب الآخرينَ النَّاجحينَ، واستلهمْ من أفكارِهم؛ فإنَّ استشارة الآخرينَ سوف تمكِّنك من الحصولِ على أفكار جديدة، وبعد ذلكَ ستمازج بينَ الأفكارِ التي تمتلكُها سابقًا والأفكار الجديدة؛ لذلكَ إذا لم تستطعْ أن تنتجَ الأفكارَ استوردْها من الآخرينَ.
7. تطوير مهارات الاستماع: الاستماع الفعَّال مهارة أساسيَّة ترفع نسبة فهم وجهات نظر الآخرين وتعمق التَّواصل بين الأفراد. وعندما نولي الاستماع كامل تركيزنا من دون مقاطعة، نُظهر احترامنا لآراء الآخرين، ما يسهم في تبادل الأفكار والمفاهيم بشكل أكثر انفتاحًا. وهذا النوع من الاستماع يتجاوز مجرَّد سماع الكلمات ليشمل فهم المشاعر والتَّوجهات التي تكمن وراء كلِّ رأي. يضاف إلى ذلك توسيع آفاقنا واكتساب رؤى جديدة قد تغيب عنَّا أو نكون غير مدركين لها.
8. الصَّبر والمواصلة: الإبداع في التَّفكير يشبه عمل الغوَّاص الذي يغوص في أعماقِ البحر بحثًا عن اللؤلؤ؛ وعلى الرَّغم من أنَّه قد يجمع الكثيرَ من المحَّار، إلَّا أنَّه قد لا يجد اللؤلؤ إلَّا في واحدةٍ منها.
المحور الثَّاني: طرق دمج الأفكار
دمجُ الأفكار من المهارات الفكريَّة التي تساند الإبداعَ، وتتنوعُ الطرقُ المستخدمةُ لتحقيق هذا الدمج بما يدفع إلى توليد رؤى مبتكرة وحلول متكاملة، ومنها:
1. الجمع (دمج فكرتين أو أكثر لإنشاء فكرة جديدة متكاملة).
الجمع هو أسلوب نستخدمه عندما نريد إنشاء فكرة جديدة تنبع من دمج فكرتين أو أكثر اندماجًا كاملًا، بحيث تخرج بنتيجة مميزة لم تكن موجودة سابقًا. وهذا النَّوع من التأليف يتطلَّب دمجًا عميقًا ومتوازنًا بين مكوِّنات الأفكار الأصليَّة لتُنتج فكرة تحمل ميزات جديدة ومبتكرة.
ومثال ذلك: دمج الواقع الافتراضي مع التَّعليم الطِّبي، لننتج منصة تدريب جراحي ثلاثية الأبعاد، تسمح لطلَّاب الطب بممارسة العمليات الجراحية في بيئة افتراضيَّة آمنة؛ والنتيجة إننا لا نضع التَّعليم والواقع الافتراضي بجانب بعضهما؛ وإنَّما نخلق تجربة جديدة قائمة على تفاعلهم الكامل.
2. التوسيع (إضافة عناصر جديدة إلى فكرة موجودة لتطويرها).
في هذا الأسلوب، لا نغيِّر جوهر الفكرة؛ وإنَّما نطوّرها بإضافة أبعاد جديدة تجعلها أكثر نفعًا أو شمولًا، فنأخذ الفكرة كما هي، ونسأل: ماذا يمكنني أن أضيف إليها لتصبح أقوى أو تخدم فئة أوسع؟
ومثال ذلك: برنامج محو أمية للكبار يتمُّ توسيعه ليشمل التَّعليم المالي، مثل تعلم كيفيَّة إدارة المصروف، وفتح حساب مصرفي، والتَّعرف على طرق الحماية من الاحتيال المالي؛ وبذلك نحصل على برنامج أكثر ارتباطًا بحياة المتعلمين، ويمنحهم أدوات عملَّية للعيش بثقة واستقلاليَّة.
* من آثارِ النَّشاط.
فقدَ أحدُ الرِّجال عملَهُ فجأةً، ولم يكن له رأسمال يتمكَّن أن يتاجرَ به، فاستنصح أحدَ أصدقائه.
فقال له الصَّديق: تنوَّع في العملِ وانشط.
فعمل الرَّجلُ بنصح الصَّديق، فأخذَ يبيع الخبزَ صباحًا، فإذا طلعت الشَّمسُ يخدم حمامًا بنشر المآزر في الشَّمسِ، وبعدَ ذلكَ يبيعُ الجرائد، وعند الظَّهيرة يبيع العصيرَ، وقبل المغربِ إلى ساعتينِ من الليلِ، يعمل صبَّاغًا للأحذية في المقاهي والشَّوارع، فاستغرقت أعمالُه أربع عشرة ساعة، فلم تمض إلَّا خمس سنوات؛ وإذا به يصبحُ من كبارِ الأثرياء (4).
وإذا دققنا في القصَّة سنجد أنَّ الرَّجل في القصَّة لم يبتكر فكرة جديدة تمامًا؛ بل بدأ بفكرة بسيطة وهي العمل اليومي لكسب الرِّزق، ثمَّ وسعها تدريجيًا بإضافة أنشطة متعددة: (بيع الخبز، خدمة الحمام، بيع الجرائد، العصير، تلميع الأحذية...) حتَّى أصبح غنيًّا بعد ذلك.
3. الحذف (إزالة ما هو غير ضروري لتبسيط الفكرة وتحسينها).
أحيانًا تكون الفكرة الأصليَّة جيِّدة؛ لكنَّها مليئة بالتَّفاصيل غير الضروريَّة أو المعقّدة التي تعيق فهمها أو استخدامها. وباستخدام الحذف، نحتفظ بجوهر الفكرة؛ لكن نُزيل الأجزاء الزَّائدة لتصبح أكثر وضوحًا وسهولة في التَّنفيذ.
ومثال ذلك: منصة تعليم إلكتروني مليئة بالأدوات والخيارات التقنيَّة يتمُّ تبسيطها بإزالة الإضافات الزَّائدة، وجعل الواجهة واضحة وسهلة الاستخدام لكبار السن أو المستخدمين غير التقنيين. والفكرة الناتجة من ذلك ستكون أبسط وأكثر شمولًا لفئة أكبر من النَّاس.
4. التعديل (تكييف الفكرة لتناسب مع جمهور أوسع أو سياق مختلف).
التَّعديل هو أخذ فكرة موجودة وتغيير بعض عناصرها لتتناسب مع جمهور جديد، وبيئة مختلفة، أو وقت مختلف. والفكرة الأساسيَّة تظل كما هي؛ لكننا نُعيد تشكيلها بما يتلاءم مع الظرف الجديد.
ومثال ذلك: برنامج تدريب مهني كان يُقدَّم حضوريًّا داخل المراكز التدريبيَّة، يتمُّ تعديله ليُقدَّم عبر تطبيق هاتف ذكي مصمم خصيصًا للذين لا يستطيعون التَّنقل بسهولة. وبعد ذلك التَّعديل سنجد أنَّ الفكرة قديمة أصبحت ذات تأثير جديد بفضل تكييفها للواقع.
* كيف تتقاضى مالك وتحصل عليه بسهولة؟
رَوىَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: " قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ لِي عَلَى بَعْضِ الْحَسَنِيِّينَ مَالًا وَقَدْ أَعْيَانِي أَخْذُهُ وَقَدْ جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَلَامٌ وَلَا آمَنُ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ مَا أَغْتَمُّ لَهُ؟
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): "لَيْسَ هَذَا طَرِيقَ التَّقَاضِي، وَلَكِنْ إِذَا أَتَيْتَهُ أَطِلِ الْجُلُوسَ وَالْزَمِ السُّكُوتَ".
قَالَ الرَّجُلُ: فَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى أَخَذْتُ مَالِي"(5).
وإذا دققنا النَّظر سنرى أنَّ الرَّجل في القصَّة أراد أن يتقاضى ماله بالكلام، والمطالبة، وربما بالمواجهة الكلاميَّة الحادَّة؛ لكن هذه الطريقة لم تنجح، وزادت التَّوتر، وأوصلته إلى طريق مسدود.
وحينما استشار الإمام الصادق (عليه السلام) لم يرفض (عليه السلام) فكرة التَّقاضي، وإنَّما عدّل طريقتها، وحوَّلها من طريقة مباشرة متوترة إلى أسلوب نفسي هادئ يقوم على التَّأثير الصَّامت، وضغط الحضور والسُّكوت، وهو أسلوب فعَّال لمنع الصِّدام وجعل الطَّرف الآخر يتحرَّك من تلقاء نفسه.
5. العكس (قلب الفكرة لرؤية جديدة تمامًا).
يستند هذا الأسلوب على قلب الفكرة أو تغيير أدوارها، بهدف اكتشاف إمكانيات جديدة لم تكن ظاهرة من قبل. ويمكن أن يكون عبر عكس الفرضيات، أو عكس الأدوار، أو تحويل السلبيَّات إلى فرص.
ومثال ذلك: بدلًا من أن يكون الطالب متلقّيًا للمعلومة فقط، يُطلب منه أن يُقدِّم درسًا لزملائه بعد التَّعلُّم، ويقوم بدور المعلِّم لفترة قصيرة؛ وهنا انقلبت الأدوار، فأصبح التَّعلُّم أكثر تفاعلية وتأثيرًا.
* الصدقة مفتاح الرزق.
عَنْ هَارُونَ بْنِ عِيسَى قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) لِمُحَمَّدٍ ابْنِهِ: "يَا بُنَيَّ، كَمْ فَضَلَ مَعَكَ مِنْ تِلْكَ النَّفَقَةِ"؟
قَالَ: أَرْبَعُونَ دِينَاراً.
قَالَ: اخْرُجْ فَتَصَدَّقْ بِهَا.
قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعِي غَيْرُهَا!
قَالَ: تَصَدَّقْ بِهَا فَإِنَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُخْلِفُهَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِكُلِّ شَيءٍ مِفْتَاحاً وَمِفْتَاحَ الرِّزْقِ الصَّدَقَةُ، فَتَصَدَّقْ بِهَا.
فَفَعَلَ، فَمَا لَبِثَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) عَشَرَةَ أَيَّامٍ حَتَّى جَاءَهُ مِنْ مَوْضِعٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِينَارٍ.
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أَعْطَيْنَا لله أَرْبَعِينَ دِينَاراً فَأَعْطَانَا اللهُ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ"(6).
وإذا تأمَّلنا في هذه القصة سنجد التفكير الطبيعي يقول: إذا لم يبقَ معي سوى أربعين دينارًا، فعليَّ أن أحتفظ بها حتَّى لا أفتقر؛ لكن الإمام (عليه السلام) يقلب هذه القاعدة ويقول: تصدَّق بها؛ لأنَّ مفتاح الرزق الصَّدقة. وبدل أن يكون الاحتفاظ بالمال سببًا للبقاء، تصبح الصدقة – وهي التخلِّي عن المال– سببًا لحصول رزق أكبر.
* التِّجارة بالمال الحلال.
دخلَ رجل شاب على الصَّادق (عليه السلام)، وقال: ليس لي رأسُ مال.
قال الإمام (عليه السلام): "كن صادقًا أمينًا، يرزقك الله".
فخرجَ فوجدَ في الطَّريق هميانًا (7) فيه سبع مائة دينار. فقال في نفسهِ: لا بدَّ أن أمتثلَ وصيَّةَ الإمام (عليه السلام) وعليه يجب أن أعلنَ على الملأ من فقدَ هميانًا فليأتي إليَّ.
فصاح قائلًا: من ضاع منه شيءٌ فليذكره ليأخذه.
فجاءه رجل، وأعطاه أوصاف الهميان فأخذَهُ بعد أن أهدى الشَّاب سبعينَ دينارًا. فأخذها وأتى الإمام (عليه السلام) وأخبره القضيَّةَ، فقال (عليه السلام): هذه السبعون دينار الحلال أفضل من تلك السبعمائة الحرام، وهذا رزقك من الله.
فاتَّجر الشَّابُ بها حتَّى أصبح ثريًا (8).
وإذا تابعنا القصة سنكتشف أنَّ العقل المادِّي كان يقول للشاب: "السبعمائة دينار بين يديك، فاحتفظ بها، ولا أحد يعرف بذلك"؛ لكن الشاب قلب هذا التفكير تمامًا، وعمل بعكسه وفضَّل الصِّدق على المال السَّهل. فأعاد المال لأهله على الرَّغم من حاجته إليه. وكانت النَّتيجة: رزقًا مباركًا ونجاحًا مستمرًا.
6. الدمج الجزئي (أخذ جزء من كلِّ فكرة لصناعة فكرة جديدة).
الدَّمج الجزئي يعني اختيار جوانب محددة من فكرتين مختلفتين، وتجميعها بطريقة دقيقة لصناعة فكرة جديدة تحمل فقط أهمَّ وأقوى العناصر من الفكرتين الأصليتين.
ومثال على ذلك: أخذ ميزة "البث المباشر" من وسائل التَّواصل، مع فكرة "جلسات الدَّعم النَّفسي"، لننتج فكرة جديدة: (جلسات دعم نفسي مباشر عبر الإنترنت) تُبثُّ بشكل جماعي ويشارك فيها مختصون.
والنتيجة: خدمة جديدة تستفيد من عنصر التَّفاعل المباشر دون الحاجة لبناء منصة ضخمة من الصِّفر.
* أسهل طريق لزيادة الرِّزق.
قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ الله بْنِ الْحَسَنِ عَلِّمْنِي شَيْئاً فِي الرِّزْقِ؟
فَقَالَ: الْزَمْ مُصَلَّاكَ إِذَا صَلَّيْتَ الْفَجْرَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ أَنْجَعُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ.
فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) (9).
فَقَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ فِي الرِّزْقِ مَا هُوَ أَنْفَعُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ بَلَى.
قَالَ: خُذْ مِنْ شَارِبِكَ وَأَظْفَارِكَ كُلَّ جُمُعَةٍ"(10).
وفي هذه القصة نلاحظ وجود طريقتين مختلفتين في ظاهرها لتحصيل الرِّزق:
1. الجلوس في المصلى بعد صلاة الفجر (عمل تعبّدي).
2. الاهتمام بالنَّظافة الشخصية (قص الشارب والأظفار؛ وهو سلوك بدني).
لكن القصة لا تدمج هاتين الفكرتين لصناعة نظام واحد متكامل جديد، كما يحصل في "الجمع الكامل"، بل:
تأخذ عنصرًا من العبادة؛ ألا وهو الارتباط بالوقت والمكان المقدس بعد الفجر، وتربطه بـ عنصر مادي دنيوي بسيط جدًا (النظافة الأسبوعية).
ثمَّ يتمُّ تقديم كلاهما كمفتاح غير تقليدي للرزق؛ لكن من دون أن يكون هناك تفاعل مباشر يُنتج فكرة جديدة موحدة؛ وإنَّما نحصل على فهم مركب جديد من خلال تفاعل جزئي بين مظهرين من مظاهر السلوك (المعنوي والبدني).
وبتوضيح آخر:
العنصر الأول: العبادة (الجلوس بعد الفجر).
العنصر الثَّاني: الطهارة والنظافة الشخصية (قص الشَّارب والأظفار).
النتيجة: فكرة جديدة ترى أن أسباب الرزق قد تكون موزعة بين الرُّوح والجسد؛ بين العبادة والمظهر، وهو توسيع ضمني لمفهوم "طلب الرزق".
* الرزق وعلاقته بالصلاة.
يُرْوَى عَنْ رَسُولِ الله (صلَّى الله عليه وآله) أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَصَابَ أَهْلَهُ خَصَاصَةٌ (11) قَالَ: قُومُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي، قَالَ اللهُ (تَعَالَى): (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ) (12) "(13).
تستعرض هذه الرواية العلاقة بين الصَّلاة والرزق؛ إذ يتمُّ الربط بين العبادة (الصَّلاة) والاطمئنان برزق الله (تعالى) من جهة، وبين السلوك الإيماني والتَّعامل مع الضيق الاقتصادي من جهة أخرى.
ويمكن تفصيل العلاقة على النَّحو الآتي:
1. الرواية تشير إلى أن النَّبي (صلَّى الله عليه وآله) كان إذا نزل به وأهله ضيق في المعيشة (خصاصة)، لم يبدأ بالشَّكوى أو الانفعال؛ بل قال: "قوموا إلى الصلاة". وهذا يبيِّن أنَّ الصَّلاة هي أوَّل ما يلجأ إليه في أوقات الشدَّة، ممَّا يكشف عن بُعدٍ علاجيّ ومعنويّ للصَّلاة في مواجهة الأزمات الاقتصاديَّة.
2. أوضح الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) أنَّ الصلاة وسيلة للتقرب إلى الرَّازق الحقيقي، وربط هذا السلوك بقول الله (تعالى): (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ)، ممَّا يدل على أنَّ العبادة لا تُطلب مقابل الرزق؛ وإنَّما الرزق بيد الله (تعالى)، والصَّلاة تذكير دائم بهذه الحقيقة التوحيديَّة. فحين يُؤمر بالصلاة، يُربَّى في النفس اعتمادها على الله (تعالى) كمصدر للرزق، لا على الجهد المادِّي فقط.
3. الصلاة في هذا السياق لا تعني التخلِّي عن العمل أو السَّعي؛ ولكن تعني البدء بإصلاح العلاقة مع الله (سبحانه) والتوكل عليه؛ وبصورة أخرى الصلاة: هي بوصلة معنوية توجه الإنسان إلى أن الرِّزق لا ينحصر في الأسباب الظاهرة فقط، بل إنَّ النيَّة والتوجه القلبي والطَّاعة هي جزء من منظومة الرِّزق.
4. الأمر بالصَّلاة عند الخصاصة يُراد به أيضًا الاصطبار، كما قال تعالى: (واصطبر عليها)، وهذا يؤكِّد أنَّ الرِّزق لا يأتي بالانفعال أو القلق؛ بل بالصَّبر المرتبط بالعبادة، وهو ما يسهم في تنمية سلوك التوكل الإيجابي.
* تنبيه:
عندما نقول: إنَّ الصَّلاة والصَّدقة والأمانة وسائل للرزق، فهذا تأكيد على أهميَّة العمل والسَّعي إلى جانب العبادة، وليس المقصود هنا أن نكتفي بالجلوس وانتظار الرِّزق، وإنَّما لا بدَّ من اجتماعهما معًا؛ فالصَّلاة تقوي العلاقة مع الله (تعالى) وتزرع في القلبِ الأملَ والتَّفاؤلَ، ممَّا يحفز الفرد على السَّعي في حياته.
علاوة على ذلكَ، فإنَّ الصَّدقة تضاعف قيم العطاء والمشاركة، وتفتح أبواب الرِّزق بطرق غير متوقعة، ومن هنا فإننا حينما نشاركُ الآخرينَ ما لدينا نخلق بيئةً من التَّعاون والمحبَّة، ممَّا ينعكس إيجابًا على المجتمع ويزيدُ من فرص النَّجاح؛
لذا ينبغي أن نعدَّ هذه الممارسات بوصفها جزءًا من استراتيجية شاملة لتحقيق النَّجاح، إذ تتكامل العبادة مع الجهدِ الشَّخصي في تحقيقِ الأهدافِ.
المحور الثَّالث: عوائق الأفكار والإبداع.
الأفكار والإبداع هما نبع التغيير وروح التقدُّم، لكن قد تُواجَه أحيانًا بعوائق تقلّل من بريقهما، وعندما تُهمَّش هذه الطاقات، يخسر الأفراد والمجتمعات فرصًا للنمو والتطور؛ وأهمُّ العوامل التي تدمر التَّفكير والإبداع هي:
1. الخوف من الفشل: فهو يُكبّل العقول ويُقيّد الطموحات. وعندما يخشى الإنسان التجربة خوفًا من الوقوع في الخطأ أو التَّعرض للنقد والسخريَّة، فإنَّه يُحرم نفسه من فرصٍ كثيرة للتعلُّم والنمو.
إنَّ هذا الخوف يُغلق الأبواب أمام الابتكار، ويجعل الفرد يفضّل البقاء في منطقة الراحة، حيث لا جديد ولا مغامرة. ومع مرور الوقت، يتحوّل الخوف من الفشل إلى حاجز نفسي يمنع الإنسان من استكشاف قدراته الحقيقيَّة، ويُثنيه عن السَّعي لتحقيق أحلامه.
2. الالتزام بالأفكار التَّقليدية: عندما يتمسَّك الأفراد بالمفاهيم والأساليب القديمة التي اعتادوا عليها، فإنَّهم يرفضون بشكل تلقائي كلَّ فكرة جديدة لم يسبق لهم التَّعامل معها؛ لأنَّ الجديد يُشعرهم بعدم الأمان أو يتعارض مع ما تعلَّقوا به من معتقدات سابقة، وهذا الرَّفض يُعيق التَّقدُّم ويقلّل من فرص التعلُّم والتطوّر.
3. التَّركيز على النَّتيجة: التركيز المفرط على النتيجة النهائية قد يُضعف جوهر العمليَّة الإبداعيَّة، ويُحوّل الإبداع من رحلة اكتشاف ممتعة إلى مهمَّة مليئة بالتَّوتر والضُّغوط؛ فحينما ينشغل الأفراد فقط بتحقيق نتائج محددة أو الكمال المُنتظر، فإنَّهم يُهملون اللحظات التي تنضج فيها الأفكار، وتنمو فيها الخيالات، وتُختبر فيها الاحتمالات.
4. نقص الدَّافع: عندما يغيب الشعور بالحماسة أو الغاية، تنطفئ شرارة السَّعي نحو الحلول الجديدة، ويحلُّ مكانها الرضا بالواقع مهما كان محدودًا أو غير فعَّال؛ فالإبداع يحتاج إلى طاقة دافعة، وإلى شغف يدفع صاحبه لاكتشاف المجهول وتجاوز العقبات. أمَّا في غياب هذا الدافع، يصبح التفكير المبتكر مجرّد رفاهية ذهنية لا يجد الإنسان مبررًا للانشغال بها. ولهذا، فإنَّ بناء بيئة تُقدِّر الجهد الإبداعي وتُشجِّع على طرح الأفكار الجديدة، مع تعزيز الإحساس بالقيمة الشخصيَّة، من شأنه أن يُعيد إحياء الحافز ويمنح الأفراد الدَّافع للسعي نحو التغيير والتجديد.
5. البيئة السَّلبية: البيئةُ التي تفتقر إلى الدَّعم والتَّشجيع تقتلُ الإبداعَ، وكذلك تتصف بالنَّقد غيرِ العلمي؛ ولهذا إذا أردنا أن نُنتج أفكارًا جديدة ومثمرة، علينا أن نتجنبَ الانشغال بالنَّقد غيرِ البناء. نعم، إنَّ النَّقدَ المبني على أسس علمية هو الذي يساعدُنا في ترقيةِ أفكارِنا وجعلها أكثر دقة ونجاحًا، ومع ذلكَ، في كثيرٍ من الأحيانِ، عندما تُطرح أفكار جديدة أمام الآخرين، يُحكَم عليها بالفشل بسرعة، من دون أن تُمنح الفرصة لاختبارها أو تجربتها بشكل حقيقي، وهذا الحكمُ المسبق غالبًا ما يكون ناتجًا عن تأثيرِ الأفكارِ المتراكمة السَّابقة أو الأنماط الفكريَّة التَّقليدية التي تملأ عقولَ النَّاس؛ فكلُّ فرد أو مجموعة قد تكون قد اعتادت على طريقة معينة في التَّفكير أو حل المشكلات، وأي فكرة جديدة تتعارض مع هذه الطرق المعتادة تواجه مقاومةً شديدةً؛ لذا من المهم أن نكونَ أكثرَ انفتاحًا على الأفكارِ الجديدةِ، وأن نسمحَ لأنفسِنا بتجربةِ طرق مختلفةٍ للحل والنَّظر إلى الأمور من زوايا جديدة، بعيدًا عن الخوفِ من الفشلِ أو مقاومةِ التَّغيير.
6. الضُّغوط الزَّائدة: تحت وطأة التَّوتر والقلق، ينحصر العقل في دائرة ضيقة من التفكير تُهيمن عليها الرغبة في التخلص من الموقف بأسرع ما يمكن، حتَّى وإن كان ذلك على حساب الجودة أو الابتكار. كما أنَّ البيئة المليئة بالضغوط قد تُصيب الفرد بالإرهاق الذهني، ممَّا يجعله أقل استعدادًا للمخاطرة أو التَّجريب. وفي المقابل، يحتاج الإبداع إلى بيئة هادئة نسبيًا، تسمح للعقل بأن يسترخي، ويتأمل، ويُفكّر بحرية من دون خوف أو استعجال، وكلَّما خفَّ الضغط، زادت مساحة التَّفكير الخلَّاق واتَّسعت آفاق الاحتمالات.
7. نقص المعرفة: إنَّ الإبداع يقوم على فهمٍ واسع للموضوعات، وتراكمٍ معرفي يُغذّي الخيال، ويُمكّن الفرد من الربط بين المفاهيم بشكل غير مألوف؛ فعندما يفتقر الإنسان إلى المعلومات أو التَّجربة، تقل قدرته على تخيّل حلول مبتكرة أو استنباط رؤى جديدة. وكلَّما اتّسعت قاعدة المعرفة، ازدادت معها احتمالات الإبداع والتجديد؛ لذلك، فإنَّ تنمية الفضول المعرفي، والسَّعي الدائم للتعلُّم، واكتساب المهارات من مصادر متنوعة ضرورية لأي شخص يسعى إلى التفكير بطرق غير تقليديَّة، والخروج بأفكار قادرة على إحداث تغيير حقيقي.
8. التَّقييم المبكر للأفكار: في المراحل الأولى من التَّفكير، قد تبدو الأفكار غير مكتملة أو غير عملية، ممَّا يجعلها عرضة للإقصاء؛ لكن العديد من الأفكار المبدعة تحتاج إلى وقت وصبر لتصبح قابلة للتطبيق والنَّجاح؛ لذا، يجب إعطاء كلِّ فكرة الفرصة الكافية للتطور قبل الحكم عليها.
9. الخوفُ من التَّغيير: في سياق العمل أو الحياة اليومية، قد يسبب الخوف من المجهول قلقًا ينعكس على قدرة الأفراد على تقبل الجديد أو التكيف معه؛ وهذا الخوف يمكن أن يعوق التَّقدم ويجعل الأفراد متمسكين بالطرق القديمة على الرغم من عدم فعَّاليتها.
وفي نهاية المطاف، يمكننا القول:
لم يعد التكرار كافيًا، ولا الركون إلى المألوف مجديًا؛ فالإبداع لم يعد ترفًا فكريًا، بل ضرورة حتمية للتكيّف مع معوقات الحاضر واستشراف آفاق المستقبل.
إنّ تأليف الأفكار ودمجها وتوسيعها، وحتَّى قلبها رأسًا على عقب، هو ما يمنح الإنسان القدرة على صناعة المعنى وسط فوضى المعطيات، وفتح أبواب الرزق في وجه انسداد الطرق، مع العلم أنَّ الإبداع ليس خرقًا للواقع؛ وإنَّما إعادة بناء له من الداخل، تبدأ من العقل وتنتهي بالسلوك. وإنَّ كلَّ تجربة، مهما بدت بسيطة أو مألوفة، يمكن أن تتحوّل إلى فرصة ذهبية حين تُخضع لمنهج "التفكير خارج النص". فالعباقرة لا يملكون عقولًا خارقة؛ بل يمتلكون الجرأة على رؤية المألوف من زاوية غير مألوفة، وعلى تحويل الفكرة الساكنة إلى مشروعٍ نابض بالتجديد. وختامًا، لنجعل من عقولنا ساحات للتأليف لا للتكرار، ومن واقعنا حاضنًا للابتكار لا مهددًا له، ولنتذكَّر دومًا أنَّ كلَّ فكرة جديدة قد تكون بداية عالم جديد.
اضف تعليق