ملفات - عاشوراء

قيم النهضة الحسينية مشروع لبناء السلام العالمي

رسالة مؤسسة الامام الشيرازي العالمية بمناسبة حلول شهر محرم 1447ه

وجهت مؤسسة الامام الشيرازي العالمية بمناسبة حلول شهر محرم رسالة الى الامة الإسلامية، دعت فيها الى استثمار ذكرى عاشوراء في ترسيخ خطاب السلام والحوار والتسامح والعفو واللاعنف، وإطلاق مبادرات جدية لوقف النزاعات المسلحة، والحد من عسكرة المجتمعات، ومعالجة أسباب الحروب، عبر العمل بالقرآن الكريم باعتباره العلاج الناجع لكل الأزمات...

وجهت مؤسسة الامام الشيرازي العالمية بمناسبة حلول شهر محرم وعشوراء الامام الحسين (عليه السلام)، رسالة الى الامة الإسلامية، دعت فيها الى استثمار ذكرى عاشوراء في ترسيخ خطاب السلام والحوار والتسامح والعفو واللاعنف، كما دعت إلى إطلاق مبادرات جدية لوقف النزاعات المسلحة، والحد من عسكرة المجتمعات، ومعالجة أسباب الحروب، عبر العمل بالقرآن الكريم باعتباره العلاج الناجع لكل الأزمات.

وفيما يلي نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)

صدق الله العلي العظيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت برحلك، عليكم مني سلام الله ابدا ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله اخر العهد مني لزيارتكم اهل البيت، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين. 

ببالغ الحزن والاسى، ومشاعر العزاء، نستقبل شهر محرم الحرام لعام (1447هـ)، ونقدم أحر التعازي وأصدق المواساة الى الامة الاسلامية، بذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام)، سيد الشهداء، وسبط رسول الله (صلى الله عليه واله) وريحانته، الذي قدم روحه الطاهرة وعياله وأصحابه قربانا للإصلاح، ونبذا للعنف، ورفضا للظلم، ودعوة خالدة للحق والكرامة والحرية.

في كل عام، ومع إشراقة هلال محرم، يستعيد الضمير الإنساني وقفة فريدة في التاريخ، وقفة صدح فيها الإمام الحسين (عليه السلام) بكلمة "لا" بوجه الجور والاستبداد، معلنا نهضة حسينية إصلاحية لا مثيل لها عبر التاريخ، أسست لمدرسة العزة والحرية والعدالة الاجتماعية، وجعلت من رمضاء كربلاء منارة للوعي والمبادئ السامية التي تتجاوز حدود الزمان والمكان.

وبهذه المناسبة الجليلة نغتنم هذه الفرصة لتقديم رسالة موجهة الى الامة الاسلامية والمجتمعات الإنسانية عامة، للتذكير بأهمية التضحية من اجل التعاليم والقيم السامية لشريعتنا المقدسة، وكذلك المثل الإنسانية والاخلاقية التي تجسدت في شخصية الامام الحسين (عليه السلام)، واستشعار الحاجة الماسة الى استلهام تعاليمه ودروسه العظيمة منها.

خصوصاً وان هذه الذكرى الأليمة بمعانيها العميقة وابعادها اللامتناهية هي عبِرة وعبَرة لكل من اراد ان يرتوي من معينها الصافي او ينهل من عذب فراتها. 

ففي ظل ما نشاهده اليوم في عالمنا من طغيان وتطرف واستبداد، والمشاهد اليومية التي تتكاثر فيها صور العنف، والحروب، والاقتتال، والتفرقة، فإن من أولى الواجبات في هذه المرحلة التذكير بالوقوف الواعي عند المعاني العميقة لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، لا سيما تمسكه بالمنهج السلمي، ورفضه المطلق للعنف كوسيلة لفرض القيم أو الدفاع عنها.

لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) في سلوكه، وقوله، وخطابه، رائدًا في الدعوة إلى اللاعنف، ولم يبدأ قتالاً، بل سعى إلى تجنيب الأمة الفتنة والاقتتال، وأرسل الرسائل، وبعث الدعاة، وتحدث بالحكمة والموعظة، حتى اللحظة الأخيرة.

ينبغي على الجميع نقل هذا التراث الفكري والاخلاقي والحضاري الذي جسده الامام الحسين (عليه السلام) في مسيرته الخالدة الى كربلاء التضحية والفداء والقيم، التراث القائم على التسامح واللين والتعامل باللاعنف والتوجيه والارشاد، الى الاجيال اللاحقة حتى تكون قادرة على تحمل مسؤوليتها في بناء الاوطان واعمار الارض بالسلام والتطور والعدالة والتسامح والشورى، بعيداً عن لغة العنف والقسوة والاستبداد التي لم تعمر وطنا او تقيم حجراً على حجر.

 يقول المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (رحمه الله): "نعم انها قصة الإمام الحسين (عليه السلام) قصة خالدة، ترتبط بواقع الكون الرحيب، وتتصل بعمق الحياة المليئة بالمعنويات، مما يمكن الاستفادة منها لإصلاح الدنيا في كل مجالاتها، واسعاد الإنسان في جميع أبعاده، ونشر الدين بكل فضائله، واحراز الآخرة بجميع خيراتها، فإن وراء ما ظهر من قصة الإمام الحسين (عليه السلام) الخالدة، حقائق وواقعيات عميقة الغور، بعيدة المدى، لا ينالها الإنسان بفكره، ولا يدركها بعقله، إلا بعد تدبرها وتحقيقها، مطالعتها ودارستها، وذلك لأنها قصة مستوحاة من الوحي، ومستقاة من السماء".

ومن هذا المنطلق، من المهم التأكيد على النقاط التالية:

أولاً: ضرورة أن تستثمر ذكرى عاشوراء هذا العام، في كل بقاع الأرض، لترسيخ خطاب السلام، والحوار، والتسامح، والعفو، واللاعنف، ولتوعية الشعوب، خاصة الشباب، بمخاطر العنف والتطرف، وسبل مواجهته عبر النهج الحسيني السلمي القائم على الوعي والمقاومة الأخلاقية.

ثانيًا: الدعوة إلى نبذ جميع أشكال التفرقة الدينية أو القومية أو الطائفية، وإلى الانفتاح بين المذاهب الإسلامية، وتفعيل المشتركات، انطلاقا من روح الإسلام المحمدي الأصيل، الذي جسده الإمام الحسين (عليه السلام) في تعامله مع أصحابه، الذين مثلوا تنوعا قبليا وفكريا واجتماعيا وإنسانيا فريدا.

ثالثًا: التأكيد على أن المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية تتحمل مسؤولية مضاعفة في هذه المرحلة، في تصحيح المفاهيم، وتوجيه الجهود نحو نشر ثقافة الإصلاح والتسامح، ورفض دعوات التحريض، والحد من لغة التوتر والعنف.

رابعًا: تدعو المؤسسة صناع القرار في العالم الإسلامي، والمنظمات الدولية والحقوقية، إلى إطلاق مبادرات جدية لوقف النزاعات المسلحة، والحد من عسكرة المجتمعات، ومعالجة أسباب الحروب عبر ترسيخ العدل الاجتماعي، والتنمية، والمصالحة، والحوار، والشورى، والاهتمام بشعوبها وتوفير سبل الازدهار والرفاهية والتطور والعدالة الاجتماعية لكي تنعم بالأمن والامان. 

خامسًا: التشجيع على إدماج قيم النهضة الحسينية في التربية والتعليم، بوصفها مصدرا دائما لتحفيز الضمير، وتنمية روح المسؤولية، والوعي، والتفكير النقدي، في مواجهة الفساد والاستبداد والعنف.

سادسا: العمل بالقرآن الكريم فهو العلاج الناجع لكل الأزمات، وقد جسد الامام الحسين (عليه السلام) بنهضته الخالدة قيم القران الكريم وآياته العظيمة التي ينبغي ان نتبعها ونسلط الضوء عليها، خصوصاً الآيات الحيوية التي هجرها المسلمين فتفاقمت مشاكلهم وتراكم فشلهم:

- كآية الشورى حيث يقول سبحانه: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) فإنه يصونهم عن الوقوع في الدكتاتورية وتسلط الدكتاتوريين.

- وآية الحرية حيث يقول سبحانه: (يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) فإنه يحفظهم من الكبت والاختناق، ومن الاستغلال والعبودية، ومن التأخر والتقهقر.

- وآية الأخوة حيث يقول سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فإنه يمنعهم من الاختلاف والتفرقة، ومن التنازع والمشاجرة.

- وآية الأمة الواحدة، ذات البلد الواحد، والتاريخ الواحد، والعملة الواحدة، بلا حدود جغرافية، ولا حواجز نفسية، وذلك حيث يقول سبحانه: (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) فيقوى امرهم، ويعظم خطرهم، ويهابهم أعداءهم، ولا يكونون لقمة سائغة تتلقفها الأقوياء.

- وبآية اتباع الرسول (صلى الله عليه واله) حيث يقول سبحانه: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فيتقدموا ويسعدوا في الدنيا والآخرة، إذ في اتباع الرسول (صلى الله عليه واله) سواء إتباعه في سيرته وأخلاقه الكريمة، أم في أفعاله وأقواله الحكيمة.

إن رسالتنا الصادقة هذه إلى جميع المؤمنين وإلى الإنسانية جمعاء، دعوة مخلصة للتعاون والعمل المشترك من أجل تعزيز الحوار البناء والتفاهم بين الأديان والثقافات والحضارات، استلهاماً من المبادئ العظيمة التي جسدها الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، والتي تدعو إلى الوحدة، والتآخي بين البشر، والدعوة إلى السلام العالمي.

كما نؤمن بأن القيم الإنسانية التي حملها الإمام الحسين (عليه السلام) – كالعدل، والحرية، وكرامة الإنسان – يمكن أن تساهم في بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً، إذا ما التزمنا بها وطبقناها في واقعنا اليومي.

ومن هذه القيم أيضاً، ترسيخ مبدأ الشورى، واحترام إرادة الشعوب، والعمل على تلبية تطلعاتها، وتوفير سبل الرفاهية والسعادة لها، والابتعاد عن الصراعات والنزاعات التي لا تجلب سوى الدمار والمعاناة.

إننا نرى في رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) مشروعاً نهضويا حضارياً وأخلاقياً قابلاً للتطبيق، وقادراً على إحداث التغيير الإيجابي في العالم إذا ما تبناه الحكماء والعقلاء وأصحاب الضمائر الحية.

وختاما، ندعو بالتوفيق لجميع المؤمنين والمؤمنات، في هذا الشهر الحرام، الذين يبذلون الجهود الخالصة في إحياء شعائر الإمام الحسين (عليه السلام)، وندعوهم أن يجعلوا من النهضة الحسينية منبرا للدعوة إلى الخير، ومجالاً لتقريب القلوب، وأن يتأسوا بالأمام الحسين (عليه السلام) في كل موقف، وفي كل خطوة وكلمة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل دموع المحبين، وعزاء المعزين، وخطى السائرين، وأن يجعل عاشوراء هذا العام نقطة انطلاقٍ جديدة نحو مجتمعات يسودها العدل، والسلام، والحرية، والكرامة.

عظم الله أجورنا وأجوركم، وجعلنا وإياكم من السائرين على درب الحسين وأصحابه الميامين، والشهداء الصادقين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مؤسسة الامام الشيرازي العالمية

العراق-كربلاء المقدسة

محرم الحرام 1447ه

اضف تعليق