ماذا قدَّمنا للحسين عليه السلام؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

لابد لكل فرد منا أن يفكر جديا بما يقدمه للإمام الحسين عليه السلام في مقابل ما قدمه الحسين له، فإذا تم بالفعل تثبيت هذا العمل وهذا الموقف وعمل به الجميع، فإن حب الحسين عليه السلام لن يزول وسوف يتوسع ويكثر ويكبر يوما عد آخر، وهذا هو الشيء الذي يستحقه سبط الرسول (ص)...

(الإمام الحسين سلام الله عليه أنقذ دين جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله 

من براثن بني أميّة) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

عندما نقارن بين ما قدمه لنا الإمام الحسين وبين ما قدمناه له عليه السلام، فإننا نكتشف في الحقيقة بونا شاسعا وفرقا لا حدود له في هذا الجانب، ولهذا السبب كتب عنه الله سبحانه بأنه (مصباح الهدى وسفينة النجاة)، وهذه الكتابة لا تعود لأي من أنبياء الله أو أئمة أهل البيت عليهم السلام، وإنما هو قول إلهي يصف فيه الحسين عليه السلام.

هذه هي عظمة الإمام الحسين، وهذه هي المكانة الكبرى التي يستحقها، وها أننا نعود اليوم إلى الأول من شهر محرم، لنبدأ رحلتنا مجددا مع وقائع ملحمة الطف وما دار فيها من عجائب ومواقف تؤكد بأن الإمام الحسين تمكن من خلال مواقفه المبدئية وثباته على الموقف والمبدأ، أن يسطّر أعظم ملحمة في تاريخ الإنسانية.

لهذا علينا أن نتمسك بهذه العقائد وهذه الشعائر، وأن نتمسك دائما بمبادئ عاشوراء، لأنها تمثل المبادئ التي آمن بها الإمام الحسين عليه السلام، والتي استطاع من خلالها أن يقارع أعداء الإسلام، وأعداء الرسول صلى الله عليه وآله، ويلحق بهم شر هزيمة على الرغم من أنهم تفوقوا في العدة والعدد، لكن الثبات على المبدأ كتب للحسين نصره الخالد أبدًا.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في محاضرة توجيهية قيمة:

(أنّى لطاقاتنا الفكرية المحدودة أن تدرك عظمة الإمام الحسين سلام الله عليه؟ والله سبحانه يعبّر عنه بآيته الكبرى، ويقول عنه: إنّه مصباح الهدى وسفينة النجاة. فهذا ليس قول الإمام الصادق أو أمير المؤمنين سلام الله عليهما أو جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله في حقّه، بل هو كلام الله مكتوب على ساق العرش وقبل أن يولد الإمام الحسين سلام الله عليه).

تُرى ما الذي قدمه الحسين عليه السلام لينال هذه المنزلة العظيمة عند الله تعالى، ثم كيف تجتمع حول الحسين هذه الجموع الغفيرة من البشر، وما الذي دفعهم للتمسك به، والسير في سيرته، والتمسك بمنهجه؟

ما قدمه الحسين (ع) لا يقدَّر بثمن

إن السبب في ذلك واضح كل الوضوح، فما قدمه الحسين عليه السلام لأمته الإسلامية لا يقدّر بثمن، فهو أنقذ الدين من الانحراف، وكل إنسان يصلي اليوم لله، فإن للحسين فضل عليه، وكل إنسان يدخل مسجدا أو حسينية أو جامعا فإن الفضل للحسين في ذلك، لأنه هو الذي حفظ الدين من الانحراف، فحافظ على الصلاة وعلى المساجد والجوامع.

لأن بني أمية قرروا تهديم كل شيء بناه النبي صلى الله عليه وآله، وفعلوا ذلك حين أقدموا على تحريف الدين، وتشويه العقائد، وإظهار البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، لهذا تصدى الحسين عليه السلام لهم وقدم نفسه وذويه وصحبه قرابين لمواجهة هذه الأعمال الغادرة التي حاول من خلالها الظالمون أن يتجاوزوا على الإرث النبوي المقدس.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(إن الحسين سلام الله عليه أقام الدين وحفِظ الشريعة. فلولا الحسين لما كانت الصلاة اليوم ولا الصيام ولا حجَّ البيت أحدٌ؛ لأنّ بني أمية كانوا على وشك القضاء على الدين، ولكن الحسين سلام الله عليه حفظه وأقامه بدمه ودماء أهل بيته).

وهكذا علينا أن نتساءل فعلا، أليس للحسين عليه السلام الحق في كل صلاة تُقام، وفي وجود دور العبادة بيومنا هذا، ألم تكن هذه الأمور وكل ما يتعلق بالفرائض والصلوات معرضا للمحو والزوال من قبل أولئك الذي قرروا تشويه كل شيء، ومحو كل شيء؟

لقد واجه الإمام الحسين أولئك المنحرفين بدمه وبنفسه وبأهله وبكل ما يمتلك، واستطاع أن ينتشل الدين الحقيقي منهم قبل أن يدنسوه، وقبل أن يمحوه ويزيلوه من الوجود، لذلك كل من يصلي اليوم وحافظ على صلاته فإن الفضل يعود في ذلك إلى الإمام الحسين عليه السلام، لأنه هو الذي دافع بدمه كي لا يستمر انحراف الإسلام.

لهذا فإن التصدي للمنحرفين، والوقوف بوجهم، وإعادة الإسلام إلى اصله وحقيقته، تعود كما يثبت التاريخ وكل الشواهد الأخرى، إلى ما قدمه الإمام الحسين من تضحيات خالدة لا ترقى لها أعظم التضحيات عبر التاريخ.

لذا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: 

(أليس للإمام الحسين سلام الله عليه حقّ على كلّ صلاة تقام على وجه الأرض؟ أليس لدمه سلام الله عليه حقّ على الكعبة والبيت الحرام؟ فلولا جهاد الحسين سلام الله عليه وثورته ودمه لما كانت صلاة ولا صيام وما كانت تؤدَّى الزكاة ولا الخمس ولا سائر أحكام الإسلام).

من هنا فإن الحياة التي نعيشها اليوم، بكل ما تحمله من قيم، واستقامة، وحفاظ على الفرائض وعلى قواعد العمل والعلاقات المختلفة التي تضبطها قاعدة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وجميع حالات العدل الاجتماعي التي تحافظ على حقوق المسلمين، وتسعى لتثبيت قوانين الحياة الصالحة، كلها تعود إلى التضحية العظيمة للإمام الحسين عليه السلام.

أفضال الإمام الحسين على الجميع

لذا علينا دائما أن نطرح على أنفسنا سؤالا مستمرا ودائما، ماذا قدمنا نحن للإمام الحسين، في مقابل ما قدمه لنا، فالحقيقة كل ما نعيش في ظله اليوم من حالات التزام وتواصل مع الدين ومع ما يريده الله تعالى من عباده، ومع كل حالات الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي، وغير ذلك من القضايا التي ترسخ السلام بين الناس، هذه كلها تم الحفاظ عليها عبر ما قام به الحسين عليه السلام عندم حارب الانحراف والظلم والجور ومن ثم استعادة الإسلام.

عندما تستمع اليوم للأذان وهو يُرفع في هذا المسجد أو في تلك الحسينية ويتردد اسم الرسول صلى الله عليه وآله في الأذان، فإن الفضل في ذلك حقيقة يعود إلى الإمام الحسين عليه السلام، لأنه هو الذي تصدى بنفسه ودمه وعياله للحد من هذا الظلم والجور والطغيان.

لذا كما يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:  

(كلّ مسجد تدخله اليوم فهو مدين للحسين، وكلّ صلاة وصيام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وبرّ بالوالدين، وإخلاص لله، بل واسم رسول الله صلى الله عليه وآله عندما يُرفع في الأذان.. كلّه من الحسين سلام الله عليه، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله: وأنا من حسين).

كيف نجازي دم الحسين الذي حفظ لنا الإسلام، ماذا نقدم له، إن أبسط الاشياء التي يمكن أن نقدمها للحسين عليه السلام، أن نبدأ بتعليم الناس على حب الحسين، فهناك إلى الآن أناس لم يطلعوا جيدا على تضحية الحسين، ولا يعرفون الأحداث التي تصدى لها والتضحيات التي قدمها، ولكنهم إذا عرفوا ذلك لن يتخلوا عن حبه، وهذا هو المطلوب منا.

نحن مطالَبون أن نعرّف الناس الذين يجهلون ما قام به الحسين، بالمواقف العظيمة التي تصدى لها، وقارع في أشد الجائرين و واجه سيوف الشر والغدر والانحراف بالدم وبالموقف، هذا ما ينبغي علينا القيام به لاسيما نشر الفكر الحسيني وإيصاله إلى أبعد الأماكن.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(ليكن سعينا من الآن أن نبدأ بنشر حبّ الحسين سلام الله عليه، وفكر الحسين، ثم السعي للعمل وفقه إن شاء الله تعالى).

خلاصة الأمر، لابد لكل فرد منا أن يفكر جديا بما يقدمه للإمام الحسين عليه السلام في مقابل ما قدمه الحسين له، فإذا تم بالفعل تثبيت هذا العمل وهذا الموقف وعمل به الجميع، فإن حب الحسين عليه السلام لن يزول وسوف يتوسع ويكثر ويكبر يوما عد آخر، وهذا هو الشيء الذي يستحقه سبط الرسول صلى الله عليه وآله في مقابل تقديمه لدمه ونفسه وأنفس ذويه وأصحابه، في واقعة الطف حفاظا على دين الله الحقيقي من الانحراف.

اضف تعليق