إذا شعر شخصٌ بعدم الرضا عن الشكل الداخلي لمنزله، على سبيل المثال، فربما يلجأ إلى حل هذه المشكلة بإنفاق مبالغ طائلة على شراء قطع أثاث إضافية، حتى إذا كان سيصل إلى النتيجة نفسها لو أنه تخلَّص من إحدى طاولات القهوة التي تُضفي على المكان شيئًا من الفوضى...
بقلم: توم ميفيس، وهييونج يون
أوضحت مجموعة من التجارب الهادفة إلى تحليل طُرُق حلّ المشكلات أن الأفراد يميلون إلى الحلول التي تُضيف خصائص أو أوضاعًا جديدة، أكثر من الحلول التي تحذف أو تُلغي أوضاعًا قائمة، حتى عندما يكون قرار الإلغاء أكثر فاعلية.
الشكل 1: تعزيز ثبات هيكل من المكعّبات. في هذا الهيكل المبني من المكعبات، يظهر السقف مدعومًا بعمود في أحد أركان البناء. وعندما يوضع قالب بناء على السقف، سيسقط السقف فوق التمثال الصغير. طلبت آدامز وزملاؤها من المشاركين في الدراسة أن يتقدموا بمقترحات من شأنها تحقيق التوازن لهذا البناء، بحيث يدعم القالب فوق التمثال الصغير، وحلّلوا طرق حلّ المشاركين لهذه المشكلة.
انظر إلى في الشكل (1)، الذي يظهر فيه هيكل من المكعَّبات، وقد وُضع فيه تمثال صغير أسفل سقفٍ يرتكز على عمودٍ واحدٍ في أحد أركانه، وتَفكَّر فيه مليًّا. كيف يمكنك تعديل هذا الهيكل بحيث تستطيع وضع قالب من الطوب فوقه دون أن يهوى السقف فوق التمثال، علمًا بأن كلّ قطعة من المكعَّبات ستكلِّفك 10 سنتات؟ إذا اتَّبعتَ في التفكير نفس المنهج الذي اتبعه أغلب المشاركين في الدارسة التي أجرتها الباحثة جابرييل آدامز وزملاؤها1، ونشرتها دورية Nature، فسوف تضيفُ أعمدةً أخرى لتدعيم السقف.
أما الحلّ الأبسط (والأقل تكلفة) فيتمثل في إزالة العمود الحالي، ليستقر السقف فوق القاعدة. وعبر سلسلة من التجارب المشابهة، لاحظ الباحثون أن الأفراد يفكّرون دومًا في التغييرات التي "تضيف" عناصر جديدة، بدلًا من التغييرات التي تحذف أو تلغي عناصر قائمة؛ وهي نزعةٌ لها انعكاسات كثيرة على عملية اتخاذ القرارات في حياتنا اليومية.
على سبيل المثال، أقدمَت الباحثة وفريقها على تحليل بيانات أرشيفية، ولاحظوا أنه عندما طلب رئيسٌ جديدٌ لإحدى الجامعات التقدُّم باقتراحات لإدخال تعديلات من شأنها أن تخدم طلبة الجامعة ومجتمعها، ذهبَت 11% فقط من المقترحات إلى إلغاء لائحة، أو برنامج قائم، أو إحدى الممارَسات المتَّبعة داخل الجامعة. وبالمثل، عندما طلب المؤلفون من المشاركين في الدراسة تكوين شبكة متناظرة، أبعادها 10X10 من المكعبات الخضراء والبيضاء، لجأ المشاركون في الأغلب إلى إضافة مربعات خضراء إلى نصف الشبكة الأقل امتلاءً، بدلًا من خَصمها من النصف الأكثر امتلاءً، رغم أن الحذف هو الوسيلة الأكفأ في هذه الحالة.
وفي تفسير قلة الحلول التي تعتمد على الحَذف، من بين الحلول التي اقترحها المشاركون، أوضحت آدامز وفريقها أن ذلك لم يكن ناتجًا عن عدم إدراكهم قيمةَ تلك الحلول القائمة على الحذف، بل لأنها لم تخطر لهم من الأساس.
والحقيقة أنه عندما ضُمِّنت إمكانية التفكير في حلول الخصم صراحةً في تعليمات المشاركة في التجربة، أو عندما مُنح المشاركون فرصة أكبر للتفكير أو التطبيق، زادت احتمالات اقتراح هذه الحلول.
وهكذا، يبدو أن الأفراد يميلون إلى تطبيق منهجية التفكير البديهي، التي يعبر عنها السؤال: "ماذا يمكن أن يُضاف هنا؟" (وهي استراتيجية افتراضية لتبسيط عملية اتخاذ القرار، وتسريعها). ويمكن كبح هذه المنهجية عن طريق بذل جهد إدراكي أكبر للتفكير في حلولٍ أخرى أقلَّ بداهة، وأكثر وعيًا.
بينما ينصَبُّ تركيز الباحثين على ميل المشاركين إلى استبعاد الحلول التي تنطوي على حذف أو خَصم، نميل نحن إلى افتراض أن ثمة عاملًا آخر يعزز الانحياز إلى حلول الإضافة، يتمثل في أن حلول الخَصم لا تحظى بالتقدير الكافي.
ربما يظن الشخص أنه سينال قدرًا أقلَّ من الاستحسان إنْ هو تبنَّى حلًا يقوم على الحذف، مقارنةً بحلول الإضافة. فاقتراح التخلُّص من شيء قد يبدو أقل إبداعًا مما لو اقترح أحدهم إضافة شيء جديد. بل وربما تكون لحلول الحذف تبعاتٌ سلبية على الصعيد الاجتماعي أو السياسي؛ ومن ذلك، مثلًا، أن اقتراح حلّ أحد الأقسام الأكاديمية قد لا يَلقَى قبولًا لدى العاملين في ذلك القسم.
أضف إلى ذلك أن الأفراد قد يفترضون أن الوضع القائم إنما وُجد لسببٍ ما، ولذا يتحسَّبون من الحذف، ويفضّلون البحث عن إضافات، بحُسبان أنها أكثر فاعلية. وأخيرًا، فإن "الانحياز إلى التكلفة المستَهلَكة" sunk-cost bias (أي الرغبة في مواصلة عمل بمجرد بذل المال أو الجهد أو الوقت فيه)، والنفور من فكرة هدر الموارد، قد يدفعان الشخص إلى الإحجام عن نقض الوضع القائم، لا سيما إذا كان هذا الوضع هو في الأساس نتاج مجهودٍ سابق.
وبالنظر إلى تلك المثالب المرتبطة في أذهان البعض بحلول الحذف، فقد يلجأ المرء دائمًا إلى حلول الإضافة؛ وهو ما يتماشى مع ما ذهبَتْ إليه آدامز وفريقها من أنَّ التعرض المتكرر لحلول الإضافة في السابق يجعل هذه الحلول أقرب إلى الاستدعاء، وأسهل من الناحية الإدراكية، ومن ثم تزداد احتمالية اللجوء إليها. غير أننا نفترض أيضًا أن التجارب السابقة قد تدفع الشخص إلى افتراض أن الإجراء المتوقع منه هو الإضافة، لا الحذف.
ونتيجةً لذلك، فربما يكون تصرُّف المشاركين في الدراسة مبنيًّا على التجارب السابقة، فينطلقون من افتراض بديهيّ، هو أن عليهم إضافة خصائص جديدة، ولا يعيدون النظر في هذا الافتراض إلا عندما يفكّرون مليًّا، أو يُطلب منهم ذلك صراحةً. وبالمثل، قد يفترض أعضاء المجتمع الجامعي ضمنًا أن الرئيس الجديد يريد منهم التقدُّم بمبادرات جديدة، لا توجيه النقد إلى المبادرات القائمة.
ما الدلالات التي تحملها النتائج التي انتهَتْ إليها آدامز وفريقها؟ ثمة الكثير من العواقب التي نلمسها على أرض الواقع، وتكون مترتَّبة على الإخفاق في إدراك أن بعض الأوضاع قد تتحسّن بالحذف أو الإزالة، لا بالإضافة.
إذا شعر شخصٌ بعدم الرضا عن الشكل الداخلي لمنزله، على سبيل المثال، فربما يلجأ إلى حل هذه المشكلة بإنفاق مبالغ طائلة على شراء قطع أثاث إضافية، حتى إذا كان سيصل إلى النتيجة نفسها لو أنه تخلَّص من إحدى طاولات القهوة التي تُضفي على المكان شيئًا من الفوضى. وقد تظهر هذه النزعة بدرجة أوضح لدى المستهلكين الذين تعوزُهم الموارد المالية، ويركزون اهتمامهم على اقتناء السلع المادية حصرًا فهذا التوجُّه لا يضرُّ بالوضع المالي لهؤلاء المستهلكين فحسب، وإنما يزيد أيضًا من الضغط على بيئتنا.
وبوجهٍ عام، يمكن القول إن تفضيل صنّاع القرار حلول الإضافة قد تنجُم عنه ظواهر اجتماعية سلبية، مثل التوسع المفرط في المؤسسات الرسمية، وسعي جميع البلدان – بدون استثناء تقريبًا – إلى تحقيق النمو الاقتصادي، دون اعتبار لما قد يتمخض عنه ذلك من إضرار ببيئتنا.
تطرح دراسة آدامز وزملائها آليةً لتفادي هذه المخاطر في المستقبل، تتمثل في أن يَطلُب صنّاع القرار وإدارات المؤسسات، بشكلٍ صريح لا لبس فيه، التقدُّم بمقترحات تعتمد على التقليل والترشيد، لا الإضافة، وأن يُظهروا التقدير لتلك المقترحات. يمكن لرئيس الجامعة الجديد، مثلًا، أن يصرِّح بأن التوصيات التي تطرح حلَّ لجان، أو إلغاء سياسات، لن تكون مُستبعَدة، ولن تُقابَل باستغراب أو استهجان، بل ستكون محلَّ تقدير.
إضافةً إلى ذلك، يمكن للأفراد والمؤسسات اتخاذ إجراءات تقوم على ضبط النفس، لتفادي هذا النزوع الفطري إلى حلول الإضافة. ويمكن للمستهلكين تقليل مساحات التخزين المتاحة لديهم، بما يساعدهم على التحكُّم في مشترياتهم، أما المؤسسات فبإمكانها وضع شروط تُفضي إلى إلغاء المبادرات التي لا تحقق أهدافًا محدّدة.
وغنيٌّ عن البيان أن الانحياز إلى حلول الإضافة ليس هو الحال دائمًا. ففي بعض الحالات، يُفترض أن تكون التغييرات القائمة على الخَصم أو الحذف أسهل؛ لأنها لا تتطلب تخيُّل شيء غير موجود من الأساس. والحقيقة أنه عندما يتصوَّر شخص كيف أن موقفًا اتخذه كان يمكن أن ينتهي إلى نتيجة مغايرة، فأكبر الظن أنه يفكر في التراجع إجراء اتخذه بالفعل، لا في إضافة إجراء آخر أخفق في اتخاذه.
وهكذا، فربما يكون من المفيد دراسة الحالات التي يكون المرء فيها مستعدًا لتخيُّل إلغاء بعض الأحداث، ويمتدُّ ذلك إلى تخيُّل إلغاء بعض الأوضاع القائمة، أو التراجع عنها، ومن ثمَّ مساعدته على حل المشكلات عن طريق الإلغاء أو الحذف، عوضًا عن الإضافة.
اضف تعليق