نظرا لحجم التأثيرات الناجمة من تداول الاخبار الكاذبة على مفاصل الحياة، لابد من وضع آلية من قبل الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي تمكن من تحديد وافراز الاخبار الكاذبة والبيانات غير الدقيقة التي لاتمت للواقع بصلة، وبالتالي نضمن عدم التلاعب بقناعات الناس حول بعض المسائل المهمة والحساسة...
حين نصف وسيلة إعلامية ما بأنها صحافة صفراء، هذا لأنها لا تقدّم الأخبار بشفافية ومصداقية وأخلاقية الصحافة الصفراء، هي الصحافة غير المهنية، التي تهدف لزيادة الأرباح او نشر الشائعة او الدعاية مجهولة المقاصد، بغض النظر عن نوع المحتوى الذي تقدّمه.
في الآونة الأخيرة باتت ظاهرة الاخبار الكاذبة او المزيفة التي اخذت بالانتشار مع ازدياد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وما طرأ عليها من تطورات متسارعة، حيث استخدمت كمنصة مباشرة لنشر الاشاعات والاخبار غير الحقيقية ذلك كونها اتسمت بسرعة انتشار المعلومات وترويج الافكار المضللة لتحقيق اهداف وغايات متعددة.
فكما يبدو ان الصحافة الصفراء بدأت تلون الشبكات الاجتماعية لما تحتله من مكانة بين المستخدمين لاسيما في الاوقات الاخيرة ساعد على بروز ظاهرة الاخبار الزائفة، الى جانب المقاطع المقطوعة من سياق حديث متكامل بهدف ارباك موقف جهة معينة او شخصية مؤثرة في الحياة العامة او في احدى القطاعات.
الشبكات الاجتماعية استطاعت ان تشكل احد التحديات امام المجتمعات الانسانية والسلطات على حد سواء، ذك لانها لم تخضع الى الرقابة والمحاسبة كغيرها من الوسائل التقليدية ما جعلها ارض خصبة لنشر الاخبار حول الاحداث التي قد تكون في اغلبها غير دقيقة او خاضعة لرغبات و ميول الاشخاص الناقلين للمعلومة.
بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة نهاية عام 2016، برزت الى السطح هذه الظاهرة حيث أشارت أصابع الاتهام إلى مواقع التواصل الاجتماعي في تسهيل نشر قصص مزيفة بهدف التأثير على نتائج الانتخابات.
ويرى علماء النفس ومن بينهم الدكتور كيث آبلو "أن نشر وتصديق الأخبار المفبركة ظاهرة ضربت بجذورها الثقافية قديما، لكن منصات التواصل الاجتماعي جعلتنا هدفاً أسهل وسلبتنا الوقت الكافي للتحقق من الأخبار بسبب سرعة وكثافة الشبكات الاجتماعية".
ولنشر الأخبار الزائفة والشائعات في اغلب الاحيان اهداف يريد ناشرها تحقيقها فقد يكون الهدف من نشرها هو التصديق والإقناع في سعي لتحقيق غايات ومكاسب ربما تكون مالية، أو لايضاح مواقف معينة تخدم الجهة الناشرة او المروجة.
بعض الشخصيات السياسية او الكتل الحزبية تلجأ لمنصات التواصل الاجتماعي لتسويق أجنداتها ومشاريعها عبر تضليل الرأي العام، والعمل على إشاعة أفكار كاذبة بين المواطنين، وذلك يتم بالاعتماد على شركات متخصصة في الدعاية السياسية او مجال العلاقات العامة والتسويق من اجل نشر الافكار المختلفة والسيطرة على الواقع الافتراضي.
واكدت دراسة قام بأعدادها مجموعة من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الأخبار الزائفة تتميز بالانتشار على تويتر بصورة سريعة، بالاضافة الى أنها تصل إلى عدد أكبر من الأشخاص مقارنة بالأخبار الحقيقية.
وللذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة دورا كبيرا في انتشار الأخبار الزائفة، اذ يقوم بتحليل بيانات مستخدمي الشبكة الاجتماعية وتوجيه الأخبار نحو ما يحقق أكبر قدر من التركيز على فئات مهتمة، وبالتالي يجعلها أكثر قابلية للانتشار بأسرع الطرق وأقل التكاليف، الى جانب هذا هنالك دور تلعبه تقنيات الذكاء الاصطناعي في تزييف مقاطع فيديو لشخصيات عامة بحيث تحقق تطابقاً كاملاً في الصوت والصورة.
ويضاف الى ما سبق ذكره تقوم برمجيات محددة بعمليات نشر تلقائي على شبكات التواصل الاجتماعي وجلب آلاف المتابعين الذين يقومون بدورهم باعطاء الاعجابات والمشاركات الوهمية، بشكل يزيد التفاعل ويعطي انطباعا بان تلك ردود الافعال حقيقية وهو ما يدفع المستخدم للتركيز عليها وقراءتها وربما تصديقها وتبنيها فيما بعد.
نشاهد عند استخدامنا لمواقع التواصل الاجتماعي وعلى وجه الخصوص منشورات تبين ان عائدية احد الحسابات لاحد المشاهير ويقوم بنشر اخبار تخص مجال عمله كأن يكون سياسي معروف او فنان مشهور او رسام بارع، حيث يقوم ذات الحساب بالتهجم على جهات معينة والنيل من بعض الاطراف، وبعد ايام يخرج الشخص نفسه بالتبرير بان ما نسب اليه بأحد مواقع التواصل الاجتماعي هو عار عن الصحة ولايمكن ان يمثله لا من قريب ولا من بعيد، وبطبيعة الحال فأن هذا التصرف وشبيهه يجعل امام المتصفح صعوبة التمييز بين الحقيقة من غيرها وقد يكون اطلق احكاما على ما شاهده في المنشورات المزيفة او المقاطع المفبركة وهنا يكون صاحب الحساب عرضة للتسقيط المدروس.
من الطبيعي ان الاخبار لها انعكاسات كبيرة على الحياة الاجتماعية فأذا كانت سلبية تؤثر بشكل سلبي في نفوس المستخدمين والعكس تماما اذا كانت ايجابية، فما تحتويه مواقع الشبكات الاجتماعية من كميات كبيرة من البيانات والمعلومات والأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي يتم تداولها ملايين المرات بشكل يومي استطاعت ان تحدث زخم لدى الجمهور المستخدم وتسهم في تغيير بعض قناعاته ازاء قضايا وحوادث معينة.
ونظرا لحجم التأثيرات الناجمة من تداول الاخبار الكاذبة على مفاصل الحياة، لابد من وضع آلية من قبل الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي تمكن من تحديد وافراز الاخبار الكاذبة والبيانات غير الدقيقة التي لاتمت للواقع بصلة، وبالتالي نضمن عدم التلاعب بقناعات الناس حول بعض المسائل المهمة والحساسة في الغالب من خلال النشر المزيف.
السبيل الافضل لمنع الاخبار الكاذبة والشائعات من الانتشار عبر التواصل الاجتماعي هو الشروع بتثقيف المستخدمين وزيادة وعيهم بمختلف القضايا الاجتماعية والسياسية وغيرها، ليكونوا قادرين على تقييم المنشورات والمواضيع المتناولة على وسائل التواصل الاجتماعي ومن ثم الحكم عليها بشكل صحيح وسليم.
اضف تعليق