الجماعة إنما تتركب من الأفراد، كما أن المجتمع الكبير إنما يتركب من الجماعات، فإن صلح الفرد وكان بالمستوى اللائق في الإطار الفكري المناسب، صلحت الجماعة، لأنها ليست إلاّ أفراداً، وإذا صلحت الجماعات صلح المجتمع الكبير، والعكس بالعكس، وإذا توفرت في العضو هذه المؤهلات كان أقرب إلى بلوغ أقصى القدرة مما يقربه إلى الهدف.
ومن المؤهلات:
أ: الهدوء والتوازن
الهدوء والصفاء والتوازن الفكري والعملي، فإن القلق والهياج والخلط فيهما خليقة بأن تجعل من الإنسان عضواً فاسداً مفسداً، فهو لا يبتعد عن القدرة فقط، بل يسقط قدراته أيضاً في الوصول.
وكما يلزم أن يكون العضو بنفسه متصفاً بتلك الصفات الحسنة الآنفة الذكر، كذلك يلزم أن يكون له الإيحاء بهذه الصفات إلى غيره، فإن للإيحاء أيضاً تأثيراً كبيراً في كبح جماع الهيجان الذي قد يحدث عند النقاش في الاجتماعات.
وعلى العضو إذا رأى من نفسه هياجاً لا يتمكن من كبحه، أو رأى ذلك في النقاش، أن يعتزل انعزالاً بسلام، لا بشدة ليهدّئ من نفسه ومن الاخرين، والانعزال في هذا الحال يعطي الإنسان الهدوء الذي يهيأ المناخ الملائم للتفكير وتحري المخرج.
ومما يؤثر سلباً على الهدوء الدخول في الجانبيات، فإن المهم عند النقاش أن ينظر الإنسان إلى الهدف ويسير إليه، ولا يدخل فيما لا يهم الأمر.
واللازم أن لا يقول السياسي القدير أبداً أن له أتعاباً كثيرة، وأنه مشغول الذهن، وأنه لا يستجيب ذهنه، أو لا يسعه عمله، فإن كل ذلك يوحي إلى النفس بما يقوله الإنسان، وينتهي به الأمر إلى الاعتقاد بصحة ما يقول.
ب: الصبر في المشاكل
الصبر على المشاكل وعلى السير إلى الهدف، فإنه من أقوى سمات القدرة، قال سبحانه: (ولمن صبر وظفر أن ذلك من عزم الأمر)(1)، والصبر ضمان لحفظ النظام ولحفظ الهدوء، ولتبصر العواقب ولمعرفة ارتباط الأشياء بعضها ببعض.
ولذا ورد: (والصبر من الإيمان كالرأس من الجسد)(2)، فإنه المسيطر المسير للأمور، كما أن الرأس هو المسير للأعضاء والمسيطر عليها.
وقد قال أحد الفلاسفة: (أخضع نفسك لتستطيع إخضاع الآخرين، فإن لم تفعل ذلك لم تستطع أن تسيطر على الآخرين)، والوجه في ذلك واضح، فإن الناس لا يخضعون لهش النفس الضعيف الإرادة، أما إذا تمكن الإنسان من جمع نفسه وتقويتها صلحت للسيطرة على الآخرين، ومن بعض علل الصوم هو هذا، حيث إن الصوم يوجب تقوية الإرادة والسيطرة على الذات، وفي الآية الكريمة: (واستعينوا بالصبر والصلاة)(3)، فمن يعرف فن الصبر يعرف فن الإصبار، ومن يقدر على الخضوع، فإن الصلاة خضوع لله سبحانه، يقدر على الإخضاع.
واللازم أن يوحي العضو إلى الأعضاء بالصبر، فيقول لهم: اصبروا وثقوا وكونوا مثابرين تتذلل لكم الصعاب، قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)(4)، والمرابطة والتقوى أيضاً نوعان من الصبر.
ج: معرفة الناس
والعضوية تتطلب أول ما تتطلب معرفة الناس، حتى يتمكن الإنسان أن يضع كل أحد موضعه، ويعامل كل فرد وكل جماعة المعاملة اللائقة به وبها.
يجب أن يعرف الإنسان أن الناس لا يطلبونه لحل مشكلاتهم، وإنما يريدون منه الاستماع الجيد لمشكلاتهم، ثم حل الميسور من تلك المشكلات، وهذا ما يقدره العضو غالباً بقدره، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم)(5).
والأخطاء التي تصدر عن العضو الآخر أو عن سائر الناس، يجب على الإنسان السياسي أن يلاحظها مراعياً الظروف المحيطة بالخطأ، ولذا قد يكون خطأ واحد من إنسان واحد، مختلفاً في درجات البشاعة بين زمان وزمان وشرط وشرط، وهكذا بالنسبة إلى الخطأ الواحد من نفرين.
د: مستويات مختلفة
تختلف درجة العضو في الجماعة باختلاف فهمه وحزمه وهمته، بالنسبة إلى الهدف، فقد يكون عضو فاتر الهمة لا يؤمن بالهدف إيماناً كاملاً، وقد لا يفهم الهدف حق فهمه، وقد لا يكون حازماً عند سيره إلى الهدف، وكل ذلك مما يقلل قيمة العضو، ويجعله سياسياً فاشلاً.
ولذا فاللازم أن يجتنب العضو عن الأقوال المثبطة، والروح السلبية، والفكرة التشائمية، فإن السياسي الناجح هو الذي يكون إيجابياً، ويخلق في نفسه مزيداً من القدرة، فمثل (هذا الأمر لا يفيد) و(لن نقدر عليه) و(لا نصل إلى الهدف) و(ليس هنالك مخرج من المشكلة) و(لا أجد ما يمكن عمله)، إلى غير هذه الجمل، لا تفيد العضو إلاّ تأخراً، والجماعة إلاّ انحطاطاً.
واللازم أن ينقل العضو إيمانه بالهدف وإمكانه إلى سائر الأعضاء، وبذلك يكون الاقتراب إلى القدرة أكثر فأكثر.
هـ: القدرة
والقدرة أمانة في ذمة الإنسان، لا يحق له تبذيرها ولا تجميدها.
فالأول: أن يصرفها في غير مصرفها، سواء كان مصرفاً باطلاً، أو مصرفاً أقل من المصرف المقرر.
والثاني: أن لا يصرفها.
والأول كما إذا صرف ديناره المقرر صرفه في كتاب درسه في الأفيون أو في كتاب دون درسه.
والثاني كما إذا جمد الدينار فلم ينتفع به، والإنسان القدير ليس ملكاً لنفسه بل للمجتمع، إذ القدرة مستمدة من الجمع، فإذا لم يستعمل القدرة حق قدرها كان قد خان.
قال الله سبحانه: (إن عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)(6)، إنه ليظلم نفسه والآخرين، ويجهل قدر نفسه والآخرين، فلا يرد الأمانة أصلاً، أو لا يؤديها حق أدائها.
والقدرة كالشجرة، كلما صرفها الإنسان نمت أكثر فأكثر، وجاءت بقدرات جديدة، بينما إذا لم يصرفها، أو لم يجعلها في المكان اللائق بها، تقلصت وذبت حتى تموت.
قال سبحانه: (أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)(7).
وفي الحديث: إن ملكاً ينادي ويدعو: اللهم أعط كل منفق خلفاً، وكل ممسك تلفاً(8).
واللازم على ذي القدرة أن ينمي قدرته، فإن القدرة أيضاً قابلة للنمو، فالقدرة السياسية والاقتصادية والعلمية وغيرها كلها قابلة للنمو، وإنما نمو كل قدرة حسب موازين تلك القدرة.
و: الفكر المتكامل
الفكر المتكامل والجرأة والمبادرة واتخاذ القرار من الأمور الضرورية للإنسان ذي القدرة، وعليه فاللازم على القدير أن لا يقدم بدون تفكر في جوانب الأمر، وإلاّ كان ما يفسده أكثر مما يصلحه، ثم إذا فكر لكنه تجبجب وتردد لم ينفعه تفكره، والسابقون هم الفائزون فاللازم المبادرة.
قال سبحانه: (والسابقون السابقون أولئك المقربون)(9).
وقال تعالى: (سارعوا)(10).
و: (استبقوا)(11).
و: (في ذلك فليتنافس المتنافسون)(12).
يقول أحد الحكماء: (الجريء من فكر في الأشياء بهدوء، ودرسها بدقة، ووازن بين الأمور واختار الأصلح، ثم بادر وأسرع، لا يلوى على شيء).
ولذا يكون الروتين أضر شيء بالقدرة، وإذا رأى ذو القدرة أن أمره يسير بروتين، لزم عليه أن يخترع أمراً جديداً يمكنه المبادرة في نطاقه، فإذا فتح مدرسة وتجمد، فكر في فتح مكتبة ثم مستشفى ثم مطبعة وهكذا.
وكذلك يجب أن يكون دائماً على أهبة الاستعداد للعمل، ويفكر لكل ظرف في رد فعل حسن وسريع، فالحياة عبارة عن مجموعة قرارات وإنجازات، وكل من كانت قراراته وإنجازاته أكثر، كان أكثر حيوية وأجدر بالاحترام والتقدير.
ولذا فلا يجوز انتظار الوقت الأفضل إلاّ في موارد خاصة، أما من يقول إنه ينتظر ذلك، فليس إلاّ تهرباً من المسؤولية في بعض الأحيان، ومثله من يقول: إنه يتحرى العمل الأفضل، وليتذكر صاحب القدرة المثل المشهور: (من لم يحطم المتاعب حطمته).
ز: الإرادة الفولاذية
ليتذكر صاحب القدرة دائماً أن إرادة التنفيذ عامل من عوامل النجاح، والمريد للتنفيذ إذا أوصد أمامه ألف باب دخل من الباب الواحد والألف، فليس الجو مهما كان خانقاً بدون فرج، كما أن الجو لمن لا يريد التنفيذ لا يوجد فيه ولا كوة، فالأعذار تلبد الأجواء.
وإذا أراد ذو القدرة أن يعالج معضلة مستعصية كان عليه أن يحللها، فإن المعضلات الصعاب عبارة عن أمور صعبة تجمعت في صورة واحدة، كالعقد في الخيط تحل عقدة عقدة، وكلما كان الإنسان أكثر نفوذاً وعملاً وحلاً للصعاب كان أجدر بالحياة وبأن يكون سياسياً بارعاً، فإن السياسة كالبناء له أحجار توضع بعضها فوق بعض حتى يكون بناءً متكاملاً، وإذا لم يقدر الإنسان من عمل كبير، فخير له أن يعمل أعمالاً صغاراً، فإن بتجميع القطرات تكون البحار، وبجمع الذرات تكون الصحاري.
ح: الانضباط
ومهما كان الانضباط رائد الإنسان القدير في كل شأنه، ازداد قدرة على قدرة، وهو عبارة عن وضع العمل المناسب في المكان المناسب وفي الزمان المناسب، وكذلك بالنسبة إلى وضع الأفراد في أماكنهم، فالشجرة قد تعطي ألف برتقالة إذا كانت في مكان مناسب، بينما لا تعطى حتى مائة في المكان غير المناسب.
والانضباط لا يأتي إلاّ بعد رؤية مستقبلية وحالية، ليعرف مقادير الأشياء ومواضعها، فهو العمل ضمن فكرة مدروسة بإتقان، بعد أن يفهم القدير بسبب الدراسة المشاكل ويضع الحلول وكيفية رد الفعل لها، والانضباط يجب أن ينفذ في جو مرح، ولا يكون قاسياً، وإلاّ حطم الروح مما يوجب قلة التقدم، فإن الروح والجسم يشتركان في تقديم الأمور، فإذا انسحب أحدهما من الميدان لم يقدر الآخر على أمر.
ط: رفع المستحيل
وليعلم السياسي القدير أن لا مستحيل إلاّ ما ينتهي إلى النقيضين، جمعاً أو رفعاً، فكل شيء ممكن حتى ما إذا أراد توحيد ألف مليون إنسان تحت حكومة واحدة، ولقد فعل مثل ذلك غيره قبله، فإذا قال: إنه لا يمكن فتح مدرسة أو تشكيل منظمة أو إنقاذ بلد، كان ذلك منبئاً عن عدم جدارته بنفسه، لا عن عدم إمكان العمل.
واللازم في السير أن يجعل برنامجين برنامج الطريق وبرنامج المتاعب، فإذا فعل ذلك وارتطم بالمشكلات لم يؤثر ذلك عليه، حيث قد أدرجه مسبقاً في برنامجه العام.
وهناك قد تأتي حواجز استثنائية، ولا يهتم بها السياسي القدير، حيث إنه هضم أمثالها، وقد قالت الفلاسفة: (حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد).
وكلما قوّى العضو نفسه كان أجدر بالوصول إلى الأهداف، فمهما قويت النفس قل ضغط الانفعالات والاضطرابات عليها، ولذا ورد في الحديث: (المؤمن أصلب من الجبل، فإن الجبل يقتطع منه والمؤمن لا يقتطع منه)(13).
ي: التخطيط السليم
أما الأماني فهي بضائع النوكى، أي الحمقى، كما يقول علي (عليه السلام)(14)، فالقدرة لا تأتي بالأماني، وإنما بالتخطيط السليم، ووضوح الرؤية المستقبلية، وتحري الوسيلة التي تنتج الهدف، بأيسر الطرق وأقربها.
وما من شك في أن كل أسباب السعادة ليس بيد الإنسان، بل منها ما بيد التقدير، ولذا قال سبحانه: (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون)(15).
وقال: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)(16).
وقال: (نبلوكم بالخير والشر فتنة)(17).
وإنما الكلام فيمن ينال السعادة، إنه هو الذي يهيأ كل الأسباب الممكنة، مثله في ذلك مثل من ينال الصيد، فإنه ليس كل أسباب الصيد بيد الإنسان، لكن مع ذلك الذي ينال الصيد هو الذي هيأ أسبابه الممكنة، وإلى غير ذلك من الأمثلة.
فمن سمع الإنسان أنه ذو حق في التقدم لابد وأن يفهم السامع أن ما جناه من الثمرة الطيبة إنما هو نتيجة جهد وعمل طويلين، قد يضرب بجذوره إلى ما قبل خمسين عاماً، فالماشي على الدرب باستمرار يصل كثيراً ما.
وإذا أصابه نوع من اليأس لما يجده من عدم الثمرة، فليعلم أن الأعمال وإن كانت ثمر مضنية وثقيلة وبلا نتيجة في بعض الأحيان، إلاّ أن الواقع غير ذلك، فالجهد لا يكون ضائعاً، والتعثر ليس دائماً، وإنما بعض الأشجار يعطي الثمرة بعد حين، وقد قال سبحانه: (ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)(18).
وكما أن البذور تختلف في الإنتاج، وكذلك تختلف البذرة الواحدة في الإنتاج حسب شروط الزمان والمكان، كذلك الأعمال السياسية وبذل الطاقات والقدرات تختلف اختلافاً إنتاجياً، واختلافاً زمنياً.
يا: اغتنام الفرص
ومن أهم ما ينتج القدرة اغتنام الفرصة، فبينما (إضاعة الفرصة غصة)(19)، يكون انتهازها قوة، وقد ورد في الحديث: (انتهزوا الفرص فإنها تمر مر السحاب)(20).
والفرصة لا تطرق أبواب كل أحد، كما لا تستمر في طرق باب أحد، فاللازم أن يكون السياسي ذكياً، ينتهزها أينما وجدها، ولذا يقول أحد الحكماء: (انتهز الفرصة كلما وجدتها، ولا تجعل وقتك يذهب بتعلل، فإذا تذكرت في نصف الليل في الفراش الوثير أنك لم تفعل ما كان ينبغي عليك أن تفعله فانهض واعمله).
والحياة كلها قدرات وفرص، كالبحر كل جوانبه ماء، وإنما الكلام فيمن يغترف، فإذا لم تغترف واغترف غيرك فلا تلم إلاّ نفسك، واعلم أن اللوم لا ينفع.
ولا يزعم الإنسان أن غداً أيضاً وقت، فهو وقت عمل ثان، ولا يستوعب غداً عمل نفسه وعمل اليوم الماضي، وانتهاز الفرصة يحتاج إلى يقظة دائمة، واستشارة مستمرة، وعمل دائب، وتحرٍ للأفضل في كل لحظة.
يب: التواضع
والقدرة تلازم التواضع، والسياسي القدير هو الذي يعلم أن الأراضي المرتفعة محرومة من مياه الأنهار، فالمتواضع مصب القدرات، ولأن البحر ذو تواضع يجمع مياه الأمطار المستعلية، أما الربى فيسيل عنها الماء حتى لا يبقى فيها منه قطرة، والحركات إنما تنجح بتجميعها قطرات القدرة، حيث تتواضع للقدرات، بينما الحكومات إنما تفشل لاستعلائها، فتنحدر عنها القطرات إلى أن لا تبقى فيها قطرة فتسقط.
وإذا أراد الإنسان أن يعرف سر سقوط حكومة مع قدراتها الكثيرة، وبدء حكومة مع أنه لا قدرة لها إطلاقاً في حال الشروع، فلينظر إلى مجنون الغرور والتواضع، فقبل الوصول إلى الحكم تواضع وأخذ في الصعود، ولما وصل إلى الحكم أخذه الغرور فأخذ في الهبوط، وهكذا حتى يسقط ويأخذ غيره مكانه.
ومن طرق التواضع أن يحترم الإنسان آراء الآخرين ويستشيرهم، فقد ورد في الحديث: (أعقل الناس من جمع عقل الناس إلى عقله)(21).
فإذا فكر السياسي القدير أنه إنسان، وكل إنسان ـ باستثناء المعصوم عليه السلام ـ معرض للخطأ، لم يمتنع أن يتحرى الرأي الأصوب في أموره، كما لم يمتنع أن يعترف بالخطأ إذا ظهر له ذلك، وفي المثل: (الاعتراف بالخطاء فضيلة)، وهذان الأمران، الشورى والاعتراف بالخطأ، يزيدان الإنسان قدرة، كما يزيدان الناس به ثقة.
يج: البحث عن النقد
وعلى الإنسان الذي يتطلب القدرة لإنجاح المهمات، أن لا يتطلب المديح ولا يقبله من أحد، بل بالعكس يجب عليه أن يفحص عن النقد، ويتطلب النقد البناء عن أصدقائه وعن الآخرين.
وفي الحديث: (خير الأصدقاء من أهدى إليّ عيوبي)(22)، فكل معرفة بالنقص توجب إكمال الناقص، وهو خطوة جديدة إلى القدرة، فإن القدرة والكمال متلازمان.
أما إذا انتظر الإنسان مدح الآخرين له بما هو كذب وهش لمدحهم إياه بما ليس فيه، فهو أخذ في السقوط، والقدرة تنحدر عنه انحدار الماء من الشلال.
ومن أسباب سقوط الإنسان أن يمدح نفسه، وإذا أراد أن يتحدث بما عمله لأجل مصلحة في الحديث مرتبطة بالمهمة، فاللازم أن يترك كلمة (أنا)، وإنما يستبدلها بـ (نحن)، فإن (أنا) يعني إنه وحده عمل، بينما (نحن) معناه إنه جزء في العمل، وإنما كانت جماعة عاملة هو أحدهم، وفي ذلك تواضع واكتساب قدرة.
كما أن اللازم اجتناب كلمات تدل على الغرور، مثل: (لقد قلت لكم)، (لقد تنبأت)، (لقد كنت أتوقع)، (سترون إصابة رأيي)، (ألا تذكر أني قلت هذا قبل مدة)، إلى غيرها مما يعطي تبجحاً، فإن أمثال هذه الألفاظ توجب انفضاض الناس، ولازمه تقليل القدرة.
يد: الإنسان الواقعي
وأخيراً، فليعلم الذي يريد تحصيل القدرة أن حل الأمور لا يمكن بالأقوال المجردة والتأفف، وإظهار النفس بمظهر الجد مع الفراغ عن العمل، بل القدير هو الإنسان الواقعي الذي يلاحظ الأمور بكل واقعية، وبدون أن ينظر إليها بمنظار غير صحيح.
فإن عدم الانسجام مع الواقع في الفكر والعمل أول خطوة للعجز، فالتشاؤم والتفاؤل ورؤية الأمور صغاراً أو كباراً بما ليس بواقع، كل بدوره ينقص القدرة.
ولا يخفى أن الكلام في هذه المسألة ينتهي إلى مئات المواد، نكتفي منها بهذا القدر، تمشياً مع وضع الكتاب، والله المستعان.
اضف تعليق